الفصل الثاني الأحاديث المتعلقة بأعضاء في جسم الإنسان

 

المبحث الأول: لون الجلد، لا يفضل به صاحبه.

المبحث الثاني: عدد المفاصل.

المبحث الثالث: تداعي الجسد.

المبحث الرابع: من أسرار تقديم اليمين.

المبحث الخامس: علاقة الناصية بسلوك الإنسان، وتقديم السمع على البصر.

المبحث السادس: شق السمع والبصر.

المبحث السابع: صلاح القلب صلاح للجسد.

المبحث الثامن: عجب الذنب.

المبحث التاسع: الرحم شجنة.

 

المبحث الأول/ لون الجلد لا يفضل به صاحبه:

1 – حديث: «أَعَيَّرْتَهُ بأمه. إنك امروء فيك جاهلية، [طف الصاع طف الصاع](1)، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى»، ثم نظر إلى أبي ذر، وقال له: «انظر؛ فإنك لست بخير  من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله»(*).

لم أقف على هذا الحديث بهذه السياقة، وإنما وقفت على بعضه:

فأوله إلى قوله: «فيك جاهلية»، أخرجه الشيخان من طريق المعرور بن سويد أنه قال: لقيت أبا ذر بالرَّبَذَة، وعليه حلة، وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك؟ فقال: إني ساببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر أعيرته بأمه؟....»(2).

وأما قوله: «طف الصاع» إلى قوله «فنظر إلى أبي ذر» فلم أقف عليه.

وأما قوله «انظر فإنك...» الخ، فقد أخرجه أحمد(3)، عن وكيع، عن أبي هلال، عن بكر، عنه، وسنده منقطع، وفيه ضعف، فـ (بكر) هو ابن عبدالله المزني، قال أبو حاتم: (روايته عن أبي ذر مرسلة)(4).

وأبو هلال هو محمد بن سليم الراسبي (صدوق، فيه لين)(5).

ويبدو أن العراقي وقف على طريق أخرى؛ فقد عزاه إلى ابن أبي الدنيا في (العفو وذم الغضب)، وصحح إسناده(6).

2 – ويشهد له ما أخرجه ابن المبارك(7)، وأحمد(8)، كلاهما من طريق سعيد الجريري، أن أبا نضرة حدثهم، قال: حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى، فقال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط أيام التشريق فقال: «يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أسود على أحمر ولا أحمر على أسود، إلا بتقوى الله، ألا هل بلغت؟....»، والسياق لابن المبارك.

وإسناده صحيح، وجهالة الصحابي لا تضر، كما هو معلوم.

وقد وقع التصريح باسم هذا الصحابي عند أبي نعيم(9)، والبيهقي(10)، كليهما من طريق العلاء بن مسلمة الهذلي البصري: ثنا شيبة أبو قلابة القيسي، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن

 جابر، وذكره.

قال أبو نعيم: "غريب من حديث أبي نضرة عن جابر، لم نكتبه إلا من حديث أبي قلابة، عن الجريري، عنه".

وقال البيهقي: "في هذا الإسناد بعض من يجهل".

ولعل هذا إشارة منهما إلى شيبة أبي قلابة القيسي؛ فلم أقف على ترجمته.

وأما العلاء بن مسلمة الهذلي البصري – كما عند البيهقي – فذكره الحافظ تمييزاً وقال: (مقبول)(11).

الاستدلال :

استدل به الدكتور/ إبراهيم خليل، في كتابه (وتكلم الجلد)، فقال: "ربما يمكنك أن تلمس بنفسك، علمية الحديث، حيث علمنا أن جميع البشر، يولدون وعدد خلايا الميلانين في بشرتهم متساوٍ، وأن هذا العدد ثابت عند جميع المواليد، سواء كانوا بيضاً أو سوداً"(12).

التعليق :

لاشك أن اختلاف الألوان والألسن، إنما هو آية دالة على قدرة الله عزوجل، والكتاب والسنة لا يعتبران اللون والشكل مزية لأحد، فإن ثبت في الطب أن لون الجلد، لا أثر له على ذات الإنسان وقيمته، فهذا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، في عصر كان أهله يعتبرون السواد مذمة، بل إن الجاهلية إلى اليوم ترى أن الأبيض أعلى من الأسود، مع أننا في عصر العلم كما يقولون!.

 


(1) قال ابن الأثير: «كلكم بنو آدم طَفُّ الصاع، ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى» أي: قريب بعضكم من بعض، يقال: هذا طَفُّ المكيالِ وطِفاَفُه وطَفَافه: أي ما قَرُب من ملئه، وقيل: هو ما علا فوق رأسه، ويقال له أيضاً: طُفَاف، بالضم، والمعنى: كلكم في الانتساب إلى أب واحد، بمنزلة واحدة في النقص والتقاصر عن غاية التمام، وشَبَّهَهُم في نقصانهم بالمكيل الذي لم يبلغ أن يملأ المكيال، ثم أعلمهم أن التفاضل ليس بالنسب ولكن بالتقوى".اهـ. النهاية (3/129).

(*) كتاب (وتكلم الجلد) ص (126، 127) قال مؤلِّفه الدكتور/ إبراهيم خليل: "قد حدث ذات يوم أن احتدم النقاش بين الصحابي المعروف (أبو ذر الغفاري)، وأحد الزنوج، إذ غضب عليه وقال له: يا ابن السوداء – كما كان يقال لعنترة في الجاهلية – فماذا حدث بعد ذلك؟!! انظر إلى هذا السيناريو المتلاحق والمثير" – وعَنْونَ بالعنوان التالي: (موقف الرسول من هذه الحادثة) – وقال: "أنكر على أبي ذر فعلته، وقال له...".

(2)  صحيح البخاري – كتاب الإيمان – باب المعاصي من أمر الجاهلية (1/84ح30)، وكتاب العتق = باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «العبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكلون» (5/173، 174ح 2545) وكتاب الأدب – باب ما ينهى عن السباب واللعن (10/465ح 6050).

 صحيح مسلم – كتاب الأيمان – باب إطعام المملوك مما يأكل، وإلباسه مما يلبس (3/1282، 1283ح 1661).

(3)  المسند (5/158).

(4)  تهذيب التهذيب (1/425)، وتحفة التحصيل (ق8).

(5)  تقريب التهذيب، ص (481).

(6)  تخريج أحاديث الإحياء (3/175).

(7)  مسند ابن المبارك (ص146، 147ح 239).

(8)  المسند (5/411).

(9)  الحلية (3/100)، وعنده (العلاء بن سلمة).

(10) شعب الإيمان (9/362ح 4774).

(11) تقريب التهذيب ص (426).

(12) وتكلم الجلد ص (127).



بحث عن بحث