بقية كلام العلماء في معنى الحديث

 

 

وقال ابن كثير :" والغرض أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" .

 وهذه صفات المؤمنين المتبعين للرسل، وهم الكُمَّلُ في أنفسهم المُكَمِّلِينَ لغيرهم، وذلك جمع بين النفع القاصر والمتعدي، وهذا بخلاف صفة الكفار الجبارين الذين لا ينفعون ولا يتركون أحدًا ممن أمكنهم أن ينتفع، كما قال تعالى: ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ ) [النحل: 88] .

وكما قال تعالى: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) [الأنعام: 26] ، في أصحِّ قولي المفسرين في هذا: هو أنهم ينهون الناس عن اتباع القرآن، مع نأيهم وبعدهم عنه أيضًا، فجمعوا بين التكذيب والصدِّ، كما قال تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا) [الأنعام: 157] فهذا شأن شرار الكفار، كما أن شأن الأخيار الأبرار أن يتكمَّل في نفسه، وأن يسعى في تكْمِيلِ غيره، كما قال-عليه السلام: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ"، وكما قال تعالى: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [فصلت: 33] ، فجمع بين الدعوة إلى الله، سواء كان بالأذان أو بغيره من أنواع الدعوة إلى الله تعالى؛ من تعليم القرآن والحديث والفقه, وغير ذلك مما يبتغى به وجه الله، وعمل هو في نفسه صالحًا، وقال قولاً صالحًا أيضًا، فلا أحد أحسن حالاً من هذا.

 وقد كان أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمى الكوفي أحد أئمة الإسلام ومشايخهم ممن رَغَّبَ في هذا المقام، فقعد يعلِّمُ الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج.

قالوا: وكان مقدار ذلك الذى مكث يعلم فيه القرآن سبعين سنة، رحمه الله وأثابه، وآتاه ما طلبه ورامه، آمين"(1) .


(1) فضائل القرآن لابن كثير ص 201 ، 202 .

 



بحث عن بحث