آثار قيم الإسلام الخلقية في علاقة السلم والحرب (8- 9)

 

 

ه  -  تحريم الغلول , وهو الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة(1) , قال الله تعالى:( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )[آل عمران:161] . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظّمه وعظّم أمره , قال: لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة, يقول: يا رسول الله أغثني , فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك . .) الحديث (2) وقد ذكر فيه عليه الصلاة والسلام أصناف المال يحذر من الغلول منها. ومر نفر من الصحابة يوم خيبر على رجل فقالوا : فلان شهيد , فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة(3) ) .

وهذا التشديد في أمر الغلول لكونه خلق رديء مناف لمقاصد الجهاد وخلق المجاهد الذي خرج لنصرة الحق وإعلاء كلمة الله , وإخراج الناس من الظلمات إلى النور, فلا ينبغي أن يكون الساعي في هذا الأمر العظيم بهذه المكانة من الطمع في الدنيا والمخالفة لأمر الله .

و  - وجوب الإحسان في القتل والنهي عن التعذيب والمثلة , كما قال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله كتب الإحسان في كل شيء , فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة(4)) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا, وأن النار لا يعذب بها إلا الله , فإن وجدتموهما فاقتلوهما(5) ) . قال ابن حجر: "قوله: ( وإن النار لا يعذب بها إلا الله) هو خبر بمعنى النهي"(6), فلا ينبغي التحريق بالنار لما فيه من القسوة والتعذيب بل الواجب الإحسان في ذلك كما أفاده الحديث الأول. وأما المثلة فكان عليه الصلاة والسلام ينهي عنها(7).

على أنه يجوز مقابلة الأعداء بمثل جرمهم , فيباح التمثيل بهم إذا مثلوا بالمسلمين , إلا أن الله تعالى ندب إلى العفو وترك ذلك , ورغب فيه بالأجر العظيم والعاقبة الحميدة, فقال تعالى:( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) [النحل:126], قال شيخ الإسلام " إن مثّل الكفار بالمسلمين فالمثلة حق لهم , فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر , ولهم تركها والصبر أفضل(8) " .


(1) - ابن الأثير – النهاية في غريب الحديث ( 3 / 380 )0

(2) رواه البخاري, في الجهاد والسير، باب الغلول، رقم (3073).

قال ابن حجر: الحمحمة : صوت الفرس عند العلف. فتح الباري (6/185) .

(3) رواه مسلم, في الإيمان، باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ، رقم (182).

(4) رواه مسلم , وقد سبق تخريجه .

(5) رواه البخاري , في الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله، رقم (3016).

(6) - ابن حجر – المرجع السابق ( 6 / 150 )0

(7) رواه البخاري, في المظالم والغصب ، باب النهبى بغير إذن صاحبه ، رقم (2474).

(8) علاء الدين أبو الحسن ألبعلي – الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ص 312 , بتحقيق محمد حامد ألفقي , دار المعرفة – بيروت .

 



بحث عن بحث