مقومات الدعوة (1-2)

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،

ففي هذه الحلقة نذكر مقومات الدعوة.

 

خامسًا: مقومات الدعوة:

للدعوة إلى الله تعالى مقوّمات كثيرة تجعلها تحقق أهدافها المنشودة، ومن أهم هذه المقوّمات:

1 – العلم:

ويقصد به العلم الشرعي، وهو العلم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهذا يعني العلم بتوحيد الله في ربوبيته وألوهيته في أسمائه وصفاته، والعلم بأحكام الحلال والحرام، والعلم بالواجبات والفروض وغيرها.

وتتضح أهمية العلم الشرعي في أن أول سورة نزلت من القرآن الكريم تأمر بالتعلم والقراءة والكتابة، قال الله تعالى: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ( [العلق: 1-5].

وتوفر العلم الشرعي مطلب ضروري ومقوّم رئيس من أجل العمل في الميدان الدعوي، لأنه يرشد إلى الدين الصحيح في العقيدة والعبادة والأخلاق وسائر الأعمال الصالحة، والجهل بالدين يؤدي إلى ظهور الانحرافات والتناقضات في العقيدة والعبادات، لذا أثنى الله تعالى على أهل العلم بقوله: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر:9]، وقال جل ثناؤه: )  إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ( [فاطر : 28].

2 – الإخلاص:

كما إن إخلاص النية لله تعالى من أهم المقوّمات للقيام بالدعوة إلى الله تعالى وتحافظ على مسارها في الاتجاه الصحيح، يقول جل ثناؤه: ) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء( [البينة: 5]، والله تعالى يبارك في كل جهد يبذل من أجله، فيتكفل بحفظه وفلاح القائمين عليه، لذلك أمر الله عباده بإخلاص العمل له وحده بغض النظر عن النتائج التي تؤول إليه، يقول تبارك وتعالى: ) يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )[هود : 51].

أما الذي يعمل لغير الله، للشهرة أو المال أو المناصب وغيرها من المقاصد الدنيوية، فإن الله يجازيه حسب نيته وغايته، فيحرم من الأجر والثواب في الآخرة، يقول عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» (1) .

فليحذر الدعاة والمصلحون وأهل العلم من انحراف النية والقصد، والذي يحدد نجاح الدعوة أو فشلها، لأن الدعوة من العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله، فلا بد أن يخلص النية لله جلّ ثناؤه.

3 – وضوح الرؤية والهدف:

ومن مقوّمات نجاح الدعوة إلى الله تعالى وضوح الرؤية لدى الداعية وتحديد الهدف المتمثل في إيصال الإسلام إلى الناس، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، اقتداء بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، الذين كانوا يبينون الهدف من دعوتهم، يقول الله تعالى: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) [النحل: 36]. فالهدف واضح ومبين وهو عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه من الأصنام والأوثان وجميع أشكال الآلهة الأخرى.

وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم  هذه الرؤية في دعوته التي دامت ثلاثة وعشرين عامًا، فعن ابن عباس م قال: لـمّا نزلت هذه الآية ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ( [الشعراء: 214]، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم  حتى صعد الصفا، فهتف:( يا صباحاه! فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد، فاجتمعوا إليه. فقال: «يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب، فاجتمعوا إليه». فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقي؟» قالوا: ما جرّبنا عليك كذبًا. قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». قال: فقال أبو لهب: تبًّا لك أما جمعتنا إلا لهذا، ثم قام). فنزلت هذه السورة: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ( [المسد: 1].

وهكذا كانت دعوته عليه الصلاة والسلام واضحة للجميع، من غير غموض أو أسرار أو إخفاء للحقائق، كما هي حال سائر العقائد والمذاهب والأديان. وقد تجلى ذلك أيضًا حين كان يعرض عليه الصلاة والسلام الدعوة على الوفود القادمة إلى مكة أو حين يراسل الملوك والقياصرة حيث يقول عليه الصلاة والسلام في إحدى رسائله إلى هرقل: «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله – إلى قوله – اشهدوا بأنا مسلمون» (2) .

وسنذكر في الحلقة التالية بإذن الله تعالى: بقية من مقومات الدعوة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


(1)  أخرجه البخاري: (1/2/رقم1)، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان الوحي.

(2) أخرجه البخاري: (1/5رقم7)، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي، ومسلم: (3/1393رقم1773)، كتاب الجهاد، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم  إلى هرقل.



بحث عن بحث