الحديث السادس عشر

السواك

 

عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء، عند كل صلاة)(1)، وعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك)(2).

في هذين الحديثين عدة وقفات تتعلق بالسواك منها:

الأولى: قوله (لولا أن أشق على أمتي): (لولا) حرف امتناع لوجود، وهي هنا امتناع الثاني لوجود الأول، فالموجود الأمر، والممتنع المشقة، والمعنى لولا مخافة أن أشق على أمتي لأمرتهم، وهذا يدل على رأفة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- بأمته، وكمال نصحه، ومحبته الخير لهم، فهو يعلم - صلوات الله وسلامه عليه- كثرة فوائد هذا السواك، وعظم منفعته، وحصول الأجر فيه، لكن مخافته -صلى الله عليه وسلم- أن يفرض على أمته، وبالتالي لا يستطيعون القيام بهذا الفرض، فيشق عليهم ذلك، ويحصل لهم الإثم من جراء عدم تنفيذ هذا الأمر، فلم يفرضه، فلجأ إلى الترغيب فيه، والحث عليه.

الثانية: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لأمرتهم بالسواك).

السواك: بكسر السين، اسم للعود الذي يتسوك به، وللفعل الذي هو دلك الأسنان بالعود، أو نحوه؛ لتذهب الصفرة والأوساخ؛ وليطهر الفم؛ وتبعد الرائحة الكريهة؛ ويحصل الاتباع للمصطفى. فقوله: (بالسواك): أي باستعمال السواك.

الثالثة: قوله: (مع كل وضوء عند كل صلاة): هذه بعض المواضع التي يستحب فيها السواك، وسيأتي شيء من تفصيل ذلك إن شاء الله.

الرابعة: قوله في حديث حذيفة - رضي الله عنه-: (إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) يشوص: بفتح الياء وضم الشين, والشوص دلك الأسنان بالسواك عرضاً، فالمعنى أن يدلك أسنانه بالسواك.

الخامسة: أن حكم السواك مستحب، قال الإمام النووي - رحمه الله-: (أجمع من يعتد به على أنه من السنن المؤكدة وليس بواجب، إلا ما حُكي عن داود الظاهري أنه أوجبه في الصلاة) اهـ.

وهذا الحكم يعم الصائم وغيره.

السادسة: للسواك فضل عظيم، وفوائد كثيرة، وحكم متعددة، فهو مفيد يطهر الفم، ويزكي رائحته، ويذهب صفرة الأسنان، كما أنه مرضاة لله - جل وعلا-، واتباع لسنن المرسلين، واقتداء بالمصطفى الأمين - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.

روى البخاري معلقاً عن عائشة - رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)(3).

وروى الترمذي، وحسنه عن أبي أيوب - رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أربع من سنن المرسلين: الختان، والتعطّر، والسواك، والنكاح)(4).

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس - رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لقد أمرت بالسواك حتى ظننت أنه يُنزل علي فيه قرآن، أو وحي)(5).

وروى أحمد عن عائشة - رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك سبعون ضعفاً)(6).

وروى البزار بإسناد جيد عن علي - رضي الله عنه- أنه أمر بالسواك، وقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن العبد إذا تسوّك، ثم قام يصلي، قام الملك خلفه فيستمع لقراءته فيدنو منه – أو كلمة نحوها – حتى يضع فاه على فيه، فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف المَلَك فطهروا أفواهكم للقرآن).

السابعة: ذكر في هذين الحديثين بعض الأحوال التي يستحب فيها السواك، وسيأتي ذكر شيء منها في الحديث التالي إن شاء الله.

الثامنة: مما يستفاد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- قاعدة عظيمة، تلكم هي: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ وذلك أن الشارع الحكيم ترك فرض السواك على الأمة مع ما في هذا الفرض من الفوائد العظيمة، والمصالح النافعة، خشية أن يفرضه الله عليهم، وبالتالي لا يستطيعون القيام به، فيحصل عليهم إثم بتركهم هذا الواجب.

وعليه فكل أمر لم ينص عليه الشارع الحكيم فتعمل فيه هذه القاعدة العظيمة، وفي ذلك درس مفيد، وحكمة جليلة، يستفيد منها الدعاة إلى الله - جل وعلا- في أسلوب دعوتهم، كما يستفيد منها الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، وهم يقومون بهذا الواجب العظيم، فكل وسيلة تؤدي إلى مفسدة مع ما فيه من مصلحة، والمفسدة أعظم من المصلحة فيترك تحصيل تلك المصلحة في سبيل درء المفسدة.

ومن أراد الاستزادة لدراسة هذه القاعدة نظرياً، وتطبيقياً فليرجع إلى كتب القواعد الفقهية، وشروح الأحاديث.

 


 


(1)      رواه البخاري في كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة 2/374 رقم 887، ومسلم في كتاب الطهارة، باب السواك 1/220 رقم 252.

(2)      رواه البخاري في كتاب الوضوء، باب السواك 1/98، ومسلم في كتاب الطهارة، باب السواك 1/220 رقم 251.

(3)      رواه البخاري في كتاب الصوم، باب سواك الرطب واليابس للصائم 2/40 معلقاً بصيغة الجزم.

(4)      رواه الترمذي في كتاب النكاح، باب ما جاء في فضل التزويج 2/372 رقم 1086.

(5)      رواه الإمام أحمد في مسنده 1/337.

(6)      رواه الإمام أحمد في مسنده 6/272.

 



بحث عن بحث