مشكل أحاديث شؤم المرأة(11)

 

 

بقية أقوال العلماء:

الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني (852هـ)

في الحقيقة لا يوجد رأي خاص للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه فتح الباري، في قضية شؤم المرأة.

ولكن تظهر قيمة كلام ابن حجر في هذا الموضوع، في أنه استطاع حصر معظم ما قيل في هذا الموضوع قبله، وقام بمناقشته ونقده عند استشعاره الحاجة لذلك.

ولعل أهم ما قام ابن حجر بمناقشته ونقده، هو نقده للاستدلال بحديث عائشة رضي الله عنها الذي أنكرتْ فيه شؤم المرأة، وكذلك نقده لحديث حكيم بن معاوية رضي الله عنه في " يُمن المرأة "، ونقده أيضاً لاحتمال جريان النسخ على حديث شؤم المرأة، كما ذهب إلى ذلك ابن عبد البر رحمه الله تعالى.

يقول ابن حجر في كتابه: فتح الباري: " وجاء عن عائشة أنها أنكرت هذا الحديث، فروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن محمد بن راشد عن مكحول قال: قيل لعائشة: إن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الشؤم في ثلاثة)، فقالت لم يحفظ، إنه دخل، وهو يقول: (قاتل الله اليهود، يقولون الشؤم في ثلاثة)، فسمع آخر الحديث، ولم يسمع أوله(1) .

قلت: ومكحول لم يسمع من عائشة، فهو منقطع، لكن روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الطيرة في الفرس والمرأة والدار)، فغضبت غضباً شديداً، وقالت: ما قاله، وإنما قال: (إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك)(2) انتهى.

ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة من ذكرنا من الصحابة له في ذلك. وقد تأوله غيرها على أن ذلك سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك لا أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك، وسياق الأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها يبعد هذا التأويل. قال ابن العربي: هذا جواب ساقط لأنه صلى الله عليه وسلم لم يُبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية والحاصلة، وإنما بُعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه. انتهى.

وأما ما أخرجه الترمذي من حديث حكيم بن معاوية، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا شؤم، وقد يكون اليُمن في المرأة والدار والفرس)، ففي إسناده ضعف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة...

وقيل: كان قوله ذلك في أول الأمر ثم نُسخ ذلك بقوله تعالى: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ ) (الحديد: 22) الآية، حكاه ابن عبد البر، والنسخ لا يثبت بالاحتمال لا سيما مع إمكان الجمع، ولاسيما وقد ورد في نفس هذا الخبر نفي التطير ثم إثباته في الأشياء المذكورة."(3)


(1) مسند الطيالسي، 1/ 215.

(2) روى الإمام أحمد في مسنده " عن أبي حسان أن رجلاً قال لعائشة: إن أبا هريرة يُحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الطيرة في المرأة والدار والدابة. فغضبت غضباً شديداً، فطارت شُقّةٌ منها في السماء وشُقّة في الأرض، فقالت: إنما كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك". المسند، باقي مسند الأنصار، رقم الحديث: 24013.

(3) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، مصطفى الهواري، السيد محمد عبد المعطي، (القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية)، 11/ 11، 12، 13.



بحث عن بحث