الأحاديث المستدل بها على الإعجاز العلمي في الأرض والفلك

 

 

الفصل الأول : الأحاديث المتعلقة بالأرض

 

المبحث الأول: كروية الأرض.

   1– حديث: «لا تركب البحر إلا حاجاً، أو معتمراً، أو غازياً في سبيل الله؛ فإن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحراً»(*).

   أخرجه أبو داود – وانفرد به عن الستة –(1) عن سعيد بن منصور – وهو في سننه –(2) والبخاري – في التأريخ الكبير –(3) والبيهقي(3)، والمزي(5)، كلهم من طريق مُطَرِّف بن طَرِيف، عن بشير بن مسلم، عن عبدالله بن عمرو، مرفوعاً، ولفظه: «لا يركب» بالمثناة التحتية.

   زاد أبو داود بين مطرف وبشير بن مسلم: (بشراً أبا عبدالله)، وأشار إلى هذا المزي(6)، وكذلك البيهقي فقال: "وقيل فيه عن مطرف، عن بشر
أبي عبدالله، عن بشير بن مسلم، عن عبدالله بن عمرو". وساق إسناده إلى أبي داود.

   وعلى كل حال فكلاهما مجهولان(7)، أعني بشراً وبشير.

   ورواه البخاري في التأريخ الكبير من طريقين عن مطرف في أواهما زيادة: (عن رجل) بين بشير بن مسلم، وعبدالله بن عمرو. ثم قال: "ولم يصح حديثه".

   وقال المنذري: "في الحديث اضطراب؛ رُوي عن بشير هكذا، ورُوي عنه أنه بلغه عن عبدالله بن عمرو، ورُوي عنه، عن رجل، عن عبدالله بن عمرو، وقيل غير ذلك"(8).

   وقال الخطابي: "وقد ضعفوا إسناد هذا الحديث"(9).

   وقال أبو داود: "رواته مجهولون"(10).

   فالحديث ضعيف بهذا الإسناد.

 

الاستدلال :

   استدل بهذا الحديث الدكتور محمد فائز المط ، في كتابه (من معجزات الإسلام) (11)، على كروية الأرض، فقال: "وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأرض كروية، وأن باطنها فيه نار، إذ قال لمن أراد السفر في البحر الأحمر: «لا تركب البحر...»، أي تحت البحر الأحمر، المائع الناري في جوف الأرض، ومن جهة ثانية بعد المائع الناري، يأتي المحيط الهادي، فلو مررنا خطاً مستقيماً عمودياً من البحر الأحمر، لاخترق الأرض من البحر الأحمر إلى المائع الناري، إلى المحيط الهادي، مما يثبت أيضاً أن الأرض كروية". اهـ.

 

التعليق :

   نلحظ الاندفاع غير المنضبط في كلام هذا الرجل، مما أدى به إلى التقول على الرسول صلى الله عليه وسلم وإليك بيان ذلك:

   1– أين ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأرض كروية، وأن باطنها فيه نار؟!.

كان الأولى أن يقول: يدل الحديث على كذا، أو يفهم منه كذا.

   2– عدم رجوعه إلى المصادر الأصلية، أدى به إلى أن يفهم أن النبي كان يخاطب شخصاً معيناً حاضراً؛ لأن اللفظ الذي أورده هو: «لا تركب» بضمير المخاطب، ولم أجده في سنن أبي داود ولا غيره، وإنما فيه لفظ: «لا يركب» بضمير الغائب.

وهذا الخطأ جعله يخطئ في تعيين البحر، بأنه البحر الأحمر، ولو رجع إلى المصادر الأصلية، ووقف على اللفظ الوارد فيها، لما وقع فيما وقع فيه.

   3– وعلى فرض صحة كلامه، فهل تأكد من صحة الحديث ليبني على ذلك ما أراد؟!

   4– وحتى على فرض صحة الحديث، فإنه لا يدل على ما استدل به عليه؛ وذلك:

   أ – أن الحديث يقول: «ناراً» وهو يقول: «مائع ناري»، وقد يُتَغاضى عن هذا.

   ب – وأن وجود المائع الناري في جوف الأرض، يجعل البر والبحر يغطيان هذا المائع، فلو مررنا خطاً مستقيماً عمودياً من البر، في جهة من الأرض، ليخترقها ويمر بالمائع الناري، فيمكن أن يخرج إلى البر من الجهة الأخرى، ولو مررناه من البحر من هذه الجهة، فيمكن أن يخرج إلى البر من الجهة المقابلة، أو العكس، وحينئذ لا يكون لتنصيص الحديث على البحر فائدة، أما كروية الأرض فأمر مجمع عليه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية(12).

 2– حديث: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المغارب أين تغرب، وهذه المطالع من أين تطلع؟ فقال: «هي على رسلها، لا تبرح ولا تزول، تغرب عن قوم، وتطلع على قوم، تغرب عن قوم، وتطلع على قوم، فقوم يقولون: غربت، وقوم يقولون: طلعت»(*).

   لم أعثر على هذا الحديث في أي كتاب، غير كتاب المستدل هذا، رغم كثرة البحث والسؤال، فالله أعلم بحاله.

 

الاستدلال :

   استدل به عبدالكريم محمد نصر، في كتابه (الفلك العلمي)، على أنه يثبت كروية الأرض، فقال: "[يستدل من لفظ بلاغة] (13) الحديث الشريف، على ما أثبته العلم عن كروية الأرض، فلو كانت مسطحة لقال: تطلع وتغرب على جميع سكان الأرض، في زمن واحد"(14).

 

التعليق :

   ينبغي، بل يجب على من أراد الاستدلال بالأحاديث النبوية، التأكد من ثبوتها، ولكن بعض الكتاب – هداهم الله – يأخذهم الحماس للدين، أو التكاسل والتهاون في التثبت، فيقعون فيما ينعكس عليهم ويكون خلاف المراد، والله المستعان.


(*)        من معجزات الإسلام ص (76، 157، 158).

(1) سنن أبي داود – كتاب الجهاد – باب في ركوب البحر في الغزو – (3/13ح2489).

(2)  سنن سعيد بن منصور (2/152، 153ح 2393)، في النسخة الخطية كما قال المحقق، لكنه

     أثبت الإسناد الذي في سنن أبي داود في المتن، وأشار إلى إسناد الأصل في الهامش، ووقع فيه   

     (بشير بن أبي عبدالله)، وكذا في تهذيب الكمال (1/153) والذي في المصادر الأخرى (بشير

     ابن مسلم)، وكنيته أبو عبدالله، والله أعلم.

(3)  التأريخ الكبير (2/104، 105).

(4)  السنن الكبرى (4/334) و (6/18).

(5)  تهذيب الكمال (1/153).

(6)  الذي في تهذيب الكمال: (بشر بن أبي عبدالله)، والذي في تقريب التهذيب (124): (بشر
     أبو عبدالله)، كما هو عند أبي داود.

(7)  انظر تقريب التهذيب ص (124، 125).

(8)  مختصر سنن أبي داود (3/359).

(9)  معالم السنن (3/359).

(10)  تلخيص الحبير (2/221).

(11)  من معجزات الإسلام، ص (76، 157، 158).

(12)  مجموع الفتاوى (5/150).          

(*)        الفلك العملي ص (3).

(13)  كذا قال، والأولى أن يقول: يؤخذ من بلاغة لفظ... الخ.

(14)  المصدر السابق.

 

 



بحث عن بحث