شروط الجارح والمعدل وآدابهما

                         

علماء الجرح والتعديل على جلالة ما هم فيه من حفظ للسنة، وتمييز الصحيح من السقيم، وتعرضهم لأحوال الرواة، يشترط فيهم الخصال التي تجعل حكمهم منصفا والآداب التي تجعل رأيهم وحكمهم مقبولًا.

فمن هذه الشروط:

1- العلم والتقوى والورع والصدق، لأنه إن لم يكن بهذه المثابة  فكيف يصير حاكما على غيره بالجرح والتعديل، وهو ما زال مفتقرًا لإثبات عدالته.

يقول الحافظ ابن حجر: «وينبغي ألا يُقبل الجرح والتعديل إلا من عدل متيقظ أي مستحضر ذي يقظة تحمله على التحري والضبط فيما يصدر عنه»(1)

2- أن يكون عالـمًا بأسباب الجرح والتعديل. قال ابن حجر: «وتقبل التزكية من عارف بأسبابها لا من غير عارف لئلا يزكي بمجرد ما يظهر له ابتداء من غير ممارسة واختبار»(2)

3- أن يكون عارفًا باصطلاح أهل الجرح والتعديل ومن باب أولى بتصاريف كلام العرب لئلا يخطئ في استعمال الألفاظ الموهمة.

4- من الشروط التي ذكرها بعض أهل العلم ألا توجد قرينة تقتضي التوقف عند ورود الجرح كالتعصب المذهبي أو الحسد والبغضاء ذكر ذلك ابن  الصلاح(3)

قال تاج الدين السبكي: فإذا كانت قرينة دالّة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره، لا يلتفت إلى الجرح فيه ويعلم بالعدالة. ا.هـ(4)

لذلك احتاط العلماء فيما دار بين الأقران من قدح أو خلاف مذهبي وأجمعوا على عدم قبول قول الأقران بعضهم في بعض(5)

ويكفي أن يكون الجارح والمعدل واحدًا ذكرًا كان أو أنثى، حرّا كان أو عبدًا متى استوفى الشروط الأخرى(6)

وقيل لا يثبت إلا برجلين كما في الشهادة ورجح الأول الجمهور، ومنهم ابن الحاجب(7) والآمدي(9) وابن الصلاح(9).

قال العراقي: بعد أن ذكر الخلاف فيمن يقبل قوله عند تعارض الجرح والتعديل.

 

قلت : وقد قال أبو المعالي وابن     واختار تلميذه الغزالي

الخطيب : الحق أن يحكم بما      أطلقه العالم بأسبابها

أما آداب الجارح والمعدل:

فهناك آداب ينبغي على الجارح أو المعدل مراعاتها، من أهمها:

1- عدم التجريح بما فوق الحاجة. قال السخاوي في فتح المغيث: «لا يجوز التجريح بشيئين إذا حصل بواحد»(10)

2- لا يجوز الاكتفاء بإيراد الجرح فقط فيمن وجد فيه الجرح والتعديل. قال الذهبي عن كتاب الضعفاء لابن الجوزي: «وهذا من عيوب كتابه، يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق»(11)

3- لا يجرح من لا يحتاج إلى جرحه مثل العلماء الذين لا يحتاج إلى روايتهم.

يقول ابن المرابط: «قد دونت الأخبار وما بقي للتجريح فائدة» (12)، يعني في حق رجال الأسانيد المتأخرة، لأن الجرح شرع للضرورة، فما لم توجد الضرورة إليه لا يجوز الخوض فيه.

وقد اشتهر عن ابن دقيق العيد ـ وهو من كبار علماء النقد ـ قوله: «أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدثون والحكام» (13)

ومما ورد عن أئمة الجرح والتعديل في خوفهم من هذه المسؤولية ما جاء عن ابن أبي حاتم: أنه دخل عليه يوسف بن الحسين الصوفي وهو يقرأ كتابه في الجرح والتعديل، فقال له: كم من هؤلاء قد حطوا رواحلهم في الجنة منذ مائة سنة ومائتي سنة وأنت تذكرهم وتغتابهم؟ فبكى عبد الرحمن(14)

ويكفينا من ذلك الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعضٍ وكونوا عباد الله إخوانًا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسبِ امرئٍ من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرامٌ دمه وماله وعرضه»(15)

4- غض النظر عن بعض العيوب التي لا يعرى منها إنسان خاصة تلك التي ليس لها تأثير على الرواية أو على درجة صدق الراوي وتحريه لما يروي، فهذا من الزيادة المنهي عنها.


(1) نزهة النظر شرح نخبة الفكر لابن حجر العسقلاني ص(190).

(2) السابق ص(189).

(3) مقدمة ابن الصلاح، ص(110).

(4) قاعدة الجرح والتعديل، وقاعدة المؤرخين، ص(10).

(5) ينظر: مقدمة ميزان الاعتدال للذهبي.

(6) شرح العراقي على ألفيته في الحديث (2/5).

(7) مختصر ابن الحاجب (2/64) بالحواشي .

(8) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (1/185).

(9) علوم الحديث لابن الصلاح ص(98-99).

(10) فتح المغيث (3/325) .

(11)  ميزان الاعتدال (1/16) .

(12) الرفع والتكميل في الجرح والتعديل لعبد الحي اللكنوي. تحقيق عبد الفتاح أبو غدة ص(50).

(13) الاقتراح في بيان الاصطلاح لابن دقيق العيد، ص(330 – 334).

(14) علوم الحديث لابن الصلاح ص(390) .

(15) رواه مسلم (4650) .

 



بحث عن بحث