أما السنة النبوية التي هي المصدر الثاني للتشريع والتربية والتهذيب في الإسلام بعد كتاب الله – فإنها قد اتجهت مثل ما اتجه القرآن الكريم: إلى تهذيب الفرد وتزكية نفسه وتقويم شخصيته وتوجيهه الوجهة المثالية، ورسمت له أوضح السبل، وكل ذلك على أساس من الفطرة السليمة والاتجاه العملي الذي يرشد إلى الوجهة الصالحة في سهولة ويسر ومجافاة عن التعمق الفلسفي أو التعسف العلمي.

وتسلك السنة النبوية في تربية الفرد طريقتين:

الأولى: إيجابية، ترتكز على الأسس الصالحة القوية للخلق الكريم وتتجه إلى غرس الفضائل كالتقوى، والطهارة، والإحسان، والرفق، والرحمة...الخ.

والثانية: وقائية تنتزع من الإنسان الرذائل بأنواعها الفردية والاجتماعية،وتطهره مما تتسم به القلوب المريضة والنفوس المنحرفة، وتفصل ذلك تفصيلاً وافياً شاملاً فتذكر النفاق والرياء والحسد والنميمة والغيبة والتحاسد والتباغض والظن والغدر والخيانة وخلف الوعد.وكلها رذائل تهوى بالفرد وتزعزع كيان الأمة...

هذا هو هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في تربية الإنسان وتطهير قلبه وتكميل شخصيته،وهو هدي يتعهد النبيل من السجايا بالتنمية الصالحة ويجتث العلل والآفات الخلقية، وبذلك يشب الفرد على أقوم الخلال، ويسير في حياته سوياً على صراط مستقيم، ويكون لبنة قوية في البناء الصالح للشعب الرشيد(1).

ثم تتدرج السنة النبوية في ميدان التربية فتتجه إلى من ينتمي إليهم الفرد ويتفاعل معهم، وهم أسرته وعشيرته الأقربون، وجيرانه، ومجتمعه المباشر وأمته، والإنسانية جمعاء، فتدعو إلى توثيق روابط الألفة والمودة والبر والتواصل والتعاون والتضامن بينهم، لتجعل منهم وحدة متماسكة متعاونة على البر والتقوى، وترسى قواعد التعايش السلمي بين الجماعات على اختلاف عقائدها ومذاهبها دون تعصب أو تمييز، وترسى الدعائم الأساسية لإصلاح الأمة وتقدمها وقوتها وزيادة إنتاجها. والأحاديث النبوية في هذا الباب كثيرة(2)، وسوف تأتي معنا في الفصول اللاحقة.

هذه بعض الملامح العامة والجوانب الرئيسة لأهداف التربية في كل من الكتاب والسنة، غير أنه يمكن القول بأن للتربية في الإسلام من خلال مصادره الرئيسة المتمثلة في (القرآن والسنة) أهدافاً قريبة وغايات بعيدة، أو إن شئت فقل: هدفاً عاماً وأهدافاً جزئية تمتد منه وتتفرع عنه وتعود في النهاية إليه، وتحقيق هذه الأهداف لابد من أن يتم على مراحل زمنية تبدأ مع بداية العملية التربوية وتستمر معها في مختلف مراحلها.


 

(1)      انظر: التربية الخلقية والاجتماعية في السنة النبوية ص 135-166.

(2)      انظر: فلسفة التربية الإسلامية ص 310.



بحث عن بحث