الدرس الأول/ حكم صيام رمضان وفضائله

 

الحمد لله الذي فرض علينا شهر رمضان وجعل أحد أركان الإسلام وصلى الله وسلم على خير الأنام نبينا محمد وعلى آله وصحبه البررة الكرام.

أيها الصائم الكريم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان ويذكر ما فيه من الخصال والفوائد الدنيوية والأخروية, ومن ذلكم ما رواه الطبراني بسند رجاله ثقات عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا, ينظر الله إلى تنافسكم فيه, ويباهي بكم ملائكته, فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله) (1).  

 

أيها الأخوة: ومع تبشير الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الشهر الكريم إلا أن الله تعالى جعل صيامه فرضاً على كل مسلم بالغ عاقل مستطيع, فهو أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام, جاء ذلك صريحاً في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) (2).

وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, وحج بيت الله الحرام) (3).

 

أيها الصائمون: لعل من الخير أن نتذكر أن لصوم شهر رمضان فضائل فهو من أفضل الأعمال وأعظمها, فالموفق كل التوفيق من نال هذه الفضائل وحاز عليها, والخسارة كل الخسارة لمن فرط فيها, وتكاسل عن تحصيلها ومنها:

أولاً: أن صوم رمضان سبب لتكفير الذنوب ومحو السيئات, فإذا صام العبد مؤمناً بالله محتسباً الأجر والثواب غفر له ما تقدم من ذنبه, روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) (4).

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) (5).

 

واشترط في الحديث أن غفران الذنوب المتقدمة لا بد لها من شرطين:

1- أن يكون الصائم صام إيماناً بالله تعالى ورضا بفريضة الصوم عليه.

2- أن يكون صيامه احتساباً للثواب والأجر, فلا يتعرض إليه شك في هذا الثواب أو يكون هناك كره للصيام.

 

ثانياً: ومن فضائله مضاعفة الأجر الثواب بدون عدد معين فثواب الله عظيم وعطاؤه جزيل فهو يعطي الصائم عطاءاً بدون حساب, روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به, يدع شهوته وطعامه من أجلي) (6).

وهنا يحسن أن تنتبه له ذلكم أن الله تعالى اشترط مضاعفة الأجر بلا عدد معين بأن يكون الصيام خالصاً لله تعالى فهو إذا ترك الجماع ودواعيه إنما يتركه لأنه صائم, وإذا ترك الأكل والشرب إنما يتركه لأنه صائم, وإذا ترك المعاصي كلها يتركها لأنه صائم.

 

ثالثاً: أن رائحة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وذلك لأنها من آثار الصيام, والصيام طاعة لله عز وجل, فأثر الطاعة محبوب لله تعالى فهو وإن كان مستكرهاً عند الناس إلا أنه محبوب عند رب الناس لكونه ناشئاً عن طاعته.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: (والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) (7).

 

رابعاً: أن للصائم فرحتين فرحة في الدنيا وفرحة في الآخرة, فأما الفرحة التي في الدنيا فهي عند فطره فيفرح الصائم لما أنعم الله عليه من القيام بعبادة الصيام, ويفرح بنعمة الله له حيث أباح له ما كان محرماً عليه في النهار من الشراب والأكل والنكاح, وأما الفرحة التي في الآخرة فهي عند الله لقاء الله تعالى حيث يجد جزاءه عند ربه عطاء حساباً, يجد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر, من مغفرة الذنوب وتكفير السيئات ومضاعفة الأجور والحسنات, يفرح حين يقال للصائمين: أين الصائمون ليدخلوا الجنة من باب الريان الذب لا يدخله غيرهم(8).

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (للصائم فرحتان يفرحهما اذا أفطر فرح بفطره واذا لقى ربه فرح بصومه) (9).

 

خامساً: أنه يستجاب دعاء الصائم فلا يرد, ومن المعلوم أن من أسباب إجابة الدعاء تحري شرف الزمان والمكان, ومن أفضل الأيام أيام شهر رمضان المبارك ولياليه, روى الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (ثلاثة لا ترد دعوتهم.. -وذكر منهم- الصائم حتى يفطر) (10).

 

أيها الصائمون هذه بعض فضائل الصوم في شهر رمضان, نعمة عظيمة من المولى عز وجل , ومنحة كريمة فحري بكل مسلم أن يغتنمها ولا يجعل الفرصة تفوته فاليوم عمل ولا حساب وغداً حساب بلا عمل, واعلموا حفظكم الله تعالى أن هذه الفضائل وغيرها لا تحصل للصائم إلا إذا قام بواجبات الصيام وآدابه فاجتهدوا في تحصيلها والعمل بها.

 

أسال الله تعالى أن يرزقنا حسن الصيام والقيام, وأن يجعلنا من الذين تغفر ذنوبهم وتكفر سيئاتهم وتضاعف حسناتهم في هذا الشهر المبارك, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


 


(1) - رواه الطبراني في الكبير كما في المجمع 3/142, وقال الهيثمي: وفيه محمد بن أبي قيس ولم أجد من ترجمة.

(2) - سورة البقرة (183).

(3) -رواه البخاري 1/45 برقم (22) في الإيمان, باب بيان أركان الإسلام.

(4) - رواه مسلم 1/209 برقم (16) في الطهارة, باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما إجتنبت الكبائر, والترمذي 1/418 (214) في الصلاة باب فضل الصلاة.

(5) - رواه البخاري 1/92 برقم (38) في الإيمان, باب صوم رمضان احتسابات الإيمان

(6) -رواه البخاري 4/118 برقم (1904) في الصيام, باب هل يقول إني صائم ومسلم 2/806 برقم (1151) في الصيام, باب فضل الصيام.

(7) - تقدم تخريجه سابقاً برقم (6).

(8) -رواه البخاري مع الفتح4/111 (1896) في الصوم, باب الريان للصائمين ومسلم 2/806 (1152) في الصيام, باب فضل الصوم.

(9) -رواه البخاري 4/118 برقم (1904) في الصيام, باب هل يقول إني صائم, ومسلم 2/806 برقم (1151) في الصيام, باب فضل الصيام.

(10) - رواه الطيالسي (2584) وأحمد 2/305 والترمذي 5/539 (3598) في الدعوات – باب في العفو والعافية.

 



بحث عن بحث