المبحث الرابع عشر (أطوار الجنين: النطفة، العلقة، المضغة (1ـ6))

 

     1 – حديث أنس – مرفوعاً –: «وَكَّلَ الله بالرحم ملكاً، يقول: أي رب نطفة(1)، أي رب علقة(2)، أي رب مضغة(3)، فإذا أراد الله أن يقضي [خلقاً] (4) قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل فيكتب كذلك في بطن أمه»(*).

أخرجه البخاري(5)، ومسلم(6)، وأبو داود الطيالسي(7)، وأحمد(8)، وابنه عبدالله(9)، والفريابي(10)، والآجري(11)، واللالكائي(12)، وأبو نعيم(13)، والبيهقي – في الاعتقاد –(14)كلهم من طرق عن حماد بن زيد، عن عبيد الله بن أبي بكر، عن جَدِّهِ: أنس بن مالك.

 

¯         ¯        ¯

     2 – حديث عبدالله بن مسعود، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو الصادق المصدوق – قال: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون [في ذلك] (15) علقة مثل ذلك، ثم يكون [في ذلك] (16) مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد»(*).

  هذا الحديث وقفت على سبع طرق له عن ابن مسعود، ثلاث منها مرفوعة، والباقي موقوفة، والطريق الأولى هي الصحيحة فقط، أما الباقي فضعيفة، وفي ألفاظها اختلاف، وإليك سرد طرق الحديث:

  الأولى: زيد بن وهب، وله عن زيد طريقان أيضاً:

إحداهما: الأعمش، أخرجه البخاري(17)، ومسلم(18) – واللفظ له –  وأبو داود(19)، والترمذي(20)، وابن ماجة(21)، ومعمر بن راشد(22)، وابن طهمان(23)، والطيالسي(24)، والحميدي(25)، وأحمد(26)، وابن أبي عاصم(27)، والفريابي(28)، والنسائي(29) – في الكبرى – وأبو يعلى(30)، والخلاّل(31)، وابن حبان(32)، والآجُرِّي(33)، وأبو الشيخ(34)، وأبو بكر الوراق(35)، وابن مندة(36)، والصيداوي(37)، واللالكائي(38)، وأبو نعيم(39)، كلهم من طرق عديدة عن الأعمش، به، مثله، إلا ما سبق التنبيه عليه من انفراد مسلم بلفظة: «في ذلك»، وإلا رواية عند البخاري بلفظ: «.... ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله...».

   لكن بعضهم عنده: «أربعين ليلة»، وعند بعضهم: «أربعين يوماً أو أربعين ليلة»، وبعضهم جمعها فقال: «أربعين يوماً وأربعين ليلة»، والمعنى واحد، فالمراد يوم بليلته، أو ليلة بيومها(40).

  وتمام الحديث هو: «فو الذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع؛ فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع؛ فيسبق عليه الكتاب؛ فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».

  قال الحافظ: "وكنت خرجته في جزء، من طرق نحو الأربعين نفساً عن الأعمش، فغاب عني الآن، ولو أمعنت التتبع لزادوا على ذلك"(41). اهـ.

  وقد وقفت على سبعة وعشرين راوياً عن الأعمش، منهم واحد وعشرون راوياً، ساق مخرجوا رواياتهم ألفاظهم، من هؤلاء الواحد والعشرين، ثمانية عشر ألفاظهم بمثل لفظ مسلم – ما عدا اللفظة المنبه عليها سابقاً – وهؤلاء الثمانية عشر، هم(42): حفص بن غياث، وأبو الأحوص: سلام بن سليم، وأبو معاوية: محمد بن خازم، ووكيع، وعبدالله بن نمير، وجرير بن عبدالحميد، وسفيان الثوري، ويحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وإبراهيم بن طهمان، وعلي بن مسهر، وعبدالواحد بن زياد، وشريك، وإسماعيل بن زكريا، ويحيى بن أبي زائدة، وداود بن نصير الطائي، وأبو إسحاق الفزاري، وفضيل بن عياض.

  والثلاثة الباقون من الواحد والعشرين، في ألفاظهم زيادة، وهم:

    1 – زهير بن معاوية، روى عنه علي بن الجعد – في مسنده – بلفظ: «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، [ثم يكون نطفة مثل ذلك]، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك...» (43).

    فزاد لفظة: [ثم يكون نطفة مثل ذلك].

   وهذه اللفظة، إن لم تكن وقعت نتيجة خطأ من الناسخ، أو الطابع، فهي شاذة؛ وذلك أن مجموع الأيام في هذه الرواية يكون مئة وستين يوماً – على اعتبار أن المراد بلفظ «مثل ذلك»: أربعين يوماً – بينما سائر الروايات الأخرى، لا يزيد مجموع الأيام فيها عن مئة وعشرين يوماً. لكن الظاهر أنها وقعت خطأ؛ لأن البغوي قد أخرج الحديث من طريق ابن الجعد، دون ذكر هذه الزيادة(44). وكذلك اللالكائي أخرجه من طريق ابن الجعد، إلا أنه لم يذكر لفظ زهير، وإنما جمعه مع غيره من الرواة عن الأعمش، وساق لفظ الحديث، وليست فيه هذه الزيادة(45).

    2 – جرير بن حازم، لفظه: «تكون النطفة في الرحم أربعين ليلة نطفة، وأربعين ليلة علقة، وأربعين ليلة مضغة، ثم يبعث إليها ملك...» ووقف الحديث من قوله: «إن الرجل ليعمل بعمل.....»، ولم يذكر نفخ الروح، رواه عنه ابن وهب في كتابه القدر(46).

فتراه كرر لفظ «النطفة» مرتين، وكرر لفظ الأربعين ثلاث مرات، وهو – أي جرير – وإن كان ثقة، إلا أن (له أوهاماً إذا حدث من حفظه) (47)، فلعله حدث بهذا من حفظه، أو روى الحديث بالمعنى الذي فهمه هو.

والله أعلم.

    3 – شعبة بن الحجاج، اختلف عليه، فرواه عنه سليمان بن حرب(48)، ووهب بن جرير(49)، بلفظ: «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه [نطفة] أربعين يوماً، ثم يكون....»، هكذا بزيادة لفظ: «نطفة».

  وخالفهما: أبو الوليد هشام بن عبدالملك(50)، وآدم بن أبي إياس(51)، ومعاذ ابن معاذ(52)، وشعيب بن محرز(53)، وأبو داود الطيالسي(54)، فرووه كلهم عن شعبة دون ذكر لفظة: «نطفة».

  وأما السبعة الباقون من الثمانية والعشرين، فأحال أصحاب الكتب برواياتهم على غيرهم، ولذا لا أرى حاجة لذكر أسمائهم.

ثانيتهما: سلمة بن كهيل، أخرجه أحمد(55)، والفريابي(56)، والنسائي – في الكبرى –(57)، وأبو بكر الوراق(58)، كلهم من طرق عن فِطْر بن خليفة، عن سلمة ابن كهيل، عنه.

ولفظ أحمد كلفظ مسلم، ما عدا لفظة: «في ذلك»(57). وأما لفظ الفريابي فهو: «يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة أربعين يوماً، ثم يكون مضغة أربعين يوماً، ثم يبعث الله عزوجل ملكاً فيقول اكتب عمله، وأجله، ورزقه، واكتب شقي أم سعيد»، وباقي الحديث عندهما موقوف، ولم يذكرا نفخ الروح.

    وفِطْر بن خليفة (صدوق رمي بالتشيع) (60)، فهو ليس في درجة من رواه عند الشيخين وغيرهما، ممن ضبطوه، فلم يذكروا لفظ (الأربعين) إلا مرة واحدة، فلعل فِطْراً رواه بالمعنى الذي فهمه هو.

 


(1)  النطفة: الماء الصافي قل أو كثر، وهي بالقليل أخص، وقد نطف الماء ينْطُفُ وينْطِفُ: إذا قطر قليلاً قليلاً، ونَطَفت آذان الماشية وتنطفت: ابتلت بالماء فقطرت، ويعبر بالنطفة عن ماء الرجل.

انظر: النهاية في غريب الحديث (5/75)، والمفردات للراغب ص (496) ومختار الصحاح ص (666)، ولسان العرب (6/4461، 4462).

   وقال الحافظ في الفتح (11/479): المراد بالنطفة: المني. اهـ. فتكون النطفة إذاً ثلاثة أنواع: نطفة الرجل، ونطفة المرأة، والنطفة الأمشاج: أي المختلطة منهما، كما قال المفسرون. انظر: تفسير ابن كثير (8/310).

  وقد ورد في السنة التعبير بـ (نطفة الرجل، ونطفة المرأة)، وبـ (مني الرجل ومني المرأة)، انظر: مبحث صفة ماء الرجل وماء المرأة ح (8، 10، 11).

  والمراد بالنطفة هنا: النطفة الأمشاج؛ لأنها هي التي تتحول إلى علقة، ثم مضغة، والله أعلم.

(2)  العلقة: القطعة من الدم الجامد الغليظ، سمي بذلك للرطوبة التي فيه، وتعلقه بما مَرَّ به، والعلقة: دودة في الماء تمتص الدم، ولونها أحمر كالدم، انظر: غريب الحديث الحربي (3/216)، ولسان العرب (4/3075)، وفتح الباري (11/481، 482).

  وقال ابن فارس: "(علق) العين، واللام، والقاف: أصل كبير صحيح، يرجع إلى معنى واحد، وهو أن يناط الشيء بالشيء العالي، ثم يتسع الكلام فيه، والمرجع كله إلى المعنى الذي ذكرناه ". اهـ. معجم مقاييس اللغة (4/125)، وقال الراغب: "والعلق دود يتعلق بالحلق". اهـ. المفردات، ص (343).

(3)  المضغة: القطعة من اللحم قدر ما يمضغ، وجمعها مُضَغ، وجعلت اسماً للحالة التي ينتهي إليها الجنين بعد العلقة، وقال الأزهري: "إذا صارت العلقة التي يخلق منها الإنسان لحمة، فهي مضغة ". ومضغ يمضغ مضغاً: لاَكَ، ومُضَغُ الأمور: صغارها، انظر: النهاية في غريب الحديث (4/339)، ولسان العرب (6/4222)، والمفردات ص (469)، وفتح البارئ (11/482).

(4)  ما بين المعكوفتين هي من لفظ مسلم، لكن طرف الحديث عنده وعند غيره ممن أخرجه هو: «إن الله عزوجل قد وكل...» إلا البخاري في موضع اللفظ الذي ذكره المستدل، ولفظة: «خلقاً» هي عنده: «خَلقَها».

(*) خلق الإنسان بين الطب والقرآن ص (243).     

(5)  صحيح البخاري – كتاب الحيض – باب مخلقة وغير مخلقة (1/418ح 318)، وكتاب أحاديث الأنبياء – باب خلق آدم وذريته (6/363ح 3333)، وكتاب القدر – باب (1) (11/477ح 6594)، واللفظ من هذا الموضع.

(6)  صحيح مسلم – كتاب القدر – باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه... (4/2038ح 2646).

(7) مسند الطيالسي (ص276ح 2073).

(8) المسند (3/116، 148).

(9)  السنة (2/396ح 360).

(10)   القدر (ق28).

(11)   الشريعة ص (184).

(12)  شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/593ح 1048، 1049).

(13)  الحلية (6/260).

(14)  الاعتقاد ص (78، 79).

(15)  ما بين المعكوفتين انفرد بها مسلم.

(16)  ما بين المعكوفتين انفرد بها مسلم.

(*)  علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة ص (141، 142).

(17)  صحيح البخاري – كتاب بدء الخلق – باب ذكر الملائكة (6/303ح 3208) وكتاب الأنبياء – باب خلق آدم وذريته (6/363ح 3332)، وكتاب القدر – باب (1) – (11/477ح 6594)، وكتاب التوحيد – باب قوله تعالى ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين )[الصافات: 171].

(18)  صحيح مسلم – كتاب القدر – باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه.. (4/2036، 2037ح 2643).

(19)  سنن أبي داود – كتاب السنة – باب في القدر (5/82، 83ح 4708).

(20)  سنن الترمذي – كتاب القدر – باب ما جاء أن الأعمال بالخواتيم (4/388، 389ح 2137).

(21)  سنن ابن ماجه – المقدمة – باب في القدر (1/29ح76).

(22)  الجامع (11/123ح 20093).

(23) مشيخة ابن طهمان (ص 139ح 82).

(24)  مسند الطيالسي (ص38، 39ح 298).

(25)  مسند الحميدي (1/69ح 126).

(26)  المسند (1/382، 430).

(27)  السنة (1/77، 78ح 175، 176).

(28)  القدر (ق24، 25).

(29)   سنن النسائي الكبرى – التفسير (المفرد) (1/593ح 266).

(30)   مسند أبي يعلى (9/89ح 5157).

(31)   السنة للخلال (ص538، 539ح 590).

(32)  الإحسان (8/18ح 6141).

(33)  الشريعة، ص (182)، والأربعين حديثاً (ص99ح6).

(34)  العظمة (5/1634ح 1077).

(35)  زيادات أبي بكر الوراق على القدر لابن وهب، ص (152 – 157ح 38– 42)، وأبو بكر الوراق هو محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق (محدث فاضل مكثر، لكنه يحدث من غير أصول ذهبت أصوله)، الميزان (3/484)، وانظر: تاريخ بغداد (2/53 – 55)، ولسان الميزان (5/80).

(36)  التوحيد (1/218، 219، 234ح 82، 92).

(37)  معجم الشيوخ، ص (60، 61).

(38)  شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/591ح 1041، 1042).

(39)  الحلية (7/365) و (8/258).

(40)  فتح الباري (11/50479).

(41)  فتح البارئ (12/479).

(42)  رتبتهم حسب ترتيب الكتب في التخريج.

(43)  مسند ابن الجعد (2/937).

(44)  انظر: شرح السنة (1/128ح 71).

(45)  شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/590ح 1040).

(46)  القدر (ص151ح 37).

(47)  انظر: تقريب التهذيب ص (138).

(48)  عند الحربي في غريب الحديث (3/1216).

(49)  عند أبي عوانة في مسنده، كما في الفتح (11/479).

(50) في صحيح البخاري (ح6594)، وفي صحيح ابن حبان (الإحسان – ح 6141).

(51)  في صحيح البخاري أيضاً (ح7454).

(52)  في صحيح مسلم (ح2643).

(53)  في صحيح ابن حبان (الإحسان (ح6141).

(54)  في مسنده (ح298).

(55)   المسند (1/414).

(56) القدر (ق 25). تحرف فيه اسم شيخ الفريابي (إسحاق بن سيار) إلى (إسحاق بن يسار)، وكذلك اسم شيخ شيخه (عبيد الله بن موسى) إلى (عبدالله بن موسى).

(57)  سنن النسائي الكبرى – التفسير (المفرد) (1/593ح 266).

(58)  زيادات أبي بكر الوراق على القدر لابن وهب (ص 157، 158ح 44).

(59)  فقد انفرد بها مسلم كما تقدم.

(60)   تقريب التهذيب، ص (448).



بحث عن بحث