المصادر التي تستمد منها التربية الإسلامية أهدافها

 

أهداف التربية أياً كان نوعها لابد لها من مصادر تشتق منها ، وركائز تعتمد عليها في بنائها، ومرجع المسلم فيما نص عليه الدين من : عقائد إيمانية، وشعار دينية، وقواعد خلقية، وأحكام شرعية، وتوجيهات تربوية، ومن وصايا وتعاليم في كافة شئون الحياة ومجالاتها – هو كتاب الله وسنة نبيه، وما بني عليهما من مصادر فرعية أخرى كالإجماع، والقياس، والمصالح المرسلة ، والاستحسان ، وما إلى ذلك من مصادر التشريع والتوجيه في الشريعة الإسلامية، وهي في الحقيقة ترجع جميعها إلى المصدرين الرئيسين الأوليين، وهما كتاب الله وسنة نبيه، اللذان قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا : كتاب الله وسنتي )(1).

ومن القرآن الكريم يستقى المسلم عناصر الرسالة المحمدية من : عقيدة،وعبادة وتشريع، ومنه يستمد أيضاً أهداف هذه الرسالة ومقاصدها، وأهداف التربية الإسلامية .

ويأتي في مقدمة أهداف الرسالة المحمدية والشريعة الإسلامية ( إقامة مجتمع إنساني نظيف: نظيف العقيدة، نظيف العلاقات ، نظيف المشاعر والسلوك. تبدأ بالفرد فترده إلى فطرته السليمة، وتربي فيه الضمير المرهف الحساس، وتروضه على الخلق الفاضل الكريم، وتقيم الأسرة على المودة والفضل والرحمة، وتكون المجتمع على الحب والتكامل والعدل، وتنظم العلاقات بين المجتمعات على أساس الوفاء والحق )(2).

وقد أوضح القرآن الكريم أهداف الرسالة المحمدية في آيات كثيرة، فمن ذلك :

قوله تعالى : ( لقد من الله على المؤمنين، إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) . آل عمران : 164.

وقوله جل شأنه : ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)               ( الجمعة : 2) .

وأهداف الرسالة كما تدل عليها هاتان الآيتان الكريمتان تتركز في الهدفين الأساسيين التاليين :

1-    تزكية النفس وتطهيرها من الخبائث ومن الرجس والدنس بجميع أنواعه، وإن طهارة النفس تتضمن التحلي بجميع خلال الخير، والتخلي عن جميع الرذائل ونوازع الشر وعما يحيك في الصدر من آثام .

2-    تعليم الكتاب والحكمة باعتبارهما الدعامتين القويتين للدين والحياة الراضية، وباعتبارهما أعظم مرشد إلى خير الإنسان وسعادته .

وإذا كان الكتاب هو القرآن الكريم فإن الحكمة هي السنة النبوية ، أو كل ما يتحقق فيه الصواب من القول والعمل(3).

وبالنسبة للتربية بالذات التي يهمنا الحديث عنها في هذا الكتاب فإن التربية التي تضمنها القرآن الكريم هي تربية شاملة ( لا تقتصر على المسجد أو المعهد، ولا تختص بالعبادة دون السلوك، أو تهتم بالفرد وتترك المجتمع، أو تعني بالعقيدة وتهمل العمل، إنما تشمل كل جوانب النفس،وتعمل في كل ميادين الحياة ) . فهي تربية تهتم ببناء الفرد من جميع نواحيه وتؤكد وحدة الإنسان التي لا ينفصل فيها الجسم ولا العقل ولا العاطفة، أحدها عن الآخر، كما تهتم بتربية المجتمع وبناء نظام اجتماعي مؤسس على مبادئ الوحدة والمساواة والإخاء والتعاون والشورى التي هي جوهر العدالة في الحكم(4).


 

(1)     الحديث أخرجه مالك في الموطأ بلاغاً، كتاب القدر ، رقم ( 3 ) ، قال الزرقاني في شرحه للموطأ( 4/246 ) : ( إن بلاغة صحيح كما قال ابن عيينه ) وقد أسنده ابن عبدالبر في التمهيد من حديث أبي هريرة وحديث عمرو بن عوف، وقال : ( هذا حديث مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغنى بها عن الإسناد ). انظر : ( فتح المالك 9/282-283 ) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ( رقم 931 ) وصححه، ووافقه الذهبي .

(2)    منهج القرآن في التربية لمحمد شديد ص 7-8.

(3)     ( التربية الخلقية والاجتماعية في السنة النبوية ) لعبد الحميد حسن ،في :التوجيه الإسلامي للشباب . (من بحوث مؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية ) ، القاهرة : مجمع البحوث الإسلامية ، 1971، ص 135-166.

(4)     انظر : فلسفة التربية الإسلامية للشيباني ص 308.



بحث عن بحث