المبحث السادس

 

شق السمع والبصر، وتقديم السمع على البصر (2ـ2)

 

الاستدلال :

استدل بهذا الحديث الدكتور/ محمد علي البار، في كتابه (خلق الإنسان...)( 1) على أنه نطق بما يحدث فعلاً في تكوين السمع والبصر.

وأضاف الدكتور/ محمد عثمان نجاتي، في كتابه (الحديث النبوي وعلم النفس) (2) أنه معجز من جهة ترتيبه السمع قبل البصر.

قال الدكتور/ البار: "تصل قناة السمع الخارجية (EXTERNAL AUDITORY MEATUS) ما بين صوان الأذن، وطبلة الأذن، وتتكون من بطانة الشق البلعومي الأول (FIRST PHARYGEAL CLEFT) الذي يمتد على هيئة قِمْعٍ(3) حتى يصل إلى غشاء الطبلة.

وفي البداية تكون هذه القناة مقفلة ومصمتة، نتيجة امتلائها بالخلايا، مكونة ما يعرف باسم سدادة الصماخ (MEATAL PLUG)، ثم تمتص هذه السدادة وتزاح في الشهر السابع".

ثم ذكر الحديث، وقال: ((سيأتي عندما نتحدث عن العين، كيف تقفل الجفون ويلتصق الجفنان، ثم في الشهر السابع تشق، وتفتح.

وكل ذلك يؤكد معنى شق سمعه وبصره، الذي وصفه حديث المصطفى (( وهو يناجي ربه في سجوده...))( 4).

وقال – عند كلامه عن تكوين البصر، وبالذات عن العدسة البصرية، بعد أن تصبح شفافة –: ((ويغطي العدسة محفظة من الطبقة المتوسطة (الميزودرم)، وتسمى عندئذ (المحفظة العدسية الوعائية)؛ لأنه تتخللها الأوعية الدموية التي تضمر في الشهر السابع، وتشق هذه المحفظة في وسطها، مكونة فتحة وفرجة، تعرف باسم (حدقة العين) أو (البؤبؤ))( 5).

وقال عن الجفون: "ويكتمل نمو الجفون في الشهر الثالث، ويلتصق الجفنان منذ ذلك الوقت، إذ لا حاجة للجنين بالرؤية في ذلك الظلام الدامس، ولحماية العين مما يحيط بها من السائل الأمنيوسي (الرهل).

وفي الشهر السابع تنفتق الجفون مرة أخرى، استعداداً لخروج الجنين إلى الدنيا، ومرة أخرى نقول مع المصطفى صلوات الله عليه في سجوده: ((سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره)) (6). اهـ.

وذكر في كتابه (الوجيز في علم الأجنة القرآني) خلاصة ما شرحه في كتابه (خلق الإنسان...) عن موضوع السمع والبصر، ثم قال: (( ويكتمل نمو السمع منذ الشهر الرابع في الجنين، ومنذ ذلك الوقت المبكر، يسمع الجنين الأصوات الخارجية، وقرقرة أمعاء أمه، أما البصر فيتأخر في النمو، وعندما يولد الطفل، يستطيع أن يبصر الأشياء، ولكن إدراكه للمبصرات ضعيف وضئيل، أما إدراكه للسمعيات، فجيد منذ الولادة، بل وقبل الولادة، وذلك مما يفسر تقديم السمع على البصر في القرآن الكريم ))(7). اهـ.

هكذا قال، مع أن السمع مقدم على البصر أيضاً في الحديث الذي استدل به.

ومن هذه الوجهة استدل به الدكتور نجاتي، فذكر حديث عائشة، ثم قال: (( فَذِكْرُ الرسول شق السمع قبل شق البصر، إنما يتفق مع معطيات علم الأجنة، التي تبين أن تكوين السمع في الجنين يسبق تكوين البصر )). اهـ.

 

 

التعليق :

هذا الحديث فيه إعجاز علمي واضح، على ما قاله الأطباء من كيفية خلق السمع والبصر وترتيبهما ، خاصة وأن النبي قد عبر بلفظ: ((شق)) دون غيره من الألفاظ، وهو يدل على انصداع في الشيء(8).

وعندي سؤال أوجهه إلى الأطباء، ولكن بعد أن أُعَرِّفَ السمع والبصر، فأقول: السمع – بفتح السين وإسكان الميم – يطلق على الأذن ويطلق على حِسِّ الأذن(9)، أو ما يسمى عند الأطباء بـ (مركز السمع).

والبصر – بفتح الباء والصاد – كذلك يطلق على العين، ويطلق على حِسِّ العين(10)، أو ما يسمى عند الأطباء بـ (مركز الإبصار).

والسمع والبصر في هذا الحديث المراد به العين والأذن، بدليل إضافته إلى الوجه، والسؤال هو: هل مركز السمع والإبصار في المخ يُشق أيضاً كما في تكوين العين والأذن؟

وأما تقديم لفظة (السمع) على لفظة (البصر)، فهو الترتيب الموجود في آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ولم أقف على حديث واحد من الأحاديث التي تجمع لفظتي (السمع) و(البصر) يخالف هذا الترتيب.

وقد طرحت السؤال السابق على الدكتور/ يحيى ناصر خواجي – مدير الدراسات العليا بمستشفى الملك فهد، بالمدينة المنورة – فقال: لا.

ــــــــــ

(1)   خلق الإنسان بين الطب والقرآن، ص (333، 340).

(2)   الحديث النبوي وعلم النفس، ص (232).

(3)   قَِمْع بفتح القاف وكسرها وقِمَع كعنب : ما يوضع في فم الإناء، فيصب فيه الدهن وغيره. القاموس (3/691/مادة: قمع).

(4)   خلق الإنسان بين الطب والقرآن، ص (333، 340).

(5)   خلق الإنسان بين الطب والقرآن، ص (338 340).

(6)   المصدر السابق.

(7)   الوجيز في علم الأجنة القرآني، ص (73).

(8)   معجم مقاييس اللغة (3/170)، وقال ابن منظور: "الشق بالفتح: مصدر قولك شققت العود شقا، وهو الصدع البائن، وقيل غير البائن، وقيل هو الصدع عامة". لسان العرب (4/2300).

(9)   لسان العرب (3/2095)، وترتيب القاموس (2/613)، والمفردات للراغب (ص242)، والمعجم الوسيط (1/449).

(10) لسان العرب (1/290)، والمفردات (ص48)، والمعجم الوسيط (1/85).

 

 



بحث عن بحث