الضعيف بسبب الطعن في الرواة(5)

 

 

 

الوجه الخامس من أوجه الطعن في الراوي: الفسق:

تعريفه:

لغةً: الخروج, تقول العرب، فسقت الرطبة من قشرها لخروجها منه، والفويسقة الفأرة لخروجها من جُحْرها على الناس(1). لأجل المضرة(2)

يقال: فسق يفسق فسقاً – بالكسر – وفسوقاً: فجر وخرج عن الحق.

والفسق في الشرع: الخروج عن طاعة الله عز وجل(3).

فالكافر فاسق لخروجه عما ألزمه العقل واقتضته الفطرة السليمة. قال تعالى: ( وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (( النور : 55 )),    وقال تعالى: ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ ( السجدة : 18 ) فقابل الإيمان به(4)

والعاصي - بما دون الكفر – يقال له: فاسق، قال تعالى في شأن القاذف: ( وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ( النور : 4 )

والمراد بالفاسق هنا: المتلبس بمعصية دون الكفر؛ لأن الكلام في الراوي المسلم(5).

حكم رواية الفاسق:

الفاسق قسمان:

1- الفاسق المتأوّل وهم طوائف المبتدعة، وسيأتي الكلام عليه قريباً إن شاء الله.

2- الفاسق غير المتأول – وهو المراد هنا – المخل بشيء من أحكام الشرع من ترك واجب أو ارتكاب محرم.

وهذا القسم قد اتفق العلماء على عدم قبول روايته، لأن الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانة ودين، والفسق يبطلها لاحتمال كذب الفاسق على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن العربي: من ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعاً، لأن الخبر أمانة والفسق قرينة تبطلها(6).

وقال العلامة الشنقيطي في تفسير قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )(الحجرات : 6 ) هي تدل على عدم تصديق الفاسق في خبره، وصرَّح تعالى في موضع آخر بالنهي عن قبول شهادة الفاسق وذلك في قوله : ( وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ( النور : 4 ) ولا خلاف بين العلماء في رد شهادة الفاسق وعدم قبول خبره(7). أهـ.

وابن القيم له فائدة نفيسة هنا وهي التركيز على الكذب في الرواية فقط

حيث قال  (8) :(و النبأ هو الخبر الغائب عن المخبر إذا كان له شأن و( التبين ) طلب بيان حقيقته والإحاطة بها علماً وهاهنا فائدة لطيفة وهي أنه سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق وتكذيبه ورد شهادته جملة وإنما أمر بالتبين فإن قامت قرائن وأدلة من خارج تدل على صدقه عمل بدليل الصدق ولو أخبر به من أخبر فهكذا ينبغي الاعتماد في رواية الفاسق وشهادته وكثير من الفاسقين يصدقون في أخبارهم ورواياتهم وشهاداتهم بل كثير منهم يتحرى الصدق غاية التحري وفسقه من جهات أخر فمثل هذا لا يرد خبره ولا شهادته وأما من فسقه من جهة الكذب فإن كثر منه وتكرر بحيث يغلب كذبه على صدقه فهذا لا يقبل خبره ولا شهادته ولو ردت شهادة مثل هذا وروايته لتعطلت أكثر الحقوق وبطل كثير من الأخبار الصحيحة ولا سيما من فسقه من جهة الاعتقاد والرأي وهو متحر للصدق فهذا لا يرد خبره ولا شهادته وإن ندر منه مرة ومرتين ففي رد شهادته وخبره بذلك قولان للعلماء وهما روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله )

وقال أبو حاتم ابن حبان في المجروحين: ومنهم – يعني الضعفاء – المعلق بالفسق والسفه وإن كان صدوقاً في روايته لأن الفاسق لا يكون عدلاً، والعدل لا يكون مجروحاً، ومن خرج عن حد العدالة لا يعتمد على صدقه، وإن صدق في شيء بعينه في حالة من الأحوال، إلا أن يظهر عليه ضد الجرح حتى يكون أكثر أحواله طاعة الله عز وجل فحينئذ يحتج بخبره، فأما قبل ظهور ذلك عنه فلا(9).

_____________________

(1) القاموس المحيط مادة ( فسق ) .

(2) التفسير الكبير 2/147، والمصباح المنير مادة ( فسق ) .

(3) تفسير القرطبي 1/245 .

(4) شرح شرح النخبة للقاري ص 122 .

(5) روح المعاني 26/ 147 .

(6) أحكام القرآن لابن العربي 4/1703 ، وتفسير القرطبي 16 / 312 .

(7) أضواء البيان 7/ 626 – 627 .

(8) مدارج السالكين : مؤسسة الرسالة ناشرون: 258ص-

(9) كتاب المجروحين لابن حبان 1/79 .



بحث عن بحث