آثار قيم الإسلام الخلقية في المعاملات (1-4)

 

 

ثانيــــــــا : آثــــار القـــــــيم الخلقيـــــة في المعامـــــــــــــــــــلات 

تعريف المعاملات :

هي ما يجري بين الناس من بذل للمنافع والأموال معاوضة أو بطريق التبرع , كالبيع والإجارة والهبة والوقف ونحوها , لجلب المصالح ودفع المفاسد (1) .

الحاجة إلى المعاملات :

لما كان الإنسان ذا حاجات متعددة في حياته ومعيشته , وهو غير مستطيع بمفرده توفير كل ما يحتاج إليه, وتكلف كل ما يلزمه في معيشته وإن استطاع بعض ذلك. كما أنه قد يتوفر له مما يفي ببعض هذه الحاجات مقداراً زائداً على ما يحتاج إليه , وقد يحقق غيره مثل ذلك. فلذلك احتاج الناس إلى التعاون وتبادل المنافع فيما بينهم, قياما من كل واحد منهم بما يحسنه, وبذلا لما هو فاضل عن حاجته, إحساناً منه إلى غيره , أو مقابل ما هو محتاج إليه منه.

قال شيخ الإسلام: " وجوب المعاوضات (2) من ضرورة الدنيا والدين إذ الإنسان لا ينفرد بمصلحة نفسه بل لابد له من الإستعانة ببني جنسه فلو لم يجب على بني آدم أن يبذل هذا لهذا ما يحتاج إليه, وهذا لهذا ما يحتاج إليه لفسد الناس وفسد أمر دنياهم ودينهم , فلا تتم مصالحهم إلا بالمعاوضة(3) " .

وقال عبد العزيز بن عبد السلام: " إن الله تعالى خلق الخلق وأحوج بعضهم إلى بعض لتقوم كل طائفة بمصالح غيرها, فيقوم بمصالح الأصاغر الأكابر, والأصاغر بمصالح الأكابر, والأغنياء بمصالح الفقراء, والفقراء بمصالح الأغنياء . .(4) " .

الأصــل في المعامــــــــلات :

يستجد للناس في حياتهم ومعاشهم طرائق للكسب ومجالات للعمل , تمس لها الحاجة, ويتحقق منها النفع, ومن كمال الشريعة ورعايتها لمصالح الناس أن كان الأصل في المعاملات والعقود الجواز والصحة , ولا يحرم منها إلا مادل الدليل على تحريمه .

قال شيخ الإسلام:" الأصل أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه(5)" .

وما حرم من المعاملات إنما حرم لما اشتمل عليه من ظلم , ذلك أن جميع المحرمات في الشريعة ترجع إلى الظلم , إما في حق الله تعالى , وإما في حق العبد , وإما في حقوق العباد (6)" .

وأصل المعاملات المحرمة الربا والميسر , وكلاهما ظلم وأكل لأموال الناس بالباطل , أما الربا فقد نص الله تعالى على ذلك بقوله:( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)[ البقرة : 279] .

وأما الميسر فقال تعالى فيه:( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ  فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)[المائدة:91]، فأخبر تعالى أن التعامل به موقع للعداوة والبغضاء، وإنما كان ذلك لما اشتمل عليه من ظلم وأكل للمال بغير حق .

" وما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من المعاملات . . هي داخلة إما في الربا وإما في الميسر(7) " .

وبالجملة فإن " عامة ما نهى عنه الكتاب والسنة من المعاملات , يعود إلى تحقيق العدل , والنهي عن الظلم دقه وجله(8)".


(1) انظر : ابن تيمية – مجموع الفتاوى (29 / 187 ) عبد الرحمن السعدي الإرشاد إلى معرفة الأحكام ص 119 , مكتبة المعارف – الرياض سنة 1400 ه .

(2) جماع المعاوضات أربع أنواع : معاوضة مال بمال كالبيع , وبذل مال بنفع كالجعالة , وبذل منفعة بمال كالإجارة , وبذل نفع بنفع كالمشاركات من المضاربة ونحوها فهذا بذل نفع بدنه وهذا بذل نفع ماله , وكالتعاون والتناصر ونحو ذلك , ابن تيمية – الفتاوى (29 / 189 )

(3) - ابن تيمية – الفتاوى   ( 29  / 189 – 190 )0

(4) - عبد العزيز بن عبد السلام – قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2 / 58 )0 وانظر في هذا المعنى : محمد بن الحسن الشيباني – الكسب ص 47 – 57 , تحقيق سهيل زكار , ط1 سنة 1400 ه . – وأبو جعفر الدمشقي – الإشارة إلى محاسن التجارة ص 20 – 21 , تحقيق بشير الشوربجي , مكتبة الكليات الأزهرية , ط1 سنة 1397 ه . ابن خلدون – المقدمة ص 41-42 , دار الكتب العلمية – بيروت ط4 سنة 1398 ه . قال الماوردي في الحكمة في خلق الإنسان على هذه الحال من العجز مع كثرة الحاجة : " إنما خص الله الإنسان بكثرة الحاجة وظهور العجز , نعمة عليه ولطفا به , ليكون ذل الحاجة , ومهانة العجز يمنعانه من طغيان الغني وبغي القدرة , لأن الطغيان مركوز في طبعه إذا استغنى , والبغي مستول عليه إذا قدر , وقد نبأ الله تعالى بذلك عنه فقال: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى} [العلق :6- 7] ". الماوردي – أدب الدنيا والدين ص 132 . 

(5) - ابن تيمية – السياسة الشرعية ص 165 , القواعد النورانية ص 188 – 192 , بتحقيق : محمد حامد الفقي دار المعرفة – بيروت سنة 1399 ه , وقد أطال فيه الاستدلال لما ذهب إليه . وانظر : ابن القيم – أعلام الموقعين (1 /344 ).

(6) ابن تيمية , الفتاوى( 29 / 277 )0

(7) - ابن القيم – أعلام الموقعين (1 / 387 )0

    وانظر : ابن تيمية – السياسة الشرعية ص 164 .

(8) - ابن تيمية – السياسة الشرعية ص 164 .

 



بحث عن بحث