من علوم الإسناد (1)

 

 

رواية الأقران والمدبّج:

بعد الفراغ من الحديث عن الإسناد العالي والنازل سيكون الكلام عن بعض أنواع علوم الإسناد الأخرى وهو رواية الأقران والمدبج.

  الأقران: هم المتقاربون في السن والإسناد. قاله ابن الصلاح(1). وزاد العراقي في شرح ألفيته: غالباً(2). وقال الحاكم: إنما القرينان إذا تقارب سنهما وإسنادهما. وقال ابن الصلاح: وربما اكتفى الحاكم أبو عبد الله بالتقارب في الإسناد وإن لم يوجد التقارب في السن(3).

المدبج في اللغة: المزين(4).

وفي الاصطلاح: بضم الميم وفتح الدال وتشديد الباء الموحدة وآخره جيم، فإذا روى كل من القرينين عن الآخر فهذا النوع يسمى المدبج، وهو أخص من الأول، فكل مدبج أقران وليس كل أقران مدبجاً.

فعلى هذا فإن رواية القرين عن قرينه تنقسم إلى قسمين:

الأول: أن يروي أحد القرينين عن الآخر ولا يروي الأخر عنه.

 ومثاله:

 رواية سليمان التيمي عن مسعر وهما قرينان.

   قال الحاكم: ولا أحفظ لمسعر عن سليمان رواية. قال العراقي: وقد يجتمع جماعة من الأقران في حديث واحد كحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل عن أبي خيثمة زهير بن حرب عن يحيى بن معين عن علي بن المديني عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن أبي بكر بن حفص عن أبي سلمة عن عائشة قالت: " كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من رؤوسهن حتى يكون كالوفرة ". فأحمد والأربعة خمستهم أقران كما قال الخطيب(5).

وصنف في رواية الأقران أبو الشيخ الأصبهاني .

والثاني: أن يروي كل من القرينين عن الآخر وهو المدبج، وبذلك سمّاه الدارقطني، وجمع فيه كتاباً حافلاً في مجلد.

أمثله:

مثاله في الصحابة: رواية أبي هريرة عن عائشة ورواية عائشة عنه، وهي كثيرة.

ومثاله في التابعين ما أخرجه الحاكم(6) بسنده عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز بن مروان وساق السند إلى أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «توضؤوا مما مست النار».

قال أبو عبد الله: وقد روى عمر بن عبد العزيز عن الزهري.

قال الحافظ في النزهة: وإذا روى الشيخ عن تلميذه صدق أن كلاً منهما يروي عن الآخر فهل يمسى مدبجاً؟ فيه بحث. والظاهر لا؛ لأنه من رواية الأكابر عن الأصاغر، والتدبيج مأخوذ من ديباجتي الوجه فيقتضي أن يكون ذلك مستوياً من الجانبين فلا يجيء فيه هذا(7).

فوائد معرفة الأقران والمدبّج:

قال السيوطي: من فوائد معرفة الأقران: أن لا يظن الزيادة في الإسناد أو إبدال (عن) بالواو(8)، وكذلك التواضع في طلب العلم(9).

ومعرفة المدبّج ورواية الأقران تتطلب العناية ببعض أنواع علوم الحديث كمعرفة تواريخ الرواة والوفيات، ومعرفة الطبقات.

__________________

(1) علوم الحديث ص 278 .

(2) شرح العراقي على ألفيته 4/61 .

(3) علوم الحديث ص 278، ومسلم في صحيحه 1/256 .

(4) المحكم لابن سعدي (7/244)، الصحاح (1/312) دبج.

(5) شرح العراقي على ألفيته 4/62 .

(6) معرفة علوم الحديث، ص(216).

(7) شرخ النخبة ص 127 .

(8) تدريب الراوي 2/716 .

(9) فتح المغيث (1/162).



بحث عن بحث