الإحسان

 

 

 

عبدالجليل مهيوب فاضل الفقيه

 

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين في هذا المقال سنتناول موضوع هو من الأهمية بمكان حيث جعل الله عز وجل الحياة والممات لأجله (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) وكذا رفع منزلته صلى الله عليه وسلم وجعله أعلى مراتب الدين وأجلها وأعظمها إنه الإحسان .

فالإحسان لغة: هو ضد الإساءة وضد القبح وهو مصدر أحسن في الاصطلاح : هو الإتيان بالمأمور به من قبل الشارع الحكيم على وجه الدقة وعلى أكمل وجه في التنفيذ.

 أهميته وفضله ومنزلته :

 1-نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل منزل الإحسان في أعلى المراتب لأنه يدل على المراقبة والخشية والإنابة وصفاء السريرة فجعلها في مرتبة المشاهدة ( اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) وفي هذا الشطر الأخير ( كأنه يراك ) حافز كبير يجعل الانسان في رقابة دائمة إنها رقابة الله عز وجل له فهو معه في السر والعلن وهو معه في كل نفس وهو معه في كل احواله وتحولاته انه الرقابة اللصيقة به ( إن الله كان عليكم رقيبا ) أي على أعمالكم ، يعلمها ويعرفها .

 2-ومع هذه الرقابة الملازمة له هناك رقابات اخرى جعلها الله حافزا للإنسان يتذكرها وهو يدير شؤون حياته وهي الملكان الموكلان بكتابة عمله يقول الله عز وجل : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ *مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ]سورة ق/16-18[  

يقول الإمام القرطبي رحمه الله : " في الرقيب ثلاثة أوجه : أحدها : أنه المتتبع للأمور . الثاني : أنه الحافظ ، قاله السدي . الثالث : أنه الشاهد ، قاله الضحاك . وفي العتيد وجهان : أحدهما : أنه الحاضر الذي لا يغيب . الثاني : أنه الحافظ المُعَد ، إما للحفظ ، وإما للشهادة " انتهى. " الجامع لأحكام القرآن " (17/11) ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله : " ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ ) يعني : الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان ، ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) أي : مترصد . ( مَا يَلْفِظُ ) أي : ابن آدم ( مِنْ قَوْلٍ ) أي : ما يتكلم بكلمة ( إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) أي : إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها ، لا يترك كلمة ولا حركة ، كما قال تعالى : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) ]الانفطار/10-12 [" انتهى.

3-وكذلك أيضا اجزاء جسم الانسان والتي اخبرنا بها ربنا جل في علاه بإنه ستكون شاهدة عليه يوم القيامة (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) عن أنَس بن مالك رضي اللّه عنه قال: كنا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال صلى اللّه عليه وسلم: (أتدرون مم أضحك؟) قلنا: اللّه ورسوله أعلم، قال صلى اللّه عليه وسلم: (من مجادلة العبد ربه يوم القيامة، يقول: رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى، فيقول: لا أجيز عليَّ إلا شاهداً من نفسي، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي، فتنطق بعمله، ثم يخلى بينه وبين الكلام، فيقول: بعداً لكن وسحقاً، فعنكن كنت أناضل" "أخرجه ابن أبي حاتم ورواه مسلم والنسائي بنحوه". وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حديث القيامة الطويل قال فيه: "ثم يلقى الثالث فيقول: ما أنت؟ فيقول: أنا عبدك آمنت بك وبنبيك وبكتابك وصمت وصلّيت وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع - قال - فيقال له ألا نبعث عليك شاهدنا؟ - قال: فيفكر في نفسه من الذي يشهد عليه، فيختم على فيه، ويقال: لفخذه انطقي - قال - فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بما كان يعمل، وذلك المنافق، وذلك ليعذر من نفسه، وذلك الذي يسخط اللّه تعالى عليه" "أخرجه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة بطوله .

4-ومن فضل منزلة الإحسان أن الله مع المحسنين فهناك آيات كثيرات وردت في كتاب ربنا تبين ذلك ومنها قوله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )[195 سورة البقرة[. وقال:( فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) [سورة آل عمران 148].

5-كذلك من فضل الاحسان ان الله جعل المحسن هو المتقي له ومعروف مكانة الكتقين عند الله عز وجل فقد قال :(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ )[سورة النحل 128]

6-هداية الله عز وجل للمحسنين ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )  [سورة العنكبوت 69].

7- كذلك مجازات الله لهم بالإحسان إحسانا ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان )

8- الثواب الدنيوي والمكانة والرفعة في الحياة الدنيا قبل الاخرة (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ]يوسف:22 [ وبالإحسان مكنه الله تعالى في الأرض (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ]يوسف:56 [

9-إن رحمة الله قريبة من المحسن .]إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِين [ ]الأعراف:56[

10-حفظ الله تعالى للمحسن كما فعل مع نبيه يوسف عليه السلام فقد حفظه في مراحل حياته المختلفة والسبب هو الاحسان لذا تركك الاحسان في سورة يوسف اكثر من مرة وسائل الاحسان : هناك وسائل كثيرة ومتعددة للاحسان وهي مستمرة باستمرار الحياة ومتكاثرة بتكاثر الاعمال فيها ويمكن أن نحدد أربعة منها في هذا البحث المتواضع على النحول التالي :-

1-اولا النفع الحسي : وذلك ببذل ما يستطيعه الانسان في نفع غيره سواء كان انسان أو حيوان وفي الحديث (كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ). يبين لنا بعض الأعمال التي ظاهره امر اعتيادي لكن بالإخلاص لله عز وجل يتحول الامر الى عبادي يؤجر المرء عليه.

2-النفع المادي : وهو باب واسع افراد له اهل العلم بابا خاصا به وذلك اهميته ومكانته ويدخل فيه النفع بالمال.

3-الإحسان بالمنزلة والجاه والمكانة : لحديث: ( أحب الناس إلى الله أنفعهم و أحب الأعمال إلى الله عز و جل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا و لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا و من مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام )[صحيح الجامع] ومن نعم الله تعالى على العبد أن يجعله مفاتحا للخير والإحسان , عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( عِنْدَ اللَّهِ خَزَائِنُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، مَفَاتِيحُهَا الرِّجَالُ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، وَمِغْلاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ، وَمِغْلاقًا لِلْخَيْرِ ) انظر حديث رقم : 4108 في صحيح الجامع . وأن يسخره لقضاء حوائج الناس , عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ )قال الألباني :( حسن لغيره ) صحيح الترغيب والترهيب 2/358. قال أبو العتاهية: اقض الحوائج ما استطعـت*** وكن لهمِ أخيك فارج فــــلخـــــــير أيام الفــــــتى *** يوم قضى فيه الحوائج والسعي في قضاء حوائج الناس من الشفاعة الحسنة التي أمرنا الله تعالى بها فقال ( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا) ] سورة النساء85 [ . عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، قال:كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا جَاءَهُ السَّائِلُ ، أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ . قال : اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا ، ويقْضِي الله عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَاشَاءَ.

4-الإحسان بالأخذ بأيدي الناس الى الخير ونهيهم عن الشكر وهو باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والله أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد.

 



بحث عن بحث