الضعيف بسبب السقط من السند(12)

 

 

ثانيًا: المرسل الخفي:

تعريفه:

هو أن يروي المحدث عمن سمع منه ما لم يسمع منه، أو عمن لقيه ولم يسمع منه، أو عمن عاصره ولم يلقه(1).

سمي هذا النوع من الحديث مرسلا، لأن المحدث أرسله: أي أطلقه ولم يقيده بشيخه الحقيقي.

وسمي خفيا لكونه يخفى على كثير من أهل الحديث، لكون كل من المحدث وشيخه قد تعاصرا(2).

مثاله:

ما أخرجه الإمام أحمد في المسند (9094) قال : حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَات) .

قال الإمام أحمد في المسند عقب الحديث رقم 8525 : وَلَكِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .

وأخرجه النسائي في سننه كتاب الطلاق ، بَاب مَا جَاءَ فِي الْخَلْعِ رقم (3461) عن إِسْحَقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عن الْمُغِيرَةَ بْنِ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ ، عن وُهَيْبٍ به .

قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ : الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئًا .

وقال الترمذي في الاستئذان بَاب مَا جَاءَ فِي تَسْلِيمِ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي ، في تعليقه على الحديث رقم (2703) : قَالَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ : إِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .

وقال الإمام الحاكم في معرفة علوم الحديث ص111 : إن الحسن لم يسمع من أبي هريرة ، ولا من جابر ، ولا من ابن عمر ، ولا من ابن عباس ، شيئا قط ".

الفرق بين الإرسال الخفي والإرسال الظاهر:

الإرسال الظاهر: هو ما سقط صحابيه ورفعه التابعي كما تقدم.

أما الخفي: فهو الانقطاع في أي موضع من السند بين راويين متعاصرين لم يلتقيا، أو التقيا ولم يقع بينهما سماع(3).

وهذا النوع من الإرسال أشبه بروايات المدلسين لخفاء السقط في كل منهما، إلا أن العلماء فرقوا بينهما من وجهين:

الأول: أن المرسل الخفي رواية الشخص عمن لم يسمع منه، قال الحافظ أبو بكر البزار(4): إن الشخص إذا روى عمن له يدركه بلفظ موهم فإن ذلك ليس بتدليس على الصحيح المشهور(5) .

الثاني: أن التدليس إيهام سماع ما لم يسمع، وليس في الإرسال إيهام، فلو بين المدلس أنه لم يسمع الحديث من الذي دلسه عنه، لصار الحديث مرسلاً لا مدلسًا(6).

ما يعرف به الإرسال الخفي:

يعرف خفي الإرسال، بأمور:

أحدها: أن ينص بعض الأئمة على عدم اللقاء بين الراوي وشيخه، أو يعرف ذلك بوجه صحيح (7).

الثاني: أن ينص إمام على عدم سماع المحدث عن ذلك الشيخ مطلقًا، كأحاديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود(8) عن أبيه، وكقول النسائي: الحسن(9) لم يسمع من أبي هريرة شيئًا(10).

الثالث: أن ينص إمام أو يخبر الراوي عن نفسه – في بعض طرق الحديث – أنه لم يسمع من شيخه ذلك الحديث فقط، وإن سمع منه غيره.

الرابع: أن يرد في بعض طرق الحديث زيادة اسم راو بينهما.

وهذا الأمر لا يدركه إلا الحفاظ النقاد، لأنه قد يشتبه على كثير من أهل الحديث، فقد يكون الحكم للزائد، وربما كان الحكم للناقص، والزائد وهم، فيكون من نوع المزيد في متصل الأسانيد(11).

حكمه : وهو نوع من المنقطع ، إلا أن الانقطاع فيه خفيّ ؛ لأن تعاصر الراويين يوهم إتصال السند بينهما "(12).

 

وأشهر المصنفات فيه: هو كتاب (التفصيل لمبهمات المراسيل) ـ للحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت ؛ الخطيب البغدادي ، ت: 463 هـ

 

وبهذا نكون انهينا ما يتعلق بالحديث الضعيف بسبب الانقطاع ويليه ما يتعلق بسبب الطعن في الراوي

__________________

(1) شرح ألفية العراقي له (2/306 – 307).

(2) شرح شرح النخبة للملا علي القاري، ص(118).

(3) شرح ألفية العراقي له (2/306)، فتح الباقي شرح ألفية العراقي لزكريا الأنصاري (2/306) مع شرح المصنف.

(4) هو: أحمد بن عمرو بن عبد الخالق أبو بكر العتكي المعروف بالبزار، الثقة الحافظ، صاحب المسند، قدم بغداد وحدث بها، وتوفي بالرملة سنة اثنتين وتسعين ومائتين.

انظر: تاريخ بغداد (4/334، 335).

(5) التبيين لأسماء المدلسين لسبط ابن العجمي، ص(344)، المطبوع ضمن المجموعة الكمالية، رقم(2)، شرح النخبة، ص(72).

(6) الكفاية للخطيب البغدادي، ص(510).

(7) يمثل كثير ممن كتب في علوم الحديث على هذا بما رواه ابن ماجه من رواية عمر بن عبد العزيز عن عقبة بن عامر عن النبي غ قال: «رحم الله حارس الحرس». رواه ابن ماجه برقم (2769)، وقالوا: إن عمر بن عبد العزيز لم يلق عقبة كما نص على ذلك المزي في تحفة الأشراف (7/314)، والحافظ العراقي في شرح ألفيته (2/307).

قال د. عبد الكريم الخضير في كتابه (الحديث الضعيف): في التمثيل بهذا الحديث للمرسل الخفي نظرًا لعدم المعاصرة المقتضية لخفاء الإرسال، بل فيه انقطاع ظاهر، لأن عمر بن عبد العزيز لم يعاصر عقبة؛ إذ أنه ولد سنة إحدى وستين أو ثلاث وستين وعقبة توفي سنة ثمان وخمسين على الصحيح.

انظر لذلك: تاريخ خليفة بن خياط، ص(225)، والاستيعاب لابن عبد البر (3/1073).

(8) هو: أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته، والأشهر أنه لا اسم له غيرها، ويقال: اسمه عامر، كوفي ثقة، من كبار الثالثة، والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه، مات بعد سنة ثمانين.

انظر: تقريب التهذيب (2/448).

(9) هو: الحسن بن أبي الحسن البصري، الإمام أبو سعيد، أحد أئمة الهدى والسنة، كان كبير الشأن، رفيع الذكر، رأسا في العلم والعمل، وكان من أشجع أهل زمانه، مات سنة عشر ومائة.

انظر: الكاشف (1/220)، والخلاصة (1/210 – 211).

(10) سنن النسائي (6/138).

(11) انظر: شرح ألفية العراقي له (2/307)، وتوجيه النظر للجزائري، ص(262).

(12) منهج النقد د. نور الدين عتر (ص387)

 



بحث عن بحث