زيادة العمر بالبر والصلة (4)

 

المذهب الثاني: منع الزيادة في الأعمار.

وهذا مذهب عدد من العلماء.

وأجاب أصحاب هذا المذهب عن الأحاديث بأنها محمولة على المجاز، لا الحقيقة، إلا أنهم اختلفوا في معنى "الزيادة" الواردة فيها على أقوال:

الأول: أنَّ الزيادة كناية عن البركة في العمر؛ بسبب توفيق صاحبه إلى الطاعة، وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن تضييعه في غير ذلك، فينال في قصير العمر ما يناله غيره في طويله(1) .

وهذا قول: أبي حاتم السجستاني ، وابن حبان ، وابن التين ، واختاره: النووي ، والطيبي(2).

القول الثاني: أنَّ الزيادة كناية عما يبقى بعد موته من الثناء الجميل، والذكر الحسن، والأجر المتكرر، حتى كأنه لم يمت.

حكى هذا القول القاضي عياض، وهو مذهب أبي العباس القرطبي(3) .

القول الثالث: أنَّ معنى الزيادة في العمر: نفي الآفات عمن وصل رحمه، والزيادة في فهمه وعقله وبصيرته.

وهذا قول ابن فورك(4).

القول الرابع: أنَّ المراد بالزيادة التوسعة في الرزق، والصحة في البدن، إذ إنَّ الغنى يُسمى حياةً، والفقر يُسمى موتاً.

ذكره ابن قتيبة(5)

القول الخامس: أنَّ المراد بالزيادة ما يكون للواصل من ذرية صالحة يدعون له بعد موته.

ذكره الحافظ ابن حجر، وهو اختيار: الشيخ حافظ حكمي(6)

وقد ورد في هذا المعنى حديث مرفوع، لكنه لا يصح، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: ذكرنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزيادة في العمر فقال: ( إن الله لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها، وإنما الزيادة في العمر أنْ يَرزقَ اللهُ العبدَ ذريةً صالحةً يدعون له؛ فيلحقه دعاؤهم في قبره )(7)

القول السادس: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد بالحديث الحث على صلة الرحم بطريق المبالغة، ومعناه لو كان شيء يبسط الرزق والأجل لكان صلة الرحم.

ذكره المناوي(8)

هذا وسنعرض في الحلقات القادمة لأدلة هذا المذهب،ثم الترجيح في هذه القضية ،وعلى الله قصد السبيل، ومنه سبحانه العون والتوفيق.


(1) انظر: فتح الباري، لابن حجر (10/ 430)، وكشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (3/ 187)، ومرقاة المفاتيح، للملا علي القاري (9/ 140)، وروح المعاني، للآلوسي (4/ 396 - 397).

(2) انظر : شرح السنة للبغوي(6/426 )،وصحيح ابن حبان ( 3/ 153 )،وفتح الباري (10 /430 )،وشرح النووي على مسلم (16/172 ) ، وشرح الطيبي على المشكاة ( 10 / 3160 ).

(3) انظر :إكمال المعلم ( 8 / 21 )، والمفهم ( 6/ 528 ).

(4) مشكل الحديث وبيانه، لابن فورك (1/ 306 - 307). وانظر: فتح الباري، لابن حجر (10/ 430)

(5) تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة (1/ 189). وانظر: مشكل الحديث وبيانه، لابن فورك (1/ 306)، وكشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (3/ 185 - 186).

(6) فتح الباري ( 10 / 430 ) ومعارج القبول ( 2 / 706 )

(7) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3174)، والطبراني في الأوسط (3/ 343)، وابن عدي في الكامل (3/ 285)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 134)، وابن حبان في المجروحين (1/ 331 - 332)، جميعهم من طريق سليمان بن عطاء، عن مسلمة بن عبد الله، عن عمه أبي مشجعة بن ربعي، عن أبي الدرداء، به.

(8) وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل "سليمان بن عطاء بن قيس القرشي"؛ فإنه منكر الحديث، كما قال البخاري، وأبو زرعة، وأبو حاتم. انظر: التاريخ الصغير، للبخاري (2/ 292)، وتهذيب التهذيب، لابن حجر (4/ 184)، والجرح والتعديل، لابن أبي حاتم (4/ 133). والحديث ضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 430)، والألباني في ضعيف الجامع، ص (242)، حديث (1671).

 ــ فيض القدير ( 6 / 34 ) .



بحث عن بحث