الوقفة الخامسة

دراسة السيرة وإحياؤها (للنشء والأجيال)

إن من أهم معاني النصرة للرسول صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه بعد وفاته هي الحفاظ على سيرته العطرة وأحاديثه الشريفة من الدس والتبديل والتحريف، وإحياؤها في نفوس الأزواج والأبناء والبنات والأجيال اللاحقة، ولا بد أن تكون سنته وسيرته جزءا من حياة هذه الأجيال وواقعًا عمليًا لسلوكياتهم وأخلاقياتهم وجميع تعاملاتهم. وهذا يقتضي دراسة شاملة عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم المتمثلة في:

- دراسة شمائلة وأخلاقه عليه الصلاة والسلام.

- دراسة تعامله مع خالقه وأهل بيته وأسرته.

- دراسة تعامله مع الرجال والنساء، والكبار والصغار، والضعفاء والأقوياء.

- دراسة تعامله مع غير المسلمين في حالتي السلم والحرب.

*     *      *

ويمكن الخوض في هذه الدراسات من خلال المصادر الحيوية التي تنقل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بصورة حقيقية بعيدة عن الزيادات والأساطير، ومن أهم هذه المصادر:

أ  - كتاب الله تعالى:

الذي تحدث عن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرًا وعن شمائله وأخلاقه وغزواته ودعوته كما ورد في وقفة سابقة -.

ب  الحديث النبوي:

وهو المصدر الثاني للسيرة النبوية، من حيث التوثيق، حيث وضع علماء الحديث وأهل العلم الحديث النبوي تحت شروط دقيقة للأخذ به أو ردّه، وكان هذا التقويم على رجال الإسناد وعلى متن الرواية، ومن أجل ذلك تم تصنيف الحديث من حيث القوة والضعف، حسب توافر تلك الشروط فيه، فكان منه المتواتر وهو أصحه، والصحيح الحسن، والمرسل والمرفوع والضعيف وغيرها.

ومن أهم كتب الحديث: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجه، وسنن النسائي ومسند الإمام أحمد، والموطأ للإمام مالك، والمستدرك للحاكم، وغيرها.

ج  كتب السيرة النبوية:

فقد كتب كثير من علماء الأمة المقربين من عهد النبوة في السيرة النبوية، حتى صارت كتبهم من المراجع الأساسية في السيرة، ومن هذه الكتب: السيرة النبوية لأبي محمد عبدالملك بن أيوب الحميري المتوفى سنة (213 أو 218هـ)، والمعروف بسيرة ابن هشام، والتي يعدها العلماء استقاء من كتاب "المغازي" لمحمد بن إسحاق بن يسار المتوفى سنة (152هـ)، وكذلك "طبقات ابن سعد" لمحمد بن سعد بن منيع الزهري المتوفى سنة (230هـ) والذي بدأ كتابه بذكر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الصحابة والتابعين حسب طبقاتهم.

ومن كتب السيرة أيضًا: تاريخ الطبري تاريخ الأمم والممالك، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة (310هـ)، وفيه تاريخ الأمم قبل البعثة، وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، والطبري من علماء الأمة الكبار في التفسير والفقه والحديث، لذا كان كتابه من أهم كتب السيرة، رغم وجود بعض الأخبار الضعيفة، ويذكر ضعف رواتها حتى يتبين للناس حقيقتها.

*     *      *

ومن ثم التحرك تحت ضوء هذه الدراسات، واتخاذه عليه الصلاة والسلام الأسوة والقدوة في جميع الشؤون والأحوال، في البيت وفي العمل وفي السوق وفي المدرسة والمؤسسة والمصنع والمتجر وغيرها.

*     *      *

ونشر السنة النبوية والحفاظ عليها وحمايتها مسؤولية المسلمين جميعًا، والعلماء خاصة، يقول عليه الصلاة والسلام: (بلغوا عني ولو آية)، ويقول أيضًا: (نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).

ثم إن أي تهديد أو خطر تتعرض له السنة إنما بمثابة تهديد للأمة قاطبة، لأن السنة هي المصدر الثاني للتشريع لهذه الأمة بعد كتاب الله تعالى، ومن أجل ذلك ينبغي تكثيف الجهود، وبذل الطاقات والإمكانات لنشر هذه السنة والمحافظة عليها، ومن أهم وسائل النشر المعاصرة:

1-  الكتب:

وهي وسيلة قديمة حديثة يمكن نشر السيرة النبوية من خلالها، فقد تيسرت السبل للكتابة عن السيرة بسهولة، فهناك توافر في المراجع والمصادر، وتبادل للكتب على نطاق واسع بين أقطار العالم، حيث يمكن الحصول على أي مرجع في أي قطر كان خلال وقت يسير، إضافة إلى كثرة دور النشر والمطابع التي تقوم بمهمة نشر هذه الكتب والتآليف، وليس من الضروري أن يكون الكتابة عن السيرة في مجلدات، أو كتب ضخمة، فربما يكون الكتاب على شكل رسالة وتعم فائدتها أكثر من تلك التي تكون في كتاب كبير ذات حجم كبير، وقد يكون الكتاب يدرس جانبًا معينًا من السيرة وليست السيرة كلها، حسب الظرف المناسب والإمكانات المتاحة.

ولعلنا في هذا الوقت نحتاج بصفة خاصة إلى القادرين على الكتابة للأطفال والناشئة والشباب بما يناسب مداركهم ومستوياتهم فمن أعطاهم الله تعالى تلك الوسيلة فلينشطوا في هذا الباب والمكتبة الإسلامية بحاجة شديدة إلى ذلك. أعان الله الجميع.

2-  في الصحف والمجلات:

يمكن الاستفادة من هذه الوسيلة في كتابة مقالات ومقتطفات من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخباره وشؤونه، على شكل حلقات متسلسلة في أعداد متتالية أو متتابعة، حيث سيتعرفون على السيرة النبوية من خلال هذه المقالات، لأن هذه الوسيلة عبارة عن آلة إعلامية يومية أو شهرية، وقريبة جدًا من المجتمع، فلا يخلو محل أو مؤسسة أو عيادة أو مكتب أو بيت من الصحف والمجلات.

ويجب أن نفوّت الفرصة على أولئك الذين يريدون استغلال أكبر مساحة من الصحافة للكتابة عن آرائهم وأفكارهم الملوثة، ويبثون السموم الغربية في عقول الشباب، ويعرضوهم عن قيمهم الدينية وأخلاقياتهم الإسلامية، أو ربما تكون لهوًا ولعبًا تشغل الشباب عن قضايا أمتهم الحية التي تمس واقعهم. وما أكثر أولئك الذين يكتبون في هذا المجال، وما أكثر الصحف التي تنشر لهم هذه الترهات مشغلة لشباب الأمة وشيبها.

فلتكن الكتابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبًا حتميًا يسعى إليه القادرون.

3-  في الفضائيات:

وهذه الوسيلة من أكثر وسائل الإعلام انتشارًا في العالم وأكثرها ممارسة، فهي داخلة في كل بيت ويراها كل الناس بمختلف مستوياتهم، الصغار والكبار، والمثقفون وغير المثقفين، والعلماء والجهال، حيث لا تحتاج إلى وجود خبرة لاستقبالها وبثها.

واستغلال هذه الوسيلة لعرض الإسلام وتخصيص برامج عن السيرة النبوية سيكون لها أثر فعال في حياة الناس، لا سيما خصص لها أوقات كافية، والأفضل من ذلك كله إنشاء قنوات إسلامية خاصة تكون لها برامج مختلفة عن السيرة وغيرها من العلوم والمعارف الإسلامية، والدعوة إلى الله، فإن الأمة بحاجة إلى ذلك، لأن الأعداء ما فتئوا لاستغلال معظم القنوات في وقتنا المعاصر، ويتحكمون فيها ما يشاؤون، ويبثون منها ما يفيد مصالحهم ويحقق مآربهم في أوطانهم وفي عالمنا الإسلامي.

وما نجد اليوم في العالم الإسلامي من مظاهر الفسق والسفور، وميوعة الشباب وانحلالهم إلا والفضائيات عامل من العوامل فهي لا تميز بين الخبيث والطيب، بل يغلب عليها الخبيث، فقد عمت هذه الفضائيات الأفلام السخيفة، والأغاني الماجنة، والرقصات الخليعة التي لا حياء فيها ولا أدب، وصار معظم الذي يؤدون هذه الأدوار من الممثلين والممثلات والمغنين والمغنيات نماذج لشباب الأمة وفتياتها يقتدون بهم، وتجردوا من قيمهم الدينية السامية، وجهلوا سيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهجروا قرآن ربهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله. بل وصل الأمر إلى التلاعب بالمصطلحات، فالمفسدون سمّوا أنفسهم مصلحين، والباطل حقًا، والشر خيرًا، والمصلحون متشددون وأصوليون، ومتأخرون، ولا يسايرون الواقع، وكثير من غوغاء المسلمين يصدق هذا الهراء العجيب وينطلي عليه.

4-  في الانترنت:

وهي من الوسائل الإعلامية الحديثة التي ظهرت في الفترة الأخيرة، وهي شبكة عالمية فيها النافع والضار، إلا أن الضار متمكن منها في كل شيء، وهي وسيلة إعلامية حيوية نشطة، يمكن الاستفادة منها في نشر السنة النبوية، وذلك بإنشاء مواقع متخصصة لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته، وإضافة كل المعلومات التي تمت إلى السيرة من الكتب القديمة والحديثة، والمقالات، والتسجيلات والمرئيات، وإنشاء منتديات خاصة للسيرة النبوية، وعقد لقاءات وندوات عبر شبكات المحادثة المتنوعة حول هذه السيرة وردّ أباطيل المستشرقين والمنافقين وشبهاتهم بالأدلة والبراهين، حتى تكون لدينا حصون في كل مكان تحمي لنا مبادئ ديننا وسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

5-  الخطب والمحاضرات والندوات:

والتي تمثل منبرًا أصيلاً في تبليغ الكلمة، وإيصالها، فالمنبر بحاجة إلى أن يتعطر ويعطر السامعين بسيرته سيّد الخلق أجمعين عليه الصلاة والسلام، كأن يؤخذ حدث من السيرة، ويستنبط منه الدروس والمواعظ، مثل: بعثته عليه الصلاة والسلام، ودعوته في مكة، وهجرته إلى المدينة، وهجرة أصحابه إلى الحبشة، وغزواته، وشمائله وأخلاقه، وتعامله مع ربه، وتعامله مع الناس كلهم، سيرته مع المخالفين، منهجه في عبادته، هديه في حجه وعمرته... وغيرها من الموضوعا التي لا حصر لها.

6-  الدراسات والبحوث:

والتي غالبًا ما تكون للمختصين سواء فيما يتعلق بالسنة من حيث ثبوتها، أو فقهها، أو سيرته عليه الصلاة والسلام، ودراسة ما كتبه الأعداء من المستشرقين وغيرهم، وتقويم ذلك. أو كتابة عنيت بالتأصيل لهذه السيرة وترجمتها للغات العالم، وهذا بلا شك من أكبر وسائل الدعوة المعاصرة، وهذا الحدث فرصة لهذا النشر، فربّ ضارة أصبحت نافعة.

وغير ذلك من الوسائل الكثيرة التي ننشر بها سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام.



بحث عن بحث