آثار قيم الإسلام الخلقية في النظم (3-6).

 

2 – أن القيم الخلقية هي الحاكمة في العلاقات بين أفراد الأسرة والسائدة في التعامل بينهم .

 - فبين الزوجين الواجب المعاشرة بالمعروف, قال تعالى:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء:19] وذلك باستعمال مكارم الأخلاق ومعاليها في الأقوال والأفعال، وهذا من كلا الزوجين كما قال تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )[البقرة : 228].

    وإذا كان للزوج أكثر من زوجة فالعدل بينهن متعين, وذلك فيما يقدر عليه من المبيت والكسوة والنفقة ونحو ذلك , ولا مؤاخذة عليه فيما لا يملكه من مشاعر وميول قلبية من حب ومودة(1), ما لم تحمل على ظلم أو تعد, كما قال تعالى:( وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) [النساء:129].

    وهذه الآية الكريمة يلمس فيها مراعاة طاقات النفس البشرية وقدراتها فلا إلزام للمرء بما لا يستطيع , فيصعب عليه الأمر ويشق عليه التكليف . وفي المقابل لا تساهل فيما يمكن القيام به والعدل فيه من معاشرة كريمة ورعاية ومداراة تسكن معها النفوس وتستقر معها الأحوال , ولذا ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قوله محذرا من الجور فيما يمكن العدل فيه : ( من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل (2)) .

- وللآباء من الأبناء حق الطاعة والإحسان والرحمة, وخفض الجناح ولين الكلام , والمواساة والرعاية عند حاجتهما لذلك , قال تعالى: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )[الإسراء:23 – 24], وقال تعالى: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[النساء:36] , فقرر سبحانه للوالدين حقوقاً على الأبناء لابد من القيام بها , وإذا كان حب الولد لوالديه فطرة فطر الله تعالى عباده عليها, فإن في هذه التوجيهات تأكيد لمقتضيات الفطرة السليمة , وتنبيه على صور البر ومظاهر الإحسان الواجبة , وكذلك تقرير لهذا الأمر حتى لا يغفل عنه أو يقصر فيه عند فساد الفطرة أو انحرافها .

    وفي بيان مكانة البر ومنزلته في الشريعة يقول عليه الصلاة والسلام وقد سئل أي العمل أحب إلى اللــــــــه تعالى ؟ قال: ( الصلاة على وقتها, قيل : ثم أيّ ؟ قال : بر الوالدين , قيل : ثم أيّ ؟ قال: الجهاد في سبيل الله (3)). فالبر بهما من أوجب الواجبات وأفضل الأعمال , كما أن عقوقهما من أكبر الكبائر , وأقبح المعاصي , فعن أبي بكرة(4)رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟- ثلاثا – الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وشهادة الزور , أو قول الزور (5)).

    بل إن صحبة الوالدين وطاعتهما بالمعروف تكليف لا يسقط بحال , ولا يحل الإخلال به في ظرف من الظروف, ومهما وصل إليه الأبوان من ضلال, قال تعالى: ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا )[ لقمان: 15].

    ولعل من أسباب هذا التأكيد على حقوق الوالدين ولزوم القيام بها , إضافة إلى إحسانهما المتقدم وفضلهما السابق على الولد , أن من لم ينشط إلى برهما مع كثرة دواعي ذلك ودوافعه من داخل النفس وخارجها , فهو في الغالب لن ينشط إلى بذل شيء من البر والإحسان إلى غيرهما , فيعيش سلبياً في مجتمعه , قليل الإهتمام بأحوال أمته , عديم البذل لإخوانه المؤمنين .


(1) انظر : ابن حجر – فتح الباري (19 /313)0

(2) رواه أبو داود والترمذي , محمد شمس الحق – عون المعبود (6 /171).

(3) متفق عليه، أخرجه البخاري، في مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها، رقم (527)، وأخرجه مسلم، في الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال ، رقم (139).

(4) هو نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي , أبو بكرة , مشهور بكنيته , أسلم بالطائف , نزل البصرة ومات بها سنة 51 ه وقيل في التي بعدها . أسد الغابة( 5/38 ) تقريب التهذيب 565 .

(5) متفق عليه، أخرجه البخاري، في الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، رقم (2653)، وأخرجه مسلم، في الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، رقم (143).

 



بحث عن بحث