كشف الوجه

 

بين المبيحين والمانعين

المسمى بـ
 

(طهارة القلوب في مسألة ضرب الخمار على الجيوب)

 

تقريظ: عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية

 

تأليف: محمد بن خالد الحميد

 

 

 

التقريظ

 

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد :

 

   إشارة إلى طلبكم منا الاطلاع على كتاب ((طهارة القلوب في مسألة ضرب الخمار على الجيوب)) وإبداء مرئياتنا حوله.

   نفيدكم أنا قد أحلنا الكتاب إلى معالي الشيخ / سعد بن ناصر الشثري ، عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء وقد أثنى على الكتاب خيراً ، وأشار بالتقديم له ، وإني إذ أشكر لكم غيرتكم وهمّتكم في هذا الباب لأسأل الله عز وجل أن ينفعكم بما سطرتم وينفع به قارءه ومستمعه وأن يجزل لكم المثوبة ويعظم لكم الأجر.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،

 

                                                المفتي العام للمملكة العربية السعودية   

ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء

                                                            عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

 

 

 

 

 

 

 

 الحمد لله القائل: (يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. يَابَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) والصلاة والسلام على أزكى البشرية محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

 ثم أما بعد:

مقدمة في بيان كمال الديانة الإسلامية:

إن من كمال الشريعة الإسلامية بيانها للحق بوضوح وجلاء؛ ميسرة بذلك سهولة الوصول إلى الحق والتعرف عليه لمن أراده وبحث عنه، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال الإمام ابن كثير، رحمه الله: وكان أبو العالية يقول في هذه الآية: المخرج من الشبهات والضلالات والفتن.

 ولقد كان من نعم الله علينا أن هيأ لنا من أسباب اجتماع الأمة ما لا يخفى على من سبر الشريعة وأحكامه، إذ وحد الصفوف عند اعوجاجه، وأرشد الأفئدة الحائرة عند اضطرابه، وأنار السبيل ووضّح الدليل، ووضع القواعد والضوابط بما يتطابق مع العقل الصريح؛ إذ لا تعارض بين النص الصحيح والعقل الصريح، ثم ترك بعدها مجالا لإعمال العقل الصريح وفق ضوابط وقواعد ومقاصد الشريعة الإسلامية، وفي الأمور الاجتهادية خير شاهد على ذلك، فكانت بذلك رحمة للعالمين من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فلك الحمد ربنا على تمام نعمتك (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلاَمَ دِينً)، وإنما مثل الشريعة الإسلامية في أحكامها كمثل السماء في إحكامها (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ).

 وإن من جوانب الكمال في الشريعة الإسلامية أنها سلمت للعلماء مهمة قيادة الأمة في الأمور الدينية وللأمراء القيادة السياسية، وأمرت المسلمين بطاعتهم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ) فتيسر للمسلمين بذلك سهولة الاجتماع والرجوع إلى رأي العلماء الموافق لأمر الله ولأمر رسوله، عليه الصلاة والسلام، عند حلول الملمات وحصول الاضطرابات، ومن فعل ذلك فقد سلم من الإرجاف في البلاد والعباد، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَْمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيل) قال الشيخ ابن سعدي، رحمه الله: "وفي هذا دليل لقاعدة أدبية، وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور، ينبغي أن يولّى من هو أهل لذلك، ويجعل إلى أهله، ولا يُتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب للصواب وأحرى من الخطأ". هـ) تيسير الكريم الرحمن ص170). وقد قال تعالى في شأن الرجوع إلى العلماء عند الجهل: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) قال الإمام الشاطبي، رحمه الله: "ذلك أن السائل لا يصح أن يسأل من لا يُعتبر في الشريعة جوابه؛ لأنه إسناد للأمر إلى غير أهله، والإجماع على عدم صحة مثل هذ، بل لا يمكن في الواقع؛ لأن السائل يقول لمن ليس بأهل لما سئل عنه: أخبرني عما لا تدري، وأنا أسند أمري لك فيما نحن بالجهل به على سواء، ومثل هذا لا يدخل في زمرة العقلاء". (الموافقات 4/ 262)

وإنما مثل العلماء كمثل النجوم في السماء، قال الإمام ابن القيم، رحمه الله: "أما تشبيه العلماء بالنجوم، فإن النجوم يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر وكذلك العلماء، والنجوم زينة للسماء، فكذلك العلماء زينة للأرض، وهي رجوم للشياطين حائلة بينهم وبين استراق السمع لئلا يلبسوا بما يسترقونه من الوحي الوارد إلى الرسل من الله على أيدي الملائكة، وكذلك العلماء رجوم لشياطين الإنس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرور، فالعلماء رجوم لهذا الصنف من الشياطين، ولولاهم لطمست معالم الدين بتلبيس المضللين". (مفتاح دار السعادة 68)

إذا تبين لك عظيم قدر العلماء ومكانتهم في الإسلام، فاعلم أن هذا التقدير لا يكون كمالاً حتى يُعطى العلماء قدرهم من غير زيادة ولا نقصان، ومن غير إفراط ولا تفريط، ومن غير تقصير في طاعتهم المقيدة، ولا غلو في طاعتهم وجعلها مطلقة لا حدود له، فالعلماء بمثابة الأدلاّء، فبهم يُعرف حكم الله، ويستعان بفهمهم لفهم مراد الله، عز وجل، ومراد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا أن طاعتهم مقصودة لذاتها.

والحكمة من ذلك أنه لابد من صدور خلل أو وجود خطأ أو حصول نقص عند الإنسان، فالكمال لله وحده، والكمال هنا أن يؤخذ ما كان صواباً من أقوال العلماء، وهو الموافق لأمر الله ولأمر رسوله، عليه الصلاة والسلام، وأن يترك ما كان خط، وهو المخالف لقول الله ولقول رسوله، عليه الصلاة والسلام، وهذا الصواب موجود في أقوال العلماء بجملته، ولا يقتضي وجود قول للعلماء في مسألة ما حصول الصواب فيها.

قال الإمام ابن القيم، رحمه الله: "ومن هنا يتبين الفرق بيت تقليد العالم في كل ما قال، وبين الاستعانة بفهمه، والاستضاءة بنور علمه، فالأول يأخذ قوله من غير نظر منه ولا طلب لدليله من الكتاب والسنة، بل يجعل ذلك كالحبل الذي يلقيه في عنقه يُقلدهُ به، ولذلك سُمي تقليد، بخلاف من استعان بفهمهم، واستضاء بنور علمهم في الوصول إلى الرسول، صلوات الله وسلامه عليه، فإنه يجعلهم بمنزلة الدليل الأول، فإذا وصل إليه استغنى بدلالته من الاستدلال بغيره، فمن استدل بالنجم على القبلة فإنه إذا شاهدها لم يبق لاستدلاله بالنجم معنى". (كتاب الروح 256)

قال الإمام الشاطبي، رحمه الله: "فعلى كل تقدير لا يُتَّبع أحد من العلماء إلا من حيث هو متوجه نحو الشريعة، قائم بحجته، حاكم بأحكامها جملة وتفصيل، وأنه متى وجد متوجهاً غير تلك الوجهة في جزئية من الجزئيات أو فرع من الفروع لم يكن حاكماً ولا استقام أن يكون مقتدًى به فيما حاد فيه عن صوب الشريعة ألبتة". (الاعتصام 2/ 862)

 ولهذا نرى علماء الأمة على مر العصور والدهور يتفانون في رد الناس إلى الحق والنور المبين كتاب الله وسنة رسوله الأمين، إذ هما الحَكَم في الأمور كله، دقيقها وجليله، قليلها وكثيره، وترك أقوال الأئمة مهما كان قدرهم إذا كانت مخالفة لقول الله ولقول رسوله، صلى الله عليه وسلم، فهذا ابن عباس، رضي الله عنهم، حبر الأمة وترجمان القرآن يُنكر على أهل زمانه أخذهم بقول أبي بكر الصديق وعمر الفاروق، رضي الله عنهم، قائلاً: "يُوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال الله ورسوله وتقولون قال: أبو بكر وعمر؟". وقد نقل الشيخ الدكتور فضل إلاهي في كتابه (حكم الإنكار في مسائل الخلاف) شواهد كثيرة في إنكار سلف الأمة على من خالف النص في أحكام الأفعال، وشواهد في إنكار الصحابة على من خالف الكتاب والسنة، يرجع إليه مَن أراد الاستزادة.

أقوال الأئمة الأربعة:

 قال الإمام أحمد: "عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)". قال الفضل بن زياد عن أحمد أنه قال: "نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة وثلاثين موضعا" ثم جعل يتلو: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). وقال الإمام أبو حنيفة، رحمه الله: "إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول، صلى الله عليه وسلم، فاتركوا قولي". وقال أيضا: "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه". قال الشيخ الألباني، رحمه الله، معلقا في [صفة الصلاة (الحاشية ص (25))]: "فإذا كان هذا قولهم فيمن لم يعلم دليلهم، فليت شعري ماذا يقولون فيمن علم أن الدليل خلاف قولهم ثم أفتى بخلاف الدليل؟ فتأمل هذه الكلمة فإنها وحدها كافية في تحطيم التقليد الأعمى". هـ.

 وقال الإمام مالك، رحمه الله: "ليس أحد بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم". قال الشيخ الألباني، رحمه الله، معلقا في [صفة الصلاة (الحاشية ص (28)]: "وأورده تقي الدين السبكي في "الفتاوى" (1/ 148) من قول ابن عباس متعجباً من حسنه، ثم قال: وأخذ هذه الكلمة من ابن عباس مجاهد، وأخذها منهما مالك واشتهرت عنه". قال الشيخ الألباني، رحمه الله: "ثم أخذها عنهم الإمام أحمد، فقد قال أبو داود في (مسائل الإمام أحمد) (ص276): سمعت أحمد يقول: ليس أحد إلا ويؤخذ من رأيه ويترك ما خلا النبي، صلى الله عليه وسلم". هـ.

 وقال الإمام الشافعي، رحمه الله: "ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة الرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتعزب عنه، فما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلاف ما قلت، فالقول ما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو قولي". وقال أيضا: "أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يحل له أن يدعها لقول أحد". هـ.

بيان لبعض الأدلة الموجبة للرجوع إلى حكم الله ورسوله:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآْخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) قال الإمام ابن كثير، رحمه الله: "وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يُردَّ التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟".

وقال الشيخ ابن سعدي، رحمه الله: "لأن كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهم، فالرد إليهما شرط في الإيمان؛ فلهذا قال: (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآْخِرِ) فدل على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت، كما ذكر في الآية بعدها"(تيسير الكريم الرحمن ص165).

وقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودً) قال الإمام ابن القيم، رحمه الله: "هذا دليل على أن من دعي إلى تحكيم الكتاب والسنة فأبى: أنه من المنافقين".

 الموقف العدل في اجتهاد العلماء:

لقد فقه علماء الإسلام أهمية إرجاع الناس إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فاجتهدوا غاية الاجتهاد في موافقة أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكان منهم المصيب وكان منهم المخطئ، وهم في ذلك مأجورون بإذن الله لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد) رواه الشيخان وغيرهما. ولذا قال شيخ الإسلام، رحمه الله: "وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة-المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً- يتعمد مخالفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شيء من سنته، دقيق ولا جليل. فإنهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم" أهـ [رفع الملام ص: 4].

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: "فأما الصديقون والشهداء والصالحون، فليسوا بمعصومين، وهذا في الذنوب المحققة، وأما ما اجتهدوا فيه: فتارة يُصيبون وتارة يخطئون. فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا وأخطؤوا فلهم أجر على اجتهادهم، وخطؤهم مغفور لهم. وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين، فتارة يُغلون فيهم ويقولون: إنهم معصومون، وتارة يجفون عنهم ويقولون: إنهم باغون بالخطأ. وأهل العلم والإيمان: لا يعصمون ولا يؤثمون".. هـ (الفتاوى35/ 69).

وقال الحافظ ابن رجب، رحمه الله: "فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم ويأمرهم بإتباع أمره، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة، فإن أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أحق أن يُعظَّم ويُقتدى به من رأي أي مُعظَّم قد خالف أمره في بعض الأشياء خط، ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل مخالف سنة صحيحة، وربما أغلظوا في الرد لا بغضاً له بل هو محبوبٌ عندهم مُعظَّم في نفوسهم، لكن رسول الله أحب إليهم وأمره فوق أمر كل مخلوق، فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره فأمر الرسول أولى أن يُقدَّم ويُتَّبع، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن كان مغفوراً له، بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، بخلافه". [إيقاظ الهمم 93]

قال الشيخ الألباني، رحمه الله، معلقاً على هذا الكلام في [صفة الصلاة ص36]: "كيف يكرهون ذلك وقد أمروا به أتباعهم، كما مر، وأوجبوا عليهم أن يتركوا أقوالهم المخالفة للسنة، بل إن الشافعي، رحمه الله، أمر أصحابه أن ينسبوا السنة الصحيحة إليه، ولو لم يأخذ بها أو أخذ بخلافها". هـ.

حكم الإنكار في المسائل الخلافية:

إن المسائل التي اختلف فيها العلماء قسمان: قسم ينكر فيها على المخالف والقسم الآخر لا يُنكر فيه، ولقد صال وجال بعض المتعالمين حول هذه وأجبروا العالمين على جرِّ الناس إلى الهاوية وإتباع السبُل أينما توجهت وكانت، وما علموا أن عاقبة قولهم هذا هو الخروج عن تعاليم الدين الحنيف، إذ تشعبت الطرق على الناس وأخذوا بكل ساقط من القول، أو بعبارة أدق: لما رأى الناس هذا الاختلاف أخذوا ما يوافق أهواءهم من الأقوال وتركوا ما يخالفه، ولم يكن لموافقة الدليل أي اعتبار عندهم، وإنما القول الفصل لموافقة الهوى (أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً* أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَْنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيل)، قال الإمام الشاطبي، رحمه الله: "المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدًا لله اختيارًا كما هو عبد لله اضطرارًا" (الموافقات 2/ 168).

 وبإبعاد الناس عمّا أنزله الله ميزان قسط بين المختلفين: كتابه وسنة نبيه الأمين محمد، عليه أفضل الصلاة والتسليم، يُصبح الناس في أمر مريج، فلا يعرفون الصحيح من السقيم، ولا القائم من المعوجّ، ولا الهدى من الضلالة، ولا الرشد من الغي (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَْلْبَابِ) نقول لهؤلاء: رويدكم، فالحق أبلج والباطل لجلج، ونور الله لا تطفئه أفواهكم (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).

 قال الإمام ابن القيم، رحمه الله، مبيناً سبب هذا اللبس الحاصل: "وإنما أدخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ممن ليس لهم تحقيق في العلم". (إعلام الموقعين (3/ 300)).

 قال الشيخ الدكتور فضل إلاهي: "إن المسألة الاجتهادية هي المسألة التي لم يثبت فيها نص صريح، والمسألة الخلافية هي المسألة التي اختلف فيها علماء الأمة، وهي على نوعين:

1-المسألة الخلافية غير الاجتهادية:

وهي المسألة التي فيها خلاف بين علماء الأمة، لكن ثبت فيها نص أو نصوص صريحة تدل على صحة أحد الأقوال فيه، ولا مجال للاجتهاد فيها حيث (لا اجتهاد مع وجود نص).

2- المسألة الخلافية الاجتهادية:

 وهي المسألة التي اختلف فيها علماء الأمة، ولكن لم يثبت نص صريح يدل على صحة أحد الأقوال فيه، ومستند آراء العلماء فيها اجتهاداتهم أو اجتهادات غيرهم من العلماء.

 ولكل من النوعين حكم مستقل للإنكار فيه، وذلك على الوجه التالي:

 فالنوع الأول: يُنكر فيه على من خالف نصا أو نصوصا صريحة دالة على أحد الآراء في المسألة المختلف فيها.

 أما النوع الثاني: فلا يُنكر فيه على أحد؛ لأن المخالف لم يخالف نص، بل خالف اجتهاد مجتهد، واتبع اجتهاد مجتهد آخر، ولم يعرف المصيب من المخطئ في المسألة المختلف فيها. ولا ينبغي الإنكار على من خالف رأيا لم يثبت بالقطع صوابه". هـ  (حكم الإنكار في مسائل الخلاف ص72).

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: "إن ما فيه خلاف إن كان الحكم المخالف يخالف سنةً أو إجماعاً وجب الإنكار عليه، وكذلك يجب الإنكار على العامل بهذا الحكم، وإن كانت المسألة ليس فيها سنة أو إجماع وللاجتهاد فيها مساغ فإنه لا يُنكر على المخالف" [الفتاوى (20/ 207)]. هـ.

 والإنكار في الحجاب قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: "وكشف النساء وجوههن بحيث يراهن الأجانب غير جائز، وعلى ولي الأمرِ الأمرُ بالمعروف والنهى عن هذا المنكر وغيره، ومن لم يرتدع فإنه يعاقب على ذلك بما يزجره" (مجموع الفتاوى 24/ 382).

مذاهب الناس المخالفين لمسألة الحجاب:

قال الله تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).

إن الناس يختلفون حول خمار المرأة في التوجهات والمنطلقات، ومن باب العدل لابد من التفريق في التعامل معهم على حسب حالهم، وأيضاً حتى لا يُساء الظن في كل امرأة تكشف وجهها - مع أنها مخطئة-. علماً بأن قوة إيمان المرأة وإحساننا الظن فيها دافعٌ لنا إلى نصحها وتبيين الخطأ لها والاحتساب عليه، فهي مستجيبة لأمر الله ورسوله، عليه الصلاة والسلام، إذا دُعيت إليه، وقد قال الله تعالى في صفة المؤمنين: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينً) وقال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).

 إذا علمت ذلك فاعلم أن هناك مشكلتين يقع فيهما الناس، فمن الناس من مشكلته الشبهات: وهو إما يكون ملتزماً بستر الوجه تعبداً لله، ولكنه لا يرى في كشفه حرج، أو أنه لا يلتزم بتغطية الوجه ويرى أن الحجاب الشرعي هو تغطية الرأس تعبداً لله لا إتباعاً للهوى، فهؤلاء يُبين لهم الحكم وتزال عنهم الشبهات وهم أقرب من غيرهم في سرعة الاستجابة لأمر الله ورسوله، عليه الصلاة والسلام.

ومن الناس من هو صاحب هوى خالص: فهو لا يبغي إلا إغراق الأمة في الشهوات والشبهات، فتراه يحارب كل ما يبعث الستر والحياء والحشمة، مستغلاً هذا الاختلاف لتحقيق مآربه المشبوهة، مع أنه لا يلتزم بقول من قال بأن ستر الوجه سنة وجائز كشفه عند أمن الفتنة، وأن له ضوابط وشروطاً لابد من توافرها فيمن تكشف الوجه، بل لو فتح له الباب لخرج في الشوارع والطرقات بلا ثياب، فالمسألة عنده أكبر من أن تكون محصورة في هذا الموقف الخلافي، فينبغي الحذر منه ووعظه وتخويفه بالله، وحاجته إلى الوعظ وتبيين حقارة الدنيا وما فيها أكبر من حاجته لتبيين الحكم الشرعي.

 وقد يوجد من الناس من يخلط بين الشبهات والهوى: فأحيانا تغلب عليه الشبهات، وأحيانا يغلب عليه الهوى، فتعين بذلك أهمية المزج بين الموعظة وتبيين وتوضيح الأحكام أثناء طرح هذا الموضوع، كما هي عادة القرآن الكريم في بيان كثير من الأحكام الشرعية، فتجد مثلا أن القرآن يصدر الحكم الشرعي بالموعظة أو بالتقوى، أو يختم بأحدهم، ومن ذلك مثلا أن الله لما ذكر أحكام الفرائض قال: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الآية، وقال في الربا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، ولما ذكر أحكام الحيض قال (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)، ولما ذكر أحكام الطلاق قال: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) إلى غيرها من الآيات التي يتجلى فيها المزج الجميل بين الطرح العلمي والموعظة المرققة، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).

عادة نساء المسلمين على مر الزمان تغطية الوجوه:

 لابد من التنبيه إلى أن المسلمين كانوا مجمعين (عمليًا) على أن المرأة تغطي وجهها عن الأجانب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: "كانت سنة المؤمنين في زمن النبي، صلى الله عليه وسلم أن الحرة تحتجب، والأمة تبرز" (تفسير سورة النور (56)).

     وقال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: "إن العمل استمر على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال" (فتح الباري (9/ 337)).

     ونقل الإمام ابن رسلان، رحمه الله: "اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه" (عون المعبود (4/ 106).

     وقال الإمام أبو حامد الغزالي، رحمه الله: "لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات" (إحياء علوم الدين (1/ 729)).

      وفي (نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار) ذكر اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لاسيما عند كثرة الفساق. (6/ 130)

       وقال الإمام النحوي أبو حيان الأندلسي، رحمه الله: "وكذا عادة بلاد الأندلس؛ لا يظهر من المرأة إلا عينها الواحدة (البحر المحيط (3/ 144))، وهذا دليل على أن الحضارة الإسلامية قامت والمرأة بأكمل حجابه، فحصول التقدم الحضاري لا يعني وجود التفسخ.

         وقال الإمام الموزعي الشافعي، رحمه الله:" لم يزل عمل النساء على هذا قديماً وحديثاً في جميع الأمصار والأقطار ، فيتسامحون للعجوز في كشف وجهها ولا يتسامحون للشابة ويرونه عورة ومنكراً..  "(نيسير البيان لأحكام القرآن[2/1001]

        ومما يؤكد هذا أنك لا تجد مسألة كشف الوجه من عدمه قد أخذت حيزًا كبيرًا في مصنفات الأئمة، ولم تستغرق جهدهم ووقتهم، بل لا تكاد تجد مصنّفًا خاصًّا بهذه المسألة؛ ولو على شكل رسالة صغيرة؛ مما يدل دلالة واضحة على أن هذه القضية من الوضوح بمكان، وأن عمل المسلمين كما هو قائم، يتوارثه الخلف عن السلف، وهذا التواتر العملي يدلنا أيضًا على طبيعة تلقي العلماء لمثل هذه المسائل، وأنهم يرشدون أمتهم لما فيه العفة والطهر والاستقامة على أرشد الأمور، وأفضل السبل.
 مع العلم بأن فقهاء الأئمة الأربعة في العصر الحديث يوجبون تغطية الوجه؛ إما لأن كشفه في الأصل حرام، أو لفقدان الأمن من الفتنة فقد انتشرت الفاحشة وعمت البلوى أصقاع الأرض.

 

قصة تكتب في مكارم الأخلاق:

    قال الإمام ابن الجوزي في المنتظم(12/402) في حوادث سنة 286هـ:

ومن الحوادث العجيبة فيها: ما أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال :أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: حدثنا محمد بن نعيم الضبي، قال:سمعت أبا عبدالله محمد بن أحمد بن موسى القاضي يقول: (حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري سنة ست وثمانين ومائتين هجرية، فتقدمت امرأة، فادعى وليها على زوجها خمسمائة دينار مهراً. فأنكر.فقال القاضي : شهودك؟ قال: قد أحضرتهم، فاستدعى بعض الشهود أن ينظروا إلى المرأة ، ليشير إليها في شهادته، فقام الشاهد، وقال للمرأة: قومي! فقال الزوج: تفعلون ماذا؟ قال الوكيل:ينظرون إلى امرأتك، وهي مسفرة، لتصح عندهم معرفتها. فقال الزوج: فإني أُشهد القاضي أن لها علي هذا المهر الذي تدعيه، ولا يُسفر عن وجهها. فأُخبرت المرأة بما كان من زوجه، فقالت: فإني أُشهد القاضي أني قد وهبت له هذا المهر، وأبرأته منه في الدنيا والآخرة! فقال القاضي: " يكتب هذا في مكارم الأخلاق") وقد أورد هذه الحادثة الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية(11/81).

بداية انتشار السفور:

 ولم يبدأ انتشار السفور وكشف الوجه إلا بعد وقوع معظم بلاد المسلمين تحت سيطرة الكفار في العصر الحديث، فهؤلاء الكفار ألبسوا أنفسهم لباس الوصاية على بلادن، وكانوا حريصين على نشر الرذيلة ومقدماتها في ديار الإسلام لإضعافها وتوهين ما بقي من قوتها.

قال الشيخ سليمان الخراشي – حفظه الله- في بحث له عقده بعنوان(أسماء القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها من غير النجديين ص2: "ومما يؤكد أن السفور مما أحدثه المستعمر لبلاد المسلمين في العصر الحديث: الصور الفوتغرافية التي التقطت لديار المسلمين المختلفة(تركيا ،ومصر، وتونس، والشام...) تؤكد أن المرأة المسلمة كانت تغطي وجهها قبل أن تنتشر دعوة السفور على يد أذناب المستعمر النصراني، فانظر على سبيل المثال كتاب"مكتب عنبر"للقاسمي. وكتاب لطاهر الحداد، ومسألة الحداثة لأحمد خالد، وأي كتاب يتحدث عن ثورة1919م المصرية، وقد نشر أحد الأخوة في شبكة التبيان مجموعة صور قديمة لنساء عدد من البلدان تشهد لما ذكرت.هـ".

وقال الدكتور لطف الله خوجة- حفظه الله-: "وهكذا الحال قي بدايات القرن الأخير، فقد ظهر التصوير قبل مائة وخمسين عام، تقريب، وصور المصورون أحوال كثير من البلدان الإسلامية، منذ مائة عام، وزيادة، وفيها ما يحكي واقع حال النساء في بلاد الإسلام: تركستان، والهند، وأفغانستان، وإيران، والعراق، وتركي، والشام، والحجاز، واليمن، ومصر، والمغرب العربي حيث الجميع محجبات الوجوه والأبدان حجاباً كاملاً  سابغ، حتى في المناطق الإسلامية النائية، كجزيرة زنجبار في جنوب أفريقي، في المحيط الهندي، وقد زرتها عام 1420هـ ودخلنا متحفها القديم، ورأينا صور سلاطينها من العمانية، وصور نسائه، وكن جميعا محجبات على الصفة الآنفة ، وعندنا شاهد في هذا العصر: المرأة الأفغانية، فحجابها السابغ الذي يغطي جميع بدنه، حتى وجهه، قريب إلى حد كبير مما كان عليه النساء في سائر البلدان، فهذا الحال أشهر من أن يُستدل له، فالصور أدلة يقينية، فقد ظلت المرأة متمسكة بهذا الحجاب الكامل إلى عهد قريب، ولم يظهر السفور إلا بعد موجات الاستعمار والتغريب".(الدلائل المحكمة لآيات الحجاب على وجوب غطاء الوجه ص4-5)

وقد قال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله، في ذلك: "وقد أجمع المسلمون على تحريم التبرج، كما حكاه العلامة الصنعاني في حاشيته (منحة الغفار على ضوء النهار) (4/ 2012، 2011). وبالإجماع العملي على عدم تبرج نساء المؤمنين في عصر النبي، صلى الله عليه وسلم، وعلى ستر أبدانهن، حتى انحلال الدولة العثمانية في عام 1342هـ وتوزع العالم الإسلامي وحلول الاستعمار فيه. هـ"(حراسة الفضيلة ص92). وقد أكد ذلك فضيلة الشيخ القيسي، رحمه الله، حيث عاصر الدولة العثمانية قبل سقوطه، وأطال الله عمره حتى بلغ قرابة 130سنة وتوفي في عام 1426هـ في مدينة حقل في المملكة العربية السعودية، وقد عمل سنين كثيرة في القضاء.  وما الإجماعات العملية المأثورة عن العلماء المذكورة آنفاً عنا ببعيد، ففيها التصديق بجريان ذلك على الأمة الإسلامية.

 فهل يعي عقلاء الأمة ما يريد بها أعداؤها؟!

 وهلا رجعوا إلى ما فيه رحمة وهدى وبشرى للمؤمنين؛ كتاب الله وسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [سورة آل عمران الآيتان: 105، 106]. قال الشيخ عبدالله بن غنيمان، حفظه الله: "لأن الاختلاف بعد مجيء البينات خروج على أمر الله الذي يجب أن يكون جامعا للناس موحدا لصفوفهم، فإذا فهم قول الله واتبع وحسنت المقاصد صار عاصما من الاختلاف والتفرق، داعياً للاتفاق والاجتماع على طاعة الله ومتابعة رسوله، صلى الله عليه وسلم" (الهوى وأثره في الخلاف ص14).

يسروا ولا تعسروا:

 إن ثمة فئة من المخالفين لم يدركوا نعمة الله عليهم في تيسير أحكامه، فأبوا إلا التشديد على الأمة بعد يسره، والنقمة عليها بعد الرحمة، استجابة مباشرة أو غير مباشرة للأمم النصرانية واليهودية الحانقة على الإسلام وأهله، ومسايرة لهم ولرأيهم، فما كرهوا فهو المكروه، وما أحبوا فهو المحبوب، وما يسروا فهو اليسير، وما عسروا فهو العسير، فلا مانع من الانقضاض على الأسس ما دام في ذلك إرضاء لهم وإحسان وتوفيق، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).

 وقد فصل الله آياته في هذه المسألة وحسم الخلاف فيه، كما هي عادة شريعتنا السمحة في رد الناس إلى المعين الصافي: كتاب الله، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، التي قال فيها نبينا عليه الصلاة والسلام: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهاره، لا يزيغ عنها إلا هالك)، ولقد منّ الله علينا بكتابه الذي جعله: (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانه، كما قال تعالى: (وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرً) قال بعض المفسرين: هذه آية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة.

ولكن أبى الأشقياء إلا الضلالة بعد الهدى، والعذاب بعد الرحمة، فأجلبوا بخيلهم ورجلهم واختزلوا حجاب المرأة اختزالا فظيعا مسايرة لنظرة الغربيين، فشق على الأمة تحقيق الحكم الربانية التي نزل لأجلها هذا الأمر الإلهي، فإن التيسير الحاصل في هذا الحكم لا كما يتصوره صاحب النظرة السطحية من طبيعة التكاليف الشرعية التي لا تخرج عن حدود الاستطاعة، وإنما هو راجع إلى ما يترتب عليه هذا الأمر من الآثار الحميدة في الدنيا والآخرة على الفرد والجماعة، ومنها على سبيل المثال قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)، وقوله تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ)، وقوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً)، وقوله: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا* يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِْنْسَانُ ضَعِيفً).

ولا ريب أنه بتلك النظرة السطحية سيفتن فئام من الأمة الإسلامية لتخلفهم عن هذه الحكم الربانية، ولما جبلوا عليه من الضعف، ويصبحون في سرداب مظلم من الشهوات والشبهات؛ يتخبطون ذات اليمين وذات الشمال، ويتجرعون مرارة التمادي في طغيانهم، ولهثهم وراء شهواتهم، إلا أن الأمل منشود في أمة هي خير الأمم، ولاسيما أن فيها العلماء الربانيين الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله، وكفى بالله حسيبا.

إياك وزخارف القول (وقفات مع آيات) :

قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِْنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ*وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآْخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ*أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ*وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَْرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) قال الشيخ ابن سعدي، رحمه الله: "(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورً) أي: يزين بعضهم لبعض الذي يدعون إليه من الباطل ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة ليغتر به السفهاء وينقاد له الأغبياء الذين لا يفهمون الحقائق ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة والعبارات المموهة؛ فيعتقدون الحق باطلا والباطل حقا؛ ولهذا قال تعالى: (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآْخِرَةِ) لأن عدم إيمانهم باليوم الآخر وعدم عقولهم النافعة يحملهم على ذلك". وقال أيضا في قوله تعالى: (الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّل): "أي: موضحا فيه الحلال والحرام، والأحكام الشرعية، وأصول الدين وفروعه، الذي لا بيان فوق بيانه ولا برهان أجلى من برهانه، ولا أحسن منه حكما ولا أقوم قيلا؛ لأن أحكامه مشتملة على الحكمة والرحمة"(تيسير الكريم الرحمن ص248).

غطاء الوجه ولغتنا العربية:

يقول المبيحون لكشف الوجه: إن الجلباب والخمار والاعتجار والقناع ليس فيهن دلالة على تغطية الوجه؟! ويحق لنا بعد ذلك أن نتساءل ونقول: إذا كان الجلباب ليس غطاءً للوجه، والخمار ليس غطاءً للوجه، والاعتجار ليس غطاءً للوجه، والقناع ليس غطاءً للوجه... فهذا الذي يُغطى به الوجه في لغتنا العربية ما هو؟ وبم يسمى؟

الصدى الحر:

 ولقد كانت هذه الرسالة الموسومة بــ (طهارة القلوب في مسألة ضرب الخمار على الجيوب) صدى حرا لأقوال العلماء حول هذه المسألة التي غيبت عن الأمة قدر المستطاع بفعل أرباب التغريب، إذ التقطوا من زلات العلماء ما أسعف توجههم، وبرر موقفهم، وسلطوا كل ما أوتوا من قوة في إعلامهم المرئي والمسموع والمقروء لخدمة ما يصبون إليه من إفساد الأمة بهذه الورقة الذهبية الفاتنة التي قال عنها نبين، عليه الصلاة والسلام: (ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء) أخرجه الشيخان.

ولقد تحقق لهم بعض ما يريدون، ولكن الحق إذا نزل بأرض لم يزل بها حتى يخرج الباطل خاسئا وهو حسير، فأنى للظن مصارعة اليقين وقد حل بمنزله (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا* فَأَعْرِضْ عَن مَّنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى)، بل من حكمته سبحانه وتعالى، كما قال ابن سعدي، رحمه الله، معلقا على آيات الأنعام السابقة: "وجود أنصار للباطل وأدعياء له، ليحصل لعباده الابتلاء والامتحان، فيتميز الصادق من الكاذب، والعاقل من الجاهل، والبصير من الأعمى، كما أن في ذلك بيانا للحق وتوضيحا له، فإن الحق يستنير ويتضح إذا قام الباطل يصارعه ويقاومه، فإنه حينئذ يتبين من أدلة الحق وشواهده الدالة على صدقه وحقيقته، ومن فساد الباطل وبطلانه ما هو من أكبر المطالب التي يتنافس فيها المتنافسون"(تيسير الكريم الرحمن ص247-248). (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا* وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارً).

 منهج الكتاب:

 لقد أعانني كثيراً في هذا البحث كتاب (عودة الحجاب) للشيخ المقدم، حفظه الله، وذلك في تقصي كثير من أقوال العلماء، مضيفا إليه ما لم يذكره في كتابه، فرتبتها ووضعت لها منهجية مرتبة وميسرة، ليستفيد منها أكثر الشرائح في المجتمع على اختلاف قدراتهم، وكانت المنهجية على النحو التالي:

القسم الأول: الأدلة من الكتاب على وجوب تغطية الوجه: فقمت بعرض الآية، ثم عرض تفسير جامع له، ثم إيراد الشبهة حول هذه الآية، ثم الإجابة عنها من أقوال العلماء مرتبة قدر المستطاع، وغالبا ما تكون مرتبة على طريقة التفسير التحليلي للقرآن، وقد وضعت عناوين لكل واحدة منها ليسهل للقارئ الكريم فهم مراد العلماء.

القسم الثاني: الأدلة من السنة النبوية على وجوب تغطية الوجه: قسمت هذا الجزء إلى أبواب، كل باب يشتمل على مجموعة من الأحاديث النبوية يرتبط بعضها ببعض في عنوان الباب، ثم أورد بعد كل حديث من أقوال العلماء في أوجه الدلالة على وجوب تغطية الوجه ما يتيسر، وقد اجتهدت في ترتيبها ووضع العناوين لها بما ييسر للقارئ الكريم فهم الأحاديث ومعانيها من أقلام العلماء.

القسم الثالث: الأحاديث التي استدل بها على جواز كشف الوجه: قسمت هذا الجزء إلى قسمين: قسم الأحاديث الصحيحة، وقسم الأحاديث الضعيفة، ثم بينت خطأهم في الاستدلال بالأحاديث الصحيحة من أقوال العلماء، وبينت أوجه الضعف في الأحاديث الضعيفة من أقوال العلماء.

 هذ، وأسأل الله الواحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد أن يجيب دعاءن، اللهم رب إسرافيل وجبريل وميكال، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا في يختلفون، اهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، إنك سميع مجيب وبالإجابة جدير.

إخواني وأخواتي، أترككم مع العلماء الأجلاء، استمعوا لهم وقلوبكم واعية، واستمتعوا معهم وقلوبكم صافية، واسقوا من تعرفون من مائهم الزلال، ولا تحرموا منه أقاربكم وأهليكم فهم أولى بالمعروف وأقرب للإكرام، ربنا اغفرلنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القسم الأول: الأدلة من القرآن الكريم:

الدليل الأول: آية الجلباب:       

قال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيم) (الأحزاب):

التفسير:

قال الإمام ابن جرير الطبري، رحمه الله: يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ) لا تتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هنّ خرجن من بيوتهن لحاجتهن، فكشفن شعورهنَّ ووجوههن، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يعرض لهن فاسق، إذا علم أنّهنّ حرائر بأذى من قول.) جامع البيان عن تأويل آي القرآن (10/331))

قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله: "فقد قال غير واحد من أهل العلم: إنّ معنى (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) أنهن يسترن بها جميع وجوههن ولا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة تبصر به، وممن قال به: ابن مسعود وابن عباس، وعبيدة السلماني، وغيرهم".(أضواء البيان(6/568) )

الشبهة:

-أنه قد قامت قرينة على أنّ قوله تعالى: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) لا يدخل فيه ستر الوجه، وأنّ القرينة المذكورة هو قوله تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ)، وقد دل قوله: (أَن يُعْرَفْنَ) على أنهن سافرات كاشفات عن وجوههن لأنّ التي تستر وجهها لا تُعرف.

- مصطلح الجلباب ومصطلح الإدناء لا يدلان على تغطية الوجه.

 

 

 

 

 

 الجواب عنهما:

1-      المعنى الصحيح لقوله تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ)؛ وذلك من خلال أمرين:

أ- المقصود تمييز الحرائر عن الإماء في الحجاب:

 قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: "إنّ أساليب الرواة وإن اختلفت في بيان سبب نزول هذه الآية لكنهم متفقون على أنّ من أهداف هذا الأمر تمييز الحرائر عن الإماء بالزي".(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص29)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: "والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي، صلى الله عليه وسلم، وخلفائه أنّ الحرة تحتجب والأمة تبرز". (تفسير سورة النور ص56)

وقال، رحمه الله: "وقوله: (قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ) دليل على أنّ الحجاب إنما أمر به الحرائر دون الإماء؛ لأنه خص أزواجه وبناته، ولم يقل (وما ملكت يمينك وإمائك وإماء أزواجك وبناتك) ثم قال: (وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ) والإماء لم يدخلن في نساء المؤمنين". (مجموع الفتاوى [15/448-449ٍ])

ب سبب النزول يؤيد هذا المعنى:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: "الروايات التي رويت في سبب نزول هذه الآية إما ساكتة عن بيان الزي الفارق بين الحرة والأمة، وإما صريحة جازمة فيه، فالرواية التي فيها التصريح ببيان الزي، هي ما رواه ابن سعد، عن محمد بن كعب القرضي، قال: كان رجلٌ من المنافقين يتعرض لنساء المسلمين يؤذيهن، فإذا قيل له، قال: كنت أحسبها أمة، فأمرهنّ الله أن يخالفن زي الإماء، ويدنين عليهن من جلابيبهن؛ تخمر وجهها إلا إحدى عينيها". (إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص30)

 (تنبيه: تحتجب الأمة إذا خيف منها الفتنة، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير سورة النور ص 86، كذلك نص عليه الإمام المحقق ابن القيم، عليهما رحمة الله جميعاً).

2- الربط بين آية الحجاب وآية الجلباب؛ وذلك من خلال أمرين:

أ- آية الحجاب وهي قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم) (الأحزاب: 53). هذه الآية لم يختلف العلماء في أن المقصود بالحجاب فيها الحجاب الكامل (غطاء الوجه).

ب_ عطف أمهات المؤمنين- اللاتي ورد الحجاب الكامل بحقهن- بنساء المسلمين يعطي الحكم نفسه وهو عموم الحجاب، وإلا وقع التناقض:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: "ضمير النسوة في (يدنين) يرجع إلى ثلاثة طوائف جمعاء: إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى بناته، وإلى نساء المؤمنين، وقد أجمعوا على أن ستر الوجه والكفين كان واجباً على أزواجه، صلى الله عليه وسلم، فإذا دلّ هذا الفعل على وجوب ستر الوجه والكفين في حق طائفة من هذه الطوائف الثلاث التي يرجع إليهن ضمير الفاعل، فكيف لا يدل نفس ذلك الفعل على نفس ذلك الوجوب في حق طائفتين أخريين ممن يرجع إليهن نفس ذلك الضمير من نفس ذلك الفعل؟! إن هذا إلا تحكم وتناقض". (إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص28-29)

 قال الدكتور لطف الله خوجة- حفظه الله-: "ويمكن تصور المسألة بمقدمتين ونتيجة:
المقدمة الأولى: الجميع: الأزواج، والبنات، ونساء المؤمنين. خوطبن بخطاب واحد هو: إدناء الجلباب.
المقدمة الثانية: أن صفة الإدناء في حق بعض هذا الجميع (الأزواج) هو الحجاب الكامل بالإجماع.
النتيجة إذن: صفة الإدناء في حق الجميع واحد
ة، هي: الحجاب الكامل". (الدلائل المحكمة لآيات الحجاب على غطاء الوجه ص31)

 3- البحث في قوله تعالى: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ):

 أ- المعني اللغوي:

 قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: "الإدناء لا يطلق على لبس الثياب ولا يتعدى بـ (على) بل يتعدى (باللام) و(من) و(إلى)، فتعديته هنا بـ (على) لتضمينه معنى آخر، وهو الإرخاء، والإرخاء يكون من فوق، فالمعنى: يرخين شيئاً من جلابيبهن من فوق رؤوسهن على وجوههن، أما قولنا (على وجوههنّ) فلأن الجلباب إذا أرخي لابد أن يقع على عضو، ومعلومٌ بالبداهة أنّ ذلك العضو لا يكون إلا الوجه. وأما أن يكون على الجبهة فقط فمعلوم أن هذا القدر القليل من عطف الثوب لا يسمى إرخاءً، ويؤيد هذا المعنى – أي أن المراد بالإدناء الإرخاء لا مجرد التجلبب- أيضا أن الله تعالى ذكر كلمة (مِنْ) التبعيضية قبل الجلابيب، فمقتضاه أن الإدناء يكون بجزء من الجلباب، مع أن التجلبب يطلق على مجموعة هيئة لبسه". (إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص28)

قال المفسر الزمخشري في تفسيره الكشاف [3/ 274]:
" ومعنى
(يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ): يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن، يقال: إذا نزل الثوب عن وجه المرأة: أدني ثوبك على وجهك".
وقال الإمام النحوي المفسر أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط [7/ 240]:
"(من) في (جلابيبهن) للتبعيض، و(عليهن) شامل لجميع أجسادهن، أو (عليهن) على وجوههن؛ لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه". وقال أيضاً:
"ونقل السدي: تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين". البحر المحيط (3/ 144).
قال الشيخ الدكتور لطف الله خوجة:
"فهذان إمامان في اللغة، قد فسرا الإدناء بإرخاء الجلباب على الوجه". (الدلائل المحكمة لآيات الحجاب على غطاء الوجه ص34)


وقال الإمام النسفي في تفسيره [3/ 315]: "و(من) للتبعيض؛ أي ترخي بعض جلبابها وفضله على وجهها".

ب - لم يقل سبحانه: (يتجلببن) وإنما قال: (يُدْنِينَ):

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: "إن الله تعالى لم يقل (يتجلببن)، ومعلوم أن الإدناء ليس هو عين التجلبب، بل لابد من الإتيان بقدر زائد عليه يصح أن يطلق عليه كلمة (الإدناء)". (إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص28)

جـ- تفسير الإدناء بكشف الوجوه يلزم منه جواز كشف أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، وجوههن:

 قال الدكتور لطف الله خوجة، حفظه الله: "الإدناء، عموم، إما أن يكون بتغطية الوجه، وإما بدونه:
- فإن فسر بكشف الوجه، لزم منه كشف الأزواج وجوههن، وهذا باطل، لوجوب التغطية في حقهن.
- وإن فسر بتغطية الوجه لم يلزم منه أي لوازم باطلة، بل يكون موافقا لأمر الله تعالى الأزواج بتغطية وجوههن في الآية الأخرى، وليس في تغطية البنات ونساء المؤمنين وجوههن ما ينكر أو يعترض عليه
". (الدلائل المحكمة لآيات الحجاب على غطاء الوجه ص33)

د - الفعل المضارع فيه تأكيد للأمر:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: "قوله: (يُدْنِينَ) صيغة مضارع للأمر، ومعلوم أنّ الأمر للوجوب، وأنّه إذا ورد بصيغة المضارع يكون آكد في الدلالة على الوجوب". (إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص44)

4- البحث في قوله تعالى: (جَلاَبِيبِهِنَّ):

أ- المعنى اللغوي للجلباب:

قال الإمام الشوكاني في فتح القدير [4/ 304]: "(من) للتبعيض، و(الجلابيب) جمع جلباب، وهو ثوب أكبر من الخمار، قال الجوهري: الجلباب: الملحفة. وقيل: القناع0 وقيل: هو ثوب يستر جميع بدن المرأة. كما ثبت في الصحيح من حديث أم عطية – رضي الله عنها - أنها قالت: (يارسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب، فقال: لتلبسها أختها من جلبابها)، قال الإمام الواحدي: قال المفسرون: يغطين وجوههن ورؤوسهن إلا عينا واحدة، فيعلم أنهن حرائر، فلا يعرض لهن بأذى. وقال الحسن: تغطي نصف وجهها. وقال قتادة: تلويه فوق الجبين، وتشده، ثم تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناه، لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه".

          وقال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم-حفظه الله-: "وأرجحها هو ما ذهب إليه كثير من المحققين ألا وهو أنّ الجلباب في لغة العرب التي خاطبنا بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هو ما غطى جميع الجسم لا بعضه، ذكره ابن حزم في المحلى (3/ 217)، وصححه القرطبي في تفسيره (14- 243)".(عودة الحجاب [3/222ٍ])

ب- المعنى الشرعي:

        قال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المالكي، رحمه الله: والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن، وفي صحيح مسلم عن أم عطية قالت: قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: "لتلبسها أختها من جلبابها".       وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، [الفتاوى 22/ 110]: "قبل أن تنزل آية الحجاب، كان النساء يخرجن بلا جلباب، يرى الرجل وجهها ويديه، وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها؛ لأنه يجوز لها إظهاره، ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب، بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ) حجب النساء عن الرجال".(الجامع لأحكام القرآن [14/243-244])

 وقال الشيخ ابن باز، رحمه الله، في هذه الآية: إن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى.(حراسة الحجاب ص9) وقد قال بذلك غير واحد من أهل العلم، كما ذكر الشيخ الشنقيطي في تفسيره آنفاً.

         

ج- حكم الجلباب:

          قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله، معلقاً على حديث أم عطية السابق: وفيه امتناع خروج المرأة بغير جلباب. (فتح الباري[1/424])

وقال الإمام السيوطي، رحمه الله: هذه آية الحجاب في حق سائر النساء ففيها وجوب (ستر الرأس والوجه عليهن) [عون المعبود شرح سنن أبي داود 12/ 158، اللباس، باب قول الله تعالى: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ..)].  

5- الضمير (ذلك) في الآية يرجع إلى قوله (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ):

 قال الشيخ محمد أمين الشنقيطي، رحمه الله، الإشارة في قوله: (ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ) راجعة إلى إدنائهن عليهن من جلابيبهن وإدناؤهن عليهن من جلابيبهن لا يمكن بأي حال أن يكون (أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ) بسفورهن وكشفهن عن وجوههن كما ترى. (أضواء البيان[6/586])

6- جمهور المفسرين:

        قال الشيخ فريح بن صالح البهلال، حفظه الله، في (الاستيعاب467): فقد فسر جميع المفسرين، فيما وقفت عليه، قوله تعالى: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ) أي يغطين وجوههن بالجلابيب كما تقدم.

 وقال الشيخ أبو الأعلى المودودي، رحمه الله: ويتضح من هذه الأقوال جميعاً أنه من لدن عصر الصحابة إلى القرن الثامن للهجرة حمل جميع أهل العلم هذه الآية على مفهوم واحد، فهمناه من كلمات الآية، وإذا رجعنا بعد ذلك إلى الأحاديث النبوية والآثار علمنا منها أيضاً أن النساء قد شرعن في لبس النقاب على العموم بعد نزول هذه الآية على العهد النبوي، وكن لا يخرجن سافرات.(الحجاب [302-303])

 وقال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري،رحمه الله، بعد أن سرد جملة كبيرة عن جماهير العلماء المعتبرين: هذه هي أقوال أعلام هذه الأمة من لدن أفضل القرون إلى القرن الرابع عشر الذي نعيش فيه يعرف منها أن من تصدى لتفسير إدناء الجلباب فقد فسره بتغطية الوجه. (إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص43)

7- أقوال المفسرين الآخرين لا تنافي وجوب تغطية الوجه، بل هي بذكر الشيء بأقصى أوصافه:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، حفظه الله: لا يعرف أحدٌ خالف هذا التفسير صراحة، وإنما يُستأنس بأقوال بعضهم أنه لا يرى تغطية الوجه جزاءً من إدناء الجلباب.، وهاك نصوص هؤلاء: قال مجاهد: "يتجلببن"، وقال عكرمة: "تغطي ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها" وقال سعيد بن جبير: يسدلن عليهن " وقال ابن قتيبة: "يلبسن الأردية"، وهذه الأقوال كما ترى ليست صريحة في نفي ستر الوجه فإن التجلبب وسدل الجلباب، ولبس الأردية لا ينافي تغطية الوجه. (إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص43)

8- البحث في قوله تعالى: (فَلاَ يُؤْذَيْنَ) والحكمة من الحجاب:

  قال الشيخ أبو هشام الأنصاري، رحمه الله، سبب النزول ينص على أنّ الله تعالى درأ بأمر إدناء الجلباب مفسدة من المفاسد وهي التعرض للنساء ولا يمكن أن تدرأ هذه المفسدة إلا بتغطية الوجه. (مجلة الجامعة السلفية عدد مايو 1978م)

   قال الشيخ أبو بكر الجزائري، حفظه الله: ثم مجرد تغطية الرأس لا تمنع من المغازلة المخوفة، وإنما يمنع منها تغطية الوجه بالمرة، أما الكاشفة الوجه فإنّ النظر إليها ومنها يُسهِّل المكالمة، فالمغازلة(فصل الخطاب في المرأة والحجاب[38-39])، كما قال الشاعر:

نظرةٌ فابتسامة فسلامُ        فكلامٌ فموعدٌ فلقاءُُ

 

 9- تغطية الوجه هو ما فهمه الصحابة – رضوان الله عليهم -من الآية:

 قال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: "الوجه الثالث: أنّ ستر الجلباب للوجه وجميع البدن وما عليه من الثياب، الزينة المكتسبة، هو الذي فهمه نساء الصحابة، رضي الله عنه، وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "لما نزلت هذه الآية (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ) خرج نساء الأنصار كأنّ على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية يلبسنها ". هـ.(حراسة الفضيلة ص46) وغير ذلك من الأحاديث كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

10- البحث في قوله تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيم):

 أ- الله الغفور:

 قال الشيخ عبد الرحمن السعدي، رحمه الله: وقد تواترت النصوص من الكتاب والسنة في قبول توبة الله من عباده من أي ذنب يكون، وقال أيضاً: واعلم أنّ توبة الله على عبده تتقدم معها توبة منه عليه، حيث أذن له ووفقه وحرّك دواعي قلبه لذلك، حتى قام بالتوبة توفيقاً من الله، ثم لما تاب بالفعل تاب الله عليه فقبل توبته، وعفا عنه خطاياه وذنوبه.(فتح الرحيم الملاك العلام [41-42])

ب _ الله الرحيم:

 قال الشيخ عمر الأشقر، حفظه الله: "ورحمة الله الواسعة تراها أينما يممت وجهك في هذا الكون، وهي أعظم ما تكون في الوحي المنزل على رسل الله وأنبيائه، ومن ذلك ما أنزل الله على رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل: 89) وقال سبحانه: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ) (الجاثية: 20) وقال تعالى: (فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ) (الأنعام: 157).(أسماء الله الحسنى ص37)


 

الدليـــــــل الثــــــاني: آية الحجــــاب:

        قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم) (الأحزاب: 53).

التفسيـــــــر:

        قال الحافظ ابن كثير، رحمه الله: أي وكما نهيتكم من الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها فلا ينظر إليهن ولا يسألهن إلا من وراء حجاب. (تفسير القرآن العظيم[3/667])

الشبهة:

        - قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم ، حفظه الله: هذه هي آية الحجاب، نزلت في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة، وهي تعمم بإطلاقها حجاب المؤمنين، ولم يختلف العلماء في تعيين هذا حتى نطيل الكلام في تحقيقه، وإنما يقول من يظن أنّ الوجه والكفين خارجان عن الحجاب، أنّ هذه الآية مختصة بأمهات المؤمنين.(عودة الحجاب [3/233])

 - وقال بعضهم: إن هذه الآية عامة ولكنها تدل على حجاب البيوت وليس حجاب الوجوه.

الجواب عنهما:

1- قصر آية الحجاب على المساكن دون الوجوه يقتضي عدم وجود ما يوجب تغطية الوجوه على أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، عند المبيحين لكشف الوجه:

قال الدكتور لطف الله خوجة،حفظه الله: لكن في قول ذلك ثمة إشكال مبني على مذهب من قال بجواز كشف الوجه، وهو: إذا قيل بقصر آية الحجاب على المساكن، وبمنع دلالة آية الجلباب على تغطية الوجه، فمن أين أوجبنا على الأزواج - أزواج النبي صلى الله عليه وسلم - التغطية؟!
فمن أجاز كشف الوجه، فلا دليل لديه يوجب تغطية الأزواج الوجه إلا آية الحجاب، وليس في الآثار أمر للأزواج بالتغطية، بل غاية ما فيها تطبيقهن لهذا الحكم، فإذا قصر القائلون بالكشف آية الحجاب على المساكن، حينئذ لا يبقى لديهم دليل يوجب التغطية على الأزواج وجوههن خارج البيت، فيلزمهم القول بجواز كشف الأزواج وجوههن. وهذا لم يقل به أحد من العلماء.

ثم قال، حفظه الله: وينتبه هنا إلى أنه على قول (من يوجب التغطية) على الجميع، فلا إشكال في تخصيص آية الحجاب بالمساكن، وآية الجلباب في البروز من المساكن؛ لأن هؤلاء يستدلون بآية الجلباب على التغطية، وحينئذ فهي دليل وجوب التغطية في حق الأزواج، كما هو في حق سائر النساء، وهذا هو مذهب ابن تيمية، رحمه الله تعالى.(الدلائل المحكمة لآيات الحجاب على وجوب غطاء الوجه ص27)

 2- لم يصرح أحد من المفسرين بقصر الحكم في البيوت:

قال الدكتور لطف الله خوجة: لم نجد في أقوال المفسرين التصريح بالقصر، بل ظاهر كلامهم شمول الحكم في البيوت وخارجها.(الدلائل المحكمة لآيات الحجاب على وجوب غطاء الوجه ص28)

قال الإمام القسطلاني: «وفيه تنبيه على أن المراد بالحجاب التستر حتى لا يبدو من جسدهن شيء، لا حجب أشخاصهن في البيوت») إرشاد الساري 7/ 303.

3- العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب:

قال الأستاذ محمد أديب كلكل، رحمه الله: إنها وإن كانت خاصة بالنبي، صلى الله عليه وسلم، من حيث السبب، فهي عامة من جهة الأحكام؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وأكثر آيات القرآن ذوات أسباب في نزولها بلا خلاف بين العلماء، فإذا حصرنا أحكامها ضمن دائرة أسبابها فما هو حظنا منها إذن؟!!(فقه النظر في الإسلام[40-43])

وقال الدكتور لطف الله خوجة فيما يخص قصر الحجاب على المساكن: وكون سياق الآية جاء في البيوت، فلا يمنع ذلك من تعميم الحكم خارجه لوجود العلة، والقاعدة معروفة: "العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب"..(الدلائل المحكمة لآيات الحجاب على وجوب غطاء الوجه ص27-28)

4- علة الحجاب وحكمته عامة:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: إنّ الله تعالى بيّن حكمة الحجاب وعلته، فقال: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) وهذه العلة عامة، إذ ليس أحد من المسلمين يقول: إنّ أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن، وعموم علة الحجاب وحكمته دليل على عموم حكم الحجاب لجميع نساء المسلمين.(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص21)

     وقال الدكتور لطف الله خوجة فيما يخص قصر الحجاب على المساكن: إن القول بقصر دلالة آية الحجاب على البيوت مطلقا يعارض علة الآية، التي هي: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)، فالطهارة مطلوبة في الحالين-في البيوت وخارجها- ومن ثم فالقصر ممتنع..(الدلائل المحكمة لآيات الحجاب على وجوب غطاء الوجه ص28)

 

5- خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة:

 قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: تقرر في أصول الشريعة أنّ خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة حتى يرد دليل على تخصيصه بالمخاطب، وليس هنا أي دليل على تخصيص حكم هذا الحجاب بأمهات المؤمنين. اهـ. (إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص20)

 وممن صحح هذه القاعدة الشيخ الألباني، رحمه الله، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "إنما قولي لامرأة كقولي لمائة امرأة" [رواه النسائي في البيعة، باب: بيعة النساء، من حديث أميمة بنت رقيقة. صحيح النسائي 3/ 875] (تمام المنة في التعليق على فقه السنة (41-42)).

6- سياق الآية هو العموم:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري ، رحمه الله: إن سياق الآية هو للعموم -وإن كان المورد خاصاً- لأن قوله تعالى: (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ) ليس معناه: أنهم يدخلون بيوت غير النبي من غير أن يؤذن لهم، وكذلك قوله تعالى: (إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) ليس معناه أنهم لا يتأدبون بهذه الآداب ولا يراعونها إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان سياق الآية هو العموم، فكيف يجوز لنا أن نرفض ذلك العموم في جزء من آداب هذه الآية، ونقول بغير دليل: إنه مختص بالنبي، صلى الله عليه وسلم، وأزواجه؟! بينما جاء ذكر النبي، صلى الله عليه وسلم، في هذه الآية، لأجل أن ما عرض له هو المورد والسبب في نزوله، ولأجل أنه، صلى الله عليه وسلم، هو القدوة للمسلمين، لا لأجل أن هذه الآداب مختصة به عليه الصلاة والسلام. (إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص21)  

7- دليل الأولوية وذلك من خلال أمرين:

أ- أطهر نساء العالمين:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: "وهو أنّ أمهات المؤمنين كن أطهر نساء الدنيا قلوب، وأعظمهن قدراً في قلوب المؤمنين، ومع ذلك أمرن بالحجاب طلباً لتزكية قلوب الطرفين، فغيرهن من النساء أولى بهذا الأمر". (إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص21)

ب-هن أمهات المؤمنين:

        قال الشيخ أبو بكر الجزائري ، حفظه الله: وفوق ذلك أنّ نساء النبي، صلى الله عليه وسلم، جعلهن الله تعالى أمهات المؤمنين إذ قال الله تعالى: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) فنكاحهن محرم على التأبيد كنكاح الأمهات، فأي معنى إذن لحجبهن وحجابهن إذا كان الحكم مقصوراً عليهن؟!

        ومن هنا كان الحكم عاماً يشمل كل مؤمنة إلى يوم القيامة، وكان من باب قياس الأولى، كتحريم الله تعالى التأفيف للوالدين يدل على تحريم ضربهما من باب أولى.(فصل الخطاب في المرأة والحجاب [34-35])

 

 

8- الربط بين آية الحجاب وآية الجلباب:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: إن آية إدناء الجلباب تتمة وتفسير لآية الحجاب، وتلك عامة لنساء المؤمنين: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيم) (الأحزاب: 59)، فلا بد أن تكون آية الحجاب كذلك. (إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص21)

9 - نفي الجناح عن النساء دليل على العموم:

        قال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي المالكي، رحمه الله: "ومما يؤيد عموم آية الحجاب وأنها ليست خاصة بأمهات المؤمنين هو قوله تعالى: (لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد) (الأحزاب: 55).

        قال الحافظ ابن كثير، رحمه الله، في تفسير هذه الآية (3/ 506): "لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأحاديث بيّن أنّ هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم، كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى: (ولاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ).(تفسير القرآن العظيم [3/504])

10- الأحاديث الواردة عن فعل الصحابيات وحجابهن رضوان الله عليهن جميعاً كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

 

 

 

 

 

 

 

الدليل الثالث: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُْولَى).

قال تعالى: (يا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيــــــراً (33) (سورة الأحزاب: آية 32، 33).

- التفسير:

        قال  الحافظ ابن كثير- رحمه الله-: هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء المؤمنين تبع لهن في ذلك، فقال مخاطباً نساء النبي، صلى الله عليه وسلم، بأنهن إذا اتقين الله عز وجل كما أمرهن فإنه لا يشبههن أحد من النساء ولا يلحقهن في الفضيلة والمنزلة.(تفسير القرآن العظيم [3/636])

- الشبهة:

        هي دعوى تخصيص الحجاب بأمهات المؤمنين، وهي باطلة لما سبق بيانه ولزيادة توضيح ذلك نقول:

1)      سياق الآية هو العموم: قال الشيخ ابن باز، رحمه الله، ويدل الحكم لهن ولغيرهن قوله سبحانه في هذه الآية (وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فإن هذه الأوامر أحكام عامة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن.(رسالة في الحجاب والسفور ص13-14)

2)      دليل الأولوية كما ذكرنا سابقاً.

3)      العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولم يرد دليل على الخصوصية.

4)      خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة.

5)      سبب اختصاص الذكر في هذه الآية إنما هو لشرفهن ومنزلتهن من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولأنهن القدوة لنساء المؤمنين كما ذكر ابن كثير والقرطبي وغيرهم من المفسرين.

 

6)      من دلالات وجوب الاحتجاب في هذه الآية ما يلي:

أ- النهي عن الخضوع بالقول:

قال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: وهذا الوجه الناهي عن الخضوع في القول غاية في الدلالة على فرضية الحجاب على نساء المؤمنين من باب أولى، وأن عدم الخضوع بالقول من أسباب حفظ الفرج وعدم الخضوع بالقول لا يتم إلا بداعي الحياء والعفة والاحتشام، وهذه المعاني كامنة في الحجاب. (حراسة الفضيلة ص36)

ب) الأمر بالقرار في البيوت:

قال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: هذا أمر من الله- سبحانه وتعالى- لأمهات المؤمنين ونساء المسلمين تبع لهن في هذا التشريع- بلزوم البيوت والسكون والاطمئنان والقرار فيها؛ لأنه مقر وظيفتها الحياتية والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة أو حاجة. (حراسة الفضيلة ص37)

        وعن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في مقر بيتها) رواه الترمذي وابن حبان.

       وقال الدكتور السيد محمد علي النمر: ولأمر ما أضاف الله البيت إلى المرأة لكثرة ملازمتها له، حيث يقول سبحانه:  (وقرن في بيوتكن) فالبيوت للأزواج، ولكنها أضيفت إلى المرأة لما تقوم به من دور عظيم فيه.(إعداد المرأة المسلمة ص 94-95)

ج) النهي عن تبرج الجاهلية الأولى:

        قال الإمام أبو حيان، رحمه الله في البحر المحيط [7/240]: "كان دأب الجاهلية أن تخرج الحرة والأمة مكشوفتي الوجه في درع وخمار. وقال أيضاً: الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه، ونقل أبو حيان أيضاً عن الليث أنه قال: تبرجت المرأة: أبدت محاسنها من وجهها وجسدها. ونقل عن مقاتل في تفسير التبرج: تلفّ الخمار على وجهها ولا تشده. ونقل الحافظ في "فتح الباري" عن الفراء قوله: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامه، فأمرهن بالاستتار.

- شهادة لله لأهل نابلس:

        قال القاضي أبو بكر ابن العربي، رحمه الله، معلقاً على هذه الآية: وقد دخلت نيفاً على ألف قرية من برية، فما رأيت أصون عيال، ولا أعف نساءً من نساء نابلس التي رُمي فيها الخليل، عليه السلام، فإني أقمت فيها شهر، فما رأيت امرأة في طريق نهاراً إلا يوم الجمعة، فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلى يوم الجمعة الأخرى، وسائر القرى تُرى نساؤها متبرجات بزينة وعطلة، متفرقات في كل فتنة وعضلة، وقد رأيت بالمسجد الأقصى عفائف ما خرجن من معتكفهن حتى استشهدن فيه.(أحكام القرآن [3/359-360])

يا أختُ  سابغة  البراقعِ
ق
َري  فديتُكِ  حيثُ  لا
ودع
ي الجنوحَ إلى السُفو
النمرُ   لو  لزمَ    الشرى
والطيرُ   تأخذها   شِباكُ
 

 

في  الأباطح   والوعورْ
تُؤذيكِ  لافحةُ   الهجيرْ
رِ  وخفف
ي  ألمَ  العشيرْ
من كان يطمعُ في النمورْ
الصيدِ  في  تركِ  الوكورْ
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الدليل الرابع: قال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ولاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة النور (31)

في هذه الآية ثلاثة مواضع تدل على وجوب تغطية الوجه:

الموضع الأول قوله تعالى: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ)

- التفسير:

أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الزينة زينتان، زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج. فأما الزينة الظاهرة: فالثياب، وأما الزينة الباطنة: فالكحل، والسوار والخاتم. ولفظ ابن جرير، فالظاهر منها الثياب، وما يخفى، فالخلخالان والقرطان والسواران. (أضواء البيان [6/133])

قال الشيخ أبو الأعلى المودودي، رحمه الله: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ) أي: لا يظهرن محاسن ملابسهن وحليهن ووجوهن وأيديهن وسائر أعضاء أجسادهن، استثنى من هذا الحكم بكلمة (إلا) في جملة (ما ظهر منها) أي:

1-    ما كان ظاهراً لا يمكن إخفاؤه (مثل: العباءة).

2-    أو هو ظهر بدون قصد الإظهار من هذه الزينة.(تفسير سورة النورص141)

- الشبهة:

 يحتج القائلون بكشف الوجه بآثار عن ابن عباس في هذه الآية، فإليك الجواب عنها بالتفصيل:

 

 

 

 

أ) تحقيق الآثار المنسوبة إلى ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم

1)      صح عن ابن مسعود من أن المراد بقوله تعالى: (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ) أنها الثياب الظاهرة (العباءة):

قال الإمام ابن جرير الطبري، رحمه الله (18/ 92): حدثنا ابن المثنى قال: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن ابن الأحوص، عن عبدالله، قال: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ)، قال: (الثياب)، موقوف صحيح.

وهو قول الحسن وابن سيرين وأبي الجوزاء وإبراهيم النخعي وغيرهم.(تفسير القرآن العظيم[3/378])

2)      الشيخ الألباني،رحمه الله، يصحح كلام ابن مسعود، رضي الله عنه:

        قال الشيخ مصطفى العدوي، حفظه الله، ذهب الشيخ ناصر الدين الألباني، رحمه الله، رغم مخالفته لنا في مسألة الوجه والكفين إلى نحو ما ذهبنا إليه من اختيار كلام ابن مسعود وترجيحه على غيره، فقال ما نصه بعد أن ذكر الآية: ففي الآية التصريح بوجوب ستر الزينة كلها وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب إلا ما ظهر بغير قصد منه، فلا يؤاخذن عليه إذا بادرن إلى ستره، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (أي لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب إلا ما لم يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود: كالرداء والثياب يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكن إخفاؤه. (الحجاب ص41)

3) الآثار الواردة عن ابن عباس، رضي الله عنه، والتي فيها ضعف:

1-    أخرج ابن جرير، رحمه الله، آثاراً عن ابن عباس في تفسير الآية في كل آثر منها مقال، وسنذكرها باختصار وهي:

أ-      رواية فيها مسلم الملائي وهو مسلم بن كيسان وهو ضعيف، قال عنه الفلاس: متروك الحديث، وقال أحمد: لا يكتب حديثه، وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، وقد ضعفه الكثير، منهم ابن حجر، وأبو زرعة، والترمذي ،وابن المديني، والبخاري، وأبو داوود، والدارقطني. (تهذيب الكمال7/ 663، ميزان الاعتدال4/ 106)

ب-    رواية فيها ابن حميد ونهشل والضحاك.

        قال الشيخ مصطفى العدوي، حفظه الله: وهذا إسناد في غاية الضعف نرمي به ولا نبالي؛ فابن حميد وهو شيخ ابن جرير وهو محمد بن حميد الرازي ضعيف، ونهشل واهٍ للغاية، والضحاك وهو ابن مزاحم لم يسمع من ابن عباس.

ج-    رواية فيها انقطاع: فعلي بن أبي طلحه لم يسمع من ابن عباس.

د-     رواية فيها انقطاع: فابن جريج لم يسمع من ابن عباس.

2-    ما رواه ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم(8/2574) رقم14398.

قال الشيخ فريح بن صالح البهلال- حفظه الله-:

أولا: الراوي عن الأعمش عن سعيد، والأعمش لم يسمع من سعيد إلا أربعة أحاديث قاله إمام الجرح والتعديل علي بن عبد الله المديني: فقد جاء في جامع التحصيل للعلائي ص189 رقم258، مانصه: "وقال ابن الديني: إنما سمع الأعمش عن سعيد بن جبير أربعة أحاديث قال:"قال: صلى بنا ابن عباس على طنفسه"وحديث أبي موسى:" ما أحد أصبر على أذى من الله"وقول ابن عباس:"الوتر بسبع أو خمس"وقول سعيد بن جبير:"ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر"أ.هـ. وهذا التفسير ليس منها. وذكر هذا القول بحروفه أبو زرعة في التحصيل ص136.

ثانيا: أن هذا التفسير معروف من رواية أبي عبد الله مسلم بن كيسان الملائي الأعور.

ثالثا: أن سليمان الأعمش مشهور بالتدليس ، وهو ممن يروي عن مسلم بن كيسان هذا.

وإذا ثبت أنه لم يسمع من سعيد إلا الأحاديث الأربعة المذكورة، وأن المعروف عند أهل العلم أن هذا التفسير مما يرويه الملائي عن سعيد، فقد اتضح أنه مما دلسه الأعمش بإسقاط مسلم الملائي من السند. ومسلم هذا ضعيف جداً كما ذكر سابقاً في الفقرة الأولى.(الاستيعاب ص309)

3-    أخرج البيهقي في (السنن الكبرى) وهو كما قال الشيخ عبدالقادر بن حبيب الله السندي إسنادً مظلم ضعيف لضعف راويين في (رسالة الحجاب ص24)، وهما:

أ-      أحمد بن عبدالجبار، قال الإمام الذهبي: أحمد بن عبدالجبار العطاردي روى عن أبي بكر بن عياش وطبقته؛ ضعفه غير واحد. (تقريب التهذيب1/ 19، ميزان الاعتدال1/ 112-113)

ب-    عبد الله بن مسلم بن هرمز المكي عن مجاهد وغيره، قال الحافظ الذهبي: ضعفه ابن معين، وقال: وكان يرفع أشياء، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال ابن المديني: كان ضعيفاً (مرتين) عندن، وكذا ضعفه النسائي، وقال الحافظ في  التقريب:ضعيف. (ميزان الاعتدال2/ 503، تقريب التهذيب1/ 450)

4)      قول الصحابي مقدم على غيره:

        قال الشيخ مصطفى العدوي، حفظه الله: فحاصل الآمر أن الذي صح لدينا الآن أثر ابن مسعود في أن المراد بقوله: (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ) الثياب، وصح ذلك أيضاً عن جملة من التابعين، وصح عن جملة من التابعين أنهم قالوا (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ) الوجه والكفين، وقد عملت ما فيه. ولا شك أن تفسير ابن مسعود مقدم على تفسير غيره في هذا الباب، وحسبك بابن مسعود في عداد المفسرين من الصحابة، رضوان الله عليهم.

ب) على فرض صحة قول ابن عباس:

1) بطلان الاستدلال بقوله تعالى (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ) على الجواز المطلق في ظهور الوجه والكفين :

1- الزينة الظاهرة ليست الوجه والكفين:

) المعنى اللغوي للزينة: قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله: الزينة في لغة العرب، هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها كالحلي والحلل، فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يجوز الحمل عليه، إلا بدليل يجب الرجوع إليه، وبه تعلم أن قول من قال: الزينة الظاهرة الوجه والكفان خلاف ظاهر معنى الآية، وذلك قرينة على عدم صحة هذا القول.(أضواء البيان [6/135])

ب) المعنى الشرعي للزينة: قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله: لفظ الزينة يكثر تكرره في القرآن العظيم مراداً به الزينة الخارجة عن أصل المزين به، ولا يراد به بعض أجزاء ذلك الشيء المزين به، كقوله تعالى: (يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) وقوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَْرْضِ زِينَةً لَهَ) وقوله: (وَمَا أُوتِيْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَ) وقوله: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ)... إلخ. (أضواء البيان [6/135-136])

ويؤيد هذا ما رواه ابن جرير [التفسير 17/ 257] بسنده:
- عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال:
(إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ)، قال: الثياب. قال أبو إسحاق: "ألا ترى أنه قال: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)".
فاستدل أبو إسحاق على صحة تفسير الزينة بالثياب بالقرآن، ففسر القرآن بالقرآن، وهذا أعلى درجات التفسير؛ لأن الله تعالى أعلم بمراده.

2- المعنى الصحيح للزينة الظاهرة المستثناة في الآية الكريمة هو ما كان بغير قصد:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله:ولمزيد من الإيضاح نقول: أن الزينة نوعان: نوع يمكن إخفاؤه، فالمرأة مأمورة بإخفاء هذا النوع من الزينة سواءاً كان الوجه والكفان أو الكحل والخاتم والسواران أو غير ذلك، وإنها لو قصّرت في إخفاء هذا النوع من الزينة وكشفتها للناس عمداً فإنها تؤاخذ على ذلك. ونوع آخر من الزينة لا يمكن إخفاؤه، أو يمكن إخفاؤها ولكنها تنكشف من غير أن تتعمد المرأة كشفها أو من غير أن تشعر بانكشافه، أو تعتري حاجة أو مصلحة تلجئ المرأة إلى إبدائه، فكأن المرأة لم تباشر الكشف ولم تتعمده بل الحاجة أو المصلحة هي التي كشفت الزينة، فهذا النوع من الزينة لا تؤاخذ المرأة على كشفها أو انكشافها ولا تعاقب عليه، وهذا النوع هو المراد بقوله تعالى: (مَا ظَهَرَ مِنْهَ)، فقوله تعالى: (مَا ظَهَرَ مِنْهَ) في حد قوله تعالى: (لا يُكلفُ الله نَفْسَاً إلا وسْعَهَا).

وقال الشيخ أيضاً: ومن أمثلة هذا النوع من الثياب الظاهرة، وما ينكشف من أعضاء المرأة لأجل تيار الهواء أو لسبب آخر من غير قصد منه، وكذا المخطوبة ينظر إليها الخاطب قبل النكاح، والمريضة تكشف بعض أعضائها أمام الطبيب لغرض التداوي، وما إلى ذلك.(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص16-17)

وجه الدلالة على ذلك:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: إن الله تعالى حينما نهى عن إبداء الزينة أسند الفعل إلى النساء وجاء به متعدياً (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ)، ولكنه لما أورد الاستثناء غير التعبير، فجاء بالفعل اللازم بدل المتعدي، ولم يسنده إلى النساء بل أسنده إلى الزينة نفسها حيث قال: (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ) ولم يقل: (إلا ما أظهرن منها) وهذا يعني أن المرأة مأمورة بإخفاء الزينة  كلها مطلق، وليس لها الخيار في إبداء شيء منه، لإطلاق قوله تعالى: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ) نعم إنها إذا التزمت بالإخفاء، وتقيدت به ثم ظهر من زينتها شيء من غير أن تقصر وتفرط في الإخفاء، ومن غير أن تقصد وتتعمد الإبداء، فإنها لا تعاقب على ذلك، ولا تؤاخذ به عند الله لقوله تعالى: (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ).(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص16)  

        قال الشيخ أبو الأعلى المودودي، رحمه الله، مبيناً هذا المعنى: فإن الفرق بين "أن يظهر الشيء بنفسه" و"أن يظهره الإنسان بقصده" واضح لا يكاد يخفى على أحد، والظاهر من الآية أن القرآن ينهى عن إبداء الزينة، ويرخص فيما إذا ظهرت من غير قصد، فالتوسع في هذه الرخصة إلى حد "إظهارها عمداً" مخالف للقرآن ومخالف للروايات التي يثبت بها أن النساء في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، ما كن يبرزن إلى الأجانب سافرات الوجوه.

(تفسير سورة النور ص 157-158)

3- المعنى الصحيح للزينة الباطنة وهي قوله تعالى: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ):

أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الزينة زينتان: زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج. فأما الزينة الظاهرة: فالثياب، وأما الزينة الباطنة: فالكحل، والسوار والخاتم. ولفظ ابن جرير، فالظاهر منها الثياب، وما يخفى، فالخلخالان والقرطان والسواران. (أضواء البيان [6/133])

 

وجه الدلالة على ذلك: هو الربط في لفظ (الزينة) بين بداية الآية ونهايتها:

 قال تعالى في آخر هذه الآية: (وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ فهذه الزينة المذكورة في هذا الموضع قد استقر منع ظهورها في بداية الآية، ولكن بقي منع ما يدل على وجودها وهو الصوت، وقد اتفق العلماء على أن المراد بالزينة في هذا الموضع هو الخلاخيل، وهو من الزينة الباطنة التي نُهي عن إبدائها  في  بداية الآية في قوله تعالى: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ) إلا أنه للخلاخيل صفة زائدة عن غيره وهو الصوت تُخبر السامع له بوجوده وإن خفي ظهوره بالغطاء، فوجب التنبيه عليه في آخر الآية ليحصل المقصود من هذا الحكم، والحمد لله على تمام أحكامه وحسن تفصيلها.

 2)     البحث في مقصد ابن عباس، رضي الله عنهم، من كلامه:

عملاً بقول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) فهذه أربعة تفسيرات كل واحد منها يكفي في رد المتشابه إلى المحكم، ولكن من تيسير الله أن هدانا إلى أربعة منه، ولربما تُخفي لنا الأيام من العلم النافع ما يتيسر نشره وتوثيقه بحول الله وقوته.

التفسير الأول: حمل قول ابن عباس، رضي الله عنهم، أن مراده الزينة التي نُهي عن إبدائها:

        قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: يحتمل أن مراده الزينة التي نهي عن إبدائها.

 وقال الشيخ الدكتور لطف الله خوجة: في الآية نهي واستثناء، فقوله: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ) = نهي. وقوله: (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ) = استثناء. فقول ابن عباس وغيره، إما أن يحمل على: النهي، أو الاستثناء.

 فأكثرهم نظر إلى الاستثناء، ولم ينظر إلى النهي، مع أنه محتمل ذلك، ففي الاستثناء: المعنى أنهن نهين عن إبداء زينتهن، ومنها الكف الوجه، وربما يكون سبب تخصيصهما حينئذ بالذكر؛ لأنهما أكثر ظهور، بالنظر إلى كشفها في الصلاة والإحرام، وحينئذ يكون تفسير ابن عباس لقوله: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ)، لا قوله: (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ)، وهو محتمل. وقد أورد ابن كثير هذا الاحتمال فقال: "وهذا يحتمل أن يكون تفسيرا للزينة التي نهين عن إبدائها"، إلى أن قال: "ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين، وهذا هو المشهور عند الجمهور" [التفسير6/ 47].(الدلائل المحكمة لآيات الحجاب على وجوب غطاء الوجه ص65-66)ومما يؤيد هذا تفسير ابن عباس للزينة المنهي عنها : ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف (4/283) وابن أبي حاتم في التفسير(8/2574) رقم14396 من طريق زياد بن الربيع عن صالح بن الدهان عن جابر بن يزيد عن بن عباس: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ)،قال: الكف ورقعة الوجه.إسناده صحيح ورجاله ثقات.                                                      

التفسير الثاني: حمل قول ابن عباس، رضي الله عنهم، إلى قبل نزول آية الحجاب:

        قال الشيخ ابن باز، رحمه الله: وأما ما يروى عن ابن عباس، رضي الله عنهم، أنه فسر (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) بالوجه والكفين فهو محمول على حالة النساء قبل نزول آية الحجاب، وأما بعد ذلك فقد أوجب الله عليهن ستر الجميع، كما سبق في الآيات الكريمة من سورة الأحزاب وغيرها.

 وقد نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم والتحقيق، وهو أن ابن مسعود ،رضي الله عنه، ذكر آخر الأمرين وابن عباس ذكر أول الأمرين [الفتاوى 22/ 109-111]، وكما في القاعدة الفقهية، فإن الناقل عن الأصل مقدم على المبقي على الأصل، والناقل عن الأصل هنا إثبات حكم وجوب تغطية الوجه.

التفسير الثالث: حمل قول ابن عباس، رضي الله عنهم، أن مراده من ذلك في الصلاة:

  وقال البيضاوي، رحمه الله، في تفسيره: والمستثنى هو الوجه والكفان؛ لأنهما ليستا من العورة، والأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر، فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة.(أنوار التنزيل وأسرار التأويل[2/121])

قال الشهاب في شرحه تفسير البيضاوي [عناية القاضي وكفاية الراضي 6/ 373، انظر: عودة الحجاب 3/ 228، 231]:  قال: "وما ذكره [البيضاوي] من الفرق بين العورة في الصلاة وغيره، مذهب الشافعي، رحمه الله".

التفسير الرابع: جواز كشف الوجه واليدين للمحارم، لا الأجانب:

 ويؤيد ذلك ما ورد عن ابن عباس، رضي الله عنهم، في تفسير الآية بالوجه والكف: مفسر بما جاء عنه في الرواية الأخرى، التي رواها ابن جرير فقال: "حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ)، قال: والزينة الظاهرة: الوجه، وكحل العين، وخضاب الكف، والخاتم. فهذه تظهر في بيته، لمن دخل من الناس عليها". [التفسير 17/ 259]. وكذلك ما ورد من طريق أبي صالح أيضاً أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره(8/2576) رقم 1440، وابن عبد البر في التمهيد (16/230)، والبيهقي (7/94)، وابن جرير في جامع البيان(9/307) رقم 25982 قال حدثني معاوية بن أبي صالح ، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ)،قال:" لا تبدي خلخالها ومعضدتها ونحرها وشعرها إلا لزوجها" هذا لفظ ابن أبي حاتم. ولفظ البيهقي:" والزينة التي تبديها لهؤلاء الناس قرطاها وقلادتها وسواره، فأما خلخالها وخصرها وجيدها وشعره، فإنها لا تبدي ذلك إلا لزوجها". إسناده حسن إلا أنه منقطع.علي بن أبي طلحة صدوق حسن الحديث إلا أنه لم يسمع من ابن عباس ولم يدركه، وقيل: أن الواسطة بينهما مجاهد بن جبر التابعي الكبير.                                                                                               

قال الدكتور لطف الله خوجة،حفظه الله: من هم الناس في كلام ابن عباس؟

 أهم الأجانب؟. كل، فإن تحريم دخول الأجانب على النساء، لا يخفى على أحد، فضلا عن ابن عباس، رضي الله عنهم، وقد قال رسول الله صلى الله وسلم: (إياكم والدخول على النساء)، والآية: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ). فقصده إذن: من دخل عليها من محارمها غير الزوج. فهذه تبدي لهم ما ظهر منه، مما يشق عليها إخفاؤه في بيته، فعلى هذا يحمل قول ابن عباس، لا على نظر الأجانب إليها.(الدلائل المحكمة لآيات الحجاب على غطاء الوجه ص64)

3) عمل نساء النبي، صلى الله عليه وسلم، والصحابيات رضوان الله عليهن هو ستر الوجه والكفين، وهذا هو المعمول به إلى أزمان قريبة.

4) وجوب تغطية الوجه:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: وإذ قد تحقق معنى هذه الآية فليكن على ذكر من القارئ الكريم، أن قوله تعالى: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ) مضارع في معنى النهي، والنهي للتحريم، وإذا ورد النهي بصيغة المضارع يكون آكد في التحريم، فالآية صريحة في أن إبداء الزينة حرام على المرأة، فهي دليل على وجوب الحجاب، وأن الوجه والكفين داخلان فيه.(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص 18)

الموضع الثاني: قوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ).

- التفسير:

        قال البخاري، رحمه الله، في صحيحه: باب (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)، وروى عن أحمد بن شبيب: حدثنا أبي، عن يونس، قال ابن شهاب: عن عروة، عن عائشة، رضي الله عنه، قالت: "يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شققن مروطهن فاختمرن بها".

- الشبهة: الوجه ليس داخلاً في معنى الخمار؛ لأن الله تعالى لم يأمر فيه بستر الوجه، وأن ابن كثير والقرطبي، قالوا بأن المراد بالآية تغطية الصدر والنحر.

- الجواب عنها:

1) تعليق ابن حجر، رحمه الله، على الحديث السابق:

قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله، في الفتح (8/ 489) في شرح هذا الحديث: "قوله فاختمرن: أي غطين وجوههن؛ وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسه، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائه، وتكشف ما قدامه، فأمرن بالاستتار، والخمار للمرأة كالعمامة للرجل ".

2) المعنى اللغوي للآية:

أ) معنى الضرب:

قال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: والضرب: إيقاع الشيء على الشيء، ومنه (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ): أي التحفتهم الذلة التحاف الخيمة بمن ضربت عليه. (حراسة الفضيلة ص51)

ب) معنى الخمار:

 قال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: "الخمر" جمع خمار، مأخوذة من الخمر، وهو: الستر والتغطية، ومنه قيل للخمر: خمراً؛ لأنها تستر العقل وتغطيه.(حراسة الفضيلة ص51)

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: الخمر التي تغطي الرأس والوجه والعنق، والجلابيب التي تسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان. [الفتاوى 22/ 147].
 وأما العيني، رحمه الله، فقال: "  قوله: (فاختمرن بها)؛ أي غطين وجوههن بالمروط التي شققنها". [عمدة القاري 10/ 92، انظر: عودة الحجاب3/ 287].
 وقال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: "ومنه خمار المرأة؛ لأنه يستر وجهها" [الفتح 10/ 48، الأشربة، باب: ما جاء أن الخمر ما خامر العقل] يؤكده قوله في التخمير: "وهو التقنع"، فالخمار هو القناع عنده، وقد عرف القناع فقال:
- "قوله:
(باب التقنع) بقاف ونون ثقيلة، وهو: تغطية الرأس، وأكثر الوجه، برداء أو غيره" [في الفتح، باب اللباس، باب: التقنع. 10/ 274]
- وقال: "قوله:
(مقنع) بفتح القاف والنون المشددة: وهو كناية عن تغطية وجهه بآلة الحرب" [الفتح 6/ 25]

 وقال بعضهم في وصف جمال المرأة:

قل للمليحة في الخمار المذهب
نور  الخمار  ونور  خ
دك  تحته

 

 

أفسدت نسك أخي التقي المذهب
عجباً  لوجهك  كيف  لم يتلهب

 

 

والتحقيق في معنى الخمار أنه عند إطلاقه يدل على تغطية الوجه، وإذا وجد صارف أو مقيد لهذا المعنى فلا يدل على ذلك، وهذا هو الصواب، وعلى العموم ففي كلتا الحالين في هذه الآية فإنه يدل على تغطية الوجه سواء قلنا بأنه يأخذ صفة الإطلاق واللزوم أو يأخذ صفة المكاشفة، فأما صفة الإطلاق فهو واضح لما تقدم، وإما صفة المكاشفة لهذا المراد وتوضيحه وتأكيده ففي دلالة قوله (وَلْيَضْرِبْنَ) كما تقدم، وفي دلالة قوله (عَلَى جُيُوبِهِنَّ)، وما سبق ذكره في دلالة وترجيح المعنى الصحيح لقوله (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ) وما سيأتي من دلالة وجوب التغطية في قوله (وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)، وكل هذه دلائل من هذه الآية نفسها تكشف صفة تغطية الوجوه وتجليها كما ترى، والحمد لله على وضوح الحق وجلائه.

ج) معنى الجيوب:

        قال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: والجيوب مفردها: جيب، وهو شق في طول القميص. (حراسة الفضيلة ص51)

فيكون بذلك المعنى الإجمالي لقوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ):

        قال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: المعنى: أمر من الله لنساء المؤمنين، أن يلقين بالخمار إلقاء محكماً على المواضع المكشوفة، وهي: الرأس، والوجه، والعنق، والنحر، والصدر، وذلك بلف الخمار الذي تضعه المرأة على رأسه، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهذا هو التقنع.(حراسة الفضيلة ص51-52)

3) لا تعارض بين أقوال العلماء:

        قال الشيخ مصطفى العدوي، حفظه الله: ذهب فريق من العلماء إلى أن المراد بالآية تغطية الصدر والنحر ومن هؤلاء: ابن كثير والقرطبي وغيرهم، بينما ذهب الشنقيطي، رحمه الله، في (أضواء البيان) إلى أن المراد ستر الوجه، ولا تعارض بينهم، فما قاله ابن كثير والقرطبي لا ينافي ما قاله الشنقيطي، فتغطية الصدر والنحر أحد مستلزمات تغطية الوجه.

 

4) الأولوية من وجهين:

أ- قياساً:

        قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: فإذا كانت مأمورة بأن تضرب الخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهه، إما لأنه من لازم ذلك أو بالقياس، فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى؛ لأنه موضع الجمال والفتنة، فإن الناس الذين يتطلبون جمال الصورة لا يسألون إلا عن الوجه، فإذا كان جميلاً لم ينظروا إلى ما سواه نظراً ذا أهمية، ولذلك إذا قالوا "فلانة جميلة" لم يفهم من هذا الكلام إلا جمال الوجه، فتبين أن الوجه هو موضع الجمال طلباً وخبر، فإذا كان كذلك، فكيف يفهم أن هذه الشريعة الحكيمة تأمر بستر الصدر والنحر ثم ترخص في كشف الوجه؟! (رسالة الحجاب ص7-8)

ب) من لازم ذلك:

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: وهذا يتضمن أمر النساء بتغطية وجوههن ورقابهن، وبيان ذلك أن المرأة إذا كانت مأمورة بسدل الخمار من رأسها على جيبها لتستر صدره، فهي مأمورة ضمناً بستر ما بين الرأس والصدر، وهما الوجه والرقبة، وإنما لم يُذكر هاهنا للعلم بأن سدل الخمار إلى أن يضرب على الجيب لابد أن يغطيهما.(عودة الحجاب[3/285])

5) الوجه من الرأس:

        قال الشيخ عبدالعزيز بن خلف، رحمه الله: قوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) صريح في إدناء الخمار من الرأس إلى الصدر؛ لأنه الوجه من الرأس الذي يجب تخميره عقلاً وشرعاً وعرف، ولا يوجد أي دليل يدل على إخراج الوجه من اسم الرأس في لغة العرب، كما لم يأت نص على إخراجه أو استثنائه بمنطوق القرآن والسنة ولا بمفهومهما.. هـ.("نظرات" هامش ص15)

 وعلى هذا المفهوم وهو إدخال الوجه ضمن الرأس يُحمل قول من فسر الخمار بتغطية الرأس، فيكون مراد الجميع، بناءً على ذلك، هو تغطية الرأس والوجه، ومما يؤكد ذلك وخاصة عند مطالعتنا لكتب اللغة هو وجود الأمثلة المشابهه لطريقتهم هذه في تعريف مصطلح من المصطلحات، ومنها على سبيل المثال مصطلح (الإيمان) فتجدهم يفسرونه بأنه التصديق في القلب، ومعلوم أن التعريف الكامل للإيمان هو أنه تصديق في القلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، وتعريف الخمار الكامل هنا هو تغطية الرأس والوجه والعنق كما ذُكر سابقاً في تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، وقد يذكر الجزء ويراد به الكل أو يذكر الكل المتضمن لجميع أجزائه، ولا وجود لدليل يخرج هذه الأجزاء المرتبطة به، فتأمل...

6) حجة الإثبات مقدمة على حجة النفي.

7) إذا تعارض مبيح وحاظر قدم الحاظر على المبيح:

        وممن يرجح هذه القاعدة في أصول الفقه، الشيخ الألباني، رحمه الله، وقد ذكر ذلك في معرض الرد على من استدل بقول جابر بن عبدالله عن النساء في صلاة العيد: "فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن" على إباحة الذهب المحلق للنساء.

 وقد نبه لقول الألباني، رحمه الله، الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، في رسالة الحجاب (ص28).

8) طرفة:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: ومن الطرائف أن بعضهم استدل بقوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) على أن الوجه ليس بداخل في الحجاب؛ لأن الله تعالى لم يأمر فيه بستر الوجه؟! أقول: نعم، إن الله لم يأمر هنا بستر الوجه، ولكنه كذلك لم يأمر بستر الرأس والعنق والعضدين وغيرها أيض، فهل يجوز لها كشف هذه الأعضاء؟! فما هو جوابكم؟ فهو جوابنا.(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص20)

9) يا فتاة الإسلام افتحي قلبك لحكم الله:

        قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، معلقاً على حديث عائشة السابق الوارد في التفسير: فترى عائشة، رضي الله عنه، مع علمها وفهمها وتقاها أثنت عليهن هذا الثناء العظيم، وصرحت بأنها ما رأت أشد منهن تصديقاً بكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل، وهو دليل واضح على أنهن فهمن ستر الوجوه من قوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ).(أضواء البيان [6/595])

الموضع الثالث: قوله تعالى: (وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ):

- (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ):

        قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، في قوله تعالى: (وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) يعني لا تضرب برجلها فيعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوه، مما تتحلى به للرجل، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفاً من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه، فكيف بكشف الوجه؟!

        فأيهما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالاً بقدم المرأة لا يدري ما هي، وما جمالها؟

 لا يدري أشابة هي أم عجوز! لا يدري أشوهاء هي أم حسناء! أيهما أعظم فتنة، هذا أو أن ينظر إلى وجه سافر جميل ممتلئ شباباً ونضارة وحسناً وجمالاً وتجميلاً بما يجلب الفتنة ويدعو إلى النظر إليها!!

        إن كل إنسان له إربة في النساء ليعلم أي الفتنتين أعظم وأحق بالستر والإخفاء؟!(رسالة الحجاب ص9-10)

      وقال الزمخشري:" وإذا نهين عن إظهار صوت الحلي علم بذلك أن النهي عن إظهار مواضع الحلي أبلغ، وأبلغ".(الكشاف[3/226])

خاتمة هذه الآية من سورة النور:

1) المرأة عورة كلها:

        قال الشيخ عبدالعزيز بن خلف، رحمه الله: ومن أجل ذلك جاء القرآن العزيز بتوجيهها التوجيه الذي يحبه الله ويرضاه، فبدأها في هذه الآية بأغلى ما فيها وأفضله وهو الرأس، وختمها بأسفل ما فيها وأدناه وهي الأرجل، فيؤخذ من هذا أن المرأة عورة حرام عليها أن يظهر من بدنها أي شيء يراه الرجال الأجانب منه، حتى ما وضعته على سبيل التجمل سواء في ذلك ما كان ظاهراً أو خفياً من الرأس حتى القدم.(نظرات ص45-47)

2) قال تعالى في آخر الآية (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ):

        قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي، رحمه الله: ولما أمر تعالى بهذه الأوامر الحسنة، ووصى بالوصايا المستحسنة، وكان لابد من وقوع التقصير من المؤمن بذلك؛ أمر الله تعالى بالتوبة فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ)؛ لأن المؤمن يدعوه إيمانه إلى التوبة، ثم علق على ذلك الفلاح فقال: (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فلا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، وهي الرجوع مما يكرهه الله، ظاهراً وباطن، إلى ما يحبه ظاهراً وباطن، ودل هذا على أن كل مؤمن محتاج إلى التوبة؛ لأن الله خاطب المؤمنين جميع، وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة، في قوله: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ) أي: لا لمقصد غير وجهه، من سلامة آفات الدنيا أو رياء وسمعة ونحو ذلك من المقاصد الفاسدة.) تيسير الكريم الرحمن ص538)

يا من هُديت إلى الإسلام راضيـــةً *** وما ارتضيت سوى منهاج خير نبي
إن الحجاب الذي نبغيــه مكرمــة
ٌ *** لكل حواء مـا عابت ولم تعـبِ
نريد منها احتشـام، عـفـة، أدبـاً *** وهم يـريدون منـها قـلـة الأدبِ
لا تحسبي أن الاسـترجـال مفخرة *** فهو الهزيمة أو لـون من الهــربِ
صوني حياءك، صوني العرض، لا تهنـي *** وصـابري واصـبري لله واحتسبي

 

 

 

 

 

 

 

الدليل الخامس:

        قال تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاََّّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

- التفسير:

        قال شيخ المفسرين أبو جعفر بن جرير الطبري، رحمه الله: يقول تعالى ذكره: واللواتي قد قعدن عن الولد من الكبر من النساء، فلا يحضن ولا يلدن، واحدتهن قاعد (اللاََّّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحً) اللاتي قد يئسن من البعولة فلا يطمعن في الأزواج (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) فليس عليهن حرج ولا إثم أن يضعن ثيابهن؛ يعني جلابيبهن وهي القناع الذي يكون فوق الخمار، والرداء الذي يكون فوق الثياب، لا حرج عليهن أن يضعن ذلك عند المحارم من الرجال وغير المحارم من الغرباء غير متبرجات بزينة.(جامع البيان[18/165-167])

- الاستدلال:

        إباحة كشف الوجه للقواعد ونفي الحرج والإثم عنهن يدل على أن الأصل في النساء هو تغطية الوجوه، وأنه واجب.

- الشبهة:

        تفسير قوله تعالى: (أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) بوضع ما على رؤوسهن، وكشف شعورهن حتى يثبتوا بذلك أن الوجه ليس داخلاً في معنى وضع الثياب.

- الجواب عنها:

1) رأي الجمهور:

        رأي جمهور المفسرين ومنهم ابن مسعود وابن عباس- رضي الله عنهم- هو أن المقصود بوضع الثياب هو كشف الوجوه للمسنات من النساء.  

       قال الشيخ أبو الأعلى المودودي-رحمه الله-: قد اتفق الفقهاء والمفسرون أن المراد بالثياب في هذه الآية"الجلابيب" التي كان قد أمر أن تُخفى بها الزينة في آية) يدنين عليهن من جلابيبهن(من سورة الأحزاب.(تفسير سورة النور ص225)

2) قراءة لابن عباس:

        وروى الرازي، رحمه الله، في تفسيره: عن ابن عباس، رضي الله عنهم، أنه قرأ "أن يضعن جلابيبهن". (التفسير الكبير (6/ 307))

3) إجماع في أن شعر العجوز كشعر الشابة في الحرمة:

        قال الإمام أبو بكر الجصاص، رحمه الله: لا خلاف في أن شعر العجوز عورة لا يجوز للأجنبي النظر إليه كشعر الشابة، وأنها إن صلت مكشوفة الرأس كانت كالشابة في فساد صلاته، فغير جائز أن يكون وضع الخمار بحضرة الأجنبي.. هـ. (أحكام القرآن [3/ 333-334])

4) الحق ما كان عليه الصحابيات:

        كانت الصحابيات- رضي الله عنهن- يلبسن الجلابيب، وقد ورد ذلك في عدة أحاديث سنذكرها لاحقاً إن شاء الله.

5) من شبهة إلى شبهة أبطل منها:

        قال الإمام أبو بكر الجصاص، رحمه الله: فإن قيل إنما أباح الله تعالى لها بهذه الآية أن تضع خمارها في الخلوة، بحيث لا يراها أحد، قيل له: فإذن لا معنى لتخصيص القواعد بذلك، إذ كان للشابة أن تفعل ذلك في الخلوة. (أحكام القرآن [3/ 333-334])

- شروط كشف الوجه للقواعد من النساء:

1) اختفاء الجمال:

        نقل الإمام البغوي، رحمه الله، في تفسيره عن ربيعة الرأي، قال: هن العُجَّز اللاتي إذا رآهن الرجال استقذروهن، فأما من كانت فيها بقية من جمال وهي محل الشهوة فلا تدخل في هذه الآية. (معالم التنزيل).(عودة الحجاب [3/295])

        قال الشيخ حمود التويجري، رحمه الله: ومفهوم الآية الكريمة أن من لم تيأس من النكاح بعد، وهي التي فيها بقية من جمال وشهوة للرجال، فليست من القواعد، ولا يجوز لها وضع شيء من ثيابها عند الرجال الأجانب لأن افتتانهم بها وافتتانها بهم غير مأمون.(الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور ص 63)

2) غير متبرجات بزينة:

        قال الإمام ابن الجوزي، رحمه الله، (غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) أي من غير أن يردن بوضع الحجاب أن تُرى زينتهن، والتبرج إظهار المرأة محاسنها.(عودة الحجاب[3/297])

        قال العلامة ابن باز، رحمه الله: فعلم بذلك أن المتبرجة بالزينة ليس لها أن تضع ثوبها عن وجهها ويديها وغير ذلك من زينته، وأن عليها جناحاً ولو كانت عجوزاً؛ لأن كل ساقطة لها لاقطة، ولأن التبرج يفضي إلى الفتنة بالمتبرجة ولو كانت عجوز، فكيف بالشابة والجميلة إذا تبرجت؟! لا شك أن إثمها أعظم، والجناح عليها أشد والفتنة بها أكبر. (رسالة في الحجاب والسفور ص6-8)

3) لا ترجو النكاح:

        قال العلامة ابن باز، رحمه الله: وشرط سبحانه في حق العجوز ألا تكون ممن يرجو النكاح، وما ذاك- والله أعلم- إلا لأن رجاءها النكاح يدعوها إلى التجمل والتبرج طمعاً في الأزواج، فنهيت عن وضع ثيابها عن محاسنها صيانة له، ولغيرها من الفتنة. (رسالة في الحجاب والسفور ص6-8)

قال تعالى في آخر الآية: (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

        قال الشيخ أبو القاسم محمود بن عمر الزمحشري الخوارزمي،رحمه الله، في تفسيره: لما ذكر الجائز عقبه بالمستحب حثاً منه على اختيار أفضل الأعمال وأحسنها كقوله: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ). (الكشاف (3/ 76))

يا فتاة الإسلام كوني كبنت سيرين:

        عن عاصم الأحول، قال: كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذ، وتنقبت به، فنقول لها: رحمك الله، قال الله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاََّّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) هو الجلباب، قال، فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ)، فتقول: هو إثبات الحجاب. (عودة الحجاب[3/298])

قال العلامة ابن باز، رحمه الله: ثم ختم الآية بتحريض القواعد على الاستعفاف، وأوضح أنه خير لهن وإن لم يتبرجن، فظهر بذلك فضل التحجب والتستر بالثياب ولو من العجائز، وأنه خير لهن من وضع الثياب، فوجب أن يكون التحجب والاستعفاف عن إظهار الزينة خيراً للشابات من باب أولى وأبعد لهن عن أسباب الفتنة. (رسالة في الحجاب والسفور ص6-8)


 

القسم الثاني: الأدلة من السنة النبوية:

 
الباب الأول: باب في عورة المرأة

        عن أبي الأحوص، عن عبدالله- رضي الله عنه- عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان) صححه الألباني في الإرواء (273).

- معنى الاستشراف:

        جاء عن الهيثمي في مجمع الزوائد، عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: (إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها من بأس فيستشرفها الشيطان، فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبته، وإن المرأة لتلبس ثيابه، فيقال: أين تريدين؟ فتقول: "أعود مريضا أو أشهد جنازة أو أصلي في مسجد، وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها" رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. (أضواء البيان [6/596])

- وجه الدلالة من الحديث:

        قال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: ووجه الدلالة: أن المرأة إذا كانت عورة وجب ستر كل ما يصدق عليه اسم العورة وتغطيته. وفي رواية أبي طالب عن الإمام أحمد: "ظفر المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها فلا تُبِن منها شيئاً ولا خفها".(حراسة الفضيلة ص62)

- حدود العورة في الصلاة ليست هي حدود العورة في النظر:

        قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: "اختلفت عبارة أصحابنا في وجه الحرة في الصلاة، فقال بعضهم: ليس بعورة، وقال بعضهم: عورة، وإنما خصّ في كشف الصلاة للحاجة، والتحقيق أنه ليس بعورة في الصلاة، وهو عورة في باب النظر إذ لم يَجُز النظر إليه، وقال أيضاً: فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طرداً ولا عكسا ً" (نقله عنه التويجري في الصارم المشهور ص [72-73]).

       وقال الإمام ابن القيم، رحمة الله:"العورة عورتان: عورة في الصلاة وعورة في النظر، فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك".(القياس في الشرع الإسلامي ص69)

      وقال الإمام تقي الدين السبكي، رحمه الله:" إن الأقرب إلى صنع الأصحاب: أن وجهها وكفيها عورة في النظر لا في الصلاة" (عودة الحجاب[3/426])

      وقال الشهاب في شرحه تفسير البيضاوي [عناية القاضي وكفاية الراضي 6/ 373، انظر: عودة الحجاب 3/ 228، 231]:  قال: "وما ذكره [البيضاوي] من الفرق بين العورة في الصلاة وغيره، مذهب الشافعي، رحمه الله".

        وقال الإمام السيوطي، رحمه الله في أحكام الأنثى وأحوال عورتها:" وحالة مع الأجانب وعورتها كل البدن حتى الوجه والكفين في الأصح.. وحالة في الصلاة وعورتها كل البدن إلا الوجه والكفين".(الأشباه والنظائر ص 410-414)

     وقال الإمام الموزعي الشافعي، رحمه الله:" لم يزل عمل النساء على هذا قديماً وحديثاً في جميع الأمصار والأقطار ، فيتسامحون للعجوز في كشف وجهها ولا يتسامحون للشابة ويرونه عورة ومنكراً.. والسلف والأئمة كمالك والشافعي وغيرهم لم يتكلموا إلا في عورة الصلاة ، فقال الشافعي ومالك: ما عدا الوجه والكفين وزاد أبو حنيفة القدمين، وما أظن أحداً منهم يبيح للشابة أن تكشف وجهها لغير الحاجة ولا يبيح للشاب أن ينظر إليها لغير الحاجة"(تيسير البيان لأحكام القرآن[2/1001]

      ونقل الحافظ ابن حجر في تحفة المحتاج[2/112]عن الزيادي أنه قال:" عورة المرأة أمام الأجنبي جميع بدنها حتى الوجه والكفين على المعتمد"

     وقال العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني، رحمه الله: " يباح كشف وجهها حيث لم يأت دليل بتغطيته، والمراد كشفه عند صلاته، بحيث لا يراه أجنبي.. فهذه عورتها في الصلاة، وأما عورتها بالنظر إلى نظر الأجنبي إليه، فكلها عورة"(سبل السلام[1/383] رقم 194 في عورة المرأة في الصلاة)      

- خوف الفتنة هو علة التحريم كشف الوجه عند الأحناف  :

          قال الإمام الطحطاوي، رحمه الله:"وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين رجال، لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة، وإن أمن الشهوة، لأنه أغلظ".(رد المحتار على الدر المختار [1/272] ، انظر عودة الحجاب[3/420])

       وجاء فيه أيضاً: " يعزر المولى عبده ، والزوج زوجته على تركها الزينة ، أو كلمة ليسمعها أجنبي، أو كشفت وجهها لغير المحرم"(هامش رد المحتار [3/261])

    

    وقال الشيخ عز الدين البيانوني، رحمه الله:" قول الأئمة عند خوف الفتنة إنما يعلم في ناظر خاص، وأما بالنظر إلى جماهير الناس الذين تبرز المرأة سافرة أمامهم، فلا يتصور عدم خوف الفتنة منهم جميع، فيتحتم المنع من السفور أمامهم على هذا التعليل. وبهذا يظهر مذهب أبي حنيفة وأصحابه في المسألة". (كتاب الفتن ص197، انظر الاستيعاب ص 163)

وجاء في مجمع الأنهار- وهو من أعظم كتب المذهب الحنفي: " وفي المنتقى تمنع الشابة عن كشف وجهه،لئلا يؤدي إلى الفتنة، وفي زماننا المنع واجب، بل فرض لغلبة الفساد. وعن عائشة-رضي الله عنها-:(جميع بدن الحرة عورة إلا إحدى عينيها فحسب، لاندفاع الضرورة".(الاستيعاب ص164)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 الباب الثاني: باب الإحرام

 

1) إجماع من السلف بتغطية الوجه:

        عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنه، قالت: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهه، فإذا جاوزونا كشفناه) رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي.

قال الشيخ ابن باز، رحمه الله: " وقد أجمع علماء السلف على وجوب ستر المرأة المسلمة لوجهه، وأنه عورة يجب عليها ستره إلا من ذي محرم.

        قال الإمام ابن قدامه، رحمه الله، في (المغني): والمرأة إحرامها على وجهه، فإن احتاجت سدلت على وجهها. قال ابن رشد، رحمه الله، في (البداية): وأجمعوا على أن إحرام المرأة في وجهه، وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعره، وأن لها أن تسدل ثوبها على وجهها من فوق رأسها سدلاً خفيفاً تستتر به عن نظر الرجال إليها.. "، ونقل ابن حجر، رحمه الله، إجماعاً في ذلك أيضاً عن ابن المنذر. (3/ 406)

2) عموم الحجاب لنساء المسلمين:

        عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهم، قالت: "كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام" رواه ابن خزيمة والحاكم، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي وهو صحيح على شرط مسلم وحده. وعن فاطمة بنت المنذر، رحمها الله، قالت: "كنا نخمر وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام".

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: وفي تعبير أسماء، رضي الله عنه، بصيغة الجمع في قولها "كنا نغطي وجوهنا من الرجال" دليل على أن عمل النساء في زمن الصحابة، رضي الله عنهم، كان على تغطية الوجوه من الرجال الأجانب، والله أعلم، وأما حديث فاطمة بنت المنذر فيفيد أن تغطية الوجه في الإحرام كان عاماً في النساء لا في زمن الصحابة فقط، بل فيما بعدهم أيضاً. (عودة الحجاب [3/320])

3) إثبات النقاب والقفازين للنساء:

        عن ابن عمر، رضي الله عنهم، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" رواه البخاري.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن. (مجموع الفتاوى[15/370-371])

وقال الإمام ابن العربي-رحمه الله-:" المسألة الرابعة عشرة: قوله في حديث ابن عمر: :"ولا تنتقب المرأة"، وذلك لأن ستر وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها غير لاصق به وتعرض عن الرجال، ويعرضون عنها.(عارضة الأحوذي[4/56])

4) النهي في الإحرام خاص بالنقاب والقفازين:

لحديث ابن عمر السابق، وما روى وكيع، عن شعبة، عن يزيد الرشك، عن معاذة العدوية، قالت: سألت عائشة، رضي الله عنها: ما تلبس المحرمة؟ فقالت: "لا تنتقب ولا تتلثم وتسدل الثوب على وجهها".

        قال الإمام ابن القيم، رحمه الله: فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يُشرِّع لها كشف الوجه في الإحرام ولا غيره، وإنما جاء النفي بالنهي عن النقاب خاصة، كما جاء النهي عن القفازين وجاء بالنهي عن القميص والسراويل". (بدائع الفوائد. (3/ 174-175)

        قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: ووجه المرأة في الإحرام فيه قولان في مذهب أحمد وغيره، قيل إنه: كرأس الرجل فلا يغطى، وقيل: إنه كبدنه فلا يغطى بالنقاب ونحوه والبرقع ونحو ذلك مما صنع على قدره؛ وهذا هو الصحيح، فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم ينه إلا عن القفازين والنقاب، ولكن النساء يدنين على وجوهن ما يسترها من الرجال من غير وضع ما يُجافيها عن الوجه، فعلم أن وجهها كبدن الرجل، وذلك أن المرأة كلها عورة، فلها أن تغطي وجهها ويديه، لكن بغير اللباس المصنوع بقدر العضو، كما أن الرجل لا يلبس السراويل ويلبس الإزار. (مجموع الفتاوى (20/ 120)

 
الباب الثالث: باب في خروج النساء إلى الصلاة

الحديث الأول:

أخرج ابن مردويه عن عائشة، رضي الله عنه، قالت: "رحم الله نساء الأنصار لما نزلت (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ) شققن مروطهن فاعتجرن بها وصلين خلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كأنما على رؤوسهن الغربان". (فتح القدير للشوكاني (4/ 307).

- معنى الاعتجار:

أولاً: المعنى اللغوي: وذلك من خلال ثلاثة أمور:

1- قال ابن منظور في لسان العرب بعد ذكره أقوالاً في الاعتجار: والعِجْرَة بالكسر نوع من العمة، يقال: فلان حسن العِجرة، وفي حديث عبيد الله بن عدي الخيار: وجاء وهو معتجر بعمامته ما يرى وحشي منه إلا عينيه ورجليه، الاعتجار بالعمامة هو أن يلفها على رأسه ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئاً تحت ذقنه.

وقال ابن الأثير: "وفي حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار: (جاء وهو معتجر بعمامته، ما يرى وحشي منه إلا عينيه ورجليه)، الاعتجار بالعمامة: هو أن يلفها على رأسه، ويرد طرفها على وجهه، ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه". [النهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 185]

2- قال محمد بن الحسن: "لا يكون الاعتجار إلا مع تنقب، وهو أن يلف بعض العمامة على رأسه، وطرفا منه يجعله شبه المعجر للنساء، وهو أن يلفه حول وجهه".

 [المبسوط 1/ 31. انظر: عودة الحجاب 3/ 288].

3- ما قاله ابن الأثير مؤيد بأشعار العرب، حيث قال الشاعر النميري [المصون في سر الهوى المكنون 40]:

       يخبئن أطراف البنان من التقى                ويخرجن جنح الليل معتجرات

وقال الدكتور لطف الله خوجة،حفظه الله: فإذا قيل: اعتجرت المرأة. دل ذلك على غطاء رأسها ووجهه، ولا يمُنع من ذلك إلا بقرينة صحيحة.(الدلائل المحكمة على وجوب غطاء الوجه ص78)

ثانياً:المعنى الشرعي:

روى البخاري في باب قتل حمزة بن عبد المطلب قصة ذهاب جعفر بن عمرو بن أمية الضمري وعبيد الله بن عدي الخيار إلى وحشي في حمص ليسألاه عن قتل حمزة، وفيه أن جعفراً قال:"فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير، ثم سلمنا عليه، فرد السلام، قال: وعبيد الله معتجر بعمامته، ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه" وبعد حكاية الحوار الذي دار بينهم، قال: جعفر:"فكشف عبيد الله عن وجهه".(البخاري المغازي، قتل حمزة، فتح الباري[7/367])

قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، حفظه الله: فهذا يفيد أن معنى الاعتجار هو ستر الوجه بحيث لا يرى منه إلا العينان.(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص48)

- الحق ما فهم الصحابيات:

        قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله: وقد أثنت عائشة، رضي الله عنه، على تلك النساء بمسارعتهن لامتثال أوامر الله في كتابه، ومعلوم أنهن ما فهمن ستر الوجوه من قوله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) إلا من النبي، صلى الله عليه وسلم؛ لأنه موجود وهن يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في دينهن، والله جل وعلا يقول (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ). فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن.

الحديث الثاني:

عن عائشة، رضي الله عنه، قالت: "كن نساء المؤمنين يشهدن مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس" متفق عليه. وقالت: "لو رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من النساء ما رأيناه لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها". وقد روي نحو هذا عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه.

الحديث الثالث: عن أم عطية، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد، قلن: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لتلبسها أختها من جلبابها" متفق عليه.

وجه الدلالة من الحديثين ما يلي:

1) عمل الصحابيات، رضي الله عنهن، حجة:

        قال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهر، وهو أن المرأة لا يجوز لها الخروج من بيتها إلا متحجبة بجلبابها الساتر لجميع بدنه، وأن هذا هو عمل نساء المؤمنين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم.(حراسة الفضيلة ص61)

        قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: والدلالة في هذا الحديث من وجهين:

أحدهما: أن الحجاب والتستر كانا من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمها على الله عز وجل، وأعلاها أخلاقاً وآداب، وأكملها إيمان، وأصلحها عمل، فهم القدوة الذين رضي الله عنهم وعمن اتبعوهم بإحسان، كما قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَْنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ..) فإذا كانت تلك طريقة نساء الصحابة، فكيف يليق بنا أن نحيد عن تلك الطريقة التي في إتباعها بإحسان رضا الله تعالى عمن سلكها واتبعها! وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرً).

2) كل ما يترتب عليه محذور فهو محظور:

قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله:

 "الثاني: أن عائشة أم المؤمنين وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنهم، وناهيك بهما علماً وفقهاً وبصيرة في دين الله ونصحاً لعباد الله، أخبرا بأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لو رأى من النساء ما رأيناه لمنعهن من المساجد، وهذا في زمن القرون المفضلة، فقد تغيرت الحال عما كان عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى حد يقتضي منعهن من المساجد.

        فكيف بزماننا هذا بعد نحو ثلاثة عشر قرن، وقد اتسع الأمر وقل الحياء وضعف الدين في قلوب كثير من الناس؟! وعائشة وابن مسعود، رضي الله عنهم، فَهِما ما شهدت به نصوص الشريعة الكاملة من أن كل ما يترتب عليه محذور فهو محظور.

 
الباب الرابع: باب جواز النظر إلى المخطوبة

        قال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: وهي كثيرة رواها جماعة من الصحابة، رضوان الله عليهم، منهم أبو هريرة وجابر والمغيرة ومحمد بن مسلمة وأبو حميد رضي الله عن الجميع.(حراسة الفضيلة ص63)

الحديث الأول:

عن جابر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل. فخطبت جارية، فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها" رواه أحمد وأبو داوود والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.

 

ودلالة هذا الحديث على وجوب تغطية الوجه من وجوه:

1-      أن الأصل هو تستر النساء واحتجابهن:

        قال الشيخ التويجري، رحمه الله، في هذه الأحاديث بيان ما كان عليه نساء الصحابة، رضي الله عنهم، من المبالغة في التستر من الرجال الأجانب، ولهذا لم يتمكن جابر ومحمد بن مسلمة، رضي الله عنهم، من النظر إلى المخطوبة إلا عن طريق الاختباء والاغتفال وكذلك المغيرة لم يتمكن من النظر إلى مخطوبته إلا بعد إذنها له في النظر إليها.(الصارم المشهور ص94-95)

2-      الرخصة دليل على وجود العزيمة:

        قال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: الرخصة للخاطب برؤية المخطوبة دليل على وجود العزيمة وهو الحجاب، ولو كن سافرات الوجوه لما كانت الرخصة.(حراسة الفضيلة ص64)

3-      صعوبة النظر إلى المخطوبة في عهد الصحابة، رضوان الله عليهم:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: قول النبي، صلى الله عليه وسلم: "فإن استطاع أن ينظر.. " يدل على أن النظر إلى النساء لم يكن سهلاً في ذلك الزمان، بل كان يحتاج إلى حيل وتصرفات، ولو كانت النساء يخرجن سافرات الوجوه لم يكن لاشتراط الاستطاعة والقدرة معنى.

4-      حدود النظر في الخِطْبة:

        قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله، في الفتح (9/ 182): قال الجمهور لا بأس أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة، قالوا: ولا ينظر إلى غير وجهها وكفيها.

        قال الشيخ أحمد شاكر، رحمه الله، في تحقيق المسند (14/ 236) عند حديث أبو هريرة، رضي الله عنه، في رؤية المخطوبة: "وهذا الحديث وما جاء في معنى رؤية الرجل لمن أراد خطبتها- مما يلعب به الفجار الملاحدة من أهل عصرنا عبيد أوروب، وعبيد النساء، وعبيد الشهوات يحتجون به في غير موضع الحجة، ويخرجون به عن المعنى الإسلامي الصحيح أن ينظر الرجل نظرة عابرة غير متقصية فيذهب، هؤلاء الكفرة الفجرة إلى جواز الرؤية الكاملة المتقصية، بل زادوا إلى رؤية ما لا يجوز رؤيته من المرأة، بل انحدروا إلى الخلوة المحرمة، بل المحادثة والمعاشرة، لا يرون بذلك بأساً. قبحهم الله وقبح نساءهم ومن يرضى بهذا منهم وأشدهم إثماً في ذلك من ينتسبون إلى الدين وهو منهم براء عافانا الله وهدانا إلى الصراط المستقيم.

الحديث الثاني:

عن موسى بن يزيد الأنصاري، عن أبي حميد، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب أحدكم امرأة، فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته، وإن كانت لا تعلم" أخرجه الإمام أحمد (5/ 424).

وجه الدلالة من الحديث ما يلي:

-أن رفع الجناح يدل على أن في كشفه جناحاً وإثماً:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: إن رفع الجناح عن إظهار التزين في هذه الحالة المخصوصة لأجل هذه المصلحة الخاصة دليل على أن في إظهار التزين في عامة الأحوال جناحاً وإثماً.

        وقال أيضاً: تقييد إباحة الشيء أو جوازه أو رخصته بحالة خاصة دليل على تحريمه في الأصل، كما أن ما حرم تحريم الوسائل فإنه يباح للحاجة أو المصلحة الراجحة. فجواز أو إباحة إظهار التزين- الذي يعده البعض كشف الوجه- للمخطوبة دليل على تحريم إظهار تلك الزينة في عامة الأحوال.

وصنيع الفقهاء والمحدثين يرشدنا إلى ما قلن، فإن عامتهم بوبوا على أحاديث الخطبة بـ(باب جواز النظر إلى المخطوبة) وأمثاله، فتقييدهم النظر إلى المخطوبة بالجواز يشعر بأن النظر إلى المخطوبة غير جائز عندهم.(إبراز الحق الصواب في السفور والحجاب ص56)

 

الباب الخامس: باب في الفرق بين الحرة والمملوكة

 

الحديث الأول:

        عن أنس، رضي الله عنه، في قصة زواج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من صفية، رضي الله عنهم، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين، أو مما ملكت يمينه؟ فقالوا: "إنْ حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطَّأ لها خلفه، ومدَّ الحجاب بينها وبين الناس" رواه البخاري ومسلم.

يستدل بهذا الحديث على:

 

1) وجوب الحجاب على الحرائر:

        قال الشيخ عبدالعزيز بن خلف، رحمه الله: وهذا الحديث من أدلة الوجوب أيضاً؛ لأنه من فعله، صلى الله عليه وسلم، بيده الكريمة، فهو عمل كامل، حيث إنه، صلى الله عليه وسلم، ستر جسمها كله، وهذا هو الحق الذي يجب إتباعه، فهو القدوة الحسنة، ولو لم يكن من النصوص الشرعية على وجوب ستر المسلمة وجهها وجميع بدنها ومقاطع لحمها إلا هذا الحديث الصحيح لكفى به موجباً وموجهاً إلى أكمل الصفات.(نظرات ص97)

 

2) عموم الحجاب على جميع الحرائر:

        قال الشيخ أبو هشام الأنصاري، رحمه الله: ليس في قصة صفية هذه ما يدل على اختصاص الحجاب بأمهات المؤمنين، بل هي على العكس من ذلك دليل على عموم الحجاب لسائر نساء المسلمين؛ وذلك لأن الصحابة كانوا مترددين في أمر صفية أنها مملوكة سرية أو حرة متزوجة؟ وأنهم كانوا على يقين جازم بأن النبي، صلى الله عليه وسلم، لو حجبها فهي أمارة على أنه أعتقها وتزوجها ولم يكن جزمهم هذا إلا لأنهم كانوا يعرفون أن الحجاب مختص بالحرائر وأنه أكبر ميزة وأعظم فارق في معرفة الحرة من المملوكة عند النساء عامة. (إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص25)

 

الحديث الثاني:

روى ابن أبي شيبة في (مصنفه): حدثنا علي بن مسهر، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: دخلت على عمر بن الخطاب أَمَة قد كان يعرفها لبعض المهاجرين، أو الأنصار، وعليها جلباب متقنعة به، فسألها: عُتِقتِ؟ قالت: ل، قال: فما بال الجلباب؟! ضعيه على رأسك، إنما الجلباب على الحرائر من نساء المؤمنين، فتلكأت، فقام إليها بالدرة، فضرب بها رأسها حتى ألقته.

 
الباب السادس: باب حادثة الإفك

        عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنه، في حادثة الإفك قالت:

         (فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني، فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت (وفي رواية: فسترت) وجهي عنه بجلبابي). رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

وجه الدلالة من هذا الحديث ما يلي:

1) (فعرفني حين رآني) وحل الإشكال الوارد:

        قال الدكتور يوسف الأحمد، حفظه الله: فصفوان بن المعطل رأى سواد إنسان فأقبل إليه. وهذا السواد هو عائشة، رضي الله عنه، وكانت نائمة، كاشفة عن وجهه، فعرفها صفوان، فاستيقظت باسترجاعه، أي بقوله: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) فعائشة، رضي الله عنه، لما قالت (فعرفني حين رآني) بررت سبب معرفته لها ولم تسكت، فكأن في ذهن السامع إشكال: كيف يعرفها وتغطية الوجه واجب، فقالت: (وكان يراني قبل الحجاب). (جلباب المرأة المسلمة ص19-20)

2) (وكان يراني قبل الحجاب):

        قال الدكتور يوسف الأحمد، حفظه الله: وفي قولها (وكان يراني قبل الحجاب) فائدة أخرى، ودليل على أن تغطية الوجه هو المأمور به في آية الحجاب. (جلباب المرأة المسلمة ص 20)

3) (فخمرت وجهي):

       قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله، في الفتح (8/ 463) قوله فخمرت: أي غطيت "وجهي  بجلبابي". قال الدكتور الأحمد، حفظه الله: ثم قالت عائشة، رضي الله عنه،: (فخمرت - وفي رواية: فسترت - وجهي عنه بجلبابي) وقولها هذا في غاية الصراحة. (جلباب المرأة المسلمة ص 20)

4) الجلباب: قد سبق الحديث عن معنى الجلباب لغوياً وشرعياً وعن حكمه.

 

 

 

 

 

 

الباب السابع: باب في تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها

        عن عتبة بن عامر الجيني، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: "يا رسول الله أفرأيت الحمو"، قال: "الحمو الموت" رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد.

يستدل بهذا الحديث على:

1) وجوب الحجاب:

        قال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: فهذا الحديث دال على فرض الحجاب؛ لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، حذر من الدخول على النساء، وشبه، صلى الله عليه وسلم، قريب الزوج بالموت، وهذه عبارة بالغة الشدة في التحذير.(حراسة الفضيلة ص63)

2) عموم الحجاب لجميع النساء:

        قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله: فتحذيره، صلى الله عليه وسلم، هذا التحذير البالغ من دخول الرجال على النساء وتعبيره عن دخول القريب على زوجة قريبة باسم الموت، دليل صحيح نبوي على أن قوله تعالى: (فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) عام في جميع النساء كما ترى، إذا لو كان حكمه خاصاً بأزواجه صلى الله عليه وسلم، لما حذر الرجال هذا التحذير البالغ العام من الدخول على جميع النساء.(أضواء البيان [6/592-593])

3) تحريم الاختلاط:

        قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله: وظاهر الحديث التحذير من الدخول عليهن ولو لم تحصل الخلوة بينهم، وهو كذلك، فالدخول عليهن والخلوة بهن كلاهما محرم تحريماً شديداً بانفراده، كما قدمنا أن مسلم، رحمه الله، أخرج هذا الحديث في (باب: تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها) فدل على أن كليهما محرماً. (أضواء البيان [6/592-593])


 

الباب الثامن: باب في وجوب ستر القدمين

        عن ابن عمر، رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقالت أم سلمة، رضي الله عنه،: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: "يرخين شبراً" فقالت: "إذن تنكشف أقدامهن"، قال: "فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه" رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال البيهقي: "في هذا دليل على وجوب ستر قدميها".

يستدل بهذا الحديث على:

1) المرأة كلها عورة:

قال الشيخ حمود التويجري، رحمه الله: وفي هذا الحديث والحديثين بعده دليل على أن المرأة كلها عورة في حق الرجال الأجانب، ولهذا لما رخص النبي، صلى الله عليه وسلم، للنساء في إرخاء ذيولهن شبر، قلن له: إن شبراً لا يستر من عورة، والعورة ها هنا القدم.(الصارم المشهور ص97-98)

قال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: أن المرأة كلها عورة في حق الأجنبي عنه، بدليل أمره، صلى الله عليه وسلم، بستر القدمين، واستثناء النساء من تحريم جر الثوب والجلباب لهذا الغرض المهم.(حراسة الفضيلة ص62)

2) التنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه:

        قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: هذا الحديث دليل على وجوب ستر قدم المرأة، وأنه أمر معلوم عند نساء الصحابه، رضي الله عنهم، والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين بلا ريب، فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه، وما هو أولى منه بالحكم، وحكمة الشرع تأبى أن يوجب ستر ما هو أقل فتنة، ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة، فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة الله وشرعه. (الحجاب ص18)

          قال الشيخ التويجري، رحمه الله: "ومن المعلوم أن العشق الذي أضنى كثيراً من الناس وقتل كثيراً منهم إنما كان بالنظر إلى الوجوه الحسنة، لا إلى الأقدام وأطراف الأيدي ولا إلى الحلي والثياب، وإذا كان قدم المرأة عورة يجب ستره، فوجهها أولى أن يستر، والله أعلم".

(الصارم المشهور ص97-98)  

 

 

القسم الثالث:

 أدلة المبيحين: أولاً: الأحاديث الصحيحة:

الباب الأول: الحج

الحديث الأول: حديث الخثعمية:

        عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهم، قال: "أردف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الفضل بن عباس، رضي الله عنهم، يوم النحر خلفه على عَجُزِ راحلته، وكان الفضل رجلاً وضيئ، فوقف النبي، صلى الله عليه وسلم، للناس يُفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم (وضيئة) تستفتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنه، فالتفت النبي، صلى الله عليه وسلم، والفضل ينظر إليه، فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل، فعدل وجهه عن النظر إليه، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: نعم) رواه البخاري ومسلم.

1- هذه واقعة حال لا عموم لها:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: هذا هو النص الذي كثيراً ما يتوكأ عليه من يتصدى لشق ستور النساء من في هذا الزمان، يقيم به الحجة على جواز السفور في جميع الأحوال، مع أن هذا الاستدلال لا يتمشى على طريقة الفقهاء المحدثين، فإنها حسب قاعدتهم واقعة حال لا عموم له، يتطرق إليها من الاحتمالات ما لا يتركها صالحة للاستدلال فضلاً عن أن تكون قاضية على النصوص والدلائل التي قدمناها من قبل.(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب  ص60)

ثم قال ، رحمه الله: والحاصل أن كل ما قدمنا من النصوص الدالة على وجوب الحجاب من الكتاب والسنة هي أصول وقوانين كلية، وواقعة هذه المرأة الخثعمية واقعة عين، وقد علمت ما فيها من الاحتمالات،فلا يكون لها عموم وهي لا تصلح لمقاومة تلك النصوص، ولا يترك القانون الكلي في مقابله مثل هذه الواقعة الخاصة.(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص62)

 2- التعليل بالحسن -وقد ثبت- أقوى من التعليل بالشباب:

قال صلى الله عليه وسلم:" رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما" رواه أحمد(1/75) رقم562،والبزار في المسند(2/164)رقم 532، والضياء المقدسي في المختارة(2/240)رقم619.

قال الشيخ حمود التويجري، رحمه الله: وفي تعليله خوف الفتنة على (الفضل) بشباب المرأة إشعاراً بأنها لم تكشف وجهها بمرأى من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يرَ ما ذكر عنها من الحسن وإلا فالحسن أدعى إلى الفتنة من الشباب، والتعليل به أقوى من التعليل بالشباب ، ولما لم يعلل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك دل على أنها كانت ساترة لوجهها والله أعلم.(الصارم المشهور ص225)

3- انفراد رواية ابن عباس-رضي الله عنهما- بذكر حسن المرأة ووضاءتها:     

     قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله:الذين شاهدوا قصة الفضل والخثعمية لم يذكروا حسن المرأة ووضاءته، ولم يذكروا أنها كانت كاشفة عن وجهها. كما في حديث علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-، وفيه قول العباس "يا رسول الله لما لويت عنق ابن عمك؟"، وكذا حديث جابر-رضي الله عنه- في صحيح مسلم في الحج، وفيه "فلما رفع رسول الله الفضل، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل، فصرف وجهه من الشق الآخر.(عودة الحجاب[3/384])

4- ظهر وجهها بغير قصد منها:

        قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله: ومعرفة كونها وضيئة أو حسناء لا يستلزم أنها كانت كاشفة عن وجهها وأنه، صلى الله عليه وسلم، أقرها على ذلك، بل قد ينكشف عنها خمارها من غير قصد، فيراها بعض الرجال من غير قصد كشفها عن وجهها.(أضواء البيان[6/599-602])

      وقال الشيخ حمود التويجري، رحمه الله: وكثيراً ما ينكشف وجه المتحجبة بغير قصد منه، إما بسبب اشتغال بشيء أو بسبب ريح شديد أو لغير ذلك من الأسباب، فيرى وجهها من كان حاضراً عندها.(الصارم المشهور ص139-140)

5- يعرفها قبل الإحرام:

        قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله: ويحتمل أن يكون يعرف حسنها قبل ذلك الوقت لجواز أن يكون قد رآها قبل ذلك وعرفه، ومما يوضح هذا أن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهم، الذي روى عنه هذا الحديث لم يكن حاضراً وقت نظر أخيه إلى المرأة، وهو الراوي للحديث.(أضواء البيان[6/599-602]

6- الجمال والوضاءة لا ينحصران في الوجه:

        قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله: مع أن جمال المرأة قد يعرف وينظر إليها لجمالها وهي مختمرة، وذلك لحسن قدها وقوامه، وقد تعرف وضاءتها وحسنها من رؤية بنانها فقط كما هو معلوم؛ ولذلك فسر ابن مسعود، رضي الله عنه (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ) بالملاءة فوق الثياب، كما تقدم، ومما يوضح أن الحسن يعرف من تحت الثياب قول الشاعر:

        طافت أمامة بالركبان آونة         يا حسنها من قوام ما ومنتقباً

        فقد بالغ في حسن قوامها مع أن العادة كونه مستوراً بالثياب لا منكشفاً. (أضواء البيان[6/599-602])

7- حديثة عهد بإسلام:

        قال الشيخ عبدالعزيز بن راشد النجدي، رحمه الله: ولم يُنكر عليه، أي النبي صلى الله عليه وسلم، لحداثة عهدها بالإسلام، كما سكت عن المرأة التي بايعت على الإسلام وشرط عليها ألا تنوح على ميت، فقالت: فلانة أسعدتني، وأنا أريد أن أجزيه، فما قال لها شيئ، ولا أنكر عليها ولا أبى عن مبايعتها لعلمه أنها إذا تمكن الإيمان من قلبها لابد أن تنقاد لأوامره، وتنتهي عن نواهيه وتحرم النياحة.(أصول السيرة المحمدية ص165-166)

 

8- الفعل أبلغ من القول:

        قال الشيخ عبدالقادر السندي، حفظه الله: لا حجة في الحديث للذين يقولون بجواز كشف الوجه والكفين؛ لأنه، صلى الله عليه وسلم، أنكر على الفضل بن عباس إنكاراً باتاً بأن لوى عنقه وصرفه إلى جهة أخرى، وكان في هذا الصنيع من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إنكار واضح لأنه أنكر باليد.(رسالة الحجاب ص35)

        وقال الإمام النووي، رحمه الله، عند ذكره لفوائد هذا الحديث: ومنها تحريم النظر إلى الأجنبية، ومنها إزالة المنكر باليد لمن أمكنه.(شرح النووي لصحيح مسلم[9/98])

        وقال الإمام ابن القيم، رحمه الله: وهذا منع وإنكار بالفعل، فلو كان النظر جائزاً لأقره عليه.(روضة المحبين ص102)

        وقال الحافظ: وفي الحديث: منع النظر إلى الأجنبيات وغض البصر.(فتح الباري[4/88])

 وقال عياض: وزعم بعضهم أنه غير واجب إلا عند خشية الفتنة، قال: وعندي أن فعله، صلى الله عليه وسلم، إذ غطى وجه الفضل أبلغ من القول.(فتح الباري[4/88])

9- نصيحة لله:

        قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله: وبالجملة فإن المنصف يعلم أنه يبعد كل البعد أن يأذن الشارع للنساء في الكشف عن الوجه أمام الرجال الأجانب مع أن الوجه هو أصل الجمال، والنظر إليه من الشابة الجميلة هو أعظم مثير للغرائز البشرية وداعٍ إلى الفتنة والوقوع فيما لا ينبغي، ألم تسمع بعضهم يقول:

        قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرةٍ          ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم

        أترضى أيها الإنسان أن تسمح له بهذه النظر إلى نسائك وبناتك وأخواتك؟(أضواء البيان[6/599-602])

ولقد صدق من قال:

         وما عجب أن النساء ترجلت          ولكن تأنيث الرجال عجيبُ

 

 

الباب الثاني: باب جواز النظر إلى المخطوبة

الحديث الأول: حديث الواهبة:

        عن سهل بن سعد، رضي الله عنه، أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: "يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي"، فنظر إليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فصعّد النظر إليها وصوّبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقصد منها شيئاً جلست. الحديث، رواه البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي.

رد العلماء على من استدل بهذا الحديث على كشف الوجه بالتالي:

1) قبل نزول الحجاب:

قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: لا يُدرى هل كان هذا قبل الحجاب أو بعده؟ فهذا النص لا يصلح للاحتجاج.. وسياقه على أن ذلك كان في أوائل الهجرة، لأن الفقر كان قد تخفف كثيراً بعد بني قينقاع والنضير و قريظة، ومعلوم أن الأمر بالحجاب نزل عقب قريظة أو قبلها بقليل.(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص64)

2) تصويب النظر لا يفيد رؤية الوجه دائماً:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: ليس في الحديث أنها كانت سافرة الوجه، ونظر النبي، صلى الله عليه وسلم، إليها لا يدل على سفورها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صعد النظر إليها وصوبه، ومعلوم أن تصويب النظر لا يفيد رؤية الوجه، فيمكن أن يكون نظره إليها لمعرفة نبله، وشرفها وكرامته، فإن هيئة الإنسان قد تدل على ذلك.(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب)

3) النظر إلى المخطوبة جائز:  

        وقد ترجم الإمام البخاري –رحمه الله- في الصحيح في كتاب النكاح(6/109) بـ(باب النظر إلى المرأة قبل التزويج)، وترجم أيضاً البيهقي لهذا الحديث (7/ 84): باب نظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها.

      قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: ثم السياق يدل على أنها كانت راضية بأن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم أو يتزوجها أحد غيره، حتى رضيت بالزواج من رجل فقير لم يكن يملك خاتماً من حديد، فإذا كان هذا هو قصدها ونيتها فلاشك أنها جعلت نفسها في معرض الخطبة لكل من أراد الزواج بها من الموجودين، فجاز لها أن تكشف وجهها للجميع لهذه المصلحة الراجحة التي أبيح لأجلها النظر إلى الأجنبيات والسفور أمام الأجانب، فتدبر فإنه ليس بحيلة، بل هو مبحث نفيس يريحك عن كثير من التعب والعناء.(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص64-65)

4) هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم:

        قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والذي تحرر عندنا أنه، صلى الله عليه وسلم، كان لا يحرم عليه النظر إلى المؤمنات الأجنبيات بخلاف غيره (فتح الباري[9/ 210]).

الحديث الثاني: حديث سبيعة بنت الحارث رضي الله عنها:

        عن سبيعة الحارث، رضي الله عنه،: أنها كانت تحت سعد بن خولة، فتوفي عنها في حجة الوداع، وكان بدري، فوضعت حملها قبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته، فلقيها أبو السنابل بن بعكك حين تعلت من نفاسه، وقد اكتحلت واختضبت وتهيأت، فقال لها: اربَعي على نفسك- أو نحو هذا- لعلك تريدين النكاح؟ إنها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك، قالت: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ما قال أبو السنابل بن بعكك، فقال: "قد حللت حين وضعت" رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي.

رد العلماء على من استدل بهذا الحديث على كشف الوجه بالتالي:

1) ليس في الحديث تصريح بكشف الوجه:

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: ليس في الحديث دليل على أنها كانت سافرة الوجه حين رآها أبو السنابل، بل غاية ما فيه أنه رأى خضاب يديها وكحل عينيه، ورؤية ذلك لا تستلزم رؤية الوجه. (عودة الحجاب[3/369])

        قال الشيخ عبد العزيز بن خلف، رحمه الله: والمستمسك من الحديث هو أنه عرف منها أنها كانت مكتحلة ومخضبة، وله أن يعرف أنها كانت مكتحلة حين تكون قد لوت الجلباب على وجهه، وأخرجت عيناً كما وصف ابن عباس، رضي الله عنهم، فعل المؤمنات بعد نزول آية إدناء الجلباب.(نظرات في حجاب المرأة المسلمة ص75،ص181)

     قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: التعرض للخاطب من قبل المتوفي عنها زوجها لا يستلزم كشف الوجه، لأن مجرد ترك لباس الحداد ولبس ثياب الزينة يكفي لإشعار الخطاب وإعلامهم بأن المرأة قد حلت وانقضت عدته، وآن لها أوان الخطبة، فمن شاء فليخطب.(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص58)

      هكذا كانت المجتمعات الإسلامية لا يدعون المرأة تبقى لوحدها بلا زوج تسكن إليه، حتى المطلقات منهن والأرامل، وأما ما يحصل في عصرنا من تأخير لزواج الشباب والفتيات بلا مبرر شرعي ولا مقنع ، وترك الأرامل والمطلقات السنين الطوال لا يُلقى لهن بال، فهذا والله مما لا يرضاه عاقل يعي ويعرف مآل الأمور ونتائجه، ونسأل الله بمنه وكرمه أن يهدي المسلمين لتكاتف والتعاضد والسعي في عدم إبقاء الشباب والفتيات إلا وقد أحصنت فروجهم ، واطمأنت واستقرت وسكنت نفوسهم بالزواج آمين يا رب العالمين. 

2) التجمل للخطبة:

        قال الحافظ ابن حجر في الفوائد المستنبطة من قصة سبيعة: وفيه جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها؛ لأن في رواية الزهري التي في المغازي، (فقال: ما لي أراك تجمّلت للخطّاب؟)، وفي رواية ابن إسحاق: (فتهيأت للنكاح، واختضبت)، وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد: (فلقيها أبو السنابل وقد اكتحلت) وفي رواية الأسود: (فتطيبت وتعطرت). (فتح الباري[9/475])

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: ويتضح من هذا أن إظهار زينتها إنما كان للخطاب، وعليه ينبغي حمل هذه الروايات، وقد سبق ذكر جملة من النصوص في الترخيص في نظر الخاطب إلى المخطوبة بإذنه، أو بغير إذنه، فعلم أبو السنابل بخضابها واكتحاله، وقال لها: (ما لي أراك تجمّلت للخطّاب؟) وكان قد نظر إليها مريداً خطبته، لكنها أبت أن تنكحه.(عودة الحجاب[3/370])

 

3) مبالغة سبيعة، رضي الله عنه، في التستر:

قالت سبيعة، رضي الله عنه، في رواية أخرى: فلما قال لي ذلك- أي أبو السنابل- جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك الحديث.

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: فقولها (جمعت عليّ ثيابي) يوحي بأنها خرجت عن حال التزين المذكورة، وإذا ضممنا إليه قولها (حين أمسيت) فهمنا من سلوكه، رضي الله عنه، حرصها الشديد على الاستتار عن الأجانب، ليس فقط بالحجاب بل أيضاً بظلام الليل.(عودة الحجاب [3/371])

        قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله، في الفتح (9/ 475): وفيه مباشرة المرأة السؤال عما ينزل به، ولو كان مما يستحى النساء من مثله، لكن خروجها من منزلها ليل، ليكون أستر لها كما فعلت سبيعة،رضي الله عنها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الثالث: باب صلاة العيد

الحديث الأول: حديث سفعاء الخدين

        روى الإمام مسلم في صحيحه (2/ 537):

        عن جابر بن عبدالله، رضي الله عنهم، قال: شهدت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس، وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن، فقال: "تصدقن فإن أكثركن حطب جنهم"، فتكلمت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت: "لم يا رسول الله؟ " قال: "لأنكن تكثرن الشكاية، وتكفرن العشير"، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن. رواه البخاري، ومسلم والنسائي والدارمي والبيهقي والإمام أحمد في مسنده.

1) البحث في قوله "من سطة النساء" في رواية الإمام مسلم:

        إن حذاق شيوخ القاضي عياض يرون أن هذا الحرف مُغير في كتاب مسلم وأن صوابه "من سفلة النساء" وكذا رواه ابن أبي شيبة في مسنده والنسائي في سننه، وفي رواية لابن أبي شبيبة "امرأة ليست من علية النساء"، قال الشيخ مصطفى العدوي، حفظه الله: وهذا الذي نقله عياض عن حذاق شيوخه هو الصواب؛ أي أن لفظ سطة النساء غلط في صحيح مسلم، خلافاً لما قاله النووي، رحمه الله، وأيض، بناء على ذلك، فمعناها مخالف لما قاله النووي وعياض، رحمهما الله، والصواب (امرأة من سفلة النساء).. هـ.(الحجاب ص39-40) وصحح ذلك الشيخ الشنقيطي، رحمه الله، ومال إلى أن الصواب (امرأة من سفلة النساء) في أضواء البيان (6/ 597).

        وقد ذكر لفظ (امرأة من سفلة النساء) في النسائي (3/ 186) وأحمد (3/ 318) والدارمي (1/ 377) والبيهقي (3/ 296) و(3/ 300) وهذه الروايات تؤيد تصويب الجملة.

        قال الشيخ مصطفى العدوي، حفظه الله، بعد سرده لهذه اللفظة الواردة في الكتب السابقة: من هذا يتضح لنا وضوحاً لا نشك فيه أن الصواب (امرأة من سفلة النساء) وتؤيدها رواية ابن أبي شيبة الأخيرة (ليست من علية النساء) إذ المعنى واحد، فترجح لدينا الآن أن الصواب (من سفلة النساء).(الحجاب ص40)

2) المعنى لقوله (امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين):

قال الشيخ مصطفى العدوي، حفظه الله:

والمعنى على هذا الذي ترجح يخالف ما قاله النووي وعياض، رحمهما الله، ففي اللسان ص (2031) وسفلة الناس وسفلتهم أسافلهم وغوغاؤهم، وفيه أيضاً السفل والسفل.. نقيض العلو والعلوة. (الحجاب ص40)

        قال الإمام النووي، رحمه الله: سفعاء الخدين: أي فيهما تغير وسواد.

قال الشيخ مصطفى العدوي، حفظه الله: أما قوله سفعاء الخدين فلا نختلف فيه مع النووي، رحمه الله، فمعناه فيهما تغير وسواد.(الحجاب ص40)

3) الاحتجاج بهذا الحديث على جواز كشف الوجه غير صحيح، للآتي:

1- الشرع أباح للأَمَة كشف الوجه:

        قال الشيخ مصطفى العدوي، حفظه الله: فعلى هذا فقوله (امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين) أي ليست من علية النساء، بل هي من سفلتهن، وهي سوداء، هذا القول يشعر ويشير إلى إشارة قوية إلى أن المرأة كانت من الإماء وليست من الحرائر، وعليه فلا دليل في هذا لمن استدل به على جواز كشف وجه المرأة، إذ إنه يغتفر في حق الإماء ما لا يغتفر في حق الحرائر، كما سبق الإشارة إليه.(الحجاب ص41)

2- الشرع أباح للقواعد كشف الوجه:

        قال الشيخ مصطفى العدوي، حفظه الله: ثم هناك احتمال وارد أيضاً وهو أن هذه المرأة قد تكون من القواعد من النساء. (الحجاب ص42)

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: هذه المرأة ربما تكون من القواعد اللاتي لا يرجون نكاح، فلا تثريب عليها في كشف وجهها على النحو المذكور، ولا يمنع ذلك من وجوب الحجاب على غيرها. (عودة الحجاب [3/361])

        قال الإمام ابن قدامة، رحمه الله، في المغني (6/ 560): "وفي معنى ذلك الشوهاء التي لا تُشتهى".

3- انفراد جابر، رضي الله عنه، برؤية وجه المرأة:

        قال الشيخ حمود التويجري، رحمه الله: ومما يدل على أن جابر، رضي الله عنه، قد انفرد برؤية وجه المرأة التي خاطبت النبي، صلى الله عليه وسلم، أن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبا هريرة وأبا سعيد الخدري، رضي الله عنهم، رووا خطبة النبي، صلى الله عليه وسلم، وموعظته للنساء، ولم يذكر واحد منهم ما ذكره جابر، رضي الله عنه، من سفور تلك المرأة وصفة خديها.. هـ ثم ذكر، رحمه الله، هذه الروايات وأثبتها. (الصارم المشهور) ص (118-122).

        قالت مكية نواب مرزا في رسالة ماجستير جامعة أم القرى: "فلعل هذا كان لقباً للمرأة، أو أن الراوي كان يعرفها قبل الحجاب". (حجاب المرأة المسلمة ص54)

4- قبل نزول آية الحجاب:

        قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: إما أن تكون هذه المرأة من القواعد اللاتي لا يرجون نكاح، فكشف وجهها مباح، ولا يمنع وجوب الحجاب على غيره، أو يكون قبل نزول آية الحجاب، فإنها كانت في سورة الأحزاب سنة خمس أو ست من الهجرة، وصلاة العيد شرعت في السنة الثانية من الهجرة. (رسالة الحجاب ص32)

5- ليس فيها تصريح برؤية النبي، صلى الله عليه وسلم، لوجهها:

        قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله: ليس فيه ما يدل على أن النبي، صلى الله عليه وسلم، رآها كاشفة عن وجهه، وأقرها على ذلك، بل غاية ما يفيده الحديث أن جابراً رأى وجهها. (أضواء البيان [6/597])

6- ظَهَر وجهها من غير قصد منها:

        قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله: وذلك لا يستلزم كشفها عنه قصد، وكم من امرأة يسقط خمارها عن وجهها من غير قصد، فيراه بعض الناس في تلك الحال(أضواء البيان [6/597])، كما قال النابغة الذبياني:

 سقط النصيف ولم ترد إسقاطه      فتنـــاولته واتقتنا باليد

        قال الشيخ حمود التويجري، رحمه الله: فلعل جلبابها انحسر عن وجهها بغير قصد منه، فرآه جابر، وأخبر عن صفته، ومن ادعى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قد رآها كما رآها جابر وأقره، فعليه الدليل.(الصارم المشهور ص117-118)

7- الناقل عن الأصل مقدم على المبقي على الأصل:

        قال الشيخ عبد الله بن جار الله، حفظه الله: هذا وإن أدلة وجوب الحجاب ناقلة عن الأصل، وأدلة جواز كشفه مبقية على الأصل، والناقل عن الأصل مقدم، كما هو معروف عند الأصوليين؛ لأن مع الناقل زيادة علم، وهو إثبات تغيير الحكم الأصلي.(مسؤولية المرأة المسلمة ص58)

الحديث الثاني:

        عن ابن عباس، رضي الله عنهم، قيل له: شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: "نعم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته، حتى أتى العَلم الذي عند دار كثير بن الصلت، فصلى، فنزل نبي الله، صلى الله عليه وسلم، كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده، ثم أقبل يشقهم، ثم أتى النساء ومعه بلال، فقال: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئً) فتلا هذه الآية حتى فرغ منه، ثم قال حين فرغ منها: "أأنتن على ذلك؟ " فقالت امرأة واحدة، لم يجبه غيرها منهن: نعم يا نبي الله، ثم قال: "هلم لكنّ، فداكن أبي وأمي" فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه، وفي رواية: فجعلن يلقين الفتخ والخواتم في ثوب بلال، ثم انطلق هو وبلال إلى بيته. رواه البخاري وأبو داوود والنسائي والبيهقي والإمام أحمد.

- الشبهة:

        قالوا: إن ابن عباس، رضي الله عنه، رأى أيديهن فصح أن اليد من المرأة والوجه ليسا بعورة، وما عداهما ففرض ستره.

- الجواب عنها:

1) أين ذكر الوجه في الحديث؟

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: ليس في الحدث ذكر الوجه بحال، فأين فيه ما يدل على أن وجه المرأة ليس بعورة؟(عودة الحجاب [6/365])

2) أين التصريح بكشف الأيدي؟

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله : وفي الحديث ذكر الأيدي، ولكن ليس فيه تصريح بأنها كانت مكشوفة حتى يتم الاستدلال به على أن يد المرأة ليست بعورة، غاية ما فيه أن ابن عباس، رضي الله عنهم، رآهن يهوين بأيديهن، ولم يذكر حسرهن عن أيديهن. (عودة الحجاب [6/365])  

3) صغر سن ابن عباس، رضي الله عنهما:

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: ولعل صغر سنه المنوه به في صدر الحديث "ولولا مكاني من الصغر ما شهدته" يقضي بأن يغتفر له حضور موعظة النساء. (عودة الحجاب [6/365])  

- أخيراً:

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: وإذا كان الحديث محتملاً لكل من الأمرين لم يصح الاستدلال به على أن يد المرأة ليست بعورة، فإن الدليل إذا طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال. (عودة الحجاب [6/365])  

 

الباب الرابع: باب غض البصر

        عن بردة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة" رواه الترمذي وأبو داوود والإمام أحمد.

        وعن جرير بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: "سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري" رواه مسلم وأبو داوود والترمذي.

- الشبهة:

        احتج المبيحون لكشف الوجه بنصوص وردت في الأمر بغض البصر على أن هذا يلزم منه أن تكون وجوه النساء مكشوفة، وإلا فعن ماذا يُغض البصر إذا كانت النساء مستورات الوجوه؟

- الجواب عنها:

أولاً: الأمر بغض البصر مطلق:

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: إن الأمر بغض البصر مطلق، فيشمل كل ما ينبغي أن يُغض البصر عنه قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) ولم يبين الشيء الذي يُغض عنه البصر، فدل على أن الأمر مطلق فيشمل كل ما ينبغي غض البصر عنه.. هـ. (عودة الحجاب[3/378])

        من هذا الكلام نفهم أن مسألة تضييق هذا الأمر المطلق الشامل غير مقبولة؛ إذ يتوسع فيها الأمر إلى نواحٍ كثيرة لا يمكن حصرها على شيء محدود، ومن هذه الأمور التي جاء الأمر بغض البصر عنها ما يلي:

 

1) غض البصر عن نساء اليهود والسبايا والإماء:

        قال البخاري، رحمه الله: قال سعيد بن أبي الحسن للحسن: "إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن؟" قال: "اصرف بصرك عنهن، يقول الله عز وجل (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)، قال قتادة: عما لا يحل لهم. (عودة الحجاب [6/378])  

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: والأمر بالحجاب منذ اللحظة الأولى لم يتوجه لغير المؤمنات؛ لأنهن مظنة الاستجابة لأمر الله عز وجل، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ) الآية، ولم يقل (ونساء أهل المدينة)، وقال تبارك وتعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) الآية، وقال سبحانه (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) الآية، ولم يقل (وقل لنساء أهل المدينة) لكن الأمر توجه لمن شرفهن الله تعالى بالإيمان مطلقاً. (عودة الحجاب [6/373])  

        وقال أيضاً: وإذا كانت المرأة غير مسلمة، أو مسلمة اجترأت على هتك أوامر الله، وتعمدت كشف زينته، وهذا ما عمت به البلوى في زمانن، فالواجب هنا على الأقل أن يؤمر الرجل بغض البصر، مع العلم بأن هذا لا يقتضي أن ما فعلته هذه المرأة من كشف الوجه وغيره تجيزه الشريعة بغير عذر أو مصلحة. (عودة الحجاب [6/373])

2) غض البصر عما يظهر من المرأة بغير قصد:

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: فلابد أن يبدو بعض أطرافها في بعض الأحيان، كما هو معلوم بالمشاهدة من اللاتي يبالغن في التحجب والتستر، فلهذا أمر الرجال بغض البصر عما يبدو منهن في بعض الأحوال.

        وهذا الأمر بغض البصر لا يستلزم أنها تكشف ذلك عمداً وقصد، فكم من امرأة تحرك الرياح ثيابه، أو تقع فيسقط الخمار عن وجهها من غير قصد منها فيراها بعض الناس على تلك الحال. (عودة الحجاب [6/374])

 

ومما يؤيد هذا:

1) قوله تعالى: (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ):

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: ومن هنا قال تعالى: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ) ولم يقل (إلا ما أظهرنه) لأن (أظهر) فيه معنى التعمد، بخلاف (ظهر) أي من غير قصد منه، فهذا معفو عنه، لا ما تظهره هي بقصد. (عودة الحجاب [6/374])  

2) نظرة الفجأة:

 قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: وكثيراً ما يصادف الرجل المرأة وهي غافلة، فيرى وجهها أو غيره من أطرافه، فأمره الشارع حينئذ بصرف بصره عنه، كما في حديث جرير بن عبد الله، رضي الله عنه، وقال أيضاً: فهذا هو موقع نظر الفجأة، وفي سؤال جرير عن نظر الفجأة دليل على مشروعية استتار النساء عن الرجال الأجانب وتغطية وجوههن عنهم، وإلا كان سؤاله عن نظر الفجأة لغواً لا معنى له، ولا فائدة من ذكره.(عودة الحجاب[3/374])

3) غض البصر عن شخوص النساء وقوامهن:

        قال العلماء: إنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى بدن المرأة نظر شهوة ولو كانت مستورة؛ لأن ذلك مدعاة إلى الافتنان بها كما لا يخفى، ووقوعه فيما سماه النبي، صلى الله عليه وسلم: "زنا العينين"، قال صلى الله عليه وسلم: "والعينان تزنيان، وزناهما النظر"، رواه مسلم، انظر شرح النووي (6/ 206).

4) غض البصر عما يزيد على قدر الحاجة في حالة وجود الضرورات:

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم: قد تعرض للمرأة المحجبة ضرورات، بل حاجات، تدعوها إلى كشف وجهه، ويرخص لها في ذلك مثل نظر القاضي إلى المرأة عند الشهادة، والنظر إلى المرأة المشتبه فيها عند تحقيق الجرائم، ونظر الطبيب المعالج إلى المرأة بشروطه، والنظر إلى المراد خطبته، وهذا كله يكون بقدر الحاجة فقط لا يجوز له أن يتعداه، فإن دعته نفسه إلى الزيادة عن قدر الحاجة فهو مأمور بغض البصر عنها. والله أعلم.. هـ. (عودة الحجاب [6/375-376])  

ثانياً: ترتيب الآيات حسب نزولها ينفي ما يدعونه:

1) نزل الأمر بالحجاب قبل الأمر بغض البصر:

        قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُْولَى) وقال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمً).

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم،حفظه الله: كل هذه الأوامر بالحجاب إنما نزلت في سورة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة النبوية، وشاع الحجاب بعدها في المجتمع المسلم بعد نزوله، وقبل الأمر بغض البصر، الذي نزل في سورة النور التي نزلت في السنة السادسة من الهجرة (انظر عمدة القارئ للعيني (20/ 223)) ومما يدل على ذلك قول أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنه، في قصة الإفك التي كانت في السنة السادسة: (فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت- وفي رواية: فسترت- وجهي بجلبابي).

        وقال أيضاً: ومن هنا يتضح أن استنباط البعض من الأمر بغض البصر أن وجوه النساء كانت سافرة غير صحيح، بدليل أن الأمر بالحجاب نزل أول، وامتثله نساء المؤمنين، ثم نزل في السنة التي تليها الأمر بغض البصر. (عودة الحجاب [6/376-377])  

2) الحكمة الربانية من هذا الترتيب:

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: ولعل الحكمة في ذلك أن الأمر بغض البصر مع بقاء الوجوه سافرة قد يشق على بعض النفوس، ولكنه مع الحجاب أيسر.. هـ وهذا من يسر الشريعة التي جاءت به وحثت عليه.

        وقال أيضاً: فتناولت الشريعة الحكيمة إخماد الفتنة وسد ذريعتها من الجانبين: من جانب المرأة حيث كلفتها بالحجاب، ثم من جانب الرجل حيث كلفته بغض البصر.

        ولقد صار الحجاب، بعد نزول الأمر بغض البصر في سورة النور، أصلاً من أصول النظام الاجتماعي في الدولة المسلمة، واستمر عليه المسلمون قروناً مديدة، ولم يستطع أحد أن يشكك في وجوب التزامه، ولم يطالب أحد ببتر جزء من هذا الحجاب خوفاً من تفريغ آية غض البصر من مضمونه، أو تعطيلها عن مجال عمله، تالله إنها لشبهة أوهى من بيت العنكبوت يُغني فسادها عن إفسادها.. هـ. (عودة الحجاب [6/377])

 

الباب الخامس: باب في خروج النساء إلى المساجد

        عن عائشة، رضي الله عنه، قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفها أحد من الغلس" وفي رواية "ثم ينقلبن إلى بيوتهن، وما يعرفن من تغليس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالصلاة" وفي رواية للبخاري: "أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يصلي الصبح بغلس، فينصرفن نساء المؤمنين، لا يعرفن من الغلس، ولا يعرف بعضهن بعضاً" رواه البخاري ومسلم.

- الشبهة:

        قالوا بأن هذا يدل على أنهن كن سافرات، إذ لو كن منقبات لمنع تغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس.

- الجواب عنها:

1) معنى قوله (متلفعات بمروطهن):

        قال الأصمعي: التلفع: أن تشتمل بالثوب حتى تجلل به جسدك، وقال الجوهري: تلفعت المرأة بمرطها أي تلحفت به، وكذا قال ابن الأثير وزاد: وتغطت، قال: واللفاع: الثوب يتغطى به، قال الجوهري: وتلفع الرجال بالثوب والشجر والورق إذا اشتمل به وتغطى.) عودة الحجاب[3/388])

2) معنى قوله (ما يعرفن من الغلس):

        قال الداوودي معناه: لا يُعرفن أنساء أم رجال؟ أي لا يظهر للرائي إلا الأشباح خاصة. وقيل: لا يُعرف أعيانهن فلا يفرق بين خديجة وزينب.(عودة الحجاب[3/389])

قال العيني قوله (من الغلس) كلمة (من) ابتدائية، ويجوز أن تكون تعليلية.(عودة الحجاب[3/389])

3) قوله عليه الصلاة والسلام:"ولا يعرف بعضهن بعضاً" و "حين يعرف الرجل جليسه" يدلان على تغطية وجوههن، ويؤيد ذلك حديث أبي برزة، رضي الله عنه:

        قال الشيخ حمود التويجري، رحمه الله: وهذا الحديث يدل على أن نساء الصحابة كن يغطين وجوههن، ويستترن عن نظر الرجال الأجانب، حتى أنهن من شدة مبالغتهن في التستر وتغطية الوجوه لا يعرف بعضهن بعض، ولو كن يكشفن وجوههن لعرف بعضهن بعضاً كما كان الرجال يعرف بعضهم بعض، قال أبو برزة، رضي الله عنه: "وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه" رواه البخاري وأبو داوود والنسائي.(الصارم المشهور ص85-87)

4) ردوا المتشابه إلى المحكم:

        ارجع إلى باب خروج النساء إلى الصلاة في القسم الثاني، وإضافة على ما ورد في ذلك الباب فقد روى ابن أبي حاتم من حديث صفية بنت شيبة قالت: بينما نحن عند عائشة قالت: فتذكر نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة، رضي الله عنها: "إن لنساء قريش لفضل، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً لكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيه، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابة، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 الأحاديث

 الضعيفة


 

ثانيا: الأحاديث الضعيفة:

الحديث الأول:

حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ومؤمل بن الفضل الحراني، قالا: أخبرنا الوليد، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن خالد- قال يعقوب: ابن دُرَيْك - عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهم، دخلت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا" وأشار إلى وجهه وكفيه" رواه أبو داوود في سننه رقم (4104).

الجواب عنها:

أولا: في الحديث علل قادحة في إسناده ، وهي:

1-  الانقطاع بين عائشة وخالد بن دُرَيْك الذي رواه عنه، كما أعله بذلك أبو داوود نفسه، حيث قال: خالد بن دُرَيْك لم يسمع من عائشة، وكذلك أعله أبو حاتم الرازي، ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/ 294).

2-    سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن النصري، قال الحافظ: ضعيف (تقريب التهذيب1/ 292).

        قال الإمام الذهبي ، رحمه الله: سعيد بن بشير صاحب قتادة سكن دمشق وحدث عن قتادة والزهري وأبو مسهر وأبو الجماهير، قال أبو مهر: لم يكن في بلدنا أحفظ منه وهو منكر. قال البخاري: يتكلمون في حفظه، قال عثمان عن ابن معين: ضعيف، وقال العباس عن ابن معين: ليس بشيء، قال الفلاس: حدثنا عنه ابن معين ثم تركه، وقال النسائي: ضعيف، وقال عبد الله بن نمير: يروي عن قتادة المنكرات، وذكره أبو زرعة في الضعفاء، وقال : لا يحتج به ،وكذا قال أبو حاتم (ميزان الاعتدال[2/128])

3-    قتادة، وهو مدلس وقد عنعنه.

4-  الوليد بن مسلم، وهو مدلس وقد عنعنه، قال الحافظ: ثقه لكنه كثير التدليس والتسوية (تقريب التهذيب2/ 336) وذكر شاهد آخر للحديث عند البيهقي عن أسماء بنت عميس وقال عنه البيهقي: إسناده ضعيف.

ثانياً: على فرض صحة الحديث:

1) يحمل على أنه كان قبل نزول آية الحجاب:

        وقد حمل هذا المحمل جماعة من العلماء منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن قدامة (المغني6/ 559) والشيخ الشنقيطي (أضواء البيان6/ 597) والشيخ صالح بن إبراهيم البليهي (يا فتاة الإسلام257) والشيخ محمد علي الصابوني (روائع البيان2/ 157) والشيخ ابن عثيمين (رسالة الحجاب30)، رحمهم الله جميعاً.

2) تقييده بالحاجة:

        قال الإمام ابن رسلان، رحمه الله: "والحديث مقيد بالحاجة إلى رؤية الوجه والكفين كالخطبة ونحوه، ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لاسيما عند كثرة الفساق". (نقله عنه الشوكاني في نيل الأوطار6/ 130) وقال نحوه الشيخ خليل بن أحمد السهارنفوري (بذل المجهود في حل أبي داوود 16/ 164) والشيخ صالح البليهي (يا فتاة الإسلام258).

3) القول بوجوب ستر الوجه مقدم على القول بكشفه، وذلك لأمور:

1- الناقل عن الأصل مُقدم:

        قال الشيخ  محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله: إن أدلة وجوب ستر الوجه والكفين ناقلة عن الأصل، وأدلة جواز كشفه مبقية على الأصل، والناقل عن الأصل مقدم، كما هو معروف عند الأصوليين؛ وذلك لأن الأصل بقاء الشيء على ما كان عليه، فإذا وجد الدليل الناقل عن الأصل دل ذلك على طروء الحكم على الأصل وتغييره إياه؛ ولذلك نقول: إن مع الناقل زيادة علم، وهو إثبات تغيير الحكم الأصلي. (رسالة الحجاب ص28)

        قال الشيخ الشنقيطي، رحمه الله، في تقرير هذه القاعدة: وعزاه، أي صاحب مراقي السعود، في شرحه المسمى (نشر البنود) للجمهور، وهو المشهور عند أهل الأصول.(أضواء البيان [5/657-658])

2- إذا تعارض مبيح وحاظر قدم الحاظر على المبيح:

        وقد سبق بيان ذلك وأن الشيخ الألباني، رحمه الله، رجح هذه القاعدة.

3- حجة الإثبات مقدمة على حجة النفي:

ثالثاً: ضعف متن الحديث:

1) مخالفته لأحاديث كثيرة تأمر بتغطية الوجه:

        وقد سبق بيانها في قسم الأحاديث.

2) مخالفته لحال أسماء، رضي الله عنها: قالت أسماء، رضي الله عنها: (كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام) أخرجه الحاكم وقال: صحيح على "شرط الشيخين" ووافقه الذهبي وهو صحيح على شرط مسلم وحده.

        قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: وأيضاً فإن أسماء، رضي الله عنه، كان لها حين هجرة النبي، صلى الله عليه وسلم، سبع وعشرون سنة، فهي كبيرة فيبعد أن تدخل على النبي، صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق تصف منها ما سوى الوجه والكفين.(رسالة الحجاب ص30)

3) القرآن يفرق بين المحارم والأجانب:

        قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله: ومعلوم أن الله قد أذن للمرأة في إبداء الزينة أمام المحارم، ومنع عنه أمام الأجانب، إذن فما هي الزينة التي تبديها أمام المحارم، ولا تبديها أمام الأجانب؟

        وبتعبير آخر: لما جاز لها كشف وجهها وكفيها أمام الأجانب، ولم يجز لها كشف شيء من أعضائها سوى الوجه والكفين أمام المحارم، فما هو الفرق إذن فرق بين المحارم والأجانب في رؤية الزينة وعدم رؤيتها؟ مع أن القرآن ينص على الفرق بينهما في صراحة ، فتفكر!(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب ص 67)

ختاماً:

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله، متحدثاً عن الشيخ الألباني، رحمه الله: فحديث عائشة، رضي الله عنه، عند أبي داوود هو الأصل الذي بنى عليه مذهبه؛ وإذا كان هذا الأصل ضعيفاً في سنده ومعناه- كما تقدم- ولا تقوم به حجة، فإن الفرع الذي ساقه لتقويته أولى بالطرح.. هـ. والحمد لله على وضوح الحق والصواب لمن طلبه.(عودة الحجاب هامش [3/353])

الحديث الثاني: حديث أسماء بنت عميس:

        روى البيهقي في (سننه) (7/ 86) بسند إلى ابن لهيعة عن عياض بن عبدالله، أن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الأنصاري يخبر عن أبيه- أظنه عن أسماء بنت عميس - أنها قالت: دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على عائشة بنت أبي بكر وعندها أختها أسماء بنت أبي بكر وعليها ثياب دامية واسعة الأكمام، فلما نظر إليها الرسول، صلى الله عليه وسلم، قام فخرج، فقالت لها عائشة، رضي الله عنها: تنحي فقد رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمراً كرهه، فتنحت، فدخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسألته عائشة، رضي الله عنها لم قام؟ قال: "أولم تري إلى هيئتها؟! إنه ليس للمرأة أن يبدو منها إلا هذا وهذا" وأخذ بكفيه فغطى بها ظهر كفيه، حتى لم يبد من كفه إلا أصابعه، ثم نصب كفيه على صدغيه حتى لم يبد إلا وجهه. وقال البيهقي: إسناده ضعيف (السنن الكبرى (7/ 86)).

هذا الحديث ضعيف للآتي:

1) ابن لهيعة ضعيف مختلط:

        اسمه عبد الله الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي، وهو ثقة فاضل، لكنه يحدث من كتبه فاحترقت، فحدث من حفظه فخلط.

        قال الإمام الجوزجاني: لا يوقف على حديثه، ولا ينبغي أن يحتج به، ولا يغتر بروايته. وقال ابن حبان: سبرت أخباره، فرأيته يدلس على أقوام ضعفاء على أقوام ثقات قد رآهم (الضعفاء الصغير66، الضعفاء والمتركون95). وقال الحافظ الذهبي: يُروى حديثه في المتابعات ولا يحتج به. (تذكرة الحفاظ1/ 236) وقال الإمام أحمد: ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيراً مما أكتب أعتبر به، وهو يقوي بعضه بعضاً. (شرح علل الترمذي 237)، وقال الدارقطني: يعتبر بما يروى عن العبادلة: ابن المبارك، والمقرئ، وابن وهب. (كتاب الضعفاء والمتروكين115) وقال الألباني: ضعيف من قبل حفظه (سلسلة الأحاديث الضعيفة) رقما (319) و(461).

2) عياض بن عبدالله:

        عياض بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر هو الفهري، قال أبو حاتم: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الساجي: روى عنه ابن وهب أحاديث فيها نظر، وقال يحيى بن معين: ضعيف الحديث، وقال ابن شاهين في: الثقات، وقال أبو صالح: ثبت له بالمدينة شأن كبير في حديثه شيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال الحافظ في (التقريب):فيه لين. (تقريب التهذيب2/ 96)

الحديث الثالث:

        روى الطبري في تفسيره (18/ 19): حدثنا القاسم حدثنا الحسين، قال: ثنى حجاج، عن ابن جريج، قال: قالت عائشة، رضي الله عنها: دخلت على ابنة أخي لأمي عبد الله بن الطفيل مزيَّنة، فدخل النبي، صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنه، فقالت عائشة: يا رسول الله: إنها ابنة أخي وجارية، فقال: "إذا عركت المرأة لم يحل لها أن تظهر إلا وجهه، وإلا ما دون هذ، وقبض على ذراع نفسه فترك بين قبضته وبين الكف قبضة أخرى".

هذا الحديث ضعيف للآتي:

1) الحسين هو سُنَيْد بن داوود الِمصيصي:

        قال الحافظ في التقريب: ضعيف مع إمامته ومعرفته، لكونه كان يُلَقِّن حجاج بن محمد شيخه. (تقريب التهذيب1/ 330) وقال الذهبي في الميزان: حافظ له تفسير، وله ما يُنكَر، وقال: صدقه أبو حاتم، وقال أبو داوود: ليس بذلك. وقال النسائي: ليس بثقة (ميزان الاعتدال2/ 236).

2) حجاج بن محمد الأعور المصيصي:

        مختلط (واختلاطه فاحش)، رآه يحيى بن معين فقال لابنه: لا يدخل عليه أحد.

3) الانقطاع بين ابن جريج وعائشة، رضي الله عنها:

        قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، حفظه الله: كما أن هذا الحديث معضل؛ لأن بين ابن جريج وعائشة، رضي الله عنه، مفاوز، فقد توفي ابن جريج بعد المائة والخمسين، لم يدرك عائشة، رضي الله عنه، (ميزان الاعتدال2/ 659).(عودة الحجاب[3/350])

        وقال الإمام الدارقطني: تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح مثل إبراهيم بن أبي يحيى، وموسى بن عبيدة وغيرها (تهذيب التهذيب6/ 404). وقال الإمام صلاح الدين العلائي: يكثر من التدليس (جامع التحصيل في أحكام المراسيل108 رقم33).

-إن كنت تحب الصديق فاصمت:

        قال الأستاذ عادل بن يوسف العزازي،حفظه الله: ومع ذلك فإن في متنه نكارة أيض، إذ كيف لم تفهم عائشة هذا الحكم فتنهى ابنة أخيها عن ظهورها أمام النبي، صلى الله عليه وسلم، على حالة تخالف الآية؟! فهل يقال: إن عائشة أيضاً لم تكن على علم بالآية كأختها أسماء في الحديث السابق؟! ما بالكم ولغتم في عرض الصديق، رضي الله عنه، فلم تسلم منكم ابنته أسماء، وكذا ابنته عائشة ، وكذا زوجته أسماء بنت عميس.(الشهب والحراب على من حرم النقاب ص107)

الحديث الرابع:

روى أبو داود (4166) حدثنا محمد الصوري، حدثنا خالد بن عبد الرحمن، حدثنا مطيع بن ميمون، عن صفية بنت عصمة، عن عائشة، رضي الله عنها: أومأت امرأة من وراء ستار، بيدها كتاب إلى رسول الله، صلى الله علي وسلم، فقبض النبي، صلي الله عليه وسلم، يده، فقال: "ما أدري أيد رجل أم يد امرأة؟" فقالت: بل امرأة. قال: "لو كنت امرأة لغيرت أظفارك" يعني بالحناء.

هذا الحديث ضعيف للآتي:

1) مطيع بن ميمون العنبري:

        قال في التقريب: لين الحديث. (تقريب التهذيب2/ 255)

2) صفية بنت عصمة:

        قال الحافظ في التقريب: لا تعرف. (التقريب2/ 603) وقد ضعفه الألباني في (ضعيف الجامع الصغير) (5/ 49) رقم (4846).

 

الحديث الخامس:

        روى أبو داوود (4165): حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثتني غبطة بنت عمرو المجاشعية، قالت: حدثتني عمتي أم الحسن عن جدته، رضي الله عنه، أن هنداً بنت عتبة، قالت: يا نبي الله بايعني، قال: "لا أبايعك حتى تغيري كفيك كأنها كف سبع".

 

هذا الحديث ضعيف للآتي:

1)  غبطه بنت عمرو المجاشعية: قال الحافظ في (لسان الميزان) في (فصل في النساء المجهولات). (07/ 528) وقال في التقريب: (مقبولة) (2/ 608) يعني إذا توبعت وإلا فلينة.

2)    عمتها أم الحسن عن جدتها: قال الحافظ في التقريب: لا يعرف حالها (2/ 620).

الحديث السادس:

روى أبو داوود في (مراسيله) (437): وحدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو داوود، حدثنا هشام بن قتادة، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها ويداها إلى المفصل".

قال الإمام النووي، رحمه الله، في (التقريب): ثم المرسل حديث ضعيف عند جماهير المحدثين والشافعي وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول.

قال الحافظ ابن كثير في (علوم الحديث): وقال ابن الصلاح: وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو الذي استقر عليه آراء جماعة حفاظ الحديث، ونقاد الآثر، وتداولوه في تصانيفهم.

قال الشاعر: عبد الرحمن بن إبراهيم التل:

حدثٌ وربِّك للبلاد يُدبرُ       ومصائبٌ تترى فأين المعبرُ؟

             وغوايةٌ في كلٍّ حين شأنُها         متلوّنٌ متذبذبٌ متغيرُ

نادى بها الأعداءُ وقتَ قلاقلٍ          وشعارُهم في الخافقين تحررُ

كذبوا وربِّ البيتِ ليس تحرراً         بل إنه الكسرُ الذي لا يُجبرُ

جعلوا النساء مطيةً لمرادهم          وتستروا في زيِّنا وتدثروا

خدعوكِ يا أختاه بالخُطب التي          طاب البناءُ بها وساء المخبرُ

وركضتِ في عجلٍ ودون تفكر        وهمُ الذين سعَوْا لذاك وفكروا

ورميتِ طهرَك والحياءُ مجندلٌ           يبكي ويصرخ والمدامعُ تُنثرُ

يا أخت أنتِ الأمُّ حين نريدُها           تبني لنا الجيلَ الذي لا يُقهرُ

يا أخت أنتِ البرءُ للجرح الذي         يقضي على أحلامِنا ويدمرُ

عُودي إلى التاريخِ واقتبسي الضيا        سيرُ النساءِ مع العقيدةِ تزهرُ

إن التشتتَ والهلاكَ لأمتي             أن يخرجَ الوجهُ الطَّهورُ ويسفر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفهرس التفصيلي

·       بيان كمال الديانة الإسلامية

·       أقوال الأئمة الأربعة في وجوب الرجوع إلى حكم الكتاب والسنة

·       بيان لبعض الأدلة الموجبة للرجوع إلى حكم الله ورسوله

·       الموقف العدل في اجتهاد العلماء

·       حكم الإنكار في المسائل الخلافية

·       مذاهب الناس المخالفين لمسألة الحجاب

·       عادة نساء المسلمين على مر الزمان تغطية الوجوه

-الإجماع العملي بتغطية الوجه

-فقهاء الأئمة الأربعة في العصر الحديث

·       قصة تكتب في مكارم الأخلاق

·       بداية انتشار السفور

·       يسروا ولا تعسروا

·       إياك وزخارف القول

·       غطاء الوجه ولغتنا العربية

·       الصدى الحر

·       منهج الكتاب في عرض الأدلة:

القسم الأول: الأدلة من القرآن الكريم على وجوب تغطية الوجه:

الدليل الأول: آية الجلباب:

·       التفسير

·       الشبهه: تحريف معنى قوله (أَنْ يُعْرَفْنَ)، والجلباب لا يدل على التغطية

·       الجواب عنهما:

1)   المعنى الصحيح للآية

2)   الربط بين آية الحجاب وآية الجلباب

3)   البحث في قوله تعالى: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ)

4)   البحث في قوله تعالى: (جَلاَبِيبِهِنَّ)

5)   الضمير (ذلك) في الآية يرجع إلى قوله تعالى: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ)

6)   جمهور المفسرين

7)   أقوال المفسرين الآخرين لا تنافي وجوب تغطية الوجه، بل هي بذكر الشيء بأقصى أوصافه:

8)   البحث في قوله: (فَلاَ يُؤْذَيْنَ) والحكمة من الحجاب

9)   تغطية الوجه هو ما فهمه الصحابة، رضوان الله عليهم

10)                      البحث في قوله: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمً)

الدليل الثاني: آية الحجاب:

·       التفسير

·       الشبهه: غطاء الوجه خاص بأمهات المؤمنين، قصر الحجاب في المساكن دون الوجوه.

·       الجواب عنهما:

1)  قصر آية الحجاب على المساكن دون الوجوه يقتضي عدم وجود ما يوجب تغطية الوجوه على أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، عند المبيحين لكشف الوجه

2)   لم يصرح أحد من المفسرين بقصر الحكم في البيوت

3)   العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

4)   علة الحجاب وحكمته عامة

5)   خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة

6)   سياق الآية هو العموم

7)   دليل الأولوية: 1- أطهر نساء العالمين. 2- هن أمهات المؤمنين.

8)   الربط بين آية الحجاب وآية الجلباب:

9)   وشهد شاهد من أهلها

10)                      نفي الجناح عن النساء دليل على العموم:

الدليل الثالث: قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُْولَى)

·       التفسير

·       الشبهه: الحجاب خاص بأمهات المؤمنين.

·       الجواب عنها:

1)   سياق الآية هو العموم

2)   دليل الأولوية

3)   العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

4)   خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة.

5)   سبب اختصاص الذكر

6)   من دلالات وجوب الاحتجاب في هذه الآية ما يلي:

 أ- النهي عن الخضوع بالقول:

 ب) الأمر بالقرار في البيوت:

 ج) النهي عن تبرج الجاهلية الأولى:

 - شهادة لله لأهل نابلس:

الدليل الرابع: سورة النور (31) وفي هذه الآية ثلاثة مواضع تدل على وجوب تغطية الوجه:

الموضع الأول: قوله تعالى: (ولا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ):

·       التفسير

·       الشبهه: الاستدلال بأثر عن ابن عباس، رضي الله عنه

·       الجواب عنها بالتفصيل:

أولا: تحقيق الآثار المنسوبة إلى ابن عباس وابن مسعود، رضي الله عنهم:

أ‌.       صح عن ابن مسعود من أن المراد بقوله تعالى: (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ) أنها الثياب الظاهرة (العباءة)

ب‌. الشيخ الألباني،رحمه الله، يصحح كلام ابن مسعود، رضي الله عنه

ت‌. الآثار الواردة عن ابن عباس، رضي الله عنه، التي فيها ضعف

ث‌. قول الصحابي مقدم على قول غيره

ثانيا: على فرض صحة قول ابن عباس:

 أ- بطلان الاستدلال بقوله تعالى: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ) على الجواز المطلق في ظهور الوجه والكفين:

1- الزينة الظاهرة ليست الوجه والكفين:

أ- المعنى اللغوي للزينة. ب- المعنى الشرعي للزينة.

 2- المعنى الصحيح للزينة الظاهرة المستثناة في الآية الكريمة هو ما كان بغير قصد: وجه الدلالة على ذلك.

 3- المعنى الصحيح للزينة الباطنة وهي قوله تعالى: (وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ): وجه الدلالة على ذلك.

 ب- البحث في مقصد ابن عباس، رضي الله عنهم، من كلامه:

 التفسير الأول: حمل قول ابن عباس، رضي الله عنهم، أن مراده الزينة التي نُهي عن إبدائها.

 التفسير الثاني: حمل قول ابن عباس، رضي الله عنهم، على قبل نزول آية الحجاب.

 التفسير الثالث: حمل قول ابن عباس، رضي الله عنهم، أن مراده من ذلك في الصلاة.

 التفسير الرابع: جواز كشف الوجه واليدين للمحارم، لا الأجانب.

 ثالثا: عمل نساء النبي، صلى الله عليه وسلم، والصحابيات، رضوان الله عليهن، هو ستر الوجه والكفين، وهذا هو المعمول به إلى أزمان قريبة.

 رابعا: وجوب تغطية الوجه.

الموضع الثاني: قوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ):

·       التفسير

·       الشبهه: الخمار لا يدل على تغطية الوجه.

·       الجواب عنها:

1)   تعليق ابن حجر، رحمه الله، على الحديث المذكور.

2)   المعنى اللغوي للآية: أ-معنى الضرب. ب- معنى الخمار. جـ- معنى الجيوب والمعنى الإجمالي.

3)   لا تعارض بين أقوال العلماء.

4)   الأولوية من وجهين: أ- قياسا. ب- من لازم ذلك.

5)   الوجه من الرأس: تأكيد لصحة أن الخمار يدل على تغطية الوجه.

6)   حجة الإثبات مقدمة على حجة النفي.

7)   إذا تعارض مبيح وحاظر قدم الحاظر على المبيح: ترجيح الألباني، رحمه الله، للقاعدة.

8)   طرفة

9)   يا فتاة الإسلام افتحي قلبك لحكم الله

الموضع الثالث: قوله تعالى: (وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)

·       (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).

·       خاتمة هذه الآية من سورة النور:

أ‌-                 المرأة عورة كلها.

ب‌-            قوله تعالى في آخر الآية: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

الدليل الخامس: دليل القواعد:

·       التفسير

·       الاستدلال

·       الشبهه: المقصود هو وضع الجلباب عن الرؤوس وليس الوجوه.

·       الجواب عنها:

1)   رأي الجمهور.

2)   قراءة لابن عباس رضي الله عنهما.

3)   إجماع في أن شَعْر العجوز كشعر الشابة في الحرمة.

4)   الحق ما كان عليه الصحابيات.

5)   من شبهة إلى شبهة أبطل منها.

·       شروط كشف الوجه للقواعد من النساء:

1)   اختفاء الجمال.

2)   غير متبرجات بزينة.

3)   لا ترجو النكاح.

·       يا فتاة الإسلام كوني كبنت سيرين.

القسم الثاني: الأدلة من السنة النبوية على وجوب تغطية الوجه:

الباب الأول: باب في عورة المرأة:

·       معنى الاستشراف

·       وجه الدلالة من الحديث

·       حدود العورة في الصلاة ليست هي حدود العورة في النظر

·       خوف الفتنة هو علة تحريم كشف الوجه عند الأحناف

الباب الثاني: باب الإحرام:

1)   إجماع من السلف على تغطية الوجه

2)   عموم الحجاب لنساء المسلمين

3)   إثبات النقاب والقفازين

4)   النهي في الإحرام خاص بالنقاب والقفازين

الباب الثالث: باب في خروج النساء إلى الصلاة:

 الحديث الأول:

·       معنى الاعتجار: أولاً: المعنى اللغوي وذلك من ثلاثة أمور. ثانياً:المعنى الشرعي.

·       الحق ما فهم الصحابة

الحديث الثاني:

الحديث الثالث:

وجه الدلالة من الحديثين السابقين:

1)   عمل الصحابيات، رضي الله عنهن، حجة

2)   كل ما يترتب عليه محذور فهو محظور

الباب الرابع: باب جواز النظر إلى المخطوبة:

 الحديث الأول:

1)   الأصل هو تستر النساء عموما وتغطية وجوههن

2)   الرخصة دليل على وجود العزيمة

3)   صعوبة النظر إلى المخطوبة في زمن الصحابة، رضوان الله عليهم.

4)   حدود النظر في الخِطبة

الحديث الثاني:

وجه الدلالة: رفع الجناح يدل على أن في كشف الوجه جناحا وإثما.

الباب الخامس: باب في الفرق بين الحرة والمملوكة:

 الحديث الأول:

1)   وجوب الحجاب على الحرائر

2)   عموم الحجاب على جميع الحرائر

الحديث الثاني:

الباب السادس: باب حادثة الإفك: الحديث

1)   وجه الدلالة من (فعرفني حين رآني) وحل الإشكال الوارد

2)   وجه الدلالة من (وكان يراني قبل الحجاب)

3)   وجه الدلالة من (فخمرت وجهي)

4)   وجه الدلالة من (الجلباب)

الباب السابع: باب في تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها:

1)   وجوب الحجاب

2)   عموم الحجاب على جميع النساء

3)   تحريم الاختلاط

الباب الثامن: باب في وجوب ستر القدمين:

1)   المرأة كلها عورة

2)   التنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه

القسم الثالث: أدلة المبيحين لكشف الوجه:

أولا: الأحاديث الصحيحة التي استدل بها المبيحون:

 الباب الأول: باب في الحج:

 حديث الخثعمية: أجاب العلماء بالتالي:

1)   التعليل بالحسن –وقد ثبت- أقوى من العليل بالشباب

2)   هذه واقعة حال لا عموم لها.

3)   ظهر وجهها بغير قصد منها

4)   يعرفها قبل الإحرام

5)   الجمال والوضاءة لا ينحصران في الوجه

6)   حديثة عهد بإسلام

7)   الفعل أبلغ من القول

8)   نصيحة لله:

الباب الثاني: باب جواز النظر إلى المخطوبة:

الحديث الأول: حديث الواهبة:

1)   قبل نزول الأمر بالحجاب

2)   تصويب النظر لا يقتضي رؤية الوجه

3)   النظر إلى المخطوبة جائز

4)   هذا خاص بالنبي، عليه الصلاة والسلام

الحديث الثاني: حديث سبيعة بنت الحارث، رضي الله عنها:

1)   ليس في الحديث تصريح في كشف الوجه

2)   التجمل للخِطبة

3)   مبالغة سبيعة، رضي الله عنه، في التستر

الباب الثالث: باب صلاة العيد:

الحديث الأول: حديث سفعاء الخدين:

1)   البحث في قوله (من سطة النساء) في رواية الإمام مسلم، رحمه الله.

2)   معنى قوله (امرأة من سفلة النساء)

3)   الاحتجاج بهذا الحديث على كشف الوجه غير صحيح للآتي:

أ‌.       الشرع أباح للأَمَة كشف الوجه.

ب‌. الشرع أباح للقواعد كشف الوجه

ت‌. انفراد جابر، رضي الله عنه، برؤية وجه المرأة.

ث‌. قبل نزول آية الحجاب

ج‌.  ليس فيها تصريح برؤية النبي، عليه الصلاة والسلام، لوجهها

ح‌.  ظهر وجهها من غير قصد منها.

خ‌.  الناقل عن الأصل مقدم على المبقي على الأصل.

الحديث الثاني:

1)   أين ذكر الوجه في الحديث؟

2)   أين التصريح بكشف الأيدي؟

3)   صغر سن ابن عباس، رضي الله عنهما.

الباب الرابع: باب غض البصر:

 أولا: الأمر بغض البصر مطلق، ومن الأمور التي تشمل هذا الحكم:

أ‌.       غض البصر عن نساء اليهود والسبايا والإماء.

ب‌. غض البصر عما يظهر من المرأة بغير قصد منه، ومما يؤيد هذا ما يلي:

1.   قوله تعالى: (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَ)

2.   نظرة الفجأة.

3.   غض البصر عن شخوص النساء وقوامهن.

4.   غض البصر عما لا يزيد على قدر الحاجة.

ثانيا: ترتيب الآيات حسب نزولها ينفي ما يدعونه:

1.   نزل الأمر بالحجاب قبل الأمر بغض البصر.

2.   الحكمة الربانية من هذا الحكم.

الباب الخامس: باب في خروج النساء إلى المساجد: الحديث

1)   معنى قوله (متلفعات بمروطهن)

2)   معنى قوله (ما يعرفن من الغلس)

3)   قوله عليه الصلاة والسلام:" ولا يعرف بعضهن بعضاً" و "حين يعرف الرجل جليسه" يدلان على تغطية وجوههن، ويؤيد ذلك حديث أبي برزة، رضي الله عنه.

4)   ردوا المتشابه إلى المحكم.

ثانيا: الأحاديث الضعيفة التي استدل بها المبيحون لكشف الوجه:

 الحديث الأول: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض...):

أولا: في الحديث علل قادحة في الإسناد.

ثانيا: على فرض صحة الحديث:

1)   يحمل على أنه كان قبل نزول آية الحجاب.

2)   تقييده بالحاجة.

3)   القول بتحريم كشف الوجه مقدم على جوازه، وذلك لأمور:

أ‌.       الناقل عن الأصل مقدم على المبقي على الأصل.

ب‌. إذا تعارض مبيح وحاظر قدم الحاظر على المبيح.

ت‌. حجة الإثبات مقدم على النفي.

ثالثا: ضعف متن الحديث:

1)   مخالفته لأحاديث كثيرة تأمر بتغطية الوجه.

2)   مخالفته لحال أسماء، رضي الله عنها.

3)   القرآن يفرق بين المحارم والأجانب.

الحديث الثاني: حديث أسماء بنت عميس، رضي الله عنها:

الحديث الثالث: (إذا عركت المرأة لم يحل لها أن تظهر وجهها وكفيها...)

الحديث الرابع: (أومأت امرأة من وراء ستار...)

الحديث الخامس: (لا أبايعك حتى تغيري كفيك كأنها كف سبع)

الحديث السادس: (إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها...)

 

 

 

 



بحث عن بحث