الضعيف بسبب الطعن في الرواة(13)

البدعة وأثرها في الرواية(2-3)

 

 

نكمل بقية الأقوال فقد سبق عرض ثلاثة منها وبقيت ثلاثة:

القول الرابع: تفصيل أيضاً، وهو أنه إذا كان المبتدع يستحل الكذب لنصرة مذهبه لم يقبل وإلا قبل؛ لأن اعتقاد حرمة الكذب يمنع من الإقدام عليه فيحصل صدقه.

وممن قال بهذا الإمام الشافعي، فقد روى الخطيب عنه قوله: وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم(1).

وحكاه الخطيب عن ابن أبي ليلى(2). وسفيان الثوري(3)، وأبي يوسف القاضي(4). ونسبه الحاكم لأكثر أئمة الحديث(5).

   قال الحافظ العراقي:

 وقيل: بل إذا استحلّ الكذبا          نصرة مذهب له ونسبا

 للشافعي إذ يقول أقبل                 من غير خطابية ما نقلوا(6).

لكن قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: هذا المذهب فيه نظر؛ لأن من عرف بالكذب ولو مرة لا تقبل روايته، فأولى أن ترد رواية من يستحل الكذب(7).

القول الخامس: يرى جماعة من أهل النقل والمتكلمين أن أخبار أهل الأهواء كلها مقبولة سوء كانوا فسّاقاً أو كفّاراً بالتأويل.

وينظر في إمكان اجتماع الورع والتقوى مع البدعة المكفرة.

  وابن الصلاح لم يدخل من كفر ببدعته في الخلاف أصلاً، بل حصر الخلاف فيمن لا يكفر ببدعته وتبعه على ذلك الحافظ العراقي:

  والخلف في مبتدع ما كفرا              قيل يرد مطلقاً واستنكرا 

 ورجّح الشيخ أحمد شاكر ما حقّقه الحافظ ابن حجر وقال: إنه الحق الجدير بالاعتبار ويؤيده النظر الصحيح(8).

  واختاره أيضاً الشيخ محمد بخيت المطيعي في حاشيته على نهاية السول للأسنوي(9).

 القول  السادس:

أن البدعة لا تؤثر على الراوي إذا ثبت أنه حافظ ضابط وصادق ليس بكاذب ، وذلك لأن تدينه وصدق لهجته يحجزه عن الكذب(10)، وهذا قول جمهور النقاد ، جمهور المتقدمين وعلى رأسهم الإمام البخاري ومسلم وعلي بن المديني ويحيى بن سعيد القطان وابن خزيمة وغيرهم من أهل العلم بالحديث .

قال ابن حجر في شرح النخبة: والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدْعته لأن كل طائفة تدّعي أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ فتكفر مخالفيها، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لا ستلزم تكفير جميع الطوائف، فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسه، فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله(11).

فقد خرج البخاري في صحيحه لعمران بن حطان في موضع واحد متابعة(12).

وعمران بن حطان من الخوارج قال ابن حجر في « هدي الساري » (432) كان داعية إلى مذهبه (13).

وخرج أيضاً لعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني - وهو داعية للإرجاء قاله أبو داود(14)- في موضع واحد(15).

وروى البخاري (990) واللفظ له ومسلم (215) من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال سمعت النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم  جـهاراً غـير سر يقول : « إن آل آبي بياض (16) ليسوا بأوليائي ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين »(17).

وقيس بن أبي حازم رمي ببدعة النصب(18) وهذا الحديث ظاهره فيما يؤيد بدعته ومع ذلك خرجه البخاري ومسلم (19).

 قال الحافظ ابن ابي حجر في « الفتح » (10/515) : « قال أبو بكر بن العربي في « سراج المريدين » : كان في أصل حديث عمرو بن العاص إن آل أبي طالب فغير آل أبي فلان كذا جزم به ، وتعقبه بعض الناس وبالغ في التشيع عليه ونسبه إلى التحامل على آل أبي طالب ولم يصب هذا المنكر فإن هذه الرواية التي أشار إليها ابن العربي موجودة في مستخرج أبي نعيم من طريق الفضل بن الموفق عن عنبسه بن عبدالواحد بسند البخاري عن بيان بن الإسماعيلي من هذا الوجه أيضا لكن أبهم لفظ طالب وكأن الحامل لمن أبهم هذا الموضع ظنهم أن ذلك يقتضي نقصا في آل أبي طالب كما توهموه » .

وأيضا مسلم  بن الحجاج رحمه الله خرج (237) من طريق عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : « إنه لعهد النبي الأمي إلى أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق » .

وعدي بن ثابت قاص الشيعة !

قال الذهبي في « الميزان » (3/61) : « عدي بن ثابت عالم الشيعة وصادقهم وقاصهم وإمام مسجدهم » .

ومع ذلك خرج الإمام مسلم هذا الحديث له من طريقه .

روى الخطيب بسنده في « الكفاية » (157) عن علي بن المديني قال : قلت ليحيى بن سعيد القطان أن عبدالرحمن بن مهدي قال أنا أترك من أهل الحديث كل من كان رأساً في البدعة فضحك يحيى بن سعيد فقال كيف يصنع بقتادة ؟! كيف يصنع بعمر بن ذر الهمدْاني ؟! كيف يصنع بابن أبي رواد وعد يحيى قوما أمسكت عن ذكرهم ثم قال يحيى أن ترك عبدالرحمن هذا الضرب ترك كثيراً .

وروى الخطيب بسنده في « الكفاية » ( 157) عن علي بن المديني : « لو تركت أهل البصرة لحال القدر ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي يعني التشيع خربت الكتب » . قال الخطيب : قوله « خربت الكتب يعني لذهب الحديث » .

ومحمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله قال في « صحيحه » (2/376) حديث رقم (497) : « حدثنا عباد بن يعقوب المتهم في رأيه الثقة في حديثه ... » فوثق ابن خزيمة عباد بن يعقوب الرواجني في حديثه مع أنه متهم في دينه بالتشيع (20)

وهذا القول اختاره الصنعاني في شرحه على نظم النخبة له أن يجعل المعيار في قبول الرواية الصدق ويطرح رسم العدالة وغيره لأن قبولهم رواية الدعاة إلى البدع كعمران بن حطان يقوّي القول بقبول المبتدع مطلقاً إذا كان صدوقاً(21). وهذا هو القول الصحيح والله أعلم .

___________________________ 

(1) - الكفاية ص 194- 195 ، والحلية لأبي نعيم 9/ 114 ، والسنن الكبرى للبيهقي 10/108 ، وعلوم الحديث ص 103 ، وشرح مسلم للنووي 7/ 160 ، والطرق الحكمية ص 173 ، وانظر : الأم 6/206 ، ومختصر المزني 8/310 مع الأم .

(2) - الكفاية ص 202 ، وانظر : أخبار القضاة لوكيع 3/133 .

(3) - الكفاية ص 195 .

(4) - الكفاية ص 202 .

(5)- المدخل للحاكم ص 96 .

(6)- ألفية العراقي رقم (295 ) .

(7) - الباعث الحثيث ص 84 .

(8) - الباعث الحثيث ص 84 .

(9) - سلم الوصول لشرح نهاية السول 3/ 744 .

(10)- فتح المغيث السخاوي  (2/61) التهذيب (3/317)، فتح الباري (10/357) .

(11)- شرخ النخبة ص 101 .

(12)- في كتاب اللباس ، باب لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه حديث رقم (5835).

(13) - قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10/357) أخرج له البخاري على قاعدته في تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صدوق اللهجة متديناً

(14) - انظر تهذيب التهذيب (2/487) ترجمة عبدالحميد بن عبدالرحمن الحماني وهدي الساري (1/416)

(15) - في كتاب فضائل القرآن ، باب حق حسن الصوت بالقراءة للقرآن حديث رقم (4761).

(16)- قال ابن القيم في جلاء الأفهام (255) : « وغلط بعض الرواة في هذا الحديث وقال « إن آل بني ... بياض » والذي غر هذا أن في الصحيح « أن آل بني  ... ليسوا لي بأولياء » وأخلى بياضاً بين بني وبين ليسوا فجاء بعض النساخ فظن أن « بياض » هو المضاف إليه، فقال : « بني بياض » ولا يعرف في العرب بنو بياض ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذلك ، وإنما سمى قبيلة كبيرة من قبائل قريش والصواب لمن قرأها في تلك النسخ أن يقرأها إن آل بني « بياضٌ » بضم الضاد من بياض لا يجرها والمعنى وثم بياض ، أو هنا بياض .ا.هـ.

وانظر فتح الباري (10/515) شرح النووي على صحيح مسلم (3/87).

ولفظ مسلم ( 215) « إن آل آبي يعني فلانًا ... »

(17) - انظر التهذيب (3/444) ، فتح الباري (10/516).

(18) - انظر التهذيب (3/444) ، فتح الباري (10/516).

(19)- التنكيل للمعلمي (1/51) وتعليق العلامة الألباني رحمه الله عليه .

(20) - قال الخطيب في الكفاية (159) قلت : قد ترك ابن خزيمة في آخر أمره الرواية عن عباد وهو أهل أن لا يروي عنه . وانظر السير (11/538).

(21) - إسبال المطر على قصب السكر ص 183 .



بحث عن بحث