خصائص قيم الإسلام الخلقية ( 6- 10).

 

 

المعيارية وقيم الإسلام الخلقية:

إن المعيار الذي تقاس به الأقوال والأفعال في الإسلام هو الوحي بأوامره ونواهيه وتشريعاته وتوجيهاته وآدابه, فبه توزن الأعمال, ويتميز الصالح منها من غيره, وما يحمد وما يذم, وما هو مستحق للثواب وما هو مستحق للعقاب.

هذا على تعريف المعيار باعتباره المقياس لما ينبغي أن تكون عليه الأفعال.

أما المعيارية من حيث طبيعة البحث والدراسة فإن المتأمل في قيم الإسلام الخلقية في الكتاب والسنة يرى أنها توضح الطريق، وترسم السبيل للسلوك المستقيم, والخلق القويم, وأنها تسعى إلى رفع الإنسان وتكميله وتحديد وجهته, وبيان غاية جهده وبذله, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) [المائدة:1], وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء: 58],وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119],وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) [النحل:90],وقال تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء: 215], إلى غير ذلك من الآيات.

ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه,ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)(1), وقال عليه الصلاة والسلام: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) (2), وهكذا في غالب أوامر الإسلام الخلقية وتوجيهاته, فهي لا تصف المجتمع بل تبين ما يجب أن يكون عليه وهذا ما يقصد بالمعيارية.

وإذا كان هناك بعض الآيات أو الأحاديث في وصف سلوك المجتمع المسلم أو بعض أفراده, فإنما هو للثناء على ذلك الفرد أو المجتمع من جهة, وباعتباره غاية ما يمكن أن يصل إليه الكمال الإنساني من جهة أخرى كما اثنى الله تعالى على الأنصار في قوله: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ ) [الحشر:9], قال ابن جرير(3): يصف الأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين, ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم حاجة وفاقة إلى ما آثروا به من أموالهم على أنفسهم(4).

وفي الترغيب في الجهاد والبذل في سبيل الله, يثني الله تعالى على طائفة من المؤمنين في قوله: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ) [التوبة:91-92].

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينبعثوا غازين، فجاءت عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل المزني(5)، فقالوا‏:‏ يا رسول الله احملنا‏؟‏ فقال ‏"‏والله ما أجد ما أحملكم عليه‏.‏ فتولوا وهم يبكون وعز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد، ولا يجدون نفقة ولا محملا‏.‏, فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله أنزل الله عذرهم في كتابه) (6), والحق أن هذا الموقف العظيم غاية الجهد وغاية الوسع مع عدم الجدة وفقد النفقة.

وبالجملة في صور لما كان, وفي الوقت نفسه نماذج لما يجب أن يكون ولا سيما والإشارة فيها إلى المواقف والأحداث لا إلى الأعيان والأشخاص, كما أن الله تعالى أرشد إلى الاعتبار بهذه المواقف والتأسي والاقتداء بأهلها, كما قال تعالى بعد أن اثنى على المهاجرين والأنصار بسبقهم إلى الخير: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [التوبة:100].

والخلاصة أن قيم الإسلام الخلقية صفات سلوكية مستندة إلى معيار مستقيم وواضح وهو الوحي, مما يمنحها الاستقرار والثبات والقدرة على الاتقاء بالإنسان.

ومن آثار ذلك أن وجود المعيار الصحيح الذي تقاس به الأفعال ويحكم عليها من خلاله, مانع من التخبط في الأحكام والتنازع في التقويم (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) [النساء:82], وبوجود المعيار يسهل التعرف على المخطئ والمصيب, كما يسهل الطريق للدعوة إلى الفضيلة, وتتضافر الجهود في ذلك, وتقل المآخذ أو تنعدم, وتقوم الحجة على المخالفين.


(1) رواه البخاري ومسلم, فتح الباري (10 / 532) النووي شرح صحيح مسلم (1 / 221).

(2) رواه مسلم, النووي شرح صحيح مسلم (4 / 557).

(3) محمد بن جرير الطبري, إمام في التفسير والتاريخ, من العلماء المجتهدين, ولد سنة 224هـ, وتوفي سنة 310هـ.

(4) ابن جرير الطبري, جامع البيان في تفسير القرآن (12 / 28).

(5) عبد الله بن مغفل أبو عبد الرحمن المزني, بايع تحت الشجرة, نزل البصرة, مات سنة 57هـ, وقيل بعد ذلك.

أسد الغابة (3/294), الإصابة (2/364) تقريب التهذيب ص325

(6) ابن كثير, تفسير القرآن العظيم (2 / 396) الواحدي, أسباب النزول ص 174, دار الكتب العلمية بيروت 1398هـ.

 



بحث عن بحث