طرق التحمل والأداء(3)

 

 

القراءة على الشيخ:

هي أحد طرق التحمُّل المعتبرة عند الجمهور وشذّ من أبى ذلك من أهل العراق, واشتد إنكار الإمام مالك وغيره من المدنيين عليهم في ذلك حتى بالغ بعضهم فرجحها على السماع من لفظ الشيخ.

وطريقة العرض على الشيوخ هو المقدم عند القراء ، وإنما كان مقدما عندهم ؛ لأنه يلاحظ فيه كيفية الأداء من تجويد الحروف ، فليس كل من سمع من لفظ الشيخ يقدر على الأداء كهيئته وبتقديم العرض على السماع أخذ بعض العلماء والمحدثين قال مالك رحمه الله تعالى : قراءتك علي أصح من قراءتي عليك(1)  

   وذهب قوم منهم الإمام البخاري كما صرَّح به في صحيحه أن السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه سواء في القوة والصحة(2).

   ويلي: سمعت وحدثنا وأخبرنا، أنبأني والإنباء بمعنى الإخبار من حيث اللغة كما قوله تعالى: ( وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) ]فاطر:14[. كما أن التحديث مثل الإخبار كما في قوله تعالى: ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) ]الزلزلة:4[.

   هذا من حيث الأصل, وإلا فابن الصلاح قد خص سمعت وحدثنا بما تحمّل بطريق السماع، والإخبار بما تحمّل بطريق العرض، وأنبأنا بما تحمَّل بالإجازة، واستعمل بعضهم عن في الإجازة:

   وكثر استعمال عن في ذا الزمن        إجازة وهي بوصل ما قمن(3)

   والعنعنة: وهي رواية الحديث بصيغة " عن " محمولة على الاتصال بشرطين:

الأول: براءة الراوي المعنعن من التدليس.

   الثاني: ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة على المختار تبعاً لعلي بن المديني. والبخاري وغيرهما من النقاد.

وينبغي أن يعلم أن نقطة الخلاف – والله أعلم -  بين الشيخين رحمهما الله هي: في السند المعنعن الذي يكون اللقاء فيه ممكنًا وغير مستبعد، ولكن ليس في هذا السند قرائن تقوي احتمال اللقاء، وإنما الأمر على الإمكان فقط، فمسلم يحتج بذلك، وأما البخاري فلا

فاكتفى الإمام مسلم بثبوت المعاصرة مع إمكان اللقاء واشتدَّ نكيره على من اشترط اللقاء في مقدمة صحيحه(4).

وثبوت اللقاء يكفي عند البخاري ليحكم بالاتصال على السند المعنعن ولا يشترط ثبوت السماع للاتصال.

كما أن البخاري يشترط ثبوت اللقاء في أصل الصحة وليس في أعلى الصحة كما رجحه ابن كثير ومن تبعه.

وقد قوّى البخاري بعض الأحاديث وفي ثبوت السماع بين بعض رواتها نظر، ولكن هناك قرائن قوية تدل على أن احتمال السماع هو الأقوى، لاسيما ولتلك الأحاديث شواهد، وبعضها في أبواب لا يتشدد في مثلها أهل الحديث.

وينبغي أن يُعلم أن للإمام مسلم ضوابطاً في تصحيحه للإسناد المعنعن

-  منها ثقة الرواة، فالضيعف والمجهول لا يحتج بهما أصلاً، ولكن إذا لم تعلم معاصرتهما لمن يروون عنه فتضاف علة أخرى للسند، والصدوق يدخل في مسمى الثقة عند مسلم.

- ومنها العلم بالمعاصرة، ووضحت أن العلم بالمعاصرة شرط لاتصال السند المعنعن عند مسلم، ولا يكفي احتمال المعاصرة.

-  ومنها السلامة من التدليس، فمن عرف بالإرسال ينبغي أن يعامل كالمدلس من حيث عدم الاكتفاء بمعاصرته.

وقد رجح د. خالد الدريس أن الأصل اشتراط العلم باللقاء لاتصال السند المعنعن، وأن السند المعنعن إذا توفرت فيه ضوابط الاكتفاء بالمعاصرة التي ذكرها مسلم لا يعد متصلاً، كما لا يعد منقطعًا، فهو في منزلة دون المتصل وأعلى من المتقطع، وذلك لأن فيه شبهة انقطاع أو احتمال بأنه غير متصل، لذا إذا حفت بذلك السند قرينة قوية ترجح احتمال السماع، فإن ذلك السند يصلح للاحتجاج. (5)

ومثل " عن " في الحكم " أنّ "، و " قال "  فهي محمولة على السماع بالشرطين المذكورين. وحكى بعضهم أن السند المؤنَّن منقطع.

قال العراقي: ... أما الذي لشيخه عزا بقال فكذي

 عنعنة كخبر المعازفِ ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،لا تصغ لابن حزم المخالفِ(6)

______________________________

(1) الإلماع للقاضي عياض ص70، فتح المغيث(2/82) .

(2) صحيح البخاري 1/39 .

(3) ألفية العراقي(التبصرة والتذكرة) ص 106 بيت 146 .

(4) صحيح مسلم ، المقدمة 1/29 وما بعدها .

(5) ينظر فيما سبق كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين وهو جدير بالمطالعة.  

(6) شرح التبصرة 1/274، فتح المغيث 1/50.



بحث عن بحث