من علوم الإسناد(4)

المهمل والمبهم

المهمل: اسم مفعول من الإهمال. وحقيقته عند أهل الحديث أن يروي الراوي عن اثنين متفقي الاسم فقط أو الكنية أو مع اسم الأب أو مع الجد أو مع نسبته، ولم يتميزا بما يخص كلاًّ منهما أو يخص أحدهما فقط.

والفرق بين المبهم والمهمل أن المبهم لم يذكر له اسم، والمهمل ذكر اسمه مع الاشتباه.

قال ابن حجر: ومن أراد لذلك ضابطاً كلياً يمتاز به أحدهما عن الآخر، فباختصاصه بأحدهما يتبيّن المهمل، ومتى لم يتبين ذلك أو كان مختصاً بهما معاً، فإشكاله شديد فيرجع فيه إلى القرائن والظن الغالب(1).

ومثال ذلك: ما يقع كثيراً في صحيح البخاري عن محمد غير منسوب، ولذا يختلف فيه الشراح كثيراً، ويرجح بعضهم ما لا يرجحه الآخر ويحتمل أن يكون الذهلي أو ابن سلام، كما يقع في صحيح البخاري رواية عن أحمد غير منسوب عن ابن وهب، فهو إما أحمد بن صالح المصري أو أحمد بن عيسى(2).

ومن ذلك أن البخاري له أكثر من شيخ اسمه إسحاق، ونجده في بعض الأحيان يقول: "حدَّثنا إسحاق" ولا ينسبه، فهنا نقول: إنَّ إسحاق ورد مهملاً.

وكما لو وجدنا إسنادًا ورد فيه ذِكْر سفيان غير منسوب، فهنا لا ندري هل المراد به الثَّوري أو ابن عُيَينة أو ورد فيه حَمَّاد غير منسوب، فلا ندري هل هو ابن سلمة أو ابن زيد، وهكذا.

وقد استوعب ذلك الحافظ ابن حجر في هدي الساري مقدمة فتح الباري(3).

والذي يضر من ذلك أن يكون أحدهما ضعيفاً من ذلك قول وكيع حدثنا النضر عن عكرمة وهو يروي عن النضر بن عربي وعن النضر بن عبد الرحمن وهو ضعيف(4).

أما إذا كانا ثقتين فإن عدم تميّز أحدهما عن الآخر لا يضر كعدم تميز سفيان أو حماد(5).

كيفية تمييز الرواة المهمَلين

مكن تمييز الرواة المهملين من خلال عدة أمور:

  1. عن طريق معرفة تلميذ الراوي المهمل.
  2. عن طريق معرفة شيخ الراوي المهمل، وهذا كالمتقدِّم.
  3. عن طريق النظر في علاقة الرواة بهذا الراوي المهمل، ويتضمن ذلك عدة أمور.
  4. عن طريق معرفة أوطان الرواة: فرواية الرَّاوي عن أهْل بلده عادة أكثر من غيرهم.

المؤلفات في هذا الفن

أولا : التأليف في المهمل

ومِن أبرز مَن عُرِف من المتقدِّمين باعتنائه بهذا النوع من عِلم الرجال الإمامُ الحافظ الخطيب البغدادي (ت 463 هـ).

1- كتاب : "المكمل في بيان المهمل" للخطيب البغدادي.

وهو في عداد الكتب المفقودة.

2-  "تقييد المهمل وتمييز المشكل" لأبي علي الجياني الأندلسي (ت 498 ه)ـ (7).

ثانيا: التأليف في المبهم

ألَّف في المبهمات غيرُ واحد من العلماء، ومن أشهر ما طُبِع من هذه المؤلَّفات:

 1- كتاب الخطيب البغدادي: "الأسماء المبهمة في الأنباء المحْكَمة"،

2-  وكتاب ابن طاهر المقْدِسي: "إيضاح الإشْكال"

3-  وكتاب ابن بشكوال: "غوامض الأسماء المبْهَمة الواقعة في متُون الأحاديث المسندة"

4-  وكتاب النووي "الإشارات إلى بيان الأسماء المبهمات"(8)

5- وكتاب العراقي: "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد"، وغيرها.


(1) شرح النخبة ص 131 .

(2) شرح النخبة ص 131 .

(3) هدي الساري ص 222 .

(4) إسبال المطر ص 221 .

(5) سير أعلام النبلاء للذهبي 7/ 464- 466 .

(6) للاستزادة ينظر كتاب(البيان والتبيين لضوابط ووسائل تمييز الرواة المهملين) للدكتور/ محمد التركي.

(7) وقد حقق هذا الباب بخصوصه د. عبدالله بن حمود التويجري، في رسالته للماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

كما طبع هذا الباب مستقلاًّ باسم: "التعريف بشيوخ حدَّث عنهم محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه، وأهمل أنسابهم، وذكَر ما يُعرفون به من قبائلهم وبلدانهم"، بتحقيق محمد السعيد زغلول، ثم طُبع هذا الباب أيضًا في المغرب، وصدَر عن وزارة الأوقاف المغربية في مجلدين، أمَّا بقية الكتاب فقد حققه مجموعةٌ من الباحثين في جامعة الإمام، وجامعة الملك سعود كرسائل ماجستير.

(8) وهذا الكتاب مطبوع في آخر كتاب الخطيب المتقدِّم.



بحث عن بحث