الحلقة (46) الظــــــن بمن سلم من الأنام

في ضوء الكتاب والسنة(8-15)

 

 

تابـــع آثار ظن السوء

 

10-التكفير والتفسيق: هو أمر أخطر مما سبقه، ينبغي التنبه إليه، والحذر منه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم  (لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك)(1)  .

نعم هو أمر خطير لا ينبغي التساهل فيه، وترك العنان له يسير في الأمة كيف يشاء؟ يسير بلا ضابط سليم، ولا أساس صحيح؟ يسير وفق هوى مجرد، وظن موهم.

فإذا رأى أحدهم من يخالفه، ولو في أمر هين يسير، كفره أو فسقه.

قال ابن تيمية–رحمه الله-: (وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد بكفر ولا بفسق ولا معصية...،كمسألة رؤية النبي –×-ربه، ومسألة سماع الميت كلام الحي ،وتعذيب الميت ببكاء أهله، وغير ذلك) (2)

وهذا فيما عدا الواجبات والمحرمات، وما كان من شرائع الإسلام الظاهرة،

فهذا بلا شك، يكفر الواحد بجحودها بل يقاتل(3)

وإذا كان الأمر بهذا الخطورة كان لزاماً التثبت فيه، والسير على منهج سديد فيه، وهذا النهج هو كما يذكره لنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين(4) –رحمه الله- حيث قال: (الحكم بالتكفير والتفسيق ليس إلينا بل هو إلى الله تعالى ورسوله فهو من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة ، فيجب التثبت فيه غاية التثبت، فلا يكفر ولا يفسق إلا من دل الكتاب والسنة على كفره أو فسقه، والأصل في المسلم الظاهر العدالة بقاء إسلامه، وبقاء عدالته حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره أو تفسيقه، لأن في ذلك محذورين عظيمين:

الأول: افتراء الكذب على الله في الحكم وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به.

والثاني: الوقوع فيما نبز به أخاه إن كان سالماً منه... وعلى هذا فيجب قبل الحكم على المسلم بكفر أو فسق أن ينظر في أمرين: أحدهما: دلالة الكتاب والسنة على هذا القول أو الفعل الموجب للكفر أو الفسق.

الثاني: انطباق هذا الحكم على القائل المعين ، أو الفاعل المعين بحيث تتم شروط التكفير و التفسيق في حقه وتنتفي الموانع..) (5).

11-إزهاق الأنفس وإهدار الأموال: فكم نفس أزهقت، وأموال أهدرت بكلمة زور وبهتان خرجت –والله المستعان-

وقتل النفس من أبشع الجرائم قال تعالى: (...مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32].

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)(6) .

وكذا غرم الناس أموالاً طائلة بظنون خاطئة، والمال له حرمة لا تخفى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل)[النساء: 29]

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم  : (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين) (7)  .

12-استغلال الأعداء لهذا الأمر والاستفادة منه:

قد يستغل الأعداء هذا الأمر في التفرقة بين المسلمين وإثارة الشكوك بين الصفوف، ومن ثم اجتذاب ضعاف النفوس إلى جانبهم، والتغلب عليهم.

وهذا يتضح جلياً من حادثة الإفك، فمن آثارها ما أراد سوى التفرقة بين المسلمين والنيل منهم.

وكذا  يتضح من محنة ابن تيمية(8) –رحمه الله-حيث حسد بعض العلماء ذلك العالم الجليل وقد وجد الحسد الحطب الذي ينفث فيه النار وتحرق بها المحسود.

 فقول الحق الذي كان يجري على لسانه، الطوائف الكثيرة  أغضبها ذلك وأغضبها محاربته لأهل الباطل كالشيعة والصوفية... فكان هؤلاء ممن ثاروا وأوغروا الصدور، وأزعجوا الأمراء بالشكوى منه المرة بعد المرة، وأثاروا الغبار حوله... لينالوا ما يريدون(9) .

وكذا الحال بالنسبة للشيخ –محمد بن عبد الوهاب(10) -رحمه الله- فلما اشتهر الشيخ وكتب الكتابات الكثيرة، وألف المؤلفات القيمة ونشرها بين الناس ظهر جماعة كبيرة من حساده ومخالفيه، وظهر أيضاً أعداء آخرون وصار أعداؤه وخصومه قسمين: قسم عادوه باسم العلم والإيمان وقسم عادوه باسم السياسة، ولكن تستروا باسم العلم والدين ؛ فتارة يقولون عنه أنه من الخوارج، وتارة يخرق الإجماع... وهكذا(11) .

يتبع علاج ظن السوء


(1)  البخاري: كتاب الأدب، باب النهي عن السباب والفسوق 10/464، 6045.

(2)  مجموع الفتاوى: 3/229-231. بتصرف يسير واختصار.

(3)  دحض شبهات على التوحيد من سوء الفهم لثلاثة أحاديث: 53-55.

(4) محمد بن صالح العثيمين: هو محمد بن صالح بن محمد بن عثمين الوهيبي، ولد في عنيزة عام 1347هـ  من مشايخه، عبد الرحمن السعدي، وابن باز، من مؤلفاته تلخيص الجزرية، تفسير آيات الأحكام شرح عمدة الأحكام، نيل الأرب في قواعد ابن رجب (علماؤنا فهد البورابي، فهد البراك)

(5)  القواعد المثلي في صفات الله وأسمائه الحسنى: 78-89 .

(6)   البخاري: كتاب الديات، باب قوله الله تعالى: ((ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم)) 12/1871، 6862.

(7)  البخاري: كتاب المظالم، باب إثم من ظلم شيئاً من الأرض 5/13، 2453، مسلم : كتاب المساقاة 11/50، 142.

(8)  انظر: ابن تيمية حياته وعصره وآراؤه وفقهه: 50-51.

(9)  محمد بن عبد الوهاب: هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي زعيم النهضة الدينية الإصلاحية الحديثة في جزيرة العرب ولد 1115هـ ونشأ في العيينة بنجد وله مصنفات أكثرها رسائل منها: كتاب التوحيد ورسالة كشف الشبهات وتفسير الفاتحة وتفسير شهادة أن لا إله إلا الله، توفي 1206هـ (الأعلام للزركلي 7/137).

(10)   مجموع فتاوى ومقالات لابن باز: 1/368-369.

 



بحث عن بحث