أهداف التربية في السنة

 

معنى الأهداف والغايات وأهميتها :

إن تحديد الأهداف والغايات من أهم القضايا التربوية التي ينبغي الاهتمام بها، ذلك لأن توجيه العملية التربوية توجيها سليما يتوقف على مدى فهم المربين لغاياتها وأهدافها، وتحديد هذه الغايات وتلك الأهداف .

والمقصود بالأهداف: مجموعة الأغراض أو المقاصد القريبة المراد الوصول إليها وتحقيقها، قال الشاعر :

كل له غرض يسعى ليدركه           والحر يجعل إدراك العلا غرضا

أما الغايات فهي الأغراض أو المقاصد أو الأهداف البعيدة، وعلى ذلك فإن المقصود بالأهداف التربوية الأغراض أو الغايات التي تسعى العملية التربوية إلى تحقيقها والوصول إليها، قريبة كانت أو بعيدة .

وقيمة الهدف في أنه يجعل للعمل معنى، ويعين له اتجاها، ويحدد له الوسائل والطرق، ذلك أن الذي لا هدف له لا يعرف لذة العمل، ولا يتذوق طعم الحماس، وهو بعد ضائع لا يعرف أين المنتهى، ولا يستطيع الجزم بأفضلية طريقة على طريقة ووسيلة على أخرى (1).

فلو طلب من إنسان القراءة في مكتبة دون تحديد لموضوع معين، أو من أجل هدف محدد لما اهتم هذا الإنسان بالقراءة أو بدخول المكتبة، ولو دخلها لما حدد كتبا معينة يقرؤها، وسيكون حماسه ضعيفاً وفاتراً ، ولربما أهمل القراءة كلية .

ولكن لو قيل لهذا الإنسان مرة أخرى : اقرأ موضوعاً عن التسامح في الإسلام، وأعد بحثاً من ثلاثين صفحة ليقدم إلى مركز البحوث الإسلامية، وقد خصصت جائزة قيمتها عشرة آلاف ريال أو جنيه لمن يفوز بحثه في هذه المسابقة،لو قيل هذا لا ندفع هذا الإنسان إلى المكتبة يلتهم الكتب التي تضم هذا الموضوع التهاما، ولأسرع في إعداد البحث بطريقة جيدة ولصاغه في أسلوب جيد، وكتابة جيدة، وطباعة جيدة، أملا في الفوز في هذه المسابقة، فالهدف هنا واضح له، وقد وجه نشاطه وحفزه على الإنجاز في عمله، وساعده على النجاح فيه .

من هذا المثال يتضح لنا أن لتعيين الهدف أهمية تجعله ضرورياً لكل ضروب السلوك الواعي، فكيف بالنسبة لعملية تربوية يراد منها توجيه الجيل، وبناء صرح الأمة، وتعيين أسلوب السلوك في حياة الفرد والجماعة، حتى يجتاز البشر هذه الحياة بسعادة ونظام، وتعاون وانسجام، وتفاؤل ورغبة وإقدام، ووعي وتدبر وإحكام (2).

 

- أهداف التربية الإسلامية عموما:

إن أهداف التربية في السنة النبوية هي أهداف التربية في الإسلام، لأن الإسلام إنما جاءنا به رسول _الله صلى الله عليه وسلم_ ( مصدر السنة ) وقد حدد القرآن مهمة الرسول مع أمته ( يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) فالتزكية ( التربية) مهمة رئيسة في دعوته صلى الله عليه وسلم ، وركائزها التي تستقى منها : الكتاب والسنة، وإذا كان الكتاب الكريم يشتمل على الأصول العامة والقواعد الكلية في التشريع والتوجيه والتربية، فإن السنة مهمتها التفصيل والبيان، ومن ثم يجب علينا الوقوف على أهداف التربية الإسلامية عموماً، وعرض آراء التربويين والمفكرين في تلك الأهداف ، ثم تناول أهداف التربية في السنة بعد ذلك على وجه الخصوص، وعليه فأقول :

إن تحديد أهداف التربية عموماً ليس بالأمر السهل الذي يمكن أن يتفق عليه بين كافة المربين والمفكرين، ذلك لأن تحديد الأهداف عند كل منهم إنما يأتي تبعاً لتصوره الشخصي للحياة، ورؤيته الفكرية، وخلفيته العقدية، ومن الطبيعي أن يتأثر في ذلك بمختلف العوامل والظروف الحياتية التي يعيشها دينيا، وفكرياً، واقتصادياً، وسياسياً،واجتماعياً، ..... الخ .

وقد استمر الخلاف وعدم الاتفاق بين المربين والمفكرين في مسألة تحديد أهداف التربية عموماً حتى عند المربين والمفكرين المسلمين(3).

فقد ظهرت في السنوات الأخيرة بعض الدراسات، وحاول أصحابها أن يحددوا الأهداف العامة للتربية الإسلامية حسبما فهموه من النصوص الدينية ومن التراث الفكري والتربوي الإسلامي، ومن قوائم الأهداف التربوية العامة التي أسفرت عنها هذه الدراسات تمكن الإشارة إلى ما يلي :

1- لقد توصل الأستاذ محمد عطية الأبراشي في دراساته التي أجراها في مجال التربية الإسلامية إلى استخلاص خمسة أهداف عامة أساسية للتربية الإسلامية ، هي كالآتي:

أ) الوصول إلى الخلق الكامل، فقد أجمع المسلمون على أن التربية الخلقية هي روح التربية الإسلامية، وأن الوصول إلى الخلق الكامل هو الغرض الحقيقي من التربية، وليس الغرض من التربية والتعليم في ظل الفكر الإسلامي هو حشو أذهان المتعلمين بالمعلومات الجافة وتعليمهم من المواد الدراسية ما لم يعلموا .

ومن الممكن تلخيص الغرض الأساسي من التربية الإسلامية في كلمة واحدة هي ( الفضيلة ) . وحسب هذا الغرض ، فإن كل درس يجب أن يكون درس أخلاق، وكل معلم يجب أن يراعى الأخلاق، وكل مؤدب يجب أن يفكر في الأخلاق الدينية قبل أي شيء آخر .

ب) الإعداد للحياة الدنيا والحياة الآخرة . فلم تهتم التربية الإسلامية بالناحية الدينية وحدها ولا بالناحية الدنيوية وحدها، بل اهتمت بهما معاً واعتبرت الإعداد للحياتين هدفاً من أهدافها العامة الأساسية إن لم يكن هدفاً أعلى ونهائياً لها. ومن النصوص التي يعتمد عليها المربون المسلمون في تأكيد هذا الغرض قول الرسول الكريم : ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)(4). فلم يفكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا وحدها أو الدين وحده،ولكنه فكر في العمل لهما معاً، بدون إهمال للعالم الدنيوي أو العالم الأخروي.

ج ) الإعداد لكسب الرزق والعناية بالنواحي النفعية، فالتربية الإسلامية لم تكن كلها دينية وخلقية روحية،بل لها اهتمام نفعي في أهدافها ومناهجها ومناشطها . وكان المربون المسلمون يرون أن الكمال الإنساني لا يتحقق إلا بالتوفيق بين الدين والعلم، وإلا بالاهتمام بالنواحي الروحية والخلقية والنواحي النفعية. وكان من بين النصوص الدينية التي اعتمد عليها هؤلاء المربون في تأكيد هذا الهدف أو الغرض التربوي الكتاب الذي بعث به الخليقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى ولاته والذي تضمن قوله : ( أما بعد فعلموا أولادكم السباحة والفروسية ، ورووهم ما سار من المثل ،وما حسن من الشعر ) .

       فعمر رضي الله عنه يأمر في كتابه بتعليم الأولاد السباحة ،والفروسية، والرياضة البدنية ، والمهارة الحربية ، والعناية باللغة العربية ، ورواية الأمثال السائرة ، والشعر الحسن .

د ) تنمية الروح العلمية لدى المتعلم ، وإشباع ما لديه من ميل فطري إلى حب الإطلاع والمعرفة، وتمكينه من دراسة العلم لذات العلم. ففي الوقت الذي اهتم فيه المربون المسلمون بالتربية الدينية والخلقية وبالإعداد للحياة الدنيا والحياة الآخرة وبالإعداد لكسب الرزق، فإنهم اهتموا أيضاً بدراسة العلوم والآداب والفنون على اختلاف أنواعها، لذات العلم وذات الأدب وذات الفن .

هـ ) إعداد المتعلم مهنياً وفنياً وصناعياً، حتى يجيد مهنة من المهن أو فناً من الفنون أو صناعة من الصناعات، وحتى يتمكن من كسب رزقه في الحياة، ويحيا حياة شريفة مع المحافظة على الناحية الروحية والدينية .

فالتربية الإسلامية بالرغم من تركيزها على الجانب الروحي والخلقي، فإنها لم تهمل إعداد الفرد للحياة ، ولا كسب العيش والرزق ، ولم تنس تربية الجسم والعقل والقلب والوجدان والإرادة والذوق واليد واللسان والشخصية (5).

 


 

[1] - انظر : التربية قديمها وحديثها للدكتور / فاخر عاقل ص 267.

[2] - انظر : أصول التربية الإسلامية ص 149، التربية الإسلامية لأحمد الحمد ص 36، 37.

[3] - انظر : التربية الإسلامية للدكتور / صالح أبو عراد ص 44.

[4] - أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده ( 2/983رقم 1093) بلفظ ( احوث لدنياك ) من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، وإسناده فيه مجهول وهو الراوي عن الصحابي ، وأبو عمرو الصفار – أحد الرواة –متكلم منه ، وقد حكم عليه بالوضع الشيخ أحمد صديق الغماري في رسالته ( سبل الهدى في إبطال حديث اعمل لدنياك  كأنك تعيش أبدا ص 26-28) .

[5] - التربية الإسلامية وفلاسفتها . ص 22-25 .



بحث عن بحث