الضعيف بسبب السقط من السند(8)

المدلَّس (3)

 

 

رابعًا: تدليس العطف:

تعريفه:

هو أن يروي المحدث عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه، ويكون قد سمع من أحدهما دون الآخر، فيصرح عن الأول ويعطف الثاني عليه، فيوهم أنه حدث عنه بالسماع أيضًا، وإنما حدث بالسماع عن الأول ونوى القطع فقال: وفلان أي وحدث فلان.

ومثاله: ما جاء في «العلل»(1) للإمام أحمد برواية عبد الله خبرا من رواية هشيم قد يصلح أن يكون مثالاً آخر على هذا النوع ، قال عبد الله  ثني أبي ثنا هشيم قال: وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر …

قال عبد الله: سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من عبيد الله .

وكان عبد الله قد روى قبل ذلك عن أبيه: ثنا هشيم أخبرنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.. ثم قال: وعبيد الله بن عمر …

فظاهر هذا أن هذا من تدليس العطف .

 

وذكروا من أمثلته ما أورده الحاكم في المعرفة أن جماعة من أصحاب هشيم اجتمعوا يومًا على أن لا يأخذوا منه التدليس ففطن لذلك، فكان يقول في كل حديث يذكره: حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم، فلما فرغ قال لهم: هل دلست لكم اليوم؟ فقالوا: لا، فقال: لم أسمع من مغيرة حرفًا مما ذكرته وإنما قلت: حدثني حصين ومغيرة غير مسموع لي(2) . فأضمر في الكلام محذوفًا ففسّره بما ذكره.

 

خامسًا: تدليس الشيوخ:

تعريفه:

هو أن يروي المحدث عن شيخ حديثًا سمعه منه، فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أوي صفه بما لا يعرف به كي لا يعرف.

ومثاله: ما رواه الخطيب البغدادي عن شيخه الحسن بن محمد الخلال قول سعيد بن المسيب: إن كنت لأرحل الأيام والليالي في طلب الحديث. وسمّى الخطيب شيخه الحسن بن أبي طالب، ومرة قال: أخبرنا أبو محمد الخلال(3).

 

وقال أبو حاتم بن حبان: (ومثل الوليد بن مسلم إذا قال: ثنا أبو عمر فيتوهم أنه أراد الأوزاعي وإنما أراد به عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وقد سمعا جميعاً عن الزهري) (4)اهـ .

تنبيه:

ذكر الخزرجي في الخلاصة في ترجمة الإمام محمد بن يحيى الذهلي أن البخاري روى عنه ويدلسه (5).

وفي التحقيق أن البخاري لم يقل في موضع: حدثنا محمد بن يحيى، بل قال تارة: محمد من غير نسبة، وتارة: محمد بن عبد الله فينسبه إلى جده، وتارة: محمد بن خالد فينسبه إلى والد جده.

ويجاب عن صنيع الإمام البخاري هذا بما كان بينهما من الخلاف في مسألة اللفظ بالقرآن، فلثقته عنده خرَّج له، ولئلا يظن موافقته له في هذه المسألة لم يصرح باسمه كاملاً(6).

حكم تدليس الشيوخ:

تدليس الشيوخ مكروه إلا أنه أخف من الأنواع السابقة لأن المدلس لم يسقط أحدًا، وإنما الكراهة بسبب تضييع المروي عنه وتوعير طريق معرفته على السامع. أما إذا كان امتحانًا للطلاب أو تفننًا في العبارة بحيث لا يخفى على أهل الفن فهو جائز، وهذا ما يستعمله الخطيب البغدادي في مصنفاته.

تنبيه:

يلحق بتدليس الشيوخ تدليس البلدان، كأن يقول المصري: حدثني فلان بالأندلس وأراد موضعًا بالقرافة، أو يقول: بزقاق حلب، وأراد موضعًا بالقاهرة وهكذا(7).

الأغراض الحاملة على التدليس:

الأغراض الحاملة على التدليس كثيرة منها:

1- ضعف الشيخ المدلَّس.

2- صغر الشيخ بحيث يأنف الراوي عنه فيدلسه.

3- إيهام علو الإسناد.

4- كثرة الرواية عنه.

5- الخوف من عدم أخذ الحديث مع الاحتياج إليه.

6- التفنن في العبارة(8).

 

 -----------------------------------

(1) العلل للإمام أحمد (2192)

(2) معرفة علوم الحديث، ص(105) ولم يسندها الحاكم فلعلها لا تصح

(3) انظر: الرحلة في طلب الحديث، ص(128 – 129)، شرف أصحاب الحديث، ص(60).

(4) «المجروحين» (1/91)

(5) خلاصة تهذيب تهذيب الكمال، ص(363).

(6) انظر: فتح المغيث (1/181).

(7) فتح المغيث (1/184).

(8) انظر: الكفاية، ص(511)، والتقريب للنووي مع التدريب، ص(145)، وفتح المغيث (1/179).



بحث عن بحث