أحاديث البيوع ( 8 )

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين .. أما بعد.

 

فلقد تحدثنا في الحلقة السابقة عن جملة من الآداب والضوابط التي ينبغي أن يتعامل بها المسلم في معاملاته المالية والاقتصادية, وفي هذه الحلقة نعرض لبعض منها في الوقفات الآتية:

 

الوقفة التاسعة عشر:

 

من أهم الضوابط في المعاملات المالية الابتعاد عن البيوع المحرمة في دين الله تعالى, وهي أنواع متعددة, ولم تحرم إلا لما يترتب عليها من تمرد، أو جهالة، أو إضرار، أو أكل أموال الناس بالباطل. ومن هذه البيوع.

 

أولاً: ألا يقع البيع في زمان أو مكان منهي فيهما عن البيع, فالزمان المنهي عن البيع فيه بعد نداء الجمعة الثاني, لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع).

قال أهل العلم: فإذا وقع البيع بعد النداء ليوم الجمعة لا يصح البيع.

وهكذا إذا كان البيع والشراء يزاحمان العبادة مطلقاً، مثل أن يشتغل التاجر بالبيع والشراء، ويلهى عن الصلاة مع الجماعة في المسجد، بحيث تفوته الصلاة، أو بعضها, ولهذا مدح الله الذين لا تلهيهم تجارتهم عن الصلاة.

وأما المكان فهو البيع والشراء في المسجد، لقوله - صلى الله عليه وسلم-: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد, فقولوا: لا أربح الله تجارتك), وفي الحديث الآخر: (جنـبوا مساجدكم صبيانكم، ومجانينكم، وشرائكم، وبيعكم)؛ وذلك لأن وظيفة المسجد عبادة الله تعالى وطاعته, قال تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً).

 

ثانياً: بيع السلع المحرمة: فالله - سبحانه وتعالى- إذا حرّم شيئاً حرم ثمنه, روى الجماعة عن جابر - رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح بمكة: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنـزير والأصنام) فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة؟ فإنها يطلى بها السفن ، ويدهن بها الجلود, ويستصبح بها الناس, فقال:(لا, هو حرام), ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم عند ذلك-: (قاتل الله اليهود, إن الله لما حرم شحومها، جملوه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه), وروى أبو داود بإسناد حسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله حرّم الخمر وثمنها, وحرم الميتة وثمنها, وحرم الخنزير وثمنه), وروى الترمذي، وابن ماجه، وغيرهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، وشاربها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها).

 

ويدخل في هذه الأشياء المحرمة التي لا يجوز بيعها وشراءها: المسكرات بأنواعها، مهما اختلفت أسماؤها، ونوعيتها، من شراب، أو أكل، أو حبوب، أو غيرها, وكذا المخدرات بأنواعها المختلفة، وهي أشد من المسكرات, كما يدخل في ذلك الدخان؛ لما يترتب عليه من أضرار صحية، وعقلية، ومالية، ودينية، لا تخفى, ويدخل فيه أيضاً بيع آلات اللهو المحرمة وشراؤها، مهما تعددت وتنوعت, وكذا بيع الصور المحرمة، حيث أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- بأن المصورين أشد الناس عذاباً يوم القيامة, وذكر أهل العلم المعاصرون مما يدخل في ذلك بيع المجلات التي تحتوي على صور خليعة، أو فاتنة؛ لما فيها من الإغراء والفتنة، إضافة إلى كونها صوراً، وهذه غالباً ما تحتوي على ترويج شهوة، أو شبهة عقدية، أو سلوكية, ويدخل في ذلك من باب أولى بيع الأفلام الخليعة، والمسلسلات الهابطة، والتحريض على الفاحشة والإثم, ومما ينبغي أن يعلم أن كل السلع المحرمة مما سبق ذكره، ومما لـم يذكر من المحرمات بيعه حرام وثمنه سحت، وكسبه خبيث, وما نبت من السحت فالنار أولى به.

 

ثالثاً: من البيوع المحرمة: بيع من يستخدم المبيح في محرم، فإذا علم  البائع أن المشتري سيستغل السلعة المبيعة في محرم فلا يجوز بيع هذه السلعة عليه, ولو كان بيعها في الأصل حلالاً؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان, والله تعالى يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان), ويمثل العلماء في ذلك لبيع العنب، أو التمر لمن يصنع منه خمراً، أو يبيع السلاح في وقت فتنة, أو حال منعه من ولي الأمر لمصلحة معينة, أو لمن يقطع به طريقاً، ونحو ذلك.

 

فعلى المسلم أن يتجنب هذه المعاملات المحرمة، وأن يبتعد عنها كل البعد؛ لئلا يقع في الحرام, أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

 

 

إنه سميع مجيب، وإلى لقاء في حلقات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 



بحث عن بحث