أحاديث البيوع ( 6 )

 

الوقفة الرابعة عشرة :

    من أهم الضوابط التي ينضبط بها هذا التعامل المالي سلامة النية والقصد , فالنية والقصد في الشريعة الإسلامية عليهما مدار كثير من الأقوال والأعمال , ولذا كانت قاعدة:(الأمور بمقاصدها) من القواعد الخمس الكبرى في الشريعة الإسلامية , وهذه القاعدة مبناها على كتاب الله تعالى, وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم-, يقول الله - سبحانه وتعالى-:(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء).

    وروى البخاري، وغيره عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- قال:( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول:(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله , ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه).متفق عليه

    والتجارة والمعاملة تحتاجان إلى القصد الحسن، والنية السليمة، فيقصد المسلم بمعاملته، سواء كانت بيعاً، أو شراء، أو إجارة، أو قرضاً، أو شراكة، أو غيرها من أنواع المعاملات، الحصول على الرزق الحلال؛ ليستعف به عن السؤال؛ ولينفق على نفسه، ومن تحت يده؛ ولينفع غيره من إخوانه المسلمين.

     كما يقصد في الحصول على المال القيام بكفايته، وكفاية من يمونه, وأن يتقوى به على طاعة الله تعالى وعبادته , وطلب رضاه , وأن يحصن نفسه به عن الوقوع في المحرمات والمكروهات، مجتنباً كل ما يسخط الله تعالى ويغضبه, كما يقصد أيضاً البذل والإنفاق في سبيل الله ووجوه الخير المتعددة.

 

- بهذه النية الصالحة يكون طلبه للرزق, وتجارته، ومعاملته عبادة تقربه إلى الله تعالى، سواء كان في متجره، أو سوقه، أو بيعه، أو شرائه، أو غير ذلك.

 - فالله - سبحانه وتعالى- يجزي بهذه النية الحسنة خير الجزاء, فالأعمال بالنيات, وقد ذكر أهل العلم  أن بالنيات تتحول العادات إلى عبادات, يقول بعض السلف:( إني لأحب أن تكون لي نية في كل شيء، حتى في الطعام والشراب), وقال بعضهم:(رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية).

     وعليه ينبغي للمسلم أن يصحح نيته وهو يقوم بمعاملاته التجارية من بيع وشراء وغيرهما.

 

الوقفة الخامسة عشرة:

    ومما ينبغي أن ينضبط به التعامل بالمعاملات التجارية وجود الشعور بالمراقبة, والمقصود بذلك أن المسلم لا بد أن يشعر بأن الله رقيب عليه في جميع تصرفاته , وفي حركاته، وسكناته, يعلم سره وجهره, وكل عمل يعمله, أو معاملة يجريها, أو صفقة يبرمها, أو وعد، أو عهد، فالله – سبحانه- مطلع عليه, وسيحاسبه على كل صغيرة وكبيرة, وعلى كل أمر دقيق أو جليل .

 يقول - سبحانه وتعالى-:(ألم تر أن الله يعلم ما في السموات والأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا  ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم), ويقول - جل شأنه-:(إن الله كان عليكم رقيباً), ويقول – سبحانه-:(إن الله كان على كل شيء رقيبا), ويقول:(فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره).

     ولاشك أن هذا الشعور إذا وجد عند المسلم في جميع أحواله فسيكون متيقظا أثناء معاملاته، فلا يحيد عن شرع الله قيد أنملة.

- ينبغي للمسلم أن ينمي هذا الشعور - أعني الشعور بمراقبة الله تعالى في جميع الممارسات والسلوكيات والتصرفات- في حياته كلها، سواء كان في البيع، والشراء، والقرض، والهبة، والإجارة، وغيرها، أو في معاملاته في أخلاقه وسلوكه، وسواء كان مع نفسه، أو مع الناس , في بيته، أو خارج بيته, فإذا انضبط بذلك حمد العاقبة، وفرح بالنتيجة في الدنيا والآخرة.

 

أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه, وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه, إنه سميع مجيب.

 



بحث عن بحث