حديث ((خير صفوف الرجال أولها.......))

 

 

قال الإمام مسلم رحمه الله في كتاب الصلاة من صحيحه: حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)).

المبحث الأول، التخريج:

انفرد مسلم عن البخاري بإخراج هذا الحديث فرواه عن سهيل من طريقين هذه أحدهما ثم قال في الثانية: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني الدراوردي عن سهيل بهذا الإسناد.

وأخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة) من سننه (باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول) فقال: حدثنا محمد بن الصباح البزّاز حدثنا خالد وإسماعيل بن زكريا عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)).

وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة) من جامعه (باب ما جاء في فضل الصف الأول) فقال: حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بمثل إسناده ومتنه عند مسلم، ثم قال: وفي الباب عن جابر، وابن عباس، وأبي سعيد، وأبي، وعائشة، والعرباض بن سارية، وأنس، ثم قال: قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.

وأخرجه النسائي في (كتاب الصلاة) من سننه (باب ذكر خير صفوف النساء وشر صفوف الرجال)، فقال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا جرير عن سهيل بمثل إسناده ومتنه عند مسلم.

وأخرجه ابن ماجه في (كتاب الصلاة) من سننه (باب صفوف النساء) فقال: حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، وعن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، وخير صفوف الرجال أوّلها وشرها آخرها)). وأخرجه من حديث جابر رضي الله عنه فقال: حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير صفوف الرجال مقدمها وشرّها مؤخرها، وخير صفوف النساء مؤخرها وشرّها مقدمها)).

وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) في ترجمة سفيان الثوري فقال: حدثنا أبو بكر بن خلاد حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها))، ثم قال: مشهور من حديث الثوري.

وقال الحافظ المنذري في (الترغيب والترهيب) بعد أن ساق حديث أبي هريرة هذا، وعزاه لمسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، قال: وروي عن جماعة من الصحابة منهم: ابن عباس، وعمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وأبو سعيد، وأبو أمامة، وجابر بن عبد الله، وغيرهم.

المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد:

الأول: شيخ مسلم زهير بن حرب: قال الحافظ في (التقريب): زهير بن حرب بن شداد، أبو خيثمة النسائي، نزيل بغداد ثقة ثبت، روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث، من العاشرة مات سنة أربع وثلاثين - أي بعد المائتين - وهو ابن أربع وسبعين، ورمز لكونه من رجال الجماعة سوى الترمذي.

وقال الخزرجي في (الخلاصة): زهير بن حرب بن شداد الحرشي - بفتح المهملتين بعدهما معجمة - مولاهم أبو خيثمة النسائي الحافظ. عن جرير بن عبد الحميد، وهشيم، وابن عيينة، وحفص بن غياث، وخلق. وعنه البخاري ومسلم أكثر من ألف حديث، وأبو داود، وابن ماجه، والنسائي بواسطة وقال: ثقة مأمون. وقال يعقوب بن شيبة: زهير أثبت من أبي بكر بن أبي شيبة. قال ابنه أحمد: ولد سنة ستين ومائة، ومات سنة أربع وثلاثين ومائتين. وقال الحافظ في (تهذيب التهذيب): مولى بني الحريش بن كعب، وكان اسم جده اشتال فعرب شدّاداً، ثم ذكر جماعة روى عنهم، وجماعة رووا عنه، وذكر الكثير من ثناء الأئمة عليه، ونقل توثيقه عن ابن معين، والنسائي، والحسين بن فهم، والخطيب البغدادي، وابن قانع، وأبي حاتم الرازي، وابن وضاح.

الثاني: جرير: وهو ابن عبد الحميد، قال الحافظ في (التقريب): جرير بن عبد الحميد بن قُرط - بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة - الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها، ثقة صحيح الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه. مات سنة ثمان وثمانين - أي بعد المائة - وله إحدى وسبعون سنة، ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في (تهذيب التهذيب): أبو عبد الله الرازي القاضي، ولد بقرية من قرى أصبهان، ونشأ بالكوفة ونزل الري. ثم ذكر جماعة روى عنهم منهم: عبد الملك بن عمير، والأعمش، وسهيل بن أبي صالح، وغيرهم سماهم. وجماعة رووا عنه منهم: إسحاق، وابنا أبي شيبة، وقتيبة، وعبدان، وأبو خيثمة، وغيرهم سماهم. وذكر شيئاً من كلام الأئمة فيه، ونقل توثيقه عن أبي حاتم الرازي، والنسائي، وأبي أحمد الحاكم، والخليلي. وقال: قال أبو القاسم اللالكائي: مجمع على ثقته. وذكر المقدسي في (الجمع بين رجال الصحيحين) بعض من روى عنهم ورووا عنه في الصحيحين معاً وفي أحدهما، وذكر أنه روى عن سهيل، وروى عنه أبو خيثمة في (صحيح مسلم) ثم قال: ولد في السنة التي مات فيها الحسن سنة عشر ومائة، ومات سنة سبع وثمانين ومائة بالري.

الثالث: سهيل: وهو ابن أبي صالح، قال الحافظ في (التقريب): سهيل بن أبي صالح، ذكوان السمان أبو يزيد المدني، صدوق تغير حفظه بأخرة، روى له البخاري مقروناً وتعليقاً، من السادسة، مات في خلافة المنصور، ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في مقدمة الفتح: سهيل بن أبي صالح السمان، أحد الأئمة المشهورين المكثرين، وثقه النسائي والدار قطني وغيرهما. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن معين: صويلح. وقال البخاري: كان له أخ فوجد عليه، فساء حفظه. ثم قال الحافظ: قلت: له في البخاري حديث واحد في الجهاد، مقرون بيحيى بن سعيد الأنصاري، كلاهما عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد، وذكر له حديثين آخرين متابعة في (الدعوات)، واحتج به الباقون. انتهى.

والحديث الذي في الجهاد عن سهيل، متنه: ((من صام يوماً في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)). وقد قال الحافظ في شرحه في الفتح: وسهيل بن أبي صالح لم يخرج له البخاري موصولاً إلا هذا، ولم يحتج به لأنه قرنه بيحيى بن سعيد. انتهى.

وذكر المقدسي في (الجمع بين رجال الصحيحين) إخراج البخاري له هذا الحديث وقال: وليس لسهيل في كتابه غير هذا الحديث الواحد، وذكر جماعة روى عنهم، وجماعة رووا عنه عند مسلم، ومن المروى عنهم: أبوه، وعبد الله بن دينار، وعطاء بن يزيد الليثي، وغيرهم. ومن الذين رووا عنه: جرير بن عبد الحميد، والثوري، وابن عيينة، وغيرهم.

الرابع: أبو صالح ذكوان: قال في (التقريب): ذكوان أبو صالح السمان الزيات، المدني، ثقة ثبت، وكان يجلب الزيت إلى الكوفة، من الثالثة، مات سنة إحدى ومائة، ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في (تهذيب التهذيب): المدني مولى جويرية بنت الأحمس الغطفاني، ثم ذكر جماعة روى عنهم منهم: أبو هريرة، وأبو الدرداء، وأبو سعيد، وغيرهم سماهم. وجماعة رووا عنه منهم: أولاده: سهيل وصالح وعبد الله، وغيرهم سماهم. ثم ذكر كثيراً من ثناء الأئمة عليه. ونقل توثيقه عن أحمد، وابن معين، وأبي حاتم، وأبي زرعة، وابن سعد، والساجي، والحربي، والعجلي. وقال الإمام أحمد في توثيقه فيما حكاه عنه ابنه عبد الله: ثقة ثقة من أجلِّ الناس وأوثقهم.

الخامس: أبو هريرة رضي الله عنه، وقد تكرر ذكره.

المبحث الثالث: لطائف إسناده وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث:

(1) رجال الإسناد الخمسة اتفق أصحاب الكتب الستة على إخراج حديثهم إلا شيخ مسلم زهير بن حرب فلم يخرج له الترمذي.

(2) شيخ مسلم زهير بن حرب نسائي ثم بغدادي وشيخ شيخه جرير بن عبد الحميد كوفي ثم رازي نسبة إلى الري، وبقية رجال الإسناد الثلاثة مدنيون.

(3) شيخ مسلم في هذا الإسناد زهير بن حرب أكثر من الرواية عنه في صحيحه وهو يلي أبا بكر بن أبي شيبة في الإكثار عنه، وقد اتفق هذان الشيخان لمسلم وهما أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب في أن أحاديثهما في صحيح مسلم زادت على ألف حديث، وكل منهما خرج حديثه الجماعة سوى الترمذي، وكل منهما شيخ البخاري ومسلم، وأبي داود، وابن ماجه، وكل منهما روى عنه النسائي بواسطة، وتقاربا في زمن الوفاة، إذ كانت وفاة أبي بكر سنة خمس وثلاثين ومائتين، ووفاة زهير سنة أربع وثلاثين بعد المائتين.

(4) ثلاثة من رجال الإسناد من الموالي وهم: زهير بن حرب، وسهيل بن أبي صالح وأبوه.

(5) في الإسناد راويان تغير حفظهما في آخر حياتهما وهما: جرير بن عبد الحميد وشيخه سهيل بن أبي صالح، وقد ذكر النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم أن ما كان من هذا القبيل في الصحيحين محتجاً به فهو مما أُخذ عنه قبل الاختلاط.

(6) جرير - هو ابن عبد الحميد - وهو أحد الجريرين فيما إذا قيل في ترجمة من فوقهما روى عنه الجريران، وفي ترجمة من دونهما روى عن الجريرين، والثاني منهما جرير بن حازم.

(7) سهيل بن أبي صالح روى عنه البخاري حديثاً واحداً موصولاً قرنه بيحيى بن سعيد الأنصاري في (كتاب الجهاد، باب فضل الصوم في سبيل الله) ولفظه: ((من صام يوماً في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)).وليس له في صحيح البخاري سوى هذا الحديث الواحد.

(8) سهيل بن أبي صالح روى هذا الحديث عن أبيه، فهو من رواية الأبناء عن الآباء.

 المبحث الرابع، شرح الحديث:

(1) هذا الحديث يدل على أفضلية الصف الأوّل للرجال ويقابله الصف المؤخر، وهذا الحكم ثابت لهم سواء صلوا وحدهم أو معهم نساء، ويدل على أن النساء إذا صلين مع الرجال، فالصف الأفضل في حقهن آخر الصفوف ويقابله الصف المقدم على العكس من الرجال، والظاهر أن هذا خاص في صلاتهن مع الرجال، أما لو صلين وحدهن وإمامتهن امرأة فأفضل صفوفهن أولها.

(2) خير وشر أفعلا تفضيل، حذفت منهما الهمزة ويأتيان اسمين متقابلين كقوله تعالى(فمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)

(3) قوله (خير صفوف الرجال أولها). وجه خيريته على غيره، أن فيه خصالاً لا توجد في غيره من الصفوف منها: كونه الأقرب إلى الإمام للتمكن من سماع قراءته، والتبكير إلى الصلاة للتمكن من تحصيله على الوجه المشروع ولاستغفاره صلى الله عليه وسلم لأهله ثلاثاً. رواه ابن ماجه، والنسائي، وابن خزيمة في (صحيحه)، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجا للعرباض كما في (الترغيب والترهيب) للحافظ المنذري، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول)) رواه أحمد بإسناد لا بأس به، والطبراني، وغيره من حديث أبي أُمامة كما في (الترغيب والترهيب) أيضاً، ولما فيه من البعد عن النساء والافتتان بهن.

(4) قوله (وشر صفوف الرجال آخرها)، أي لما فيه من البعد عن الإمام والقرب من النساء الذي هو سبب في تعلق القلب بهن وحصول الافتتان بهن.

(5) قوله (وخير صفوف النساء آخرها). قال الشوكاني في (نيل الأوطار): إنما كان خيرها لما في الوقوف فيه من البعد عن مخالطة الرجال، بخلاف الوقوف بالصف الأول من صفوفهن فإنه مظنة المخالطة لهم وتعلق القلب بهم، المتسبب عن رؤيتهم وسماع كلامهم ولهذا كان شرها.

(6) وإذا كان شر صفوف الرجال هو القريب من شر صفوف النساء لما في ذلك من مظنة الفتنة على الجانبين، مع أن الغالب في الذين يأتون إلى المساجد أنهم أكثر سلامة من الذين يتكاسلون عن إتيانها، فإن اختلاط الرجال بالنساء في المدارس والجامعات والمؤسسات وغيرها، ولاسيما مع قيام النساء  بما يدعو إلى الفتنة، يتنافى تمام المنافاة مع هدي الإسلام بل هو محادة لتعاليمه البناءة وأهدافه السامية، نسأل الله السلامة والعافية، وصدق الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم إذ يقول: ((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)). أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

(7) من فقه الحديث وما يستنبط منه.

(1) مشروعية الصفوف للصلاة للرجال والنساء.

(2) الترغيب في الصف الأول للرجال.

(3) بيان فضل الصف الأول للرجال وأنه خير صفوفهم.

(4) أن آخر صفوف الرجال هو شر صفوفهم.

(5) جواز إتيان النساء المساجد وصلاتهن مع الرجال.

(6) ترغيب النساء في الصف المؤخر من صفوفهن إذا صلين مع الرجال.

(7) أن الصف الأول من صفوف النساء مع الرجال هو شر صفوفهن.

(8) مشروعية صلاة الجماعة.

(9) عدم جواز اصطفاف النساء مع الرجال.

(10) تأخر صفوف النساء عن صفوف الرجال.

(11) الإشارة إلى أن تباعد صفوف النساء عن صفوف الرجال أولى من تقاربها.

(12) تفاضل أعمال الخير وكون بعضها أفضل من بعض.

(13) اختلاف النساء عن الرجال في بعض الأحكام.

(14) الإشارة إلى أن صلاة النساء في البيوت أفضل من صلاتهن في المساجد.

(15) أن الشيء الواحد يكون محبوباً باعتبار ومكروهاً باعتبار آخر، فالصف المؤخر للرجال يحب لما فيه من الإتيان بالصلاة جماعة، ويكره لتأخر أهله وقربهم من النساء.

(16) الإشارة إلى أن النساء فتنة للرجال يخشى عليهم من الافتتان بهن.

(17) التنبيه إلى سد الذرائع التي تفضي إلى الفتنة وتوقع في المحذور.

(18) كمال نصح الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، ومدى حرصه على تحصيلها لأسباب الفلاح وابتعادها عن الشر ووسائله.

(19) الجمع بين الترغيب والترهيب، فعند الترغيب فيما فيه الخير يحذر مما فيه الشر.

(20) أنه عند ذكر الأحكام الخاصة بالرجال والأحكام الخاصة بالنساء يقدم ذكر ما يتعلق بالرجال على ما يتعلق بالنساء.

 



بحث عن بحث