أحاديث البيوع (26)

الشروط في البيع

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن أحكام الرهن، وفي هذه الحلقة فإننا سوف نتحدث بإذن الله تعالى عن أحكام الشروط في البيوع.

روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَائتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا. فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلا أَنْ يَكُونَ الْوَلاءُ لَهُمْ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُم الْوَلاءَ فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ! مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".

قال الشيخ العثيمين رحمه الله: الشروط: جمع شرط، وهو في اللغة: العلامة، ومنه قول الله تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) [محمد: 18] .

أما في الاصطلاح: فهو بحسب ما يكون شرطاً فيه، فقد يراد به ما تتوقف عليه الصحة، أي: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود، ويختلف عن السبب بأن السبب يلزم من وجوده الوجود، ويشتركان في أنهما يلزم من عدمهما العدم.

إنَّ الْمُرَاد بِمَا لَيْسَ فِي كِتَاب اللَّه مَا خَالَفَ كِتَاب اللَّه, وَقَالَ اِبْن بَطَّال: الْمُرَاد بِكِتَابِ اللَّه هُنَا حُكْمُهُ مِنْ كِتَابه أَوْ سُنَّة رَسُوله أَوْ إِجْمَاع الأُمَّةِ, وَقَالَ اِبْن خُزَيْمَةَ : لَيْسَ فِي كِتَاب اللَّه أَيْ لَيْسَ فِي حُكْم اللَّه جَوَازه أَوْ وُجُوبه, لا أَنَّ كُلَّ مَنْ شَرَطَ شَرْطًا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ الْكِتَاب يَبْطُلُ, لِأنَّهُ قَدْ يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْع الْكَفِيل فَلا يَبْطُلُ الشَّرْطُ, وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّمَن شُرُوط مِنْ أَوْصَافه أَوْ مِنْ نُجُومه وَنَحْو ذَلِكَ فَلا يَبْطُلُ,

 وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ الْعُلَمَاء الشُّرُوط فِي الْبَيْعِ أَقْسَامٌ, أَحَدُهَا: يَقْتَضِيهِ إِطْلَاق الْعَقْد كَشَرْطِ تَسْلِيمه, الثَّانِي: شَرْطٌ فِيهِ مَصْلَحَة كَالرَّهْنِ وَهُمَا جَائِزَانِ اِتِّفَاقًا, الثَّالِث: اِشْتِرَاط الْعِتْق فِي الْعَبْد وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْجُمْهُور لِحَدِيثِ عَائِشَة وَقِصَّة بَرِيرَة, الرَّابِعُ: مَا يَزِيدُ عَلَى مُقْتَضَى الْعَقْد وَلا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي كَاسْتِثْنَاءِ مَنْفَعَته فَهُوَ بَاطِلٌ.

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: الشروط في البيع غير شروط البيع:

الشروط في البيع: هي إلزام أحد المتعاقدين الآخر ما لا يلزمه بمقتضى العقد، وكذلك في غيره.

وأما ما يلزمه بمقتضى العقد، فإنه إن شرط فهو من باب التوكيد.

وأهم الفروق بين الشروط في البيع وشروط البيع، أن شروط البيع من وضع الشارع، والشروط في البيع من وضع المتعاقدين.

والشروط في البيع يقصد بها تلك الشروط التي يتفق عليها الطرفان البائع والمشتري أثناء عقد البيع ، مثال ذلك: وضع شرط جزائي على المقاول إذا لم ينه البناء خلال شهر مثلاً.

أو أن أبيعك سيارة وأقول لك: بشرط أن لا تبيعها حتى تنهي أقساطها، أو يشترط الخيار في البيع لمدة ثلاثة أيام، أو الرهن، ونحو ذلك.

والعقود هذه الأيام، مليئة بالشروط بسبب تعقد الحياة  فما هي أهم أحكام الشروط في البيع ؟.

قال كثير من العلماء : الشروط نوعان ، صحيح وفاسد..

والشرط الصحيح على ثلاثة أنواع :

1 - شرط من مقتضى العقد، وهو كما يقال (تحصيل حاصل)، كأن تعطيني البضاعة وأعطيك الثمن.

2- شرط من مصلحة العقد ( الرهن، الشهود، الخيار ).

3 - شرط البائع أو المشتري نفعا معلوما، مثل أن يشترط البائع سكنى الدار شهرا قبل تسليمها إلى المشتري، أو يشترط المشتري على البائع حمل الحطب أو تكسيره ونحو ذلك.

أما الشروط الفاسدة فقسمت إلى :

1 - شرط يبطل العقد من أصله، كاشتراط أحدهما على الآخر عقداآخر، كبيع وإجارة ونحو ذلك .

2 - فاسد يبطل الشرط ويصح العقد، أي يصح معه البيع، كأن يشترط أن لا خسارة عليه، أو لا يهب السلعة، أو أن يبيعها على فلان، أو يهبها لفلان، فهنا عند جمهور العلماء، يبطل الشرط وحده، ويصح العقد.

3 - ما لا ينعقد معه العقد، كقوله بعتك إن رضي فلان، أو إن جئتني بكذا.

هذا هو التقسيم المشهور. غير أن هناك خلافًا في كثير من أنواع القسم الثاني ـقسم الشرط الفاسد ـ، وجمهور العلماء يجعلون الأصل في الشروط التحريم، ومنهم من أجاز الشرط الواحد ومنع أكثر منه.

وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه لا يصح القول بأن الأصل في الشروط التحريم ، وقال : إن الصحيح أن الأصل في الشروط في البيع الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم .

ومثال على ذلك: لو باعك بائع السلعة وشرط أن لا تبيعها لغيرك، إلا بعد أن تعرضها عليه، أو اشتريت سلعة بشرط إن نفقت وإلا رددتها على البائع، فالأصل إباحة هذه الشروط وتلزم بالعقد، وكذلك إذا شرط المشتري على البائع أكثر من شرط ولكنها مباحة في الأصل، كل ذلك جائز وصحيح ولازم، لأنه لم يرد نص في تحريمها.

والله أعلم، ‏وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 



بحث عن بحث