1)     كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي:

ألف ابن الجوزي هذا الكتاب لشرح ما استُشكِل من حديث الصحيحين، معتمداً فيها على كتاب (الجمع بين الصحيحين) للحميدين والذي رتبه مؤلفه على المسانيد، ممَّا جعل ابن الجوزي يسلك سبيله في هذا الترتيب، فجاء كتاب ابن الجوزي مرتباً على المسانيد، لا على الأبواب الفقهية، وهذا ما جعل الاستفادة منه صعبة وشاقة.

وقد أشار في مقدمة كتابه إلى السبب المباشر الذي حرَّك همته لتأليف هذا الكتاب، وهو أن سائلاً سأله ذلك، قال: "فأنعمت له، وظننت الأمر سهلاً، فإذا نيل سُهَيْلٍ أسهل"؛ لكن هذا الأمر لم يكن ليثني إرادته أو يوهن من عزيمته، يقول: "فلما رأيت طرق شرحه شاسعة، شمرت عن ساق الجَدِّ، مستعيناً بالله عز وجل..."(1).

كما أشار إلى أنه سيُعنى بكشف الإشكال المعنوي، لكون الحاجة إليه أمس، والعناية به أجدر وأحق، خاصةً وأن الحميدي قد ألف كتاباً في شرح غريب مفردات أحاديث الصحيحين فسدَّ هذه الثغرة(2).

ومما تميز به هذا الكتاب عن الكتب السابقة أنه خاص بالصحيحين، فلم يُدْخِلْ فيه حديثاً ليس فيهما أو في أحدهما.

كما تميز بأنه لم يقتصر على فنِّ معين، بل تنوعت مسائله وأحاديثه لتشمل فنوناً متعددة، وقد نال الفقه منها بحظ وافر.

وامتاز أيضاً بشرح الألفاظ الغريبة، مع العناية بضبط اللفظة، وذكر تصاريفها واشتقاقاتها، وبيان دلالتها ما لاستشهاد على ذلك من أقوال أئمة اللغة، وأشعار العرب(3).

كما امتاز أيضاً باحتوائه على جملة كبيرة من المسائل الفقيهة، مع عرضٍ لأقوال الفقهاء فيها ناسباً كلَّ قول إلى قائله غالباً(4).

وأما المآخذ على هذا الكتاب فهي كما يلي:

1-      أنه لم يستوعب جميع المشكل، خاصة ما يتعلق منه بالعقيدة، حيث لم يذكر منه إلا شيئاً قليلاً بالنسبة لما ترك، وقد يكون رأيه فيه مرجوحاً، لاسيما إذا كان الإشكال متعلقاً بأسماء الله تعالى وصفاته، وفي المقابل قد يذكر فيه ما ليس بمشكل، ولذ قام بعض العلماء باختصار الكتاب، وقال: "رأيته يذكر فيه شيئاً من الأحاديث غير مشكل، أو مشكلاً ولا يأتي فيه بشيء شافٍ"(5).

2-    أنه اضطرب في صفات الله تعالى بين النفي والإثبات، وخاصة الصفات الخبرية؛ فإنه كثيراً ما يؤولها(6).

3-    أنه لم يخصه في المشكل؛ ولذا فإنه قد يورد الحديث لا لإشكال فيه - كما تقدم -، وإنما ليستخرج منه فائدة معينة(7)، وقد يذكر الحديث ليوضح فيه معنى كلمةٍ غريبة فقط، ومن أمثلة ذلك:

قال في مسند عبادة بن الصامت: "وفي الحديث الثاني: (من تعارَّ من الليل) يعني استيقظ"(8).

وفي مسند أُبي بن كعب t قال: "وفي الحديث الرابع: (لو اشتريت حماراً تركبه في الرمضاء) يعني الحر"(9).

وقال في مسند سعيد الخدري: "وفي الحديث الثاني عشر: (لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌّ ولا أنسٌ ولا شيءٌ إلا شهد له يوم القيامة) المدى الغاية"(10).

ففي هذه الأحاديث لم يذكر فيها غير ما نقلت، ومنها كثير(11).

4-   جرأته - رحمه الله - في ردِّ الروايات - إذا خالفت مذهبه ومعتقده -، واتهامه المحدثين بالغلط في الرواية أو التصرف، أو النقل بالمعنى، دون استناد إلى دليل أو برهان، وإليك مثالاً على ذلك:

قال بعد تأويله لصفة القدم لله عز وجل: "فإن قيل: كيف يصح هذا التأويل وسيأتي في حديث أبي هريرة: (يضع فيها رجله)؟ فالجواب: أن هذا من تحريف بعض الرواة؛ لأنه ظنَّ أن القدم هي الرجل، فروى بالمعنى الذي يظنه"(12).

ولعل هذا نابع من تلك القاعدة التي ذكرها أثناء اتهامه بعض الرواة بأنهم عبَّروا بالمعنى، ولم يفهموا المقصود، مما أوقع الإشكال في كثير من الأحاديث، حيث قال: "فمتى سمعت  حديثاً فيه نوع خلل فانسُب ذلك إلى الرواة، فإن الرسول r منزَّه عن ذلك"(13).

قلت: لا ريب أن الرسول r منزَّه عن الخلل في حديثه؛ ولكن لماذا لا يتهم الإنسان رأيه وفهمه واجتهاده قبل اتهام النقلة العدول الثقات، أهل الضبط والإتقان والتحري والتثبت؟! فإن الإنسان كثيراً ما يؤتى من قبل رأيه وفهمه واجتهاده، فيستشكل ما ليس بمشكل، كما وقع لابن الجوزي هنا في صفة القدم والرجل، والله تعالى أعلم.

 

2)     (مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها) لعبد الله بن علي النجدي القصيمي (1353هـ).

قال في مقدمته: "يحتوي هذا الكتاب على الأحاديث النبوية التي استشكلتها العلوم الحديثة من طبية, وجغرافية, وفلكية, وحسية... إلخ..، وفيها بيانها بنفس العلوم الحديثة، وسيجد القارئ في الكتاب مثالاً حياً للدفاع عن نصوص الدين المقدس، ومثالاً حياً للنقد الفلسفي العصري".

وذكر أنه سرد الأحاديث سرداً حيث ما تيسر لأن كل حديث قائم بنفسه مستقل بمعناه.

وذكر فيه قرابة ثلاثين حديثاً ويورد عليها شبه المعارضين والمنكرين ثم يزيل الشبهة، وقلما يتعرض للأحاديث المتعارضة؛ لأنه لم يقصد للتوفيق بين الروايات نفسها.

وقد ذكر بعضهم ضمن كتب المشكل كتاب (تهذيب الآثار) للإمام الطبري رحمه الله (310هـ)، وهذا الكتاب ألصق بكتب الشروح -فيما يظهر، والعلم عند الله -؛ لأنه كما قال عنه التاج السبكي في بيان منهجه: "وتكلم فيه على كل حديث منه بعلله وطرقه وما فيه من الفقه والسنن، واختلاف العلماء وحججهم، وما فيه من المعاني الغريب"(14).

 


 

(1)     كشف المشكل (1/6).

(2)     انظر: كشف المشكل (1/6)، وكتاب الإمام الحميدي مطبوع متداول، وعنوانه: "تفسير غريب ما في الصحيحين".

(3)     انظر: مقدمة الكتاب (1/ 16).

(4)      انظر: مقدمة الكتاب ( 24 ـ 26).

(5)      انظر: كشف الظنون (2/ 1495).

(6)      انظر: مجموع الفتاوى (4/ 169)، وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (1/414)، وابن الجوزي بين التأويل والتفويض للدكتور أحمد عطية الزهراني (154 ـ 155)، ومقدمة كتاب كشف المشكل للدكتور على البواب (1/ 12، 47).

(7)      انظر: مقدمة الكتاب (1/ 15 ـ 16).

(8)      كشف المشكل (2/ 81).

(9)      كشف المشكل (2/70).

(10)     كشف المشكل (3/161).

(11)      انظر: مقدمة الكتاب للدكتور علي البواب (1/18).

(12)      كشف المشكل (3/ 245)، وانظر: مقدمة الكتاب (1/47، 48).

(13)      كشف المشكل (3/ 70).

(14)      بواسطة مقدمة تحقيق د. محمود شاكر للكتاب (مسند علي بن أبي طالب) ( ص 10).



بحث عن بحث