الضعيف بسبب الطعن في الرواة(3)

 

 

الوجه الثاني من أوجه الطعن في الراوي: التهمة بالكذب:

 التهمة في اللغة: الظن، أصلها الوهمة، تاؤه مبدلة من واو كما أبدلت في تخمة، يقال: أوهمته واتهمته أدخلت عليه التُّهَمة ، واتهمته شككت في صدقه(1)

واصطلاحاً: عرّف الحافظ ابن حجر في النزهة تهمة الراوي بالكذب، بأن لا يُروى ذلك الحديث إلا من جهته ويكون مخالفاً للقواعد المعلومة، وكذا من عُرِف بالكذب في كلامه العادي وإن لم يظهر منه وقوع ذلك في الحديث النبوي(2)

 ومن هذا نعرف أسباب اتهام الراوي بالكذب وهما:

1- أن لا يروي ذلك الحديث إلا من جهته ويكون مخالفاً للقواعد المعلومة.

2- أن يعرف الراوي بالكذب في كلامه العادي، لكن لم يظهر منه الكذب في الحديث النبوي.

ومتى اتهم الراوي بالكذب ترك حديثه. قال الإمام مالك ابن أنس: لا يؤخذ العلم عن أربعة ويؤخذ ممن سوى ذلك: لا يؤخذ من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من سفيه معلن بالسفه، ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث به(3) .

 «قال ابن أبي حاتم عن أبيه أن يحيى بن المغيرة سأل جريراً (ابن عبد الحميد) عن أخيه أنس فقال: قد سمع من هشام بن عروة ولكنه يكذب في حديث الناس فلا يكتب عنه»(4)

قال الألباني _رحمه الله_: (الكذب أقوى أسباب الجرح، وأبينها)(5)

تنبيه:

قد يطلق الكذب في كلام السلف ويراد به الخطأ وليس الكذب المعروف

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ((والمقصود: أنَّ مَنْ تكلَّم بلا علم يسوغ وقال غير الحق فإنه يسمى كاذباً، فكيف بمن ينقل عن كلام موجود خلاف ما هو فيه مما يعرف كل من تدبر الكلام أن هذا نقل باطل؟! فإنَّ مثل هذا الكذب ظاهر، والأول على صاحبه إثم الكذب ويطلق عليه الكذب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كذب أبو السنابل"، وكما قال لما قيل له إنهم يقولون إنَّ عامراً بطل عمله قتل نفسه، فقال: :كذب مَنْ قال ذلك"، وكما قال عبادة: "كذب أبو محمد" لما قال الوتر واجب، وقال ابن عباس: "كذب نوف" لما قال إنَّ موسى صاحب بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر، ومثل هذا كثير، فإذا كان هذا الخبر الذي ليس بمطابق يسمى كذباً فما هو كذب ظاهر أولى(6)

والوجه الثالث من أوجه الطعن في الراوي: فحش الغلط:

تعريفه:

يقال: غلط في منطقه أي: أخطأ وجه الصواب.(7)

وفحش الغلط: كثرته، وكل شيء جاوز حدّه فهو فاحش(8)، وذلك بأن يكون غلط الراوي أكثر من صوابه أو يتساويان. أما إذا كان الغلط قليلاً فإنه لا يؤثر، إذ لا يخلو الإنسان من الغلط والنسيان.

روى الخطيب البغدادي بسنده عن سفيان الثوري أنه قال: ليس يكاد  يفلت من الغلط أحد إذا كان الغالب على الرجل الحفظ، فهو حافظ وإن غلط وإن كان الغالب عليه الغلط ترك(9)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما الغلط فلا يسلم منه أكثر الناس، بل في الصحابة من قد يغلط أحياناً، وفيمن بعدهم(10)

وإذا كَثُر غلط الراوي تُرك حديثه، روى الخطيب البغدادي عن عبد الرحمن بن مهدي أنه كان لا يترك حديث رجل إلا رجلاً متهماً بالكذب أو رجلاً الغالب عليه الغلط(11)

 

ومما يدخل – أيضًا – تحت الفحش في الغلط: أن يكون الراوي قليل الخطأ؛ ولكنه إذا أخطأ أخطأ خطئًا فاحشًا يدل على قلة ضبطه.

من ذلك؛ راوٍ اسمه (أيمن بن نابل).

جاء في ((سؤالات الحاكم للدارقطني))(12)

 ((قلت: (فأيمن بن نابل)، قَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ خَالف النَّاس، وَلَو لم يكن إِلَّا حَدِيث التَّشَهُّد(13)خَالفه اللَّيْثُ وَعَمْرو بن الْحَارِث وزَكَرِيا بن خَالِد عَن أبي الزبير)).

تنبيه:

ليس الخطأ في أسماء الرجال كالخطأ في المتون؛ بل هي أهون وأخفُّ ضررًا؛ ولذلك فإن أئمة النقد لا يطعنون في الراوي ولا يتهمونه بسوء الحفظ لمجرد خطأه في أسماء الرجال؛ ما دام أنه يحفظ المتون ويتقنها.

قال الدارقطني في ((العلل)): ((كان شعبة يخطئ في أسماء الرجال كثيرًا لتشاغله بحفظ المتون))(14)

 قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ((سَمِعت أبي يَقُول: أَخطَأ شُعْبَة فِي حَدِيث عَليّ بن زيد عَن يُوسُف بن مهْرَان، فَقَالَ: يُوسُف بن مَاهَك، وَهُوَ خطأ؛ إِنَّمَا هُوَ ابن مِهْرَان))(15)

وشعبة رحمه الله كان مكثراً من الرواية وخطأه في أسماء الرواة معدود فتكون النسبة يسيرة عند ذلك، بالإضافة إلى إتقانه للمتون لذلك لم يجرحه الأئمة بذلك.

___________________________

(1) المحكم لابن سيده 1/ 321، والصحاح واللسان والمصباح مادة ( وهم ) .

(2) شرح النخبة لابن حجر ص 75 .

(3) المحدث الفاصل ص 403 ، والمجروحين 1/80 .

(4) «لسان الميزان» ج 1 ص 469

(5)  الضعيفة" ( 1 / 93 ).

(6) في الرد على الأخنائي بتحقيق المعلمي ص10-11

(7) المصباح المنير وتاج العروس مادة ( غلط ) ، انظر : تهذيب اللغة 8/82 .

(8) انظر : مختار الصحاح مادة ( فحش ) .

(9) الكفاية ص 227 – 228 ، شرح علل الترمذي لابن رجب 1/110 .

(10) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 1/ 250 .

(11) الكفاية ص 227 ، وشرح علل الترمذي 1/190 .

(12) ص (187).

(13) ذكره الترمذي في ((العلل الكبير)) رقم (105): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْهَاشِمِيُّ الْبَصْرِيُّ , حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: سَمِعْتُ أَيْمَنَ بْنَ نَابِلٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. . . وَذَكَرَ التَّشَهُّدَ. فَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. هَكَذَا يَقُولُ أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ , عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ , عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ خَطَأٌ.

(14) نقله عنه ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (4/ 346).

(15)  ((العلل ومعرفة الرجال))، رواية عبد الله (2/ 157).

 

 

 

 

 

 



بحث عن بحث