جهود المحدثين والفقهاء

 

جهود المحدثين:

جاءت الأحاديث في السنة عن الأخلاق مفصلة ومبسوطة عنها في القرآن الكريم, وحيث تولى المحدثون ترتيب الأحاديث وتبويبها, فقد أفردوا لما يتعلق بالجانب الخلقي كتباً وأبواباً مستقلة من مؤلفاتهم, فهذا الإمام البخاري (1), رحمه الله يفرد كتاباً من صحيحه للأدب, وكذا الإمام مسلم (2) , أفرد جزءاً من صحيحه لأحاديث الآداب ومكارم الأخلاق, كما ضم جامع الترمذي (3)  أبواباً في الأدب والصلة, كما فعل هذا غيرهم ممن عني بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن مظاهر العناية بهذا الجانب أيضاً أن أفرد بعض الأئمة أحاديث الآداب والأخلاق في مؤلفات مستقلة وهي على قسمين:

الأول: خاصة بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ككتاب الشمائل المحمدية للإمام الترمذي رحمه الله, وكتاب أخلاق النبي وآداب للأصبهاني رحمه الله (4) .

الثاني: عامة في الآداب والأخلاق الإسلامية ومنها الأدب المفرد للإمام البخاري رحمه الله, ومكارم الأخلاق ومعاليها للحافظ الخرائطي (5) رحمه الله.

وقد عني جماعة من الأئمة والحفاظ كالقرطبي وابن عبد البر (6) ، والنووي، والحافظ ابن حجر وغيرهم بشرح كتب السنة كالصحاح والسنن، فتناولوها بما اشتملت عليه من مباحث في الأخلاق بالشرح والتحليل والبيان فجاءت على درجة من الدقة لاعتمادها على الكتاب والسنة.

 

جهود الفقهاء.

لا تبعد جهود الفقهاء في هذا الباب عن غيرهم إلا أن معالجتهم لقضايا الأخلاق لم تفرد في أبواب مستقلة في كتب الفقه وأمهاته بل جاءت تابعة لبعض الأبواب كالنكاح والنفقات والمعاشرة والطلاق ونحوها, تنبيها على أهمية الأخلاق ووجوب توفرها, أو تحذيراً من إهمالها والإخلال بها وذكر ما يترتب على ذلك من أضرار وأحكام.

وأما الجهد البارز لهم فيتمثل في المؤلفات المفردة في الآداب الشرعية والأخلاق الإسلامية, كأدب الدنيا والدين للماوردي(7) , والآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح (8) إلا أنها لم تأت خالصة في قضايا المعاملة بين الخلق بل مشتملة بالإضافة إلى ذلك على مباحث أخرى كالحديث عن الخوف والرجاء والرضا والتوبة وأحكام اللباس والأغذية وغيرها ولعل من أسباب إدخالها في مثل هذه المؤلفات هو النظر إلى الأخلاق والآداب الإسلامية بمعناها الواسع أي بما يشمل سائر علاقات الإنسان مع ربه ومع نفسه ومع الناس(9).


(1) هو محمد بن اسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي, أبو عبد الله البخاري, جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث, مات سنة 256هـ.

ابن حجر – تقريب النهذيب – 468, دراسة ومقابلة محمد عوّامة – دار الرشيد ج حلب الطبعة الأولى سنة 1406هـ.

(2) مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري, الإمام الحافظ صاحب الصحيح, مات سنة 261هـ, تقريب التهذيب 529.

 (3) هو محمد بن عيسى بن سورة الترمذي, الإمام الحافظ العلم, مات بترمذ سنة 279هـ, الذهبي – سير أعلام النبلاء 13/270, تحقيق شعيب الأرناؤوط, مؤسسة الرسالة بيروت ط 4 سنة 1406هـ, تقريب التهذيب 500. 

 (4) هو عبد الله بن محمد بن جعفر, أبو محمد المعروف بأبي الشيخ الأصبهاني, الإمام الحافظ, محدث أصبهان, توفي سنة 369هـ, سير أعلام النبلاء 16/276.

(5) هو أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد السّامري الخرائطي, الإمام الحافظ المصنف, مات بيافا سنة 327هـ, سير أعلام النبلاء 15/267, ابن كثير – البداية والنهاية 11/190, مكتبة المعارف – بيروت.

(6) هو يوسف عبد الله محمد بن عبد البر النمري الأندلسي القرطبي المالكي, حافظ المغرب, توفي 463, سير أعلام النبلاء 18/153, البداية والنهاية 12/104.

 (7) هو علي بن محمد بن حبيب أبو الحسن الماوردي, أقضى قضاة عصره, توفي سنة 450هـ, شذرات الذهب 3/285, الأعلام 4/327.

(8) هو محمد بن مفلح بن محمد المقدسي الحنبلي, أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد, مات سنة 763هـ, شذرات الذهب 6/199, الأعلام 7/107.

(9) يأتي إن شاء الله تقرير ذلك عند التعريف بالأخلاق في الاصطلاح في أول مباحث هذه الرسالة.

- ملحوظة: لم أتقدم بذكر الأمثلة والشواهد خشية التكرار لورودها في ثنايا هذا البحث وفيها التدليل على عامة ما ذكر في هذا التمهيد.

 



بحث عن بحث