أحاديث في الحج(1)

 

 

هذه أحاديث مختارة من صحيح البخاري مشروحة بإيجاز ووضوح انتقيت شرحها من شروح صحيح البخاري ومختصراته وأهمها كتاب (منار القاري) ، أسأل الله أن ينفع بها ، وأن يكتب لنا القبول في الدنيا ويوم الدين.

بَاب وجُوبِ الْحَجِّ وَفضلِهِ:

1- عَنْ ابْنِ عَبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:

كَانَ الْفَضْلُ بْن الْعَبَّاس رَدِيفَ رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَتْ امْرَأةٍ من خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظرٌ إليهَا وتَنْطر إليْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم – يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إلى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللهِ على عِبَادِهِ في الْحَجِّ قَدْ أدْرَكَتْ أبي شَيْخاً كبيراً لا يَثْبُتُ على الرَّاحِلَةِ، أفأحُجُّ عَنْهُ، قَالَ: " نَعَمْ "، وذلِكَ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

الحج لغة: كما قال الخليل هو " كثرة القصد إلى من تعظمه ".

وشرعاً: قصد البلد الحرام لأداء عبادة الطواف والسعي والوقوف بعرفة، وسائر المناسك استجابة لأمر الله تعالى محرِماً بنيّة الحج.

والمختار عند الجمهور أنّه شرع في السنة السادسة من الهجرة لأنها هي السنة التي نزل فيها قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) بناءً على أن المراد بالإِتمام " إقامة الحج " ويؤيده قراءة علقمة، ومسروق والنخعي: "وأقيموا الحج والعمرة لله " رواه الطبراني بسند صحيح، ورجح ابن القيم افتراض الحج في السنة التاسعة أو العاشرة.

وأما معنى الحديث:

 فإن ابن عباس رضي الله عنهما يقول : "كان الفضل بن العباس رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أي راكباً خلفه على الدابّة.

 " فجاءت امرأة من خثعم " أي: فجاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة جميلة من خثعم وهي قبيلة يمنية تسأل رسول الله عن الحج.

 " فجعل الفضل ينظر إليها" أي ينظر إلى جمالها وحسن صورتها

 " وتنظر إليه " أي وكانت هي أيضاً تبادله نظرة بنظرة، وتكرر النظر إلى وجهه لوسامته وملاحته وحسن صورته، لأنه رضي الله عنه كان شاباً وسيماً مليح الصورة كما في الرواية الأخرى حيث قال: وكان الفضل رجلاً وضيئاً.

 " وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر" أي فلما لاحظ النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهما تبادل النظرات صار يدير وجه الفضل إلى الجهة الأخرى، ليكف بصره عن النظر إليها، ولتقلع هي أيضاً عن النظر إليه .

" فقالت: يا رسول الله إنّ فريضة الله على عباده في الحج قد أدركت أبي شيخاً كبيراً " أي أن الله قد شرع الحج وفرضه على عباده عندما أصبح أبي شيخاً هرماً طاعناً في السن، أو أنه لم تتوفر فيه شروط الحج إلاّ في هذه السن المتأخرة من عمره التي أصبح فيها عاجزاً ضعيف الجسم منهوك القوى،

حتى أنه " لا يثبت على الراحلة " أي لا يستقر جسمه على الدابة التي يركبها، ولهذا فقد أصبح عاجزاً عن الحج.

" أفأحج عنه؟ " أي هل يجوز أن أنوب عنه في الحج، وهل يجزىء عنه ذلك في حج الفريضة.

وتسقط عنه حجة الإِسلام وتبرأ ذمته منها.

 " قال: نعم " حُجِّي عنه، فإنه تصح النيابة عنه فِي الفريضة ما دام عاجزاً عنها.

فقه الحديث:

 دل هذا الحديث على ما يأتي:

 أولاً: وجوب الحج وكونه ركناً من أركان الإِسلام لقولها: " إن فريضة الله على عباده " حيث سمّت الحج فريضة وأقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، ولأن الحديث دل على تأكيد الأمر بالحج حتى إن العاجز عنه لعارض بدني من شيخوخة، أو غيرها لا يعذر في تركه، ولا يسقط عنه، كما قال العيني، بل يحج عنه بدليل أن الخثعمية لما قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أفأحج عنه؟ قال: "نعم " والحج واجب بالكتاب والسنة والإِجماع بشروطه المجمع عليها عند الفقهاء، وهي الإِسلام والبلوغ والعقل والحرية والاستطاعة.

وتتحقق الاستطاعة عند الجمهور بثلاثة أمور: أمن الطريق، والزاد، والراحلة.

 ومعنى الزاد: أن يملك المسلم ما يكفيه ويكفي من يعوله كفاية فاضلة عن حوائجه الأصلية من مسكن وملبس ومركب.

 أمّا الراحلة فمعناها في عصرنا هذا أن يجد أجرة الطائرة أو السيارة أو الباخرة التي تمكنه من الوصول والعودة.

 وقال مالك: لا يشترط في الحج الزاد والراحلة، وإنما معنى الاستطاعة عنده القدرة على الوصول راكباً أو ماشياً والتمكن من الحصول على الزاد ولو بالسؤال.

والحج واجب في العمر مرة واحدة، لحديث الأقرع بن حابس رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرّة واحدة؟ قال: " بل مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع " أخرجه أبو داود وابن ماجة والدراقطني والحاكم.

ثانياً: دل الحديث على جواز الاستنابة في حج الفريضة لعجز ميئوس من زواله وهو قول الجمهور وابن حبيب من المالكية، سواء وجب الحج حال صحته أو حال عذره، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: لا تجزىء النيابة عنه إلاّ إذا لزمه الحج حال عذره.

وقال مالك والليث: لا يحج أحد عن أحدٍ إلاّ عن ميت لم يحج حجة الإِسلام  لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) والاستطاعة لا تكون إلا بالنفس، فمن لم يستطع بنفسه لا يلزمه الحج. وأجابوا عن حديث الباب بجوابين:

 أولهما: أن هذا الحديث معارض للقرآن والعمل بالقرآن أرجح.

وثانيهما: أن هذا الحكم خاص بالخثعمية لما في رواية ابن حزم التميمي حيث جاء فيها: " وليس لأحد بعد " رواه ابن حبيب في " الواضحة " بإسنادين مرسلين.

 ثالثاً: مشروعية كشف المرأة عن وجهها في الحج(1) ، وهو إحرامها إلا إذا كانت بحضرة رجال أجانب فعليها أن تغطي وجهها.   

" بَابُ فضلِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ "

2- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ:

يا رَسُولَ اللهِ نَرَى الْجِهَادَ أفْضَلَ الأعْمَالِ أفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: " لا، لَكُنَّ أفْضَلُ الْجِهَادِ حَجٌ مَبْرُورٌ ".

معنى الحديث:

 أن عائشة رضي الله عنها " قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال " أي: لقد سمعنا الكثير عن فضائل الجهاد حتى صرنا نظن أنه أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله تعالى

 " أفلا نجاهد؟ " الهمزة للاستفهام الاستخباري، وقد قُدِّمت على فاء العطف لما في الاستفهام من الصدارة في الكلام، كما أنها تقدم أيضاً على الواو، وثم ، نحو( أو لا يعلمون ) ( أثم إذا ما وقع ) والنية بها التأخير، وما عداها من حروف العطف لا تقدم عليه عند جمهور النحاة. "

 والمعنى " إذا كان هذا هو فضل الجهاد، فأخبرنا ألا يجوز لنا أن نجاهد فنشارك الرجال في هذا الفضل العظيم.

 " قال: لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور " والظاهر أن " لا " تفيد النهي والنفي معاً، ولكن (بفتح اللام وضم الكاف وتشديد النون).

أي لا تقاتلن يا معشر النساء، لأن الجهاد المسلح لم يشرع لكنَّ، وليس هو أفضل الأعمال بالنسبة للمرأة، أمَّا إذا أردتن أن تعرفن أفضل الأعمال وأشرف الجهاد بالنسبة إليكن فإنه " الحج المبرور " أي المقبول عند الله تعالى المستوفي لأحكامه الخالي من الرياء والسمعة والإِثم والمال الحرام، وفي رواية " لكِنّ " بزيادة ألف بعد اللام، وكسر الكاف وتشديد النون، والرواية الأولى أنسب.

وفقه الحديث سيرد مع الحديث التالي بإذن الله تعالى.

3 - عَنْ أبِي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " مَنْ حَجَّ لله فلَمْ يَرْفُثْ، ولم يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمَ ولَدَتْهُ أمُّهُ ".

معنى الحديث: يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:

 " من حج لله فلم يرفث " أي فلم يفعل شيئاً من الجماع أو مقدماته

" ولم يفسق " أي: ولم يرتكب إثماً أو مخالفة شرعية صغيرة أو كبيرة تخرجه عن طاعة الله تعالى

" رجع كيوم " بالجر على الإِعراب ، وبالفتح على البناء

" ولدته أمه " أي عاد بعد حجه نقياً من خطاياه، كما يخرج المولود من بطن أمه، أو كأنه خرج حينئذ من بطن أمه.

فقه الحديثين: دل الحديثان حديث أم المؤمنين عائشة وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما على ما يأتي:

 أولاً: أن الحج المقبول الخالي من الرياء والسمعة والمال الحرام، ومن الجماع ومقدماته، ومن الآثام والسيئات صغيرها وكبيرها، لا يعدله شيء من القربات، لأنّه أفضل الأعمال بعد الإِيمان بالله تعالى. وقد اختلفت الروايات في الحج والجهاد أيُّهما أفضل، والتحقيق تفضيل الحج، لأنه ركن من أركان الإِسلامٍ الخمسة، وفرض عيني على كل مسلم، رجلاً كان أو امرأة إذا كان مستطيعاً، في حين أنّ الجهاد فرض كفاية إلّا في حالات استثنائية فقط، وذلك إذا تعرضت بلاد المسلمين لمداهمة العدو، فالأصل هو أفضلية الحج. أما تقديم الجهاد في حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: " إيمان بالله ورسوله "، قيل: ثم ماذا؟ قال: " جهاد في سبيل الله " قيل: ثم ماذا؟ قال: " حج مبرور " أخرجه البخاري.

 فإنما قدم الجهاد للحاجة إليه في أوّل الإِسلام، حيث كان الجهاد فرض عين على كل مسلم.

 ثانياً: أن المرأة لم يشرع لها القتال وحمل السلاح، وإنما جهادها الحج فقط، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الأول: " لا ، لكن أفضل الجهاد حج مبرور ". وقال الشاعر:

          كتِبَ القَتْلُ والقِتَالُ عَلَيْنَا ... وَعَلَى الغَانِيَاتِ جَرُّ الذّيُوْلِ

ثالثاً: دل الحديث الثاني على أن الحج الخالي عن المخالفات الشرعيّة صغيرة أو كبيرة يكفر جميع الذنوب المتعلقة بحقوق الله تعالى حتى الكبائر بشرط التوبة، كما رجحه الأكثرون، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " رجع كيوم ولدته أمه ".

المواقيت المكانية للحج:

5 ــ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:"إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وقَّتَ لأهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، ولأهلِ الشَّام الْجُحْفَةَ، ولأهلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِل، ولأهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ ولِمَنْ أتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أرَادَ الْحَجَّ والْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فمِن حَيْثُ أنْشَأ حَتَّى أهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ".

معنى الحديث: يحدثنا ابن عباس رضي الله عنهما عن مواقيت الحج فيقول:

" إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقّت لأهلِ المدينة ذا الحليفة " أي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرع لأهل كل جهة من بلاد المسلمين مكاناً معيّناً يُحْرِمُونَ منه للحج أو العمرة، يسمى " ميقاتاً مكانياً " فجعل ميقات أهل المدينة ذا الحليفة في الجنوب الغربي من المدينة على بعد ستة أميال، " ولأهل الشام الجحفة " وهي قرية بالقرب من " رابغ "، وضعت عندها لوحة باسمها

" ولأهل نجد قرن المنازل " (بفتح القاف وسكون الراء) بين مكة والطائف يسمى حالياً بالسيل الكبير، على بعد ستة عشر فرسخاً أو 48 ميلاً من مكة.

" ولأهل اليمن يلملم " جبل من جبال تهامة يبعد عن مكة ثمانين (كم) كما في " تيسير العلام "

" هن لهن ولمن أتى عليهن " أي هذه المواقيت لأهل تلك البلاد، ولكل من مرَّ بها، فلا يجوز لأحد أن يتجاوزها بدون إحرام

" ممن أراد الحج والعمرة " أما من لم يردهما فلا مانع من ذلك.

" ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ " أي فإنه يحرم من المكان الذي بدأ منه الحج من منزله أو مسجد قريته " حتى أهل مكة من مكة " أي يحرمون من مكة.

فقه الحديث:

 دل هذا الحديث على ما يأتي:

أولاً: تحديد المواقيت المكانيّة للإِحرام بالحج والعمرة، وهي خمسة، ذكر منها في الحديث أربعة، أما الميقات الخامس، فهو " ذات عرق " لأهل العراق، ويقع في الشمال الشرقي على بعد 94 كم من مكة، والتحقيق أنه ثابت بالنص، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقته كما يراه الجمهور لحديث عائشة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقت لأهل العراق ذات عرق " أخرجه أبو داود والنسائي.

ثانياً: أنّ هذه المواقيت هي لأهل تلك الجهات، ولكل من مرّ عليها، ولو لم يكن من أهلها، فلا يجوز له مجاوزتها دون إحرام إذا كان حاجاً أو معتمراً، فإن تجاوز الميقات فقد ترك واجباً، وعليه دم، وأما من أراد دخول مكة لغير حج ولا عمرة فإنه يجوز له بغير إحرام كما يدل عليه مفهوم قوله: " ممن أراد الحج والعمرة "، وهو مشهور مذهب الشافعي ، وقال الجمهور: يجب الإِحرام على كل من يريد دخول مكة، ولو لغير نسك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " ولا يدخل أحد مكة إلاّ محرماً " أخرجه البيهقي بإسناد جيد.

 ثالثاً: أن ميقات أهل مكة منها، وهو ما ترجم له البخاري في صحيحه بقوله ( بَابُ مُهَلِّ أهُلِ مَكَّةَ لِلْحَج وَالْعُمْرَةِ )

بَابُ غَسْلِ الْخلُوقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنَ الثيابِ:

6- عَنْ يَعْلَى بْنِ أمَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أرنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ، فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالْجِعْرَّانَةِ ومَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أصْحَابِهِ، جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَرى في رَجُلٍ أحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ مَتَضَمِّخٌ بِطِيِبٍ؟

فَسَكَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاعَةً، فَجَاءَهُ الْوَحْيُ، فأشَارَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى يَعْلى، فَجَاءَ يَعْلَى وَعَلَى رَأسِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ثَوْبٌ قَدْ أظلَّ بِهِ، فَأدْخَلَ رَأسَهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحْمَرُّ الْوَجْهِ وَهُوَ يَغِطّ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنهُ فَقَالَ: " أينَ الَّذِي سَأل عَنِ الْعُمْرَةِ "، فَأتِي بَرجُلٍ فَقَالَ: " اغْسِلْ الطِّيبَ الذي بِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وانْزَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، واصْنَعْ في عُمْرَتِكَ كما تَصْنعُ في حَجَتِكَ ".

معنى الحديث:

أن يعلى بن أمية رضي الله عنه " قال لعمر: أرني النبي - صلى الله عليه وسلم - حين يوحى إليه " أي أخبرني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءه الوحي لأراه في أثناء ذلك وأتعرّف على كيفية نزوله عليه.

" فبينما النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة " (بكسر الجيم وإسكان العين وفتح الراء المخففة) موضع بين مكة والطائف وهو أحد مواقيت العمرة لمن كان بمكة.

 " جاءه رجل فقال يا رسول الله: كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب " أي: وهو متلطخِ بالطيب في ثوبه وبدنه

" فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - " عن إجابته، ولم يجبه فوراً بعد سؤاله.

" فجاءه الوحي فأشار عمر " أي فأشار إليَّ عمر بيده لكي أحضر لديه - صلى الله عليه وسلم - وأرى كيفية نزول الوحي عليه.

" فجئت وعلى رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوب قد أظل به، فأدخلت رأسي " وراء الثوب.

 " فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمرّ الوجه وهو يغط " بفتح الياء وكسر الغين، أي تتردد أنفاسه بصوت مسموع.

 " ثم سرِّي عنه " أي: ثم انقطع عنه نزول الوحي فهدأت نفسه. وأخذت تنكشف عنه تلك الحالة .

" فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات " أي كَرِّرْ غسله ثلاث مرات، وفي رواية قال له: " اغسل عنك أثر الخلوق " بفتح الخاء، فأمره بإزالة أثر الطيب عن بدنه وثوبه .

" وانزع عنك الجبة " لأنها مخيط "واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك" أي اصنع إذا كنت معتمراً ما تصنعه حاجاً من اجتناب الطيب وغيره، لأنّ محظورات الحج والعمرة واحدة.

فقه الحديث:

دل هذا الحديث على ما يأتي:

أولاً: تحريم التطيب عند الإِحرام بالنسبة إلى الثياب، بكل ما يبقى أثره لوناً أو رائحة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر الرجل بغسل الطيب ثلاث غسلات وأن ينزع الجبة، وهو ما ترجم له البخاري، والجمهور على أنه لا يكره الطيب على البدن عند الإِحرام، بل يستحب لقول عائشة: " كنت أطيّب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت " أخرجه الجماعة.

ثانياً: أن من لبس مخيطاً أو أصاب طيباً وهو محرم ناسياً أو جاهلاً، ثم بادر بإزالته لا فدية عليه، وكذلك المحظورات الأخرى، وهو قول الشافعي وأحمد وداود، خلافاً لمالك وأبي حنيفة.


(1) انظر : منار القاري (    )



بحث عن بحث