الضعيف بسبب الطعن في الرواة(7)

 

 

الوجه السابع من أوجه الطعن في الراوي: مخالفة الثقات:

 التعريف:

لغةً: الثقات جمع ثقة، والثقة مصدر قولك:  وثقت به فأنا أوثق به ثقة،ويقال: فلان ثقة وهي ثقة وهم ثقة، وقد تجمع فيقال: ثقات في جماعة الرجال والنساء(1)، ووثقه به ثقة ووثوقاً ائتمنه(2). ووثَّقت فلاناً إذا قلت: إنه ثقة(3).

 والثقة في الاصطلاح: هو من جمع بين صفتي العدالة والضبط(4).

وسبق الكلام عليهما.

فمن خالف الثقات بكثرة فليس بثقة؛ لأن موافقة الثقات هي المقياس لمعرفة ضبط الراوي.

قال ابن الصلاح: يعرف كون الراوي ضابطاً بأن يعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم, أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة، عرفنا حينئذ كونه ضابطاً ثبتاً، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم يحتج بحديثه(5).

 

وهذه المخالفة إن كانت من ثقة فحديثه شاذ، وإن كانت من ضعيف فحديثه يسمّى المنكر. وتقدم الحديث عنهما.

 

 قال الحافظ العراقي:

ومن يوافق غالباً ذا الضبط        فضابط أو نادراً فمخطي(6).

مثاله:

ما رواه معمر بن، عن يحيى بن أبي كَثِيْر، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: "خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية، فأحرم أصحابي ولم أحرم، فرأيت حماراً فحملت عليه، فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكرت أني لم أكن أحرمت، وأني إنما اصطدته لك ؟ فأمر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه فأكلوا، وَلَمْ يأكل مِنْهُ حِيْنَ أخبرته أني اصطدته لَهُ"(7).

فهذا الحديث يتبادر إلى ذهن الناظر فيه أول وهلة أنه حديث صحيح، إلا أنه بعد البحث تبين أن معمر بن راشد - وهو ثقة - قد شذ في هذا الحديث فقوله: "إنما اصطدته لك"، وقوله: "ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له". جملتان شاذتان شذ بهما معمر بن راشد عن بقية الرواة .

قال ابن خزيمة: " هذه الزيادة: "إنما اصطدته لك" ، وقوله: "ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته لك" ، لا أعلم أحداً ذكره في خبر أبي قتادة غير معمر في هذا الإسناد، فإن صحت هذه اللفظة فيشبه أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أكل من لحم ذلك الحمار قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله، فلما أعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله امتنع من أكله بعد إعلامه إياه أنه اصطاده من أجله ؛ لأنه قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قد أكل من لحم ذلك الحمار".(8)

 

_______________________

(1) تهذيب اللغة 9/266 .

(2) المغرب للمطرزي ص 476 .

(3) بصائر ذوي التمييز 5/159 .

(4) انظر : الباعث الحثيث لأحمد شاكر ص 77 ، وشرح ألفية السيوطي  له ص 97 .

(5) علوم الحديث لابن الصلاح ص 95- 96 ، وانظر الديباج المذهَب لملّا حنفي ص 58 .

(6) ألفية العراقي رقم ( 267 ) .

(7) رواه عن معمر عبد الرزاق في مصنفه ( 8337 ) ، ومن طريقه أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/304 ، وابن ماجه ( 3093 ) ، وابن خزيمة ( 2642 ) ، والدارقطني في السنن 2/291 ، والبيهقي في السنن الكبرى 5/190 .

(8) صحيح ابن خزيمة 4/181 عقيب ( 2642 ) ، قال ابن حجر – معلقاً على كلام ابن خزيمة في أن رسول الله  أكل من اللحم قبل علمه بأنه قد صيد له : (( فيه نظر ؛ لأنه لو كان حراماً ما أقر النبي على الأكل منه إلى أن أعلمه أبو قتادة بأنه صاده لأجله )) فتح الباري 4/30 ، وانظر : التلخيص الحبير 2/297 ط شعبان ، 2/587-588 ط العلمية .

 



بحث عن بحث