آثار قيم الإسلام الخلقية في حياة الصحابة رضي الله عنهم(1- 11).

 

تعريف الصحابي :

الذي ارتضاه المحققون في تعريف الصحابي : أنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به, ومات على الإسلام, ولو تخللت رده (1).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :" فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو, ومن غزا معه أو لم يغز, ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه, ومن لم يره بعارض كالعمى, ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافرا ولو أسلم بعد ذلك, إذا لم يجتمع به مرة أخرى, وخرج بقولنا : ومات على الإسلام من لقيه مؤمنا به ثم ارتد, ومات على ردته والعياذ بالله (2) ".

مما ورد في فضلهم في كتاب الله تعالى :

جاءت آيات كثيرة في فضلهم والثناء عليهم وذكر ما أعد الله تعالى لهم ووعدهم به من الأجر الجزيل والثواب العظيم, فمن ذلك :

-   قوله تعالى (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّار ِرُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الفتح :29] (3).

بعد أن أخبر الله تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله حقا ثنى بالثناء على أصحابه بشدتهم على الكافرين, ورحمته بالمؤمنين, واجتهاده في العبادة, مع الإخلاص لله تعالى, فهم لا يرجون إلا إياه(4) , ومن فضلهم وكرمهم على الله تعالى أن سبق ذكرهم وجودهم, فقد أثنى عليهم سبحانه وتعالى في التوراة والإنجيل وهي من كتبه السابقة . وختم الآية بوعدهم بالمغفرة والثواب الجزيل .

-  وقال تعالى في بيان حالهم والإخبار عن رضاه عنهم, وذكر ما أعده لهم : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [ التوبة:100] . وقال تعالى : (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [ التوبة: 88 – 89] .

- وقال تعالى : ( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [ الحشر: 8 – 9]  .

أثنى الله تعالى على المهاجرين يخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله ونصرة دينه ورسوله صلى الله عيه وسلم, وأن ما قاموا به دليل صدقهم, ثم مدح الأنصار بالإيمان وصدق المحبة لإخوانهم المهاجرين وسلامة صدورهم , وإيثارهم مع حاجتهم , ومن كان بهذه المثابة فهو أهل للفوز والنجاة.

وغير هذا كثير في فضلهم رضوان الله تعالى عليهم , كما جاءت آيات في فضل بعضهم أو جماعة منهم , فمن ذلك :

-  قوله تعالى:(وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْحِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) [ الأنعام:52]

فقد نزلت في طائفة من المؤمنين منهم بلال(5) وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود , فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر , فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : أطرد هؤلاء لا يجترؤون علينا , قال : وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال , ورجلان لست أسميهما , فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه , فأنزل الله عز وجل (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [ الأنعام:52] (6)" .

وقد تضمنت الآية الثناء عليهم بالرغبة في الخير , والمسارعة إليه والإخلاص لله تعالى في ذلك .

 

 


 


(1) قال الحافظ : هذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل ومن تبعهما . الإصابة (1 /10 – 12 ).

وانظر : ابن حجر – نزهة النظر ص 55 , مؤسسة الخافقين سنة 1400 ه .

(2) ابن حجر : الإصابة (1 / 10 – 11 ).

(3) [الفتح :29] قال ابن كثير : قوله ( أخرج شطأه ) أي أفرخه ( و آزره ) أي شده , و ( فاستغلظ ) أي شب وطال , أي فكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم آزروه وأيدوه ونصروه , فهم معه كالشط مع الزرع . تفسير القرآن العظيم (4 / 204 ).

(4) انظر : ابن كثير – المرجع السابق (4 / 205 ).

(5)  هو بلال بن رباح الحبشي , المؤذن مولى أبي بكر , من السابقين الأولين أوذي في الله تعالى , مات بالشام سنة 17 ه وقيل بعدها بقليل .

سير أعلام النبلاء (1/347 ).   الإصابة( 1/ 169 ).

(6)  رواه مسلم , النووي – شرح صحيح مسلم (5 /280 ).

 



بحث عن بحث