تقسيم الخبر باعتبار قائله أو باعتبار النسبة والإضافة

ثانياً : الحديث المرفوع (2ـ2)

                                       

المرفوع حكماً

إذا  كانت الإضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حكما لا صراحة فهو المرفوع حكماً  لا حقيقة ً

ومن أمثلة ذلك :

أولاً : قول الصحابي : كنا نفعل كذا أو كنا نقول كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قطع أبو عبد الله الحاكم وغيره من أهل الحديث أن ذلك من قبل المرفوع (1)

وقد استدل جابر رضي الله عنه على جواز العزل بأنهم كانوا يفعلونه والقرآن ينزل، ولو كان مما ينهي عنه لنهى عنه القرآن (2)

وأما إذا قال الصحابي : كنا نفعل كذا من غير إضافة إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم فجزم ابن صلاح بأنه من قبيل الموقف (3) .

 لكن ذهب العراقي وابن حجر والسيوطي إلى انه مرفوع أيضا (4) وهو اختيار النووي والرازي (5) لأن الظاهر من مثل قول الصحابي ذلك أنه يحكي الشرع  .

ثانياَ : قول الصحابي : أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا من نوع المرفوع عند أصحاب الحديث , وهو قول أكثر العلم .

وخالف في ذلك فريق  منهم : أبوبكر الإسماعيلي وأبو الحسن الكرخي .

قال ابن صلاح : والأول هو الصحيح لأن مطلق ذلك ينصرف إلى من إليه الأمر والنهي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم (6) .

وإذا صرح الصحابي بالآمر والناهي فهو مرفوع صراحة وحقيقةً , لكن دلالته على الأمر والنهي خالف فيها داود الظاهري وبعض المتكلمين .

والعلة في ذلك أن الصحابي قد يسمع كلاماً فيظنه أمراً أو نهياً وهو في الحقيقة ليس كذلك .(7)

وهو مردود لأن الصحابي عدل عارف بلسان العرب فلا يطلق إلا بعد التحقق

ثالثاً : قول الصحابي : من السنة كذا وكذا الأصح أنه مرفوع لأن الظاهر أنه لا يطلق ذلك إلا مريداً به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجب إتباعه . ونقل ابن عبد البر الاتفاق على ذلك (8) , وفي نقله نظر. فعن الشافعي في المسالة قولان (9)

وذهب أبو بكر الصيرفي , وأبو بكر الرازي وابن حزم إلى انه غير مرفوع

لكن الصحيح الأول .

قال الحافظ العراقي :

قول الصحابي من السنة أو               نحو أمرنا حكمه الرفع ولو

بعد النبي قاله بأعصر                      على الصحيح وهو قول الأكثر (10)

وقد روى البخاري في صحيحه من حديث ابن شهاب , عن سالم عبد الله بن عمر عن أبيه في قصته مع الحجاج حين قال له : إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة .

قال ابن شهاب فقلت لسالم: أفعله رسول الله ؟ فقال : وهل يعنون بذلك إلا سنته صلى الله عليه وسلم ؟ فنقل سالم وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة واحد الحفاظ من التابعين عن الصحابة أنهم إذا أطلقوا السنة لا يريدون بذلك إلا سنة النبي صلى الله عليه وسلم (11) .

رابعاً : من المرفوع حكماً أن يقول الصحابي الذي لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب ما لا مجال للرأي فيه ولا مدخل فيه للاجتهاد ولا تعلق له ببيان لغة أو شرح غريب , كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء , أو الآتية كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة , وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص .

قال ابن حجر في النزهة : وإنما كان له حكم المرفوع , لان إخباره بذلك يقتضي مخبراً له ولا مجال للاجتهاد فيه ويقتضي موقفاً للقائل به , ولا موقف للصحابة إلا النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض من يخبره عن الكتب القديمة , فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني .

وإذ كان كذلك فله حكم ما لو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع سواء كان مما سمعه منه أو عنه بواسطة (12) .

خامساً : تفسير الصحابي للقران الكريم جزم الحاكم بأن حكمه الرفع , وحمله ابن الصلاح على ما يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي أو نحو ذلك , كقول جابر رضي الله عنه : كانت اليهود تقول : من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول , فأنزل الله (نساؤكم حرث لكم) . البقرة (233) .

فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال الحافظ العراقي :

        وعدَ ما فسره الصحابي      رفعاً فمحمول على الأسباب (13) .

سادساً : قال ابن الصلاح من قبيل المرفوع الأحاديث التي قيل في أسانيدها عند ذكر الصحابي : يرفع الحديث أو يبلغ به أو ينميه أو رواية .

مثال ذلك : سفيان بين عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رواية : (تقاتلون قوماً صغار الأعين ...) الحديث (14)

وبه عن أبي هريرة يبلغ به قال : الناس تبع لقريش .... الحديث (15) .

فكل ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحاً .

قال ابن الصلاح : وإذا قال الراوي عن التابعي يرفع الحديث أو يبلغ به فذلك مرفوع أيضا ولكنه مرفوع مرسل (16) .

فعلى هذا كل ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم , من قول أو فعل أو تقرير أو وصف فهو مرفوع .

وزاد بعضهم : الهم , لأنه لا يهم إلا بما يجوز له فعله .

واشترط الخطيب البغدادي لتسمية الخبر مرفوعاً أن يكون مما أضاف الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقط .


(1) معرفة علوم الحديث ص 22 .   

(2) علوم الحديث ص 42 .

(3) رواه البخاري 9/305 , ومسلم . 1440 .

(4) علوم الحديث ص 43 .

(5) شرح الالفية للعراقي 1/128-132 , ونزهة النظر 88, وتدريب الراوي 1/205 .

(6) علوم الحديث ص 45 .

(7) فتح المغيث من 1/112 .

(8) فتح المغيث من 1/108 .

(9) نهاية السول 3/802, والبرهان 1/649 .

(10) الفية العراقي رقم (105) .

(11) صحيح البخاري 3/513 , وابن خزيمة في صحيحه 4/253 والبيهقي في السنن الكبرى .

(12) شرح النخبة ص 88, وفتح المغيث 1/122- 123 .

(13) الفية العراقي رقم (112)

(14) البخاري 6/104 , ومسلم 18/37 , واللفظ لمسلم .

(15) رواه البخاري 3/1288 , ومسلم 12/199 .

(16) علوم الحديث ص 46-47 .



بحث عن بحث