حديث (إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب)

 

قال الإمام مسلم رحمه الله في كتاب الإيمان من صحيحه:حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن وكيع قال أبو بكر: حدثنا وكيع عن زكريا بن إسحاق قال: حدثني يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس عن معاذ بن جبل قال أبو بكر ربما قال وكيع عن ابن عباس أن معاذا قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افْتَرَضَ عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.

المبحث الأول: التخريج:

روى مسلم ـ رحمه الله ـ هذا الحديث من هذه الطريق ثم عقبه بطرق أخرى فقال: حدثنا ابن أبي عمر حدثنا بشر بن السري حدثنا زكريا بن إسحاق (ح) وحدثنا عبد بن حميد حدثنا أبو عاصم عن زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال: ((إنك ستأتي قوماً...))، بمثل حديث وكيع.

حدثنا أمية بن بسطام العيشي حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح ـ وهو ابن القاسم ـ عن إسماعيل بن أمية عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن قال: ((إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله ، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوقَ كرائم أموالهم)).

وهذه الطرق عند مسلم مدارها على يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد، إلا أن المتن في الطريق الأولى من مسند معاذ رضي الله عنه، وفي بقية الطرق من مسند ابن عباس رضي الله عنهما، أما سائر الروايات الآتية عند البخاري وغيره فهي من مسند ابن عباس وكلها عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد.

وأخرجه البخاري في صحيحه في سبعة مواضع قال في أولها ـ وهو أول حديث عنده في كتاب الزكاة ـ: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن فقال: ((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)).

والثاني: في (كتاب الزكاة) في (باب لا تؤخذ كرائم  أموال الناس في الصدقة)، رواه عن شيخه أمية بن بسطام بمثل إسناده ونحو متنه عند مسلم.

والثالث: في (كتاب الزكاة) أيضاً في (باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا)، قال فيه:

حدثنا محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).

والرابع: في (كتاب المظالم، باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم) قال فيه: حدثنا يحيى بن موسى حدثنا وكيع حدثنا زكريا بن إسحاق المكي عن يحيى  بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال: ((اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب)).

والخامس: في (كتاب المغازي) في (باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع). أخرجه عن شيخه حبان بن موسى عن عبد الله بن المبارك عن زكريا بن إسحاق بمثل إسناده ومتنه في (باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا).

والسادس والسابع: في (كتاب التوحيد) في (باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى). وهو أول حديث عنده في (كتاب التوحيد) قال فيهما: حدثنا أبو عاصم حدثنا زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن...، وحدثني عبد الله بن الأسود حدثنا الفضل بن العلاء حدثنا إسماعيل بن أمية عن يحيى بن عبد الله بن محمد بن صيفي أنه سمع أبا معبد مولى ابن عباس يقول سمعت ابن عباس يقول: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا نحو اليمن قال له: ((إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس)).

ورواه أبو داود في (كتاب الزكاة) من سننه في (باب في زكاة السائمة) قال فيه: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا زكريا بن إسحاق المكي عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن...، وساق متنه بنحو سياقه عند مسلم من حديث وكيع إلا أن فيه: ((فإن هم أطاعوك لذلك)) بدل قوله: ((فإن هم أطاعوا لذلك)) وفيه ((فإنها ليس بينها وبين الله حجاب)) بدل ((فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))، وهو عنده من مسند ابن عباس رضي الله عنهما.

وأخرجه الترمذي في جامعه في (كتاب الزكاة، باب كراهية أخذ خيار المال في الصدقة) رواه عن شيخه أبي كريب عن وكيع بمثل إسناده ومتنه عند مسلم إلا أنه من مسند ابن عباس لا من مسند معاذ.

وأخرج طرفاً منه في (كتاب البر) وهو قوله: ((اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)). بإسناده في (كتاب الزكاة)، وقال: قال أبو عيسى: وفي الباب عن أنس وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وأبي سعيد، وهذا حديث حسن صحيح وأبو معبد اسمه نافذ. انتهى.

وأخرجه النسائي في موضعين من (كتاب الزكاة) في سننه أولهما في (باب وجوب الزكاة) وهو أول حديث عنده في (كتاب الزكاة) قال فيه: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عن المعافى عن زكريا بن إسحاق المكي قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: ((إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك بذلك فأخبرهم أن الله عزوجل فرض عليهم خمس صلوات في يوم وليلة، فإن هم ـ يعني أطاعوك بذلك ـ فأخبرهم أن الله عزوجل فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك بذلك فاتق دعوة المظلوم)).

والثاني في (باب إخراج الزكاة من بلد إلى بلد) قال فيه: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال حدثنا وكيع قال حدثنا زكريا بن إسحاق وكان ثقة عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذ بن جبل إلى اليمن فقال: ((إنك تأتي قوماً أهل كتاب...)) وساق متنه بنحو حديث وكيع عند مسلم.

وأخرجه ابن ماجه في سننه، وهو أول حديث عنده في (كتاب الزكاة، باب فرض الزكاة) قال فيه: حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا زكريا بن إسحاق المكي عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال، وساق متنه بمثل متنه عند مسلم من حديث وكيع.

وأخرج طرفاً منه الدارمي في سننه في (كتاب الزكاة، باب النهي عن أخذ الصدقة من كرائم أموال الناس) فقال: أخبرنا أبو عاصم عن زكريا عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال: ((إياك وكرائم أموالهم)).

وأخرجه الدار قطني في أواخر (كتاب الزكاة) من سننه من طريقين إلى يحيى بن عبد الله بن صيفي.

والحديث من هذه الطرق جميعها من مسند ابن عباس لا من مسند معاذ، إلا في هذه الطريق الواحدة عند مسلم عن شيوخه أبي بكر وأبي كريب وابن راهويه، وقد قال النووي في شرحه لهذا الحديث في صحيح مسلم بعد أن أشار إلى أن الرواية الأولى عند مسلم تقتضي أن الحديث من مسند معاذ والروايتين الأخيرتين تقتضيان أن الحديث من مسند ابن عباس: ((ووجه الجمع بينهما أن يكون ابن عباس سمع الحديث من معاذ فرواه تارة عنه متصلاً وتارة أرسله، فلم يذكر معاذاً وكلاهما صحيح، كما قدمنا أن مرسل الصحابي إذا لم يعرف المحذوف يكون حجة، فكيف وقد عرفناه في هذا الحديث أنه معاذ، ويحتمل أن ابن عباس سمعه من معاذ وحضر القضية، فتارة رواها بلا واسطة لحضوره إياها، وتارة رواها عن معاذ، إما لنسيانه الحضور أو لمعنى آخر، والله أعلم)).

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرحه للحديث في (كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا): قوله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لمعاذ حين بعثه إلى اليمن)، كذا في جميع الطرق إلاّ ما أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم ثلاثتهم عن وكيع فقال فيه: عن ابن عباس عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، (فعلى هذا فهو من مسند معاذ، وظاهر سياق مسلم أن اللفظ مدرج لكن لم أر ذلك في غير رواية أبي بكر بن أبي شيبة، وسائر الروايات أنه من مسند ابن عباس)، فقد أخرجه الترمذي عن أبي كريب عن وكيع فقال فيه: عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا، وكذا هو في مسند إسحاق بن إبراهيم ـ وهو ابن راهويه ـ قال: حدثنا وكيع، وكذا رواه عن وكيع أحمد في مسنده، وأخرجه أبو داود عن أحمد، وسيأتي في (المظالم) عن يحيى بن موسى عن وكيع كذلك، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن عبد الله المخرمي وجعفر بن محمد الثعلبي وللإسماعيلي من طريق أبي خيثمة وموسى بن السدي، والدار قطني من طريق يعقوب بن إبراهيم الدورقي وإسحاق بن إبراهيم البغوي كلهم عن وكيع كذلك، فإن ثبتت رواية أبي بكر فهو من مرسل ابن عباس، لكن ليس حضور ابن عباس لذلك ببعيد، لأنه كان في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهو إذ ذاك مع أبويه بالمدينة.

المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد:

الأول: شيخ مسلم أبو بكر بن أبي شيبة: وهو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، إبراهيم بن عثمان الواسطي الأصل، أبو بكر بن أبي شيبة الكوفي ثقة حافظ صاحب تصانيف، من العاشرة مات سنة خمس وثلاثين ومائتين. قاله الحافظ ابن حجر في (تقريب التهذيب)، ورمز لكونه من رجال الجماعة سوى الترمذي. وقال الخزرجي في (خلاصة تذهيب تهذيب الكمال): عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي بموحدة مولاهم أبو بكر بن أبي شيبة الكوفي الحافظ، أحد الأعلام وصاحب المصنف، عن شريك وهشيم وابن المبارك وجرير بن عبد الحميد وابن عيينة وخلق، وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وأبو زرعة وعثمان بن خرزاذ وأحمد بن علي المروزي وخلق. قال أبو زرعة: ما رأيت أحفظ منه. وقال الخطيب: كان متقناً حافظاً، صنف التفسير وغيره. انتهى. وذكره الذهبي في (الميزان) وقال: وثقه الجماعة وما كاد يسلم...، ثم بين رأيه فيه قائلا: قلت: أبو بكر ممن قفز القنطرة وإليه المنتهى في الثقة. انتهى. وذكر الحافظ في (تهذيب التهذيب) كثيراً من شيوخه وتلاميذه، ونقل توثيقه عن العجلي وأبي حاتم وابن خراش وابن قانع، وقول أبي عبيد القاسم: انتهى العلم إلى أربعة: فأبو بكر أسردهم له، وأحمد أفقههم فيه، ويحيى أجمعهم له، وعلي أعلمهم به. وقول ابن حبان فيه: كان متقناً حافظاً دينا، ممن كتب وجمع وصنّف وذاكر، وكان أحفظ أهل زمانه للمقاطيع. وختم ترجمته الحافظ في (تهذيب التهذيب) بقوله: وفي الزهرة: روى عنه البخاري ثلاثين حديثاً ومسلم ألفاً وخمسمائة وأربعين حديثا.

الثاني: شيخ مسلم أبو كريب: قال الحافظ في (التقريب): محمد بن العلاء بن كريب الهمداني أبو كريب الكوفي، مشهور بكنيته، ثقة حافظ، من العاشرة مات سنة سبع وأربعين ـ أي بعد المائتين ـ وهو ابن سبع وثمانين سنة، ورمز لكونه من رجال الجماعة، وسمى في (تهذيب التهذيب) عدداً من شيوخه وتلاميذه، وذكر جملة من ثناء العلماء عليه وتوثيقه عن النسائي ومسلمة بن قاسم وقال: وذكره ابن حبان في الثقات. وختم ترجمته بقوله: وفي الزهرة روى عنه البخاري خمسة وسبعين حديثاً ومسلم خمسمائة وستة وخمسين حديثاً.

الثالث: شيخ مسلم إسحاق بن إبراهيم: قال الحافظ في (التقريب): إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، أبو محمد بن راهويه المروزي، ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد بن حنبل. ذكر أبو داود أنه تغير قبل موته بيسير، مات سنة ثمان وثلاثين ـ أي بعد المائتين ـ وله اثنان وسبعون، ورمز لكونه من رجال الجماعة سوى ابن ماجه. وذكر الذهبي في (الميزان) وابن حجر في (تهذيب التهذيب) أن كنيته أبو يعقوب. وقال الخزرجي في (الخلاصة): الإمام الفقيه الحافظ العلم، ولد سنة إحدى وستين ومائة، عن معتمر بن سليمان والدراوردي وابن عيينة وبقية وابن علية، وخلق بالحجاز والشام والعراق وخراسان، وعنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وقال: ثقة مأمون أحد الأئمة. قال أحمد: لا أعلم لإسحاق نظيراً، إسحاق عندنا من أئمة المسلمين، وإذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمسك به. وقال الخفاف: أملى علينا إسحاق أحد عشر ألف حديث من حفظه ثم قرأها يعني في كتابه فما زاد ولا نقص.

الرابع: شيخ شيوخ البخاري وكيع: قال الحافظ في (التقريب): وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي ـ بضم الراء وهمزة ثم مهملة ـ أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد، من كبار التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ـ أي بعد المائة ـ وله سبعون سنة، ورمز لكونه من رجال الجماعة. وترجم له في (تهذيب التهذيب) في سبع صفحات، ذكر فيها عدداً ممن روى عنهم، وعدداً ممن رووا عنه، ومن الذين روى عنهم: أبوه وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وابن جريج، والأوزاعي، ومالك، وزكريا بن إسحاق، وزكريا بن أبي زائدة، وسفيان الثوري، وشعبة.

ومن الذين رووا عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وأحمد، وعليّ، ويحيى، وإسحاق، وابنا أبي شيبة، وأبو خيثمة، والحميدي، والقعنبي، وغيرهم. وذكر فيها كثيراً من ثناء الأئمة عليه، ومن ذلك: قول عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه: ((ما رأيت أوعى للعلم من وكيع ولا أحفظ منه)). وقول عليّ بن خشرم: ((رأيت وكيعاً، وما رأيت بيده كتاباً قط، إنما هو يحفظ، فسألته عن دواء الحفظ؟ فقال: ترك المعاصي، ما جربت مثله للحفظ)). وقول ابن سعد: ((كان ثقة مأموناً عالياً، رفيع القدر كثير الحديث حجّة)). وقول العجلي: ((كوفي ثقة عابد صالح أديب، من حفاظ الحديث وكان يفتي)). وقول إسحاق بن راهويه: ((كان حفظه طبعاً، وحفظنا بتكلف)).

الخامس: زكريا بن إسحاق: قال الحافظ في (التقريب): زكريا بن إسحاق المكي ثقة رمي بالقدر، من السادسة، ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في (تهذيب التهذيب): روى عن عمرو بن دينار، وأبي الزبير، وإبراهيم بن ميسرة، ويحيى بن عبد الله بن صيفي، وغيرهم. وعنه أزهر بن القاسم، وروح بن عبادة، وبشر بن السري، وابن المبارك، وعبد الرزاق، ووكيع، وأبو عامر العقدي، وأبو عاصم، وغيرهم.

ونقل توثيقه عن أحمد وابن معين وأبي داود وابن سعد ووكيع والبرقي والحاكم. وقال الذهبي في (الميزان): ثقة حجة مشهور. قال ابن معين: قدري ثقة. انتهى، ولم أقف لأحد على ذكر سنة وفاته.

السادس: يحيى بن عبد الله بن صيفي: قال الحافظ في (التقريب): يحيى بن عبد الله بن محمد بن صيفي المكي، ثقة من السادسة، ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في (تهذيب التهذيب): روى عن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام، وأبي معبد مولى ابن عباس، وأبي سلمة بن سفيان، وعتاب بن حنين، وسعيد بن جبير. وعنه ابن جريج، وإسماعيل بن أمية، وزكريا بن إسحاق، وعبد الله بن أبي نجيح، وغيرهم. ونقل توثيقه عن ابن معين والنسائي وابن سعد. ولم أقف لأحد على ذكر سنة وفاته.

السابع: أبو معبد واسمه نافذ: قال الحافظ في (التقريب): نافذ ـ بفاء ومعجمة ـ أبو معبد مولى ابن عباس المكي، ثقة من الرابعة مات سنة أربع ومائة، ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في (تهذيب التهذيب): نافذ أبو معبد مولى ابن عباس حجازي روى عن مولاه. وعنه عمرو بن دينار، ويحيى بن عبد الله بن صيفي، وأبو الزبير، وسليمان الأحول، والقاسم بن أبي بزة، وفرات القزاز. ونقل توثيقه عن أحمد وابن معين وأبي زرعة، وقال: وذكره ابن حبان في الثقات.

الثامن: ابن عباس رضي الله عنهما: وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي أبو العباس المكي ثم المدني ثم الطائفي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وحبر الأمة وفقيهها وترجمان القرآن، وهو أحد المكثرين في الصحابة من رواية الحديث، وأحد العبادلة الأربعة، مات في الطائف سنة ثمان وستين، وحديثه في الكتب الستة، وقد ذكرت ترجمته في رجال إسناد الحديث الثاني من الأحاديث التي اخترتها من صحيح البخاري.

التاسع: معاذ بن جبل رضي الله عنه: وهو أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي المدني، مات بالشام سنة ثمان عشرة، وحديثه في الكتب الستة. وقد ذكرت ترجمته في رجال إسناد الحديث السادس عشر من الأحاديث التي اخترتها من صحيح البخاري.

المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث:

(1) رجال الإسناد التسعة اتفق أصحاب الكتب الستة على إخراج حديثهم إلا شيخ البخاري أبا بكر بن أبي شيبة فلم يخرج حديثه الترمذي، وشيخه إسحاق بن إبراهيم بن راهويه فلم يخرّج له ابن ماجه.

(2) في الإسناد ثلاثة كوفيون وهم: أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب ووكيع، وأربعة مكيون وهم: زكريا بن إسحاق ويحيى بن عبد الله بن صيفي وأبو معبد وابن عباس.

(3) في الإسناد مولى من أعلى وهو: ابن عباس، ومولى من أسفل هو: أبو معبد، فالحديث من رواية مولى من أسفل عن مولى من أعلى.

(4) في الإسناد رجل وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث وهو: إسحاق بن راهويه، وصفه بذلك أحمد بن حنبل.

(5) في الإسناد ثلاثة اشتهروا بكناهم وهم: أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب محمد بن العلاء وأبو معبد مولى ابن عباس.

(6) وكيع في الإسناد غير منسوب وهو: ابن الجراح، ولا لبس في عدم نسبته لأنه ليس في رجال صحيح مسلم من يسمى بهذا الاسم غيره، بل جملة من يسمى وكيعاً في الكتب الستة ثلاثة: الأول وكيع بن الجراح وقد اتفقوا على إخراج حديثه، والثاني وكيع ابن عدس وهو من رجال الأربعة، والثالث وكيع بن محرز وهو من رجال ابن ماجه وحده.

(7) في الإسناد إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في (تهذيب التهذيب): وقال الآجري: سمعت أبا داود يقول: إسحاق بن راهويه تغير قبل أن يموت بخمسة أشهر، وسمعت منه في تلك الأيام فرميت به. انتهى. والحكم في رواية المختلط عند المحدثين قبول ما حدّث به قبل الاختلاط دون ما كان بعده. وقد قال النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم: واعلم أن ما كان من هذا القبيل محتجاً به في الصحيحين، فهو مما علم أنه أخذ قبل الاختلاط.

(8) في الإسناد صحابيان: ابن عباس ومعاذ رضي الله عنهما، فهو من رواية صحابي عن صحابي.

(9) قال في الإسناد أولاً: عن ابن عباس عن معاذ بن جبل ثم قال: قال أبو بكر: ربما قال وكيع عن ابن عباس أن معاذا قال.

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: هذا الذي فعله مسلم ـ رحمه الله ـ نهاية التحقيق والاحتياط والتدقيق، فإن الرواية الأولى قال فيها: (عن معاذ)، والثانية: (أن معاذا)، وبين (أنَّ) و(عن) فرق، فإن الجماهير قالوا: (أنَّ) (كـعن)، فيحمل على الاتصال. وقال جماعة: لا تلتحق (أنَّ) بـ (عن)، بل تحمل (أنَّ) على الانقطاع ويكون مرسلاً، ولكنه هنا يكون مرسل صحابي، له حكم المتصل على المشهور من مذاهب العلماء، ثم قال: فاحتاط مسلم ـ رحمه الله ـ وبيّن اللفظين، والله أعلم.

المبحث الرابع: شرح الحديث:

(1) هذا الحديث صدر به البخاري (كتاب الزكاة) و(كتاب التوحيد) من صحيحه، وصدر به أيضاً النسائي وابن ماجه (كتاب الزكاة) من سننهما، وتبعهم في ذلك بعض المصنفين في الحديث، كالحافظ عبد الغني المقدسي في (عمدة الأحكام)، والمجد بن تيمية في (منتقى الأخبار)، والحافظ ابن حجر في (بلوغ المرام)، والشيخ أحمد بن عبد الهادي المقدسي في (المحرر في الحديث)، والإمام البغوي في (مصابيح السنة) وغيرهم، ولعل ذلك لاشتمال هذا الحديث على فرضية الزكاة مع التحذير من الظلم فيها.

(2) قول معاذ رضي الله عنه: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم) بينت الروايات الأخرى أن بعثه هذا كان إلى اليمن وهو في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث في الموضع الثالث من مواضع إيراد البخاري هذا الحديث في (كتاب الزكاة): وكان بعث معاذ إلى اليمن سنة عشر قبل حج النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره المصنف ـ يعني البخاري ـ في أواخر المغازي، وقيل كان ذلك في أواخر سنة تسع عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من تبوك. رواه الواقدي بإسناده إلى كعب بن مالك، وأخرجه ابن سعد في الطبقات عنه، ثم حكى ابن سعد أنه كان في ربيع الآخر سنة عشر، وقيل: بعثه عام الفتح ستة ثمان، واتفقوا على أنه لم يزل على اليمن إلى أن قدم في عهد أبي بكر ثم توجه إلى الشام فمات بها، واختلف هل كان معاذا والياً أو قاضياً؟ فجزم ابن عبد البر بالثاني، والغساني بالأول. انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (فتح المجيد): ومن فضائل معاذ رضي الله  عنه أنه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن مبلغاً عنه ومفقهاً ومعلماً وحاكماً.

(3) قوله (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب): قال الحافظ في الفتح: هي كالتوطئة للوصية، لتستجمع همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة، فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان، وليس فيه أن جميع من يقدم عليهم من أهل الكتاب، بل يجوز أن يكون فيهم من غيرهم وإنما خصهم بالذكر تفضيلاً لهم على غيرهم.

(4) قوله (فادعهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وأني رسول الله)، وفي بعض الروايات (وأن محمداً رسول الله)، وفي بعضها (فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عزوجل)، وفي بعضها (إلى أن يوحدوا الله): ولا تنافي بينها فإن المراد بعبادة الله توحيده، وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وإنما بدئ بهما لأنهما أصل وأساس لغيرهما، فلا ينفع أي عمل بدونهما â !$uZ?BI?s%ur 4?n<I) $tB (#qè=IJt? ô`IB 9@yJt? çm»oYù=yèyfsù [?!$t6yd #·?qèWY¨B ? وجمع بينهما لتلازمهما وأنه لا تنفع واحدة منهما بدون الأخرى، فلابد للدخول في الإسلام من الإتيان بهما معاً. ولهذا جعلهما النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً واحداً وركناً أساسياً في أركان الإسلام الخمسة كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان)). متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. فهما معاً الركن الأول والأساسي في هذه الأركان الخمسة.

(5) قوله (فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة). عدى الفعل أطاع باللام، وهو يتعدى بنفسه لأنه ضمن معنى انقاد. واستدل بهذه الجملة على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع حيث دعوا إلى الإيمان فقط ثم دعوا إلى العمل، ورتب ذلك عليه بالفاء. وتعقب هذا الاستدلال بأن مفهوم الشرط مختلف في الاحتجاج به، وبأن الترتيب في الدعوة لا يستلزم الترتيب في الوجوب، كما أن الصلاة والزكاة لا ترتيب بينهما في الوجوب، وقد قدمت إحداهما على الأخرى في هذا الحديث ورتبت الأخرى عليها بالفاء، فلا يلزم من عدم الإتيان بالصلاة إسقاط الزكاة، وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال هذا أحدها، والثاني: أنهم مخاطبون بها، والثالث: أنهم مخاطبون من الفروع بالمنهي عنه دون المأمور به. وأرجحها أنهم مخاطبون بها مطلقاً وهم مطالبون بها، وبتقديم الشهادتين عليها لأنهما أصل بنفسهما وأساس لغيرهما، فيعذبون بسبب ترك الفروع علاوة على عذابهم بترك الأصول وقد قال الله تعالى: â ??ïI%©!$# (#r??x?x. (#r??|¹ur `t? E@?I6y? «!$# ?N?g»tR÷?I? $\/#x?t? s-?qsù E>#x?yè?9$# ?. وقال: â $tB ?O?3x6n=y? ?Iû t?s)y? C?EE (#q?9$s% ?Os9 à7tR ??IB tû,?j#|??J?9$# C??E ?Os9ur à7tR ?NIèôUçR tûü?3??IJ?9$# C??E $¨Zà2ur ??qè?wU y?tB tûü???¬!$s??:$# C?IE $¨Z?.ur U>Ej?s3çR IQ?qu?I/ EûïId?9$# C?IE #?¨Lym $oY9s?r& ?ûüE)u??9$# ?.

(6) قوله: بعد إعلامهم بفرضية الصلاة والزكاة (فإن هم أطاعوا لذلك) يحتمل أن المراد بالإطاعة: الإقرار والالتزام، ويحتمل الفعل. قال الحافظ في (الفتح): والذي يظهر أن المراد: القدر المشترك بين الأمرين، فمن امتثل بالإقرار أو الفعل كفاه أو بهما فأولى، وقد وقع في رواية الفضل بن العلاء بعد ذكر الصلاة (فإذا صلوا) وبعد ذكر الزكاة (فإذا أقروا فخذ منهم).

(7) ذكر في الحديث الفقراء دون المساكين. وفي آية قسمة الصدقات ذكرا معاً، وهما من الألفاظ التي إذا جمع بينهما في الذكر فرّق بينهما في المعنى، وإذا أفرد أحدهما عن الآخر كما في هذا الحديث، شمل معناهما جميعاً، فإذا فسر الفقير بأنه الذي لا يجد شيئًا وفسر المسكين بأنه الذي يجد بعض الكفاية مثلاً عند الجمع بينهما، فإنه في حالة ذكر الفقير وحده كما في هذا الحديث أو ذكر المسكين وحده يكون المذكور شاملاً لمن لا يجد شيئاً أو يجد بعض الكفاية.

(8) قوله (فإياك وكرائم أموالهم): (كرائم) منصوب بفعل مضمر وجوباً وهي جمع كريمة أي نفيسة، قيل: هي الجامعة للكمال الممكن في حقها من غزارة لبن، وجمال صورة، وكثرة لحم وصوف. وقيل: هي خيار المال وأنفسه وأكثره ثمناً. وقيل: هي ما يؤثر صاحب المال نفسه بها. وهذه الأقوال هي من اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، فلا تنافي بينها، وإنما حذّر صلى الله عليه وسلم من أخذ كرائم الأموال لأن الزكاة شرعت لمواساة الفقراء، فلا يناسب فيها الإجحاف بأموال الأغنياء بدون رضاهم.

(9) في الحديث: النهي عن أخذ كرائم الأموال، ولا تعرض فيه لما سواها وهو صنفان: وسط ورديء، فتجب من أوساط المال دون رديئه لحديث عبد الله بن معاوية الغاضري مرفوعاً وفيه: ((ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره)) رواه أبو داود والطبراني، وقد قال الله تعالى: â ?wur (#q?J£Ju?s? y]?I7y??9$# çm÷ZIB tbqà)I?Yè? ?.

(10) قوله (واتق دعوة المظلوم). أي اجعل بينك وبينها وقاية بالعدل وترك الظلم. والسر في ذكرها بعد التحذير من أخذ كرائم الأموال، الإشارة إلى أن أخذ الكرائم ظلم. وإنما جاء على هذا السياق للتحذير والتنفير من مطلق الظلم الشامل لما ذكر وغيره.

(11) قوله (فإنه ليس بينها وبين الله حجاب). أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع، والمراد: أنها مقبولة وإن كان عاصياً، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد مرفوعاً. دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً، ففجوره على نفسه. قال الحافظ في (الفتح): وإسناده حسن، وهو وإن كان مطلقاً فهو مقيد بالحديث الصحيح الدال على أن الداعي على ثلاث مراتب: إما أن يعجل له ما طلب، وإما أن يدخر له أفضل منه، وإما أن يدفع عنه من السوء مثله. وهذه الجملة التي ختم بها الحديث تعليل للاتقاء المأمور به في الجملة قبلها.

(12) لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ الصوم والحج، وهما من أركان الإسلام مع أن بعث معاذ رضي الله عنه  إلى اليمن كان في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد أجيب عن ذلك بأجوبة من أحسنها: ما ذكره الحافظ في (الفتح) عن شيخه شيخ الإسلام ـ والظاهر أنه أبو حفص عمر البلقيني ـ قال: إذا كان الكلام في بيان الأركان لم يخل الشارع منه شيء كحديث ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس))، فإذا كان في الدعاء إلى الإسلام اكتفى بالأركان الثلاثة: الشهادة والصلاة والزكاة، ولو كان بعد وجود فرض الصوم والحج كقوله تعالى: â bI*sù (#qç/$s? (#q?B$s%r&ur no4qn=¢?9$# (#âqs?#u?ur no4q?2¨?9$# ? في موضعين من براءة، مع أن نزولها بعد فرض الصوم والحج قطعاً، وحديث ابن عمر أيضاً: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة))، وغير ذلك من الأحاديث. قال: والحكمة في ذلك أن الأركان الخمسة اعتقادي وهو الشهادة، وبدني وهو الصلاة، ومالي وهو الزكاة، فاقتصر في الدعاء إلى الإسلام عليها لتفرع الركنين الأخيرين عليها، فإن الصوم بدني محض والحج بدني مالي أيضاً، فكلمة الإسلام هي الأصل وهي شاقة على الكفار، والصلوات شاقة لتكررها، والزكاة شاقة لما في جبلة الإنسان من حب المال، فإذا أذعن المرء لهذه الثلاثة كان ما سواها أسهل عليه بالنسبة إليها، والله أعلم.

(13) من فقه الحديث وما يستنبط منه:

(1) بعث الإمام الدعاة إلى دين الله سبحانه وتعالى.

(2) دعوته صلى الله عليه وسلم  إلى الدين بنفسه وبواسطة رسله.

(3) رسم الخطة للدعاة إلى الإسلام.

(4) تنبيه الداعي إلى أحوال المدعوين للاستعداد لهم وأخذ الحيطة قبل لقائهم.

(5) أن أول شيء يدعى إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

(6) أنه يبدأ في الدعوة بالأهم فالأهم.

(7) أنه لابد في الدخول في الإسلام من الإتيان بالشهادتين معاً فلا تكفي واحدة منهما بدون الأخرى.

(8) أن الكفار يدعون إلى التوحيد قبل القتال.

(9) أن أساس دين الإسلام الإقرار لله بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة.

(10) أنه لا يشترط للدخول في الإسلام التلفظ بالتبرؤ من كل دين يخالف الإسلام لأن النطق بالشهادتين مستلزم لذلك.

(11) تدرج الداعي والمعلم في الدعوة والتعليم.

(12) قبول خبر الواحد العدل ووجوب العمل به.

(13) بيان عظم شأن الصلاة وأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.

(14) أن الصلوات الخمس تجب في كل يوم وليلة.

(15) أن الوتر ليس بواجب.

(16) بعث الإمام العمال لجباية الزكاة.

(17) عظة الإمام عماله وأمرهم بتقوى الله وتحذيرهم من الظلم.

(18) أن الزكاة أوجب أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة.

(19) أن صرف الزكاة في مصارفها إلى الإمام أو من ينيبه.

(20) التعبير بقوله (تؤخذ من أغنيائهم)، يفيد أنه إذا لم يقم بدفعها أُخذت منه قهراً.

(21) أن الزكاة لا تدفع إلى كافر غير المؤلف قلبه.

(22) جواز دفع الزكاة إلى صنف واحد.

(23) الإشارة إلى الفرق بين الغني والفقير، وأن الغني من تؤخذ منه الزكاة والفقير من تدفع إليه الزكاة.

(24) أنه لا زكاة على الفقير.

(25) الاقتصار على ذكر الفقراء يفيد أن حقهم في الزكاة آكد من حق غيرهم من بقية الأصناف.

(26) وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون.

(27) إطلاق لفظ الصدقة على الزكاة المفروضة.

(28) إضافة الأموال إلى الأغنياء والنهي عن أخذ الكرائم منها يفيد التمليك التام لهم وأنها حرام على غيرهم بدون رضاهم.

(29) المنع من أخذ المصدق خيار المال في الصدقة من غير رضا صاحب المال.

(30) أن أخذ المصدق خيار المال بدون رضا صاحبه ظلم.

(31) التنبيه إلى المنع من جميع أنواع الظلم.

(32) بيان عظم تحريم الظلم وأن عاقبته وخيمة.

(33) أن للمظلوم أن يدعو على من ظلمه.

(34) أن دعوة المظلوم مستجابة.

(35) أن المال إذا تلف قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة.

(36) الإشارة إلى أن من تجاوز ما جاء به الشرع وصف بالظلم.

(37) فضل معاذ بن جبل رضي الله عنه.

(38) أن الزكاة تصرف في فقراء البلد الذي أخذت من أغنيائه لقوله (في فقرائهم) وتعقب بأن الضمير للمسلمين فلا مانع من نقلها إلى بلد آخر، ولا شك في أولوية فقراء بلد المال إذا كانوا أشد حاجة من غيرهم.

(39) أن الكفار غير مخاطبين بالفروع، وقد تعقب هذا الاستدلال كما تقدم.

(40) أن من ملك نصاباً لا يعطى من الزكاة.

 

 



بحث عن بحث