القاعدة الأولى: المقاصد والنيات (1-6)

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،

ففي هذه الحلقة نبدأ ببيان: القواعد المنهجية في الدعوة إلى الله تعالى.

القاعدة الأولى: الـمقاصد والنيات

مدخل: (صلاح العمل مرتبط بصلاح القلب، وصلاح القلب مرتبط بصلاح النية، فاطلب النية للعمل قبل العمل).

فالعمل الذي لا يصحبه الإخلاص صورة بلا حياة، وجثة بلا روح، والله تعالى إنما يريد من الأعمال حقائقها لا رسومها وصورها، وجاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»(1) .

وليس تشديد الإسلام في طلب الإخلاص، وتأكيده على تجريد النية لله، وتصحيح الاتجاه إليه وحده: ضربًا من التشديد أو العبث، فإن الحياة نفسها لا تستقيم ولا ترقى إلا بالمخلصين، وأكثر ما يصيب الأمم والجماعات من النكبات والكوارث القاصمة إنما يجره عليها أناس لا يرجون الله والدار الآخرة...

إن الإسلام لا يرضى للمسلم أن يعيش بوجهين: وجه لله، ووجه لشركائه، ولا أن تنقسم حياته إلى شطرين: شطر لله وشطر لغيره، فالإسلام يرفض الثنائية المقيتة، والازدواجية البغيضة، التي نشهدها في حياة المسلمين اليوم، فتجد الرجل مسلمًا في المسجد أو في شهر رمضان، ثم هو في حياته، أو في معاملاته، أو في مواقفه إنسان آخر.

إن الإخلاص هو الذي يوحد حياة المسلم، ويجعلها كلها لله، فصلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين.

وإذا كان (الإخلاص) يمثل هذه الحقيقة العميقة، ويترتب عليه نجاح الإنسان في حياته الدنيوية ومنها الدعوية، وحياته الأخروية، فنقف معه بشيء من البسط في الكلمات الآتية:

معنى المقاصد والنيات:

يستعمل العلماء القصد والنية بمعنى واحد.

قال الخطابي في تعريف النية: «هي قصدك الشيء بقلبك، وتحرى الطلب منك له»(2) .

وقال الزركشي في قواعده: «حقيقة النية ربط القصد بمقصود معين، والمشهور: أنها مطلق القصد إلى الفعل».

وقال الماوردي: «النية قصد الشيء مقترنًا بفعله، فإن قصده وتراخى عنه فهو عزم»(3) .

وقال القرافي: «هي قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله»(4) .

وقال البيضاوي: «النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقًا لغرض، من جلب نفع، أو دفع ضرر، حالًا أو مآلًا، والشرع خصها بالإرادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاء لوجه الله، وامتثالًا لحكمه»(5).

ولا ريب أن النية التي صحت بها الأحاديث النبوية –وستأتي- إنما تتمثل في الإرادة الجازمة المصممة المتوجهة نحو الفعل، خيرًا كان أم شرًا، واجبًا أو مستحبًا، أو محظورًا، أو مكروهًا، أو مباحًا، ولهذا تكون أحيانًا نية صالحة محمودة، وأحيانًا نية سيئة مذمومة، حسب المنوى: أي شيء هو؟ وحسب المحرك الباعث: أهو الدنيا أم الآخرة؟ أهو وجه الله أم غيره؟

فليست النية إذن مجرد خاطرة تطرأ على القلب لحظة ثم لا تلبث أن تزول، فلا ثبات لها، يقول صلى الله عليه وسلم : «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به،أو تتكلم به»(6) ، وهذا يؤيد ما قاله بعضهم من أن النية ليست مجرد الطلب، بل الجد في الطلب(7) .

وسنذكر في الحلقة التالية بإذن الله تعالى: أهمية النية في تحقيق الإخلاص.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


(1)  أخرجه مسلم: (4/1986رقم6543)، كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره.

(2)   أعلام الحديث للخطابي: (1/112).

(3)  إتحاف السادة المتقين: (10،26،27).

(4)  الذخيرة: (134:1).

(5)  فتح الباري: (19:1).

(6) أخرجه البخاري: (1/71رقم2528)، كتاب العتق، باب الخطأ والنسيان في العتاق والطلاق، ومسلم: (1/116رقم 331)، كتاب الإيمان، باب بيان تجاوز الله تعالى عن حديث النفس.

(7)  وتطلق النية ويراد بها تمييز الفعل وإن كانت صورة العمل واحدة مثل التفريق بين صلاتين متحدثين في الأفعال، فالذي يميز بينهما هو النية، وهذا المعنى ليس المقصود بالبحث هنا، وإنما ما ذكر وهو الإخلاص.

 

 



بحث عن بحث