تعارض الجرح والتعديل

 

إذا تعارضت أقوال أهل العلم في الراوي فوثقه بعضهم وجرحه بعضهم، فلا يخلو الأمر حينئذ من حالين:

أولًا: أن يمكن الجمع بين كلام الموثق وكلام الجارح في ذلك الراوي، وذلك بأن يحمل التوثيق على أمر خاص، والتجريح على أمر خاص آخر، ولذلك صور:

أ – أن يكون التوثيق للراوي في روايته عن أهل بلده، والجرح له في روايته عن غير أهل بلده، وذلك مثل إسماعيل بن عياش الحمصي، فإنه إذا حدث عن الشاميين فحديثه عنهم جيد، وإذا حدث عن غيرهم فحديثه مضطرب.

· قال يحيى بن سعيد: إذا حدّث عن الشاميين وذكر الخبر فحديثه مستقيم وإذا حدّث عن الحجازيين خلّط ما شئت(1)

ب- أن يكون التوثيق للراوي في وقت من عمره، والتجريح في وقت آخر من عمره، وذلك في حق الرواة المختلطين فيؤخذ من حديث هؤلاء ما روي عنهم قبل أن يختلطوا، ويضعف من حديثهم ما روي عنهم بعد الاختلاط، ومن أمثلة هذا النوع عطاء بن السائب، وسعيد بن أبي عروبة، وصالح بن نبهان مولى التوأمة، هذا فيما إذا استمر المختلط في التحديث بعد اختلاطه، فأما إن توقف عن التحديث أو حجب عنه الناس كما في شأن جرير بن حازم، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي فإن حديثه مقبول ولا يضره اختلاطه(2)

جـ - أن يكون التوثيق للراوي في روايته عن بعض شيوخه، والجرح في روايته عن شيوخ معينين.

ومثال ذلك حماد بن سلمة، فإنه ثقة وخاصة في رايته عن ثابت البناني، ولكن روايته عن قيس بن سعد لا يحتج بها، قال الإمام أحمد: ضاع كتابه عنه، فكان يحدث من حفظه فيخطئ.

ومثل هشام بن حسان الأزدي، فإنه ثقة مشهور، لكن تكلم في روايته عن بعض شيوخه.

· قال يحيى بن معين: يتقى من حديثه عن عكرمة، وعن عطاء وعن الحسن البصري(3)

ثانيًا: أن يتعذر الجمع بين الجرح والتعديل، وهنا يقدم الجرح على التعديل، لأن المعدل يخبر عما ظهر له من حال ذلك الراوي، والجارح يخبر عن باطن خفي عن المعدل، فمعه زيادة علم، فيقدم قوله، ولكن ذلك بشروط ثلاثة:

1- أن يكون الجرح مفسرًا.

2- أن لا يكون الجارح متعصبًا على المجروح أو متعنتًا في جرحه، مثل كلام النسائي في أحمد بن صالح المصري لم يقبل لشدة الجرح(4)

3- أن لا يرد عن المعدل أن الجرح قد انتفى عن ذلك الراوي بدليل صحيح، وذلك مثل أن يجرحه الجارح بأمر مفسق فيبين المعدل أنه قد تاب من ذلك العمل(5)

· قال الذهبي: «لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على توثيق ثقة»(6)

  


(1) تاريخ دمشق (9/49)، تهذيب الكمال (3/174).

(2) ينظر في ذلك كتب المختلطين للعلائي، والكواكب النيرات لابن الكيال، والاغتباط لسبط ابن العجمي وكلها مطبوعة.

(3) تاريخ ابن معين رواية الدارمي (846)، الكواكب النيرات، ص(460).

(4) وسبب ذلك أن أحمد بن صالح أبى أن يحدث النسائي لأنه قدم مصر وهو لا يعرفه وقد صحب النسائي قومًا من أهل الحديث لا يرضاهم أحمد بن صالح، لذا شنع عليه النسائي. ينظر هدي الساري، ص(545).

(5) ينظر: علوم الحديث (96 – 99)، الكفاية (105 – 107).

(6) الموقظة، ص(84).

 



بحث عن بحث