آثار قيم الإسلام الخلقية في علاقة السلم والحرب (1- 4)

المبحث الثانـي

آثـار قيم الإسلام الخلقية غير المباشـرة

 

 

 

 

أولاً: أثر الالتزام بالقيم الخلقية في المجتمع الإسلامي في الأمم والشعوب الأخرى .

لقد كان لقيام دولة الإسلام الأولى بنظامها المتين وأحكامها العادلة وقوتها الضاربة أبلغ الأثر في الأمم والمجتمعات الأخرى, فقد عاش المسلمون " مدينة فاضلة قوية البنيان محكمة الأساس, يسود فيها روح التقوى والعفاف والأمانة وتقدر فيها الأخلاق الفاضلة فوق المال والجاه, والروح فوق المظاهر الجوفاء, يتساوى الناس فلا يتفاضلون إلا بالتقوى . . وحكومة عادلة تساوي بين رعيتها وتأخذ للضعيف من القوي وتحرس للناس أخلاقهم كما تحرس لهم بيوتهم وأموالهم, وتحفظ عليهم دماءهم وأعراضهم, خيارهم أمراؤهم وأزهدهم في العيش أملكهم لأسبابه وأقدرهم عليه(1)" .

وفي المقابل تعيش المدنيات الأخرى ناراً تلظى, فالناس في تنافس مقيت وتكالب مشين على حطام الدنيا ومتاعها , فالنفوس مضطربة , والقلوب متنافرة , والظلم فاش والعدل مفقود والحقوق مضيعة والحرمات منتهكة , وشواهد هذا كثير " فحكومة مصر الرومية لم يكن لها إلا غرض واحد وهو أن تبتز الأموال من الرعية لتكون غنيمة للحاكمين, ولم يساورها أن تجعل قصد الحكم توفير الرفاهية للرعية أو ترقية حال الناس والعلو بهم في الحياة أو تهذيب نفوسهم أو إصلاح أمور أرزاقهم فكان الحكم على ذلك حكم الغرباء لا يعتمد إلا على القوة ولا يحس بشيء من العطف على الشعب المحكوم(2)" .

كما عاش الشام تحت حكم الرومان " سبعمائة سنة كانت فيه ميداناً للنزاع والشقاق والاستبداد والأنانية وقتل الأنفس(3)" .

وفي الهند عم الظلام والظلال, وأبرز الظواهر في تلك الديار " كثرة المعبودات والآلهة كثرة فاحشة , والشهوة الجنسية الجامحة , والتفاوت الطبقي المجحف والامتياز الاجتماعي الجائر(4)" .

ولهذا البون الشاسع والفرق العظيم بين ما يعيشه المسلمون في ظل الإسلام وسيادة قيمه الخلقية من حياة كريمة وقلوب مطمئنة ونفوس راضية ومن تكاتف وتعاون وتراحم . . وما يعيشه غيرهم من فساد ونكد وشقاء وظلم, كان لابد أن تتأثر تلك المجتمعات بما تسمعه أو تلمسه من أخلاق المجتمع المسلم وأوضاعه, فتتيقظ فيها الفطر, وتحيا فيها الضمائر , وتتطلع إلى إصلاح أحوالها والنظر في حقوق إنسانيتها , ولا سيما من حرم من أسباب الحياة الكريمة والعيشة الفاضلة لمعنى من المعاني الهابطة أو سبب من الأسباب غير الوجيهة كالجنس أو اللون فتسعى إلى المناداة بالمساواة والمطالبة بالعدالة وغيرها من المعاني الفاضلة التي تفتقدها وتشعر بالحاجة إليها لما تلمس لها فيما حولها من الآثار الخيرة والنتائج الحسنة .

ولقد تحقق هذا فقد غيرت بعض الشعوب كثيراً من موروثاتها الاجتماعية المنحرفة وممارساتها الخلقية المرذولة، كما قام في بعض المجتمعات حركات تهدف إلى إعادة صياغة الحياة صياغة جديدة ترعى فيها كرامة الإنسان ويحمى فيها جنابه.

- فمن ذلك ما حدث في الهند بعد أن دخلها الإسلام , فقد جاء على لسان أحد كبار قادتها قوله: " إن دخول الغزاة الذين جاءوا من شمال غرب الهند , ودخول الإسلام له أهمية كبيرة في تاريخ الهند, إنه قد فضح الفساد الذي كان قد انتشر في المجتمع الهندوكي, إنه قد أظهر انقسام الطبقات , وحب الاعتزال عن العالم الذي كانت تعيش فيه الهند . إن نظرية الأخوة الإسلامية والمساواة التي كان المسلمون يؤمنون بها ويعيشون فيها , أثرت في أذهان الهندوس تأثيراً عميقاً , وكان أكثر خضوعاً لهذا التأثير البؤساء الذين حرم عليهم المجتمع الهندي المساواة والتمتع بالحقوق الإنسانية(5) " .

ويؤكد هذا المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون بقوله:" مارس المسلمون في الهند مثل النفوذ العميق الذي مارسوه في جميع أقطار العالم التي فتحوها . . ففي مدة سلطان المسلمين الذي دام في الهند سبعة قرون (6)غير فريق كبير من الشعب الهندوكي دينه ولغته وفنونه تغييراً عظيماً , وظل هذا التغيير باديا بع زوال ملكهم(7)" .

_____________________

(1) أبو الحسن الندوي – ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص 135 – 136 مختصرا – دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع ط 9 سنة 1396ه.

(2) د . الفرد ج بتلر – فتح العرب لعصر تعريب محمد فريد أبو حديد . عن طريق أبي الحسن الندوي المرجع السابق ص 76 – 77 .

(3) محمد كرد علي – خطط الشام ( 1 / 66 )دار العلم للملايين . بيروت ط 2 سنة 1389 ه .

(4) أبو الحسن الندوي – ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص 56.

(5) أبو الحسن الندوي – المرجع السابق ص 140 .

(6) بل ثمانية قرون ونصف على التحقيق . انظر : د . محي الدين الألوائي , الدعوة الإسلامية وتطويرها ص 306 .

(7) غوستاف لوبون – حضارة الهند ص 217 , ترجمة عادل زعيتر , دار إحياء الكتب العربية ط 1 سنة 1367ه.

 



بحث عن بحث