السلامة من العلة والشذوذ

 

 الحديث إذا جاء بإسناد حسن أو صحيح، فمعناه أننا تحققنا من ثلاثة شروط فقط من شروط الصحة، وهي اتصال السند، وضبط الرواة، وعدالتهم، وأما باقي الشروط، وهي ألَّا يكون الحديث شاذًّا ولا معلولًا، فهي لا تتحقق إلا بجمع طرق الحديث ورواياته، وقد تتابعت أقوال أهل العلم على أهمية جمع طرق الحديث:

قال الإمام ابن المبارك: «إذا أردت أن يصح لك الحديث، فاضرب بعضه ببعض».

وقال الإمام ابن المديني: «الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه».

وقال الإمام أبو بكر الخطيب: «السبيل إلى معرفة علة الحديث، أن يجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانهم من الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان والضبط»(1).

فلا إشكال أصلًا أن يحكم أئمة الحديث على حديث بالنكارة أو الشذوذ أو حتى الوضع، مع أنه صحيح الإسناد في الظاهر! وهذا كثير في كلامهم؛ يتضح لمن تصفح كتب العلل، ككتاب العلل لابن أبي حاتم، وغيره.

وبيان ذلك أن دراسة الحديث لا بد أن تكون من جهتين:

الأولى: من جهة السند، والثانية: من جهة المتن. فقد يكون السند سليمًا في الظاهر ورجاله ثقات وسنده متصل، ولكن القدح جاء من جهة متنه، إما بشذوذ أو علة قادحة.

والشاذ: لغة: اسم فاعل من شذ شذوذا، بمعنى انفرد من غيره(2) .

واصطلاحًا: ما رواه المقبول مخالفًا من هو أولى منه في المتن أو في السند(3) .

ومثاله: ما رواه أبوداود والترمذي من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي هريرة حدَّثنا بشرُ بن معاذ العقدي حدثنا عبد الواحد ابن زياد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه) (4) .

· قال البيهقي: «خالف عبد الواحد الكثير في هذا، فإن الناس إنما روه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله، وانفرد عبد الواحد من بين ثقات أصحاب الأعمش بهذا اللفظ»(5) .

أما العلة في المتن :

فالمعلّ لغة: اسم مفعول من أعله: أنزل به علة فهو معل(6) .

وفي الاصطلاح: الحديث الذي اطلع فيه على علة قادحة مع أن الظاهر سلامته منها(7) .

والعلة التي يكون بها الحديث معلا: هي ذلك السبب الخفي الغامض الذي يقدح في صحة الحديث وإن كان سليما منها في ظاهر الأمر.

وخفاء العلة جعل إدراكها أمرًا عسير المنال، لا يقوى عليه إلا الحافظ المتقن ذو الفهم الثاقب والبصيرة النافذة، والملكة التي تكونت من طول الخبرة والمعاناة.

· قال عبد الرحمن بن مهدي: «معرفة الحديث الهام»(8) .

· قال ابن حجر: «المعلل من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها، ولا يقوم به إلا من رزقه الله تعالى فهما ثاقبا، وحفظا واسعا، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة قوية بالأسانيد والمتون»(9) .

مثال العلل :

· قال ابن أبي حاتم سألت أبي عن حديث رواه بقية عن أبي وهب الأسدي عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلقي الجلب فإن تلقاه اشتراه مشترٍ فإن صاحب السلعة بالخيار إذا دخل المصر ما بينه وبين نصف النهار) .

فسمعت أبي يقول: ليس في شيء من الحديث «إذا دخل المصر، فإن صاحبه بالخيار ما بينه وبين نصف النهار».

فعلة هذا، كما ترى، الإدراج في آخر الحديث(10) .

 

_______________

 

(1) ينظر: الجامع للخطيب(2/212)، والتقييد والإيضاح (1/117)، والشذا الفيَّاح (1/203)، وتدريب الراوي (1/253).

(2) تهذيب اللغة (11/271).

(3) علوم الحديث (68).

(4) رواه أبوداود (1070)، والترمذي (385).

(5) توثيق السنة (125).

(6) القاموس المحيط مادة  (علل).

(7) علو الحديث، ص(8).

(8) المصدر السابق (1/9).

(9) لمحات في أصول الحديث (265).

(10)علل الحديث (1/393) ح(1177).



بحث عن بحث