3. مثل الصدقة في سبيل الله؛ فهذا المثل من أروع الأمثلة، وقد ذكر في الحديث بأسلوب رائع، وإليكم النص الوارد في الحديث: (وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَشَدُّوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ, وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ, فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَفْتَدِيَ نَفْسِي مِنْكُمْ, فَجَعَلَ يَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى فَكَّ نَفْسَهُ). فالصدقة ترد البلايا، والذي يكثر من الصدقة على الفقراء والمساكين وأصحاب الحوائج فإنه يستفيد من صدقته في الدنيا وفي الآخرة، وفي الأوقات الشديدة التي أشد ما يكون محتاجًا إلى العون والنصرة من الآخرين، فينجيه الصدقة من الرزايا والبلايا، وقد ورد بهذا المعنى حديث عند الترمذي، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ عَنْ مِيتَةِ السُّوءِ)(1).

    يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: هذا أيضًا من الكلام الذي برهانه وجوده، ودليله وقوعه، فإن للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم قد جرّبوه... وفي تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بمن قدم ليضرب عنقه فافتدى نفسه منهم بماله كفاية، فإن الصدقة تفدي العبد من عذاب الله تعالى، فإن ذنوبه وخطاياه تقتضي هلاكه، فتجيء الصدقة تفديه من العذاب وتفكه منه(2).

كما جاء في حديث آخر: (الصَّوْمُ جُنَّةٌ, وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ)(3).

 

4.   مثل الذكر: ذكر في الحديث: (وَآمُرُكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَثِيرًا, وَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ سِرَاعًا فِي أَثَرِهِ فَأَتَى حِصْنًا حَصِينًا فَتَحَصَّنَ فِيهِ, وَإِنَّ الْعَبْدَ أَحْصَنُ مَا يَكُونُ مِن الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).

إن للذكر فوائد جمة؛ وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه: (الوابل الصيب من الكلم الطيب) أكثر من سبعين فائدة، وقال: "في الذكر نحو من مائة فائدة"، ومنها الحرز من الشيطان الرجيم، ويقول في شرح الحديث: " فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة، لكان حقيقًا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، وأن لا يزال لهجًا بذكره، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العبد إلا من باب الغفلة، فهو يرصده، فإذا غفل وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله وتصاغر، وانقمع، حتى يكون كالوضع وكالذباب، ولهذا سمي الوسواس الخناس، أي: يوسوس في الصدور، فإذا ذكر الله تعالى خنس، أي: كفّ وانقبض(1).                

 ولذلك ورد الأمر بالإكثار من ذكر الله عز وجل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [سورة الأحزاب: 41-42], وقد مثّل النبي صلى الله عليه وسلم للذاكر والغافل بالحي والميت؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ)(5).

 


 

(1)          جامع الترمذي، برقم: (664), وضعفه الألباني، ينظر: ضعيف الترمذي, 1/ 75، برقم: (105).

(2)        الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، ص: 70- 72.

(3)        جامع الترمذي، برقم: (2616)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني: في صحيح الجامع، برقم: (5136).

(4)        المرجع السابق، ص: 82-83.

(5)       صحيح البخاري، برقم: (6407).



بحث عن بحث