حديث (يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة)

 

روى عبد الرزاق في مصنفه 11/287ـ 288(20559) قال أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك قال كنا يوما جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة) قال: فاطلع رجل من أهل الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل على مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول فلما قام النبي تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا ادخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت قال: نعم قال أنس: كان عبد الله يحدث أنه بات معه ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار انقلب على فراشه وذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت الثلاث وكدت أحتقر عمله قلت يا عبد الله: لم يكن بيني وبين والدي هجرة ولا غضب ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاث مرات (يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة) فاطلعت ثلاث مرات فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي بك فلم أرك تعمل كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما هو إلا ما رأيت قال: فانصرفت عنه فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي على أحد من المسلمين غشا ولا أحسده على ما أعطاه الله إياه إليه فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك هي التي لا نطيق .

 

ورواه الإمام أحمد 3/166 وعبد بن حميد (3/83 ـ 84 المنتخب) وأحمد بن منصور الرمادي (عند البيهقي في شعب الإيمان 5/264حديث رقم6605 والبغوي في شرح السنة13/112ـ 114 حديث رقم 3535وغيرهما) كلهم عن عبد الرزاق به . وقد تفرد عبد الرزاق بإثبات سماع الزهري من أنس.

ورواه أحمد بن الفرات الأصبهاني ( عند ابن عبد البر في التمهيد 6/121) وزهير بن محمد ( عند البزار كما في كشف الأستار2/410 حديث رقم1981) عن عبد الرزاق به لكن قالا: عن أنس بدون تصريح بالإخبار .  

ورواه ابن المبارك في الزهد (رقم 694) عن معمر فقال عن الزهري عن أنس, ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة (863) عن ابن المبارك به.

فيكون عبد الله بن المبارك متابعا لعبد الرزاق على الوجه الثاني ( بالعنعنة ).

وتابع معمراً إبراهيم بن زياد القرشي -كما سيأتي في كلام الدارقطني- وهو ضعيف.

والإمام الزهري على جلالته وإتقانه إلا إنه كان يدلّس في النادر (الميزان 4/40) . وقد وصفه بالتدليس الشافعي والدار قطني وغير واحد, وذكر العلماء جماعه من الرواة روى عنهم الزهري ولم يسمع منهم، وإذا كان تدليسه نادراً فالنادر لاحكم له, إلا أن يثبت في حديث بعينه أنه دلّسه .

والزهري تابعي صغير أكثر روايته عن كبار التابعين, ويروي أحيانا عن صغار الصحابة كأنس , ومع هذا فقد دلس هذه القصة عن أنس, كما سيتبين فيما يأتي .

وخالف معمراً شعيبُ بن أبي حمزة وعقيل بن خالد وغيرهما فروياه عن الزهري عن رجل عن أنس به, وهو الصواب.

 

قال البيهقي في شعب الإيمان 5/264(6605) : هكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال أخبرني أنس , ورواه ابن المبارك عن معمر فقال عن الزهري عن أنس , ورواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري كما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني ببخارى أنا علي يعني محمد بن عيسى نا الحكم بن نافع أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري قال : حدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك أنه قال فذكر الحديث بنحوه  

وكذلك رواه عقيل بن خالد عن الزهري في الإسناد غير أنه قال في متنه فطلع سعد بن أبي وقاص لم يقل رجل من الأنصار .

قال ابن عساكر في تاريخ دمشق 20/325ـ327 أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن عبد الملك أنبأنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي أنبأنا أبو بكر محمد بن إبراهيم أنبأنا محمد بن الحسن بن قتيبة ثنا حرملة بن يحيى التجيبي ثنا ابن وهب أخبرني عقيل عن ابن شهاب حدثني من لا أتهم عن أنس قال بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فأطلع سعد بن أبي وقاص....الحديث بطوله.

وقال الخرائطي في مساؤى الأخلاق (771) حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح عن الهقل بن زياد عن الصدفي – يعني معاوية بن يحيى – حدثني الزهري حدثني من لا أتهم عن أنس مثل حديث معمر. والصدفي هذا وإن ضعفه أهل العلم إلا أن رواية الشاميين عنه أصح - وهذه منها -

قال أبو زرعة: والذي حدّث بالشام أحسن حالاً. وبنحوه قال ابن حبان وابن حجر.

بل نص الحفاظ على استقامة أحاديثه عن الزهري –كما ذكر البخاري- ونصوا على أن الهقل بن زياد روى عنه أحاديث مستقيمة –كما ذكر أبو حاتم- وقالا: كأنها من كتاب, وقال الدارقطني: يكتب ما روى الهقل عنه, ويتجنب ما سواه.(ينظر الجرح والتعديل والتاريخ الكبير والمجروحين)

قال الدارقطني في العلل (المخطوط 4/ق26 أ) : اختلف فيه على الزهري: فرواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال حدثني أنس , وقال ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن أنس , وكذلك قال إبراهيم بن زياد العبسي(لعل صوابه القرشي) عن الزهري عن أنس . وهذا الحديث لم يسمعه الزهري من أنس .ورواه شعيب بن أبي حمزة وعقيل عن الزهري قال حدثني من لا أتهم عن أنس . وهو الصواب .أ.هـ وهو في تكملة العلل بتحقيق الدباسي12/203 .  

وقال المزي في تحفة الأشراف 1/395: قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ: لم يسمعه الزهري من أنس ؛ رواه عن رجل عن أنس , كذلك رواه عقيل وإسحاق بن راشد وغير واحد عن الزهري, وهو الصواب.

وقال ابن حجر في النكت الظراف على الأطراف: وذكر البيهقي في الشعب أن شعيباً رواه عن الزهري  حدثني من لا أتهم عن أنس . ورواه معمر عن الزهري أخبرني أنس؛ كذلك أخرجه أحمد في المسند عنه .

 

ورويناه في مكارم الأخلاق ، وفي عدة أمكنة عن عبد الرزاق. وقد ظهر أنه معلول .

فهؤلاء ثلاثة (عقيل بن خالد وشعيب بن أبي حمزة ومعاوية بن يحيى الصدفي) يضاف إليهم إسحاق بن راشد الجزري الذي ذكره الكناني كما سبق كلهم ذكروا الواسطة المبهمة بين الزهري وأنس .  

وإسحاق بن راشد وإن اختلف فيه العلماء, وترجح أنه ضعيف في الزهري, وثقة في غيره إلا أنه يعتبر به ولذا أخرج له البخاري عن الزهري ما شاركه فيه غيره في مواضع يسيرة.

وقد تفرد الزهري بروايته هذا الحديث كما قال أبو حاتم الرازي (العلل رقم2611), وعقيل وشعيب ثقتان من أثبات أصحاب الزهري.

قال ابن كثير في تفسير سورة الحشر: وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين لكن رواه عقيل وغيره عن الزهري عن رجل عن أنس .

وقد صححه العراقي في تخريج الإحياء فقال: رواه أحمد بسند صحيح على شرط الشيخين, ثم تبين له أن ذلك غير صحيح كما ذكر الزبيدي في (إتحاف السادة المتقين 8/51) أنه وجد بخطه في هامش التخريج المذكور عند قوله (صحيح): له علة ؛ فإن الزهري لم يسمعه عن أنس فيما يقال.

وكذلك المنذري في الترغيب والترهيب جعل إسناده على شرطهما, وتعقبه الناجي في عجالة الإملاء المتيسرة ص 464 فقال (بعد أن نقل كلام الكناني والمزي): وهذه العلة التي فيه لم ينتبه لها المصنف .               

وقد جرى على هذا الألباني برهة من الزمن حتى تبيّنت له العلة كما ذكر ذلك في تخريجه للترغيب والترهيب.

وبما سبق يتبين رجحان الوجه الأخير لكثرة الرواة له عن الزهري وفيهم ثقتان من أثبت أصحابه, وقد رجحه من الأئمة: الدارقطني والكناني والبيهقي والعراقي وابن حجر والناجي, ومن المتأخرين الألباني.

وهذا الوجه يؤيد رواية الزهري عن أنس بالعنعنة, وتقدّم أن الزهري دلّسه وأسقط الواسطة.

فإن قيل: ألا يكفي قول الزهري: (حدثني من لاأتهم ) في توثيقه؟

يقال: هذا توثيق على الإبهام, ولا يعتد به على الراجح عند علماء الحديث, ولابد من تسميته ومعرفة كلام أئمة الجرح والتعديل فيه، لأنا نعلم أن النقاد يختلفون في النقلة فربما لو سمّى ذلك الراوي شيخه لكان مجروحاً بقادح عند غيره من أئمة الحديث. قال ابن الصلاح: بل إضرابه عن تسميته مريب يوقع في القلوب فيه تردداً أ.هـ. أي إن عدوله عن تسميته شبهة في إنه ربما علم أنه لو سماه لرد أهل العلم روايته.    وهذا الذي رجحه الخطيب من أئمة الحديث، وأبو بكر الصيرفي وغيره من علماء الأصول.

ثم إن نفي التهمة لا ينفي الضعف بسوء الحفظ ونحوه من موجبات رد الرواية. قال الذهبي: ليس بتوثيق  لأنه نفيٌ للتهمة، وليس فيه تعرضٌ لإتقانه ولا لأنه حجة. (تدريب الراوي1/522تحقيق طارق عوض الله)

قال المعلق على المسند (ط الرسالة) : إسناده صحيح على شرط الشيخين .  

 

                                     كتبه  

                      عبد العزيز بن عبد الله العقيل

     



بحث عن بحث