حديث: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)

 

قال البخاري ـ رحمه الله ـ في (كتاب فضائل القرآن) من صحيحه.

حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة قال أخبرني علقمة بن مرثد سمعت سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، قال: وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج، قال: وذلك الذي أقعدني مقعدي هذا، حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)).

 

المبحث الأول/ التخريج:

انفرد البخاري عن مسلم في إخراج هذا الحديث فرواه من هذين الطريقين في (باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

ورواه أبو داود في سننه في (كتاب الصلاة، باب في ثواب قراءة القرآن) ولفظه: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).

ورواه الترمذي في جامعه في أبواب (فضائل القرآن، باب ما جاء في تعليم القرآن) فقال: حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود أنبأنا شعبة أخبرني علقمة بن مرثد قال سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن أبي عبد الرحمن عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). قال أبو عبد الرحمن: فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا، وعلم القرآن في زمن عثمان حتى بلغ الحجاج بن يوسف، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، حدثنا محمود بن غيلان حدثنا بشر بن السري حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم ـ أو أفضلكم ـ من تعلم القرآن وعلمه))، هذا حديث حسن صحيح، هكذا روى عبد الرحمن بن مهدي وغير واحد عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسفيان لا يذكر فيه (عن سعد بن عبيدة)، وقد روى يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث عن سفيان وشعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، حدثنا بذلك محمد بن بشار، وحدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان وشعبة، قال محمد بن بشار: وهكذا ذكره يحيى بن سعيد عن سفيان وشعبة غير مرة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال محمد بن بشار: وأصحاب سفيان لا يذكرون فيه (عن سفيان عن سعد بن عبيدة)، قال محمد بن بشار: وهو أصح. قال أبو عيسى: وقد زاد شعبة في إسناد هذا الحديث سعد بن عبيدة، وكأنَّ حديث سفيان أصح، قال عليّ بن عبد الله: قال يحيى بن سعيد: ((ما أحد يعدل عندي شعبة وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان)). قال أبو عيسى: سمعت أبا عمار يذكر عن وكيع قال: قال شعبة: سفيان أحفظ مني وما حدثني سفيان عن أحد بشيء إلا وجدته كما حدثني، وفي الباب عن علي وسعد.

ورواه ابن ماجه في أوائل سننه في (باب: فضل من تعلم القرآن وعلمه) فقال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا شعبة وسفيان عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال شعبة: خيركم، وقال سفيان: ((أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه))، حدثنا عليّ بن محمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)).

ورواه الدارمي في سننه في (كتاب فضائل القرآن، باب خياركم من تعلم القرآن وعلمه) بمثل الإسناد الأول ـ عند البخاري ـ ومتنه: ((إن خيركم من علم القرآن أو تعلمه))، قال: أقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج، قال: ذلك أقعدني مقعدي هذا.

ورواه الإمام أحمد في (المسند) فقال: حدثنا وكيع حدثنا سفيان وعبد الرحمن عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه))، وقال: حدثنا محمد بن حعفر وبهز وحجاج قالوا: حدثنا شعبة قال: سمعت علقمة بن مرثد يحدث عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن خيركم من علم القرآن أو تعلمه))، قال محمد بن حعفر وحجاج: فقال أبو عبد الرحمن: فذاك الذي أقعدني هذا المقعد. قال حجاج قال شعبة: ولم يسمع أبو عبد الرحمن من عثمان ولا من عبد الله، ولكن قد سمع من عليّ قال عبد الله بن أحمد: قال أبي، وقال بهز: عن شعبة قال علقمة بن مرثد: أخبرني، وقال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، حدثنا عفان حدثنا شعبة أخبرني علقمة بن مرثد وقال فيه: ((من تعلم القرآن أو علمه))، وقال حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان وشعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال سفيان: أفضلكم، وقال شعبة: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).

وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة بمثل إسناد البخاري ومتنه وقال فيه: قال أبو عبد الرحمن: فذاك أقعدني مقعدي هذا.

وأخرجه الخطيب البغدادي في ترجمة أحمد بن محمد الأدمي بإسنادين إلى أبي نعيم الفضل بن دكين عن موسى الفراء عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن عن عثمان ولفظه: ((خياركم ـ أو أفضلكم ـ من تعلم القرآن وعلمه))، ورواه في ترجمة أحمد بن الحسين أبي زرعة الرازي بإسناده إلى أبي حنيفة ومسعر وسفيان وشعبة وقيس وغيرهم عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان، ولفظه: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وفي ترجمة عبد الوهاب بن عثمان المخبزي بإسناده إلى قيس بن الربيع عن علقمة عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان بلفظ الذي قبله.

وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) في ترجمة أبي عبد الرحمن السلمي بإسنادين إلى شعبة عن علقمة عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان، رواه عن شعبة فيهما سليمان بن حرب وحجاج ويعلى بن عباد وداود بن المحبر، ولفظه: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، قال أبو عبد الرحمن: فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا، ثم قال أبو نعيم: هذا حديث صحيح متفق عليه، رواه عن شعبة يحيى بن سعيد القطان ويزيد بن زريع ويعقوب الحضرمي والناس. ورواه الثوري عن علقمة، واختلف فيه فرواه وكيع وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق وأبو نعيم والفريابي وعامة أصحابه عن علقمة عن أبي عبد الرحمن من دون سعد، ورواه يحيى بن سعيد القطان عنه مقروناً بشعبة بإدخال سعد بن علقمة وأبي عبد الرحمن، وممن وافق شعبة والثوري عليه قيس بن الربيع ومحمد بن أبان الجعفي ومسعر من رواية خلف بن ياسين عن أبيه عنه. وممن رواه عن علقمة من دون سعد: عمرو بن قيس الملائي والجراح بن الضحاك ومسعر بن كدام من رواية محمد بن بشر عنه، وعبد الله بن عيسى بن أبي يعلى والربيع بن المركس وموسى الفراء وعمرو بن النعمان الحضرمي وأبو اليسع وسعدان بن يزيد اللخمي وأيوب عن جابر وسلمة بن صالح وعثمان بن مقسم البري. وممن رواه عن أبي عبد الرحمن السلمي سوى سعد وعلقمة: الحسنُ بن عبد الله النخعي وأبو عبد الأعلى الثعلبي وعبد الملك بن عمير وعبد الكريم وعطاء بن السائب وعاصم بن أبي النجود، واختلف على عاصم فيه فرواه أبو نعيم ويحيى السحيلي وغيرهما عن شريك عن عاصم عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود، ورواه حيوة بن المغلس عن شريك عن عاصم عن أبي عبد الرحمن عن عثمان.

وللحديث شواهد من حديث عبد الله بن عمرو، أخرجه الخطيب في ترجمة أحمد بن إبراهيم أبي بكر البزار، ومن حديث عليّ رضي الله عنه أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في (زوائد المسند)، والترمذي في جامعه، والدارمي في سننه. ومن حديث سعد بن أبي وقاص أخرجه ابن ماجه والدارمي في سننه.

ومن شواهده أيضاً ما ذكره أبو نعيم في (الحلية) في ترجمة أبي عبد الرحمن السلمي بعد إيراد من رواه منتهيا إلى أبي عبد الرحمن قال: وممن رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: عثمان وعليّ وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة وأبو أمامة وأنس بن مالك، ورواه عن عليّ: النعمان والحسين بن سعد، ورواه عن سعد بن أبي وقاص ابنه مصعب، ورواه عن أبي هريرة أبو سلمة، ورواه عن أبي أمامة الشعبي، ورواه عن أنس سليمان التيمي وأبو هدبة. انتهى.

ومن شواهده أيضاً ما أخرجه أبو نعيم في (الحلية) من حديث أنس رضي الله عنه في ترجمة سليمان بن طرخان التيمي، وأخرجه الطبراني في (الصغير) ذكره في (مجمع الزوائد) وقال: وفيه محمد بن سنان القزاز وثقه الدار قطني وضعفه جماعة. ومنها ما أخرجه الخطيب البغدادي من حديث عبد الله بن مسعود في ترجمة محمد بن بكير بن واصل الحضرمي، وأخرجه الطبراني في (الكبير) و(الأوسط) ذكره في (مجمع الزوائد) وقال: وإسناده فيه شريك وعاصم وكلاهما ثقة وفيهما ضعف.

 

المبحث الثاني/ التعريف برجال الإسناد:

الأول: شيخ البخاري في الإسناد حجاج بن منهال: قال الحافظ في (التقريب): حجاج بن المنهال الأنماطي أبو محمد السلمي مولاهم البصري، ثقة فاضل، من التاسعة، مات سنة ست عشرة أو سبع عشرة ـ أي بعد المائتين ـ، ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في (تهذيب التهذيب): روى عن جرير بن حازم، والحمادين، وشعبة، وعبد العزيز الماجشون، وهمام، ويزيد بن إبراهيم التستري، وغيرهم. وعنه البخاري، وروى له الباقون بواسطة الدارمي، وبندار، وأبو موسى، وصاعقة، والخلال، وأناس آخرون سماهم، ونقل توثيقه عن أحمد، وأبي حاتم، والعجلي، والنسائي، وابن سعد، وابن قانع.

الثاني: شعبة ـ وهو ابن الحجاج أبو بسطام البصري ـ تقدم في رجال إسناد الحديث العاشر.

الثالث: علقمة بن مرثد: قال الحافظ في (التقريب): علقمة بن مرثد ـ بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة ـ الحضرمي، أبو الحارث الكوفي، ثقة، من السادسة، ورمز لكونه من رجال الجماعة.

وقال الخزرجي في (الخلاصة): روى عن أبي عبد الرحمن السلمي وسويد بن غفلة، وعنه مسعر وشعبة والثوري. وقال المقدسي في (الجمع بين رجال الصحيحين): سمع سعد بن عبيدة عندهما ـ يعني البخاري ومسلم ـ. ونقل في (تهذيب التهذيب) توثيقه عن النسائي، ويعقوب بن سفيان، وذكره ابن حبان في (الثقات)، ولم أقف لأحد على ذكر سنة وفاته، وإنما قال الحافظ في (تهذيب التهذيب): وقال خليفة بن خياط: توفي في آخر ولاية خالد القسري على العراق. انتهى. وكانت نهاية ولايته على العراق سنة عشرين ومائة كما في (البداية والنهاية) لابن كثير.

الرابع: سعد بن عبيدة: قال الحافظ في (التقريب): سعد بن عبيدة السلمي أبو حمزة الكوفي، ثقة، من الثالثة، مات في ولاية عمر بن هبيرة على العراق، ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال المقدسي في (الجمع بين رجال الصحيحين): سعد بن عبيدة أبو حمزة السلمي ختن أبي عبد الرحمن، سمع ابن عمر، والبراء بن عازب، وأبا عبد الرحمن عندهما، والمستورد عند مسلم. روى عنه منصور، والأعمش، وحصين بن عبد الرحمن، وعلقمة بن مرثد عندهما. ونقل الحافظ في (تهذيب التهذيب) توثيقه عن ابن معين، والنسائي، وابن سعد، والعجلي، ولم أقف لأحد على ذكر سنة وفاته.

الخامس: أبو عبد الرحمن السلمي، اسمه عبد الله بن حبيب: قال الحافظ في (التقريب): عبد الله بن حبيب بن ربيعة ـ بفتح الموحدة وتشديد الياء ـ أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي، المقرى، مشهور بكنيته، ولأبيه صحبة، ثقة ثبت، من الثانية، مات بعد السبعين، ورمز لكونه من رجال الجماعة.

وقال في (تهذيب التهذيب): روى عن عمر، وعثمان، وعليّ، وسعد، وعن جماعة من الصحابة سماهم، وعنه إبراهيم النخعي، وعلقمة بن مرثد، وسعد بن عبيدة، وأناس آخرون سماهم. ونقل توثيقه عن العجلي، والنسائي، ومحمد بن عمر. وقول ابن عبد البر: هو عند جميعهم ثقة. وقال في (تهذيب التهذيب): قال أبو إسحاق السبيعي: ((أقرأ القرآن في المسجد أربعين سنة))، وقال عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن: ((صمت لله ثمانين رمضان)).

السادس: صحابي الحديث أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه: قال الحافظ في (التقريب): عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي، أمير المؤمنين، ذو النورين، أحد السابقين الأولين، والخلفاء الأربعة، والعشرة المبشرة، استشهد في ذي الحجة بعد عيد الأضحى سنة خمس وثلاثين، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة وعمره ثمانون، وقيل أكثر وقيل أقل، ورمز لكون حديثه في الكتب الستة.

وقال الخزرجي في (الخلاصة): أبو عمرو المدني، ذو النورين، وأمير المؤمنين، ومجهز جيش العسرة، وأحد العشرة، وأحد الستة، هاجر الهجرتين، له مائة وستة وأربعون حديثاً، اتفقا على ثلاثة، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بخمسة، وعنه أبناؤه أبان وسعيد وعمرو وأنس ومروان بن الحكم وخلق، غاب عن بدر لتمريض ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهم، قال ابن عمر: ((كنا نقول على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان))، وقال ابن سيرين: ((كان يحيي الليل كله بركعة))، وذكر الحافظ في مقدمة الفتح أن له عند البخاري تسعة أحاديث.

وقال المقدسي في (الجمع بين رجال الصحيحين): أبو عبد الله يكنى بابنه من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال أبو عمر. وقال الحافظ في (تهذيب التهذيب): وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس أسلمت، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد بعد الفيل بست سنين على الصحيح، وكان ربعة حسن الوجه، رقيق البشرة، عظيم اللحية، بعيد ما بين المنكبين. وقال: وزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته رقية عثمان، وماتت عنده في أيام بدر، فزوجه بعدها أختها أم كلثوم، فلذلك كان يلقب ذا النورين. وقال: وجاء من أوجه متواترة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة، وعدّه من أهل الجنة وشهد له بالشهادة. وروى أبو خيثمة في (فضائل الصحابة) من طريق الضحاك عن النـزال بن سبرة: قلنا لعليّ: حدثنا عن عثمان، قال: ((ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذا النورين))، وقال: ((وهو أوّل من هاجر إلى الحبشة ومعه زوجته رقية، تخلف عن بدر لتمريضها، فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، وتخلف عن بيعة الرضوان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعثه إلى مكة فأشيع أنهم قتلوه، فكان ذلك سبب البيعة فضرب إحدى يديه على الأخرى وقال: هذه عن عثمان))، وقال ابن مسعود لما بويع: ((بايعنا خيرنا ولم نأل))، وقال عليّ: ((كان عثمان أوصلنا للرحم))، وكذا قالت عائشة لما بلغها قتله: ((قتلوه، وإنه لأوصلهم للرحم وأتقاهم للرب)).

وقد قال الذهبي في (تذكرة الحفاظ): ذو النورين، ومن تستحي منه الملائكة، ومن جمع الأمة على مصحف واحد وقت الاختلاف، ومن افتتح نوابه إقليم خراسان وإقليم المغرب، وكان من السابقين الصادقين القائمين الصائمين المنفقين في سبيل الله، وممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وزوّجه بابنتيه رقية وأم كلثوم y أجمعين. وقال: وكان ممن جمع بين العلم والعمل والصيام والتهجد والإتقان والجهاد في سبيل الله وصلة الأرحام. انتهى.

أما بقية رجال الإسناد الثاني ممن لم يتقدم ذكرهم في الإسناد الأول:

فالأول: شيخ البخاري أبو نعيم ـ وهو الفضل بن دكين ـ: قال الحافظ في (التقريب): الفضل بن دكين الكوفي، واسم دكين عمرو بن حماد بن زهير التيمي مولاهم، الأحول، أبو نعيم الملائي ـ بضم الميم ـ مشهور بكنيته، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة ثمان عشرة وقيل تسع عشرة ـ أي بعد المائتين ـ وكان مولده سنة ثلاثين ـ أي بعد المائة ـ وهو من كبار شيوخ البخاري، ورمز لكونه من رجال الجماعة، وترجمته في (تهذيب التهذيب) تبلغ ست صفحات فيها الكثير من ثناء الأئمة عليه.

وقال الحافظ في مقدمة الفتح: الفضل بن دكين، أبو نعيم الكوفي، أحد الأثبات، قرنه أحمد بن حنبل في التثبت بعبد الرحمن بن مهدي، وقال: كان أعلم بالشيوخ من وكيع، وقال مرة: كان أقل خطأ من وكيع، والثناء عليه في الحفظ والتثبت إلاّ أن بعض الناس تكلم فيه بسبب التشيع، ومع ذلك فصح عنه أنه قال: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية احتج به الجماعة.

والثاني: سفيان، وهو الثوري، تقدم في رجال إسناد الحديث الثامن.

 

المبحث الثالث/ لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث:

(1) رجال الإسنادين الثمانية خرّج حديثهم أصحاب الكتب الستة.

(2) رجال الإسنادين الثمانية كوفيون إلاّ عثمان رضي الله عنه فهو مدني، وإلاّ حجاج بن منهال وشيخه شعبة فهما بصريان.

(3) ثلاثة من رجال الإسناد الأول نسبة كل منهم (السلمي)، وحجاج بن منهال مولاهم، وسعد بن عبيدة كما أنه يوافق شيخه أبا عبد الرحمن السلمي في هذه النسبة يوافقه أيضاً في كونه مثله من أهل الكوفة، وهو زوج ابنة أبي عبد الرحمن السلمي.

(4) أبو عبد الرحمن السلمي اشتهر بكنيته، واسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة كما تقدم.

(5) الإسناد الأول: اشتمل على أربع من صيغ الأداء وهي: التحديث والإخبار والسماع والعنعنة، والإسناد الثاني: اشتمل على صيغتي التحديث والعنعنة.

(6) علقمة بن مرثد له في صحيح البخاري ثلاثة أحاديث فقط، هذا أحدها والثاني في (كتاب الجنائز)، والثالث في (مناقب الصحابة)، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث في (فتح الباري).

(7) في الإسناد تابعيان وهما: أبو عبد الرحمن السلمي وصهره سعد بن عبيدة، والراوي عن سعد هو علقمة بن مرثد، وقد قال عنه الحافظ في (الفتح): وهو من ثقات أهل الكوفة من طبقة الأعمش. انتهى. والأعمش من صغار التابعين، وقد أدرك علقمة زمن الصحابة إذ كانت وفاته في آخر ولاية خالد القسري على العراق، وكان آخر ولايته سنة عشرين بعد المائة، فإن ثبت لقاؤه أحداً من الصحابة كان عدد التابعين في هذا الإسناد ثلاثة.

(8) هذا الحديث أحد الأحاديث التي انتقدها الحفاظ على البخاري في صحيحه والبالغ عددها مائة وعشرة أحاديث كما تقدم.

وقد انتقده الدار قطني من وجهين: أحدهما كون شعبة زاد في الإسناد الأول سعد بن عبيدة بن علقمة وأبي عبد الرحمن، ورواه سفيان عن علقمة عن أبي عبد الرحمن دون زيادة سعد، قال الدار قطني كما في مقدمة الفتح: أخرج البخاري حديث الثوري عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وأخرجه أيضاً من حديث شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان وقال فيه: وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج، قال الدار قطني: فقد اختلف شعبة والثوري في إسناده فأدخل شعبة بين علقمة وبين أبي عبد الرحمن سعد بن عبيدة، وقد تابع شعبة على زيادته من لا يحتج به، وتابع الثوري جماعة ثقات.

الوجه الثاني من وجهي الانتقاد: ما ذكر من أن أبا عبد الرحمن السلمي لم يسمع من عثمان كما تقدم عن الترمذي في التخريج، قال الدار قطني كما في مقدمة الفتح أيضاً: وقال حجاج بن محمد عن شعبة: لم يسمع أبو عبد الرحمن من عثمان شيئاً.

وقد أشار إلى هذين الوجهين الحافظ في (الفتح) فقال: قوله عن سعد بن عبيدة، كذا يقول شعبة، يدخل بن علقمة بن مرثد وأبي عبد الرحمن( سعد بن عبيدة)، وخالفه سفيان الثوري فقال: عن علقمة عن أبي عبد الرحمن ولم يذكر سعد بن عبيدة، وقد أطنب الحافظ أبو العلاء العطار في كتابه (الهادي في القرآن) في تخريج طرقه، فذكر ممن تابع شعبة ومن تابع سفيان جمعاً كثيراً، وأخرجه أبو بكر بن أبي داود في أول (الشريعة) له وأكثر من تخريج طرقه أيضاً، ورجّح الحفاظ رواية الثوري وعدّوا رواية شعبة من المزيد في متصل الأسانيد. وقال الترمذي: كأن رواية سفيان أصح من رواية شعبة، وقال: وقد قال أحمد حدثنا حجاج بن محمد عن شعبة قال: لم يسمع أبو عبد الرحمن السلمي من عثمان، ونقل ابن أبي داود عن يحيى بن معين مثل ما قال شعبة، وذكر الحافظ أبو العلاء أن مسلماً سكت عن إخراج هذا الحديث في صحيحه. انتهى.

والجواب عن الوجه الأول: ما قاله الحافظ ابن حجر في (الفتح): وأما البخاري فأخرج الطريقين فكأنه ترجح عنده أنهما جميعاً محفوظان، فيحمل على أن علقمة سمعه أولاً من سعد ثم لقي أبا عبد الرحمن فحدثه به، أو سمعه مع سعد من أبي عبد الرحمن فثبته فيه سعد، وقد أجاب بنحو هذا في مقدمة الفتح أيضاً.

والجواب عن الوجه الثاني من وجوه:

الأول: قال الحافظ في مقدمة الفتح: وأما كون أبي عبد الرحمن لم يسمع من عثمان فيما زعم شعبة، فقد أثبت غيره سماعه عنه وقال البخاري في (التاريخ الكبير): سمع من عثمان، والله أعلم.

الثاني: قال الحافظ في (الفتح): قلت: قد وقع في بعض الطرق التصريح بتحديث عثمان لأبي عبد الرحمن، وذلك فيما أخرجه ابن عدي في ترجمة عبد الله بن محمد بن أبي مريم من طريق ابن جريج عن عبد الكريم عن أبي عبد الرحمن حدثني عثمان وفي إسناده مقال.

الثالث: قال الحافظ في (الفتح) عقب ذكر الذي قبله مباشرة: لكن ظهر لي أن البخاري اعتمد في وصله وفي ترجيح لقاء أبي عبد الرحمن لعثمان على ما وقع في رواية شعبة عن سعد بن عبيدة من الزيادة، وهي أن أبا عبد الرحمن أقرأ من زمن عثمان إلى زمن الحجاج، وأن الذي حمله على ذلك هو الحديث المذكور، فدل على أنه سمعه في ذلك الزمان، وإذا سمعه في ذلك الزمان ولم يوصف بالتدليس اقتضى ذلك سماعه ممن عنعنه عنه وهو عثمان رضي الله عنه، ولاسيما مع ما اشتهر بين القراء أنه قرأ القرآن على عثمان، وأسندوا ذلك عنه من رواية عاصم بن أبي النجود وغيره، فكان هذا أولى من قول من قال: إنه لم يسمع منه.

 

المبحث الرابع/ شرح الحديث:

(1) قوله (خيركم من تعلم القرآن وعلمه): خيركم: أفعل تفضيل، حذفت الهمزة من أوله وقد تقدم في الحديث الحادي عشر أنها تأتي اسماً في مقابل الشر ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين))، وترد أفعل تفضيل! ومنه قول السائل في الحديث الحادي عشر: أي الإسلام خير؟، ومثله قوله هنا: خيركم من تعلم القرآن وعلمه.

(2) قوله (خيركم من تعلم القرآن وعلمه): قال المناوي في (فيض القدير): أي خير المتعلمين والمعلمين من كان تعلمه وتعليمه في القرآن، إذ خير الكلام كلام الله، فكذا خير الناس بعد النبيين من اشتغل به. وقال القاري في (المرقاة) كما نقله المباركفوري في (تحفة الأحوذي): ولا يتوهم أن العمل خارج عنهما، لأن العلم إذا لم يكن مورثاً للعمل ليس علماً في الشريعة إذ أجمعوا على أن من عصى الله فهو جاهل. انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): لا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره، جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي ولهذا كان أفضل، وهو من جملة من عَنى سبحانه وتعالى بقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}فصلت33، والدعاء إلى الله يقع بأمور شتى من جملتها تعليم القرآن وهو أشرف الجميع، وعكسه الكافر المانع لغيره من الإسلام كما قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا}الأنعام157، فإن قيل: فيلزم على هذا أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه؟ قلنا: لا، لأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاء النفوس، لأنهم كانوا أهل اللسان فكانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر مما يدري من بعدهم بالاكتساب، فكان الفقه لهم سجية، فمن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك، لا من كان قارئاً أو مقرئاً محضاً لا يفهم شيئاً من معاني ما يقرؤه أو يقرئه، فإن قيل: فيلزم أن يكون المقرئ أفضل ممن هو أعظم غناء في الإسلام بالمجاهدة، والرباط، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلاً؟ قلنا: حرف المسألة يدور على النفع المتعدي، فمن كان حصوله عنده أكثر كان أفضل، فلعل (من) مضمرة في الخبر، ولابد مع ذلك من مراعاة الإخلاص في كل صنف منهم، ويحتمل أن تكون الخيرية وإن أطلقت لكنها مقيدة بناس مخصوصين خوطبوا بذلك كان اللائق بحالهم ذلك، أو المراد خير المتعلمين من يعلم غيره لا من يقتصر على نفسه، أو المراد مراعاة الحيثية لأن القرآن خير الكلام، فمتعلمه خير من متعلم غيره بالنسبة إلى خيرية القرآن، وكيفما كان فهو مخصوص بمن علم وتعلم بحيث يكون قد علم ما يجب عليه عينا. انتهى.

(3) قوله (قال: وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج): أي حتى ولي الحجاج على العراق، قال الحافظ ابن حجر: بين أول خلافة عثمان وآخر ولاية الحجاج اثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر، وبين آخر خلافة عثمان وأول ولاية الحجاج للعراق ثمان وثلاثون سنة، ولم أقف على تعيين ابتداء إقراء أبي عبد الرحمن وآخره، فالله أعلم بمقدار ذلك، ويعرف من الذي ذكرته أقصى المدة وأدناها، والقائل: وأقرأ أبو عبد الرحمن هو: سعد بن عبيدة، فإنني لم أر هذه الزيادة إلا من رواية شعبة عن علقمة. انتهى.

(4) قوله (قال: وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا) القائل هو أبو عبد الرحمن السلمي، والمعنى أن الحديث الذي حدث به عثمان في أفضلية من تعلم القرآن وعلمه حمل أبا عبد الرحمن أن قعد يعلم الناس القرآن لتحصيل تلك الفضيلة، قاله الحافظ ابن حجر في (فتح الباري).

(5) من فقه الحديث، وما يستنبط منه:

(1) الحث على تعلم القرآن وتعليمه. 

(2) بيان فضل من تعلم القرآن وعلمه.

(3) تنبيه العالم إلى نفع غيره بما علمه.

(4) بيان ما كان عليه سلف هذه الأمة من اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والعمل بالعلم، إذ أن أبا عبد الرحمن جلس لإقراء القرآن عملاً بهذا الحديث الذي بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقبله أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه راوي هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن من أعظم مناقبه جمع القرآن ليتيسر للناس قراءته وإقراؤه، وكان تالياً لكتاب الله حتى في آخر لحظاته رضي الله عنه، فإن الأوباش الذين قتلوه، قتلوه وهو يتلو القرآن، وذكر أنه كان عند قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}البقرة137، كما في الأثر الذي أورده ابن كثير في تفسيره لهذه الآية من سورة البقرة.



بحث عن بحث