أحاديث البيوع (9)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين .. أما بعد.

 

 فلقد تحدثنا في الحلقة السابقة عن بعض الصور، والضوابط، والآداب، التي ينبغي أن يتعامل بها المسلم في معاملاته المالية, إذ إن الإسلام جاء لينظم الحياة البشرية، بجميع شعبها، ومعاملاتها, ومما عرفناه في الحلقة السابقة أن البيع والشراء يحرم في حالات منها:

 

- وقوع البيع في زمان أو مكان منهي فيهما عن البيع، كالبيع بعد نداء الجمعة الثاني، أو أن يكون البيع والشراء ملهياً عن صلاة الجماعة مثلاً, وكذا بيع السلع الـمحرمة في ذاتها؛ لأن الله تعالى إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه، وذلك مثل بيع الميتة، ولحم الخنزير، والأصنام، وكذا بيع الخمور، والمسكرات، والمخدرات بأنواعها، من شراب، أو حبوب، أو غيرها, وكذلك بيع آلات اللهو المحرمة، وما تحتوي عليه من صور خليعة فاتنة، تفضي إلى الفساد والرذيلة, وكذا ما كان مستعملاً في الحرام، أو سيؤدي إلى الحرام، كبيع العنب ليصنع منه خمراً ونحو ذلك.

 

وفي هذه الحلقة نعرض لبعض صور البيوع المحرمة ومنها:

 

- بيع ما ليس في ملك البائع, والأصل في ذلك حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تبع ما ليس عندك), وبناءً عليه فلا يجوز أن يبيع شيئاً إلا وهو في ملكه, فالذي يبيع سلعة على إنسان وهي ليست عنده, ثم يذهب فيشتريها, ويسلمها للمشتري فقد وقع في النهي الوارد للحديث.

 

فالذي يريد أن يبيع تلك السلعة عليه أن يقوم بتأمينها في محله أو متجره، ثم يبيعها بعد ذلك, وعليه فما نسمعه من البيع لسلع لا تكون في حوزة البائع, ثم يبيع ويشتري على أن هذه السلعة عنده, كل هذا وأمثالـه لا يجوز البيع فيها والشراء للحديث السابق.

 

ومن الصور المحرمة في البيع والشراء ما يسمّى ببيع العينة، ومعناها: أن يبيع البائع من المشتري نقداً بثمن أقل, ومثال ذلك: أن يبيع البائع السلعة بثمن مؤجل لشخص، ثم يشتريها البائع من المشتري نقداً بثمانين ألف ريال.

 

وهذا البيع بهذه الصورة حرام؛ لأن فيه احتيالاً على الربا، فكأنه باعه دراهم مؤجلة بأكثر منها، وجعل السلعة مجرد حيلة ووسيلة إلى الربا, روى الشيخان مرفوعاً:(إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد, سلّط الله

عليكم ذلاً  لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم).

 

ومن الصور المحرمة في البيع: بيوع الغرر, وهي البيوع المشتملة على جهالة المبيع, فمعرفة المبيع للمشتري شرط لصحة البيع, فلابد من معرفة السلعة, والثمن لكل منهما.

 

ومن الصور أيضاً: بيع السلعة المعيبة مع إخفاء العيب, ويدخل ذلك التدليس والغش, ولاشك في تحريم هذا البيع لما يترتب عليه من الإضرار بالمشتري, والإضرار بغير المحرم, يقول الرسول - عليه الصلاة والسلام-: (لا ضـرر ولا ضرار), وإخفاء العيب والتدليس كله من الغش, وقد قال - عليه الصلاة والسلام-: (من غشنا فليس منا), ومثال ذلك: من يبيع سيارة فيها عيوب، ويتظاهر أمام المشتري بأنها سليمة من العيوب، ولم يبينها للمشتري, فهذا غش وتدليس، وصاحبه قد ارتكب أمراً محرمًا, ومن الصور المحرمة أيضاً: الزيادة في ثمن السلعة من شخص لا يريد شراءها, ويدخل في ذلك الكذب بقيمة الشراء، بأن يقول البائع: اشتريتها بكذا، وهو يكذب, أو يقول: هذه السلعة سيمت بكذا، وهو يكذب, وكل ذلك ليغرر بالمشتري, وقد قال - عليه الصلاة والسلام-: (لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تناجشوا، ولا يبع بعضكم على بعض، وكونوا عباد الله إخوانا), فكل ما كان كذلك فهو حرام ولا يجوز.

 

ومن الصور المحرمة أيضاً: بيع المسلم على بيع أخيه, وشراؤه على شرائه, يقول - عليه الصلاة والسلام-: (ولا يبع بعضكم على بيع بعض), والبيع على البـيع أن يقول لمن اشترى سلعة بمائة: أنا أعطيك مثلها بثمانين، وأفسخ العقد مع المشتري في مدة الخيار.

 

ولا شك أن التبايع والتصرف يترتب عليه كثير من الحقد، والبغضاء، والشحناء، والكراهية بين المسلمين, وهذه كلها أمور محرمة ينبغي على المسلم أن يبتعد عنها، وعن الوسيلة المؤدية إليها.

 

  

 



بحث عن بحث