آثار قيم الإسلام الخلقية في علاقة السلم والحرب (9- 9)

 

 

ز  - مشروعية الإحسان إلى الأسرى, وقد مدح الله تعالى المؤمنين بذلك فقال: ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا )[الإنسان:8] , " قال ابن عباس: الأسير من أهل الشرك يكون في أيديهم (1) " . ومجال الأسر من أفضل الظروف للإحسان إلى الأسير وتأليف قلبه .

وإذا كان القتال شرع لهداية الخلق , فالحكم مستصحب في حال أسرهم والظفر بهم, بل إن من أعظم مقاصد الأسر والإبقاء على الأعداء تمكينهم من أسباب الهداية بمعاشرة المسلمين والتأثر بحسن أخلاقهم وطيب معاملتهم .

ومن أبلغ صور الإحسان إلى الأسير المنّ عليه وإطلاقه , ولا سيما إذا كان يرجى إسلامه , أو يحصل من ذلك مصلحة شرعية , لأن في المن عليه استحياه وإكرامه بالحرية , مع جواز قتله أو استرقاقه , كل هذا ترغيبا له في الإسلام , وسعيا في إنقاذه من النار .

    على أنه ليس كل الأسرى تصلح لهم المعاملة الطيبة ويصلحهم البر والإحسان, لشدة عداوتهم وأذاهم للمسلمين, ولذا فلابد من النظر في الأصلح في معاملتهم والعمل بمقتضاه, قال ابن القيم هديه عليه الصلاة والسلام في الأسارى: " كان يمن على بعضهم, ويقتل بعضهم, ويفادى بعضهم بالمال, وبعضهم بأسرى المسلمين, وقد فعل ذلك كله بحسب المصلحة(2) " .

ح  - الإمساك عمن لم يقاتل , والبعد عن الإفساد والهدم والتخريب .

ذلك أن هدف الحرب في الإسلام الهداية والإصلاح وقمع الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله , ولذا فإن من لم يقف في وجه الدعوة ولم يقاتل المسلمين أو لم يكن من أهل ذلك كالنساء والصبيان فيجب الإمساك عنه , فعن ابن عمر رضي الله عنهما :(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر– وفي رواية: فنهى عن – قتل النساء والصبيان(3)) .

كما يجب الابتعاد عن التخريب والتدمير والإفساد الذي لا معنى له , ولا مصلحة في فعله , فقد جاء في وصية الصديق رضي الله عنه ليزيد بن أبي سفيان(4) أحد القواد الذين بعثهم إلى الشام قوله: " لا تقتلنّ امرأة ولا صبيا, ولا كبيرا ولا هرما, ولا تقطعنّ شجرا مثمرا ولا تخربنّ عامرا, ولا تعقرنّ شاة ولا بعيرا إلا لمأكله, ولا تحرقن نخلا ولا تفرقنّه(5)".

على أنه يجوز قتل النساء وكذا الصبيان إذا باشروا القتل كما عليه جمهور أهل اعلم(6). وكذا يجوز هدم الدور وقطع الشر إذا كان في ذلك مصلحة فقد حرق عليه الصلاة والسلام نخل بني النضير(7) . أما إذا انتفت المصلحة فتبقى توجيهات الإسلام الخلقية ومبادئه الإنسانية هي الحاكمة , فالرحمة بالضعفاء , والإمساك عن المسالمين والبعد عن البغي والوحشية والتخريب والدمار هي الأصل في حروب المسلمين .


(1) - القرطبي – الجامع لأحكام القرآن ( 19 / 129 )0

(2) - ابن القيم – زاد المعاد ( 3 / 109 – 110 )0

(3) متفق عليه، أخرجه البخاري، في الجهاد والسير، باب قتل النساء في الحرب، رقم (3015)، وأخرجه مسلم، في الجهاد والسير ، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب ، رقم (1744).

(4) يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي , أخوه معاوية , صحابي مشهور أمّره عمر على دمشق حتى مات بها سنة 19 ه بالطاعون . أسد الغابة(4/715). تقريب التهذيب 601 .

(5) رواه مالك في الموطأ ص 297 .

(6) - انظر ابن حجر – فتح الباري ( 6 / 148 )

(7) متفق عليه , ابن حجر المرجع السابق ( 6 / 154 ) النووي شرح صحيح مسلم ( 4 / 344 )0

 



بحث عن بحث